ما هي القدرات التي تميز البشر عن الآلات الآن وفي المستقبل؟

9 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لقد حظي هذا السؤال المتعلق بموضوع القدرات التي تميز البشر عن الآلات باهتمام كتّاب الخيال العلمي لعقود من الزمن، كما أنه ربما يكون أكثر إلحاحاً في العالم الحقيقي بشكل متزايد، إذ نحاول أن نستشرف التحول المتوقع في طريقة عملنا وحياتنا نتيجة للثورة المتقدمة باستمرار في مجال الذكاء الاصطناعي.

هناك صفتان تميزان البشر عن الآلات وفقاً للإجماع المتزايد في هذا الصدد: وهما الرعاية والتعاطف. قد تتغلب الآلات على البشر في الوظائف التي تتطلب التكرار والقدرة على التنبؤ ووظائف الإنتاج الضخمة. ولكن لا تزال التكنولوجية متخلفة في المهام التي تتطلب مهارات الانتباه للسياق والفروق الدقيقة والتكيّف المستمر والذكاء العاطفي.

هيمنة الآلة على وظائف البشر

ولهذا السبب، تتوقع المنظمات البحثية، بما في ذلك “جامعة أكسفورد“، و”معهد ماكنزي العالمي“، و “برايس ووترهاوس كوبرز“، و”لجنة شيفت” (Shift Commission)، أنه على الرغم من الاحتمال القوي لأتمتة الملايين من فرص العمل جزئياً أو كلياً في العقود المقبلة، فإن المهن التي تركّز على تقديم الرعاية، ستبقى إلى حد كبير مجالاً يختصّ به البشر على المدى القريب على الأقل. (إفصاح: تشارك نيو أميركا في رئاسة لجنة شيفت، وهي شريك مع سليت وجامعة ولاية أريزونا في فيوتشر تنس).

خذ، على سبيل المثال، المشرفين على تربية الأطفال الصغار أو الأطباء النفسيين أو الأخصائيين الاجتماعيين أو الممرضات – وهي مهن ضعيفة الأجر في غالب الأحيان ولكنها تدعم باقي النواحي الاقتصادية. تفترض وجهة النظر المنطقية أن هذه الأنواع من الوظائف التي تتطلب لمسة إنسانية ستكون من بين آخر ما يتم تسليمه للآلات. إن تم هذا الأمر على الإطلاق.

ومع ذلك، لا تتسم فكرة حتمية سيطرة البشر على المهن التي تتمحور حول التعاطف بالواقعية تماماً. إذ يبدو أن هذه الفكرة تستند جزئياً على الأقل إلى درجة من الطمأنينة القسرية للتفوق الإنساني – وهي فكرة يود الناس أن يتشبثوا بها بسبب انتشار الخوف من الذكاء الاصطناعي. ولكن هناك سبب لعدم التمسك الكبير بفكرة بقاء وظائف تقديم الرعاية ضمن المجال البشري حصراً. إن تحديد هوية الوظائف التي يفضّل أن تشغلها الربوتات وتلك التي من الأفضل أن يشغلها البشر سيساعدنا في الحصول على فهم أفضل للرعاية، وفي تحديد ما نحن على استعداد للتخلي عنه للآلات، كما أنه سيساعدنا على أن نُظهِر تقديراً أكبر لهذا النوع من العمل.

قد تكون بعض وظائف الرعاية في الواقع أكثر ملاءمة للرجال الآليين – مثل تلك التي تتصف بالرتابة أو تشكل خطراً على البشر. على سبيل المثال، يزيد احتمال إصابة العاملين في مجال المساعدة التمريضية عن العاملين الأميركيين الآخرين بثلاثة أضعاف ونصف الضعف في مكان العمل بسبب المخاطر البيولوجية والكيميائية والفيزيائية التي يواجهونها. بالإضافة إلى الإرهاق الذي قد يشعر به العاملون في مجال رعاية المسنين أو أفراد الأسرة لأنهم مضطرون للإجابة عن نفس الأسئلة التي يطرحها مرضى الخرف مراراً وتكراراً. والأكثر من ذلك، يميل البشر إلى تغيير وظائفهم، لا سيما في المهن المنخفضة الأجر مثل مساعدي الرعاية المنزلية. وقد يسبب هذا الأمر مشاكل في استمرارية الرعاية. فإذا تغير مقدمو الرعاية على المريض باستمرار، لن تتم ملاحظة التغييرات الكبيرة على حالة المريض مثل تلك التي تطرأ على مدى سنة مثلاً. وببساطة قد يسبب الابتعاد عن المريض لبضع دقائق بعض المشاكل أيضاً. فهو وقت كافٍ لعدم معرفة فيما إذا تناول المريض دواءه أم لا، على سبيل المثال.

الرعاية الصحية باستخدام الروبوتات

لقد اعترفت الحكومة اليابانية بذلك. ففي سياق توقعها للنقص الذي سيطرأ على الرعاية لسكانها الذين يهرمون بسرعة، ضخت مبالغ طائلة من الأموال في مجال إنتاج رجال آليين متخصصين في تقديم الرعاية. ففي السنوات القليلة الماضية، ابتكر المطورون اليابانيون روبير، وهو آلة شبيهة بالدب يمكنها حمل المرضى من كراسيهم المتحركة إلى أَسرّتهم؛ وهال، وهي بذّة إلكترونية مصممة برويّة لمساعدة مرتديها في المهام الحركية الصعبة مثل مغادرة السرير أو المشي، وبارو، وهو رجل آلي رائع جداً مرافق للمريض على شكل صغير الفقمة (وقد حقق شهرة واسعة في بعض المحافل من خلال الحلقة التي قدمها عزيز أنصاري بعنوان ماستر أوف نان). كما كان لشركات صناعة السيارات اليابانية دورها في هذه الطفرة أيضاً. فقد أطلقت “هوندا” مؤخراً، على سبيل المثال، أسيمو، وهي آلة تشبه الإنسان يمكنها دفعُ عربة، وحمل صينية، وتشغيل الأنوار. ولكي لا تبقى “تويوتا” في المؤخرة، فقد خرجت بسلسلة كاملة من الأجهزة المساعدة، بما في ذلك الرجل الآلي المتخصص في الدعم البشري، والرجل الآلي المتخصص في المساعدة على المشي، والرجل الآلي المتخصص في تقديم المساعدة، وروبينا وهيومانويد، وكلاهما يساعد في الأعمال المنزلية. ولإكمال العائلة، ابتكرت أيضاً كيروبو المثير للدهشة، وهو رجل آلي على شكل طفل مصمم لتقديم الرفقة للنساء اللواتي ليس لديهن أطفال، والسائقين الذين لا يرافقهم أحد في السيارة، وغيرهم من الناس الذين يعانون من الوحدة.

كما أن الكثير من المطورين خارج طوكيو أيضاً يستثمرون الوقت والمال في تقنيات مشابهة لتقديم الرعاية. إذ تعمل الشركات في جميع أنحاء الولايات المتحدة على تطوير أجهزةِ تعقّبِ الأنشطة اليومية، والموزعين الآليين لحبوب الدواء، والمكالمات الهاتفية بمساعدة الذكاء الاصطناعي، و أجهزة الاستشعار المنزلية لتتبّع النشاط غير المعتاد (هل مرّت أيام لم يُفتَح خلالها باب الثلاجة؟). بل هناك شركات ناشئة مكرّسة لصناعة الرجال الآليين المساعدين، مثل شركة هوالوها روبوتيكس” (Hoaloha Robotics) التي أنتجت الرجل الآلي الذي يساعد في المراقبة والتي أطلقت عليه اسم “روبي”.

ومع ذلك، لم يكن أي من هذه الآلات قادراً على عكس التفاعلات المعقدة ذات المستويات المتعددة التي تنطوي عليها الرعاية البشرية. فكما كتبت ليسلي جاميسون في الكتاب الذي جمعت فيه مقالاتها “ذي إيمباثي إكزامز” (The Empathy Exams): “يشير التعاطف إلى إدراك أنه لا توجد حوافّ منفصلة لأي صدمة”. وهي تقول إن كلمة إمباثي (التعاطف) تأتي من الكلمة اليونانية إمباثيا – إم (إلى داخل) و باثوس (شعور) – وتشير إلى أن هذا الفعل يتطلب “الدخول إلى آلام شخص آخر كما لو كنتَ تدخل بلداً آخر، من خلال الهجرة والجمارك، إنها عبورٌ للحدود عن طريق الاستعلام: ما الذي ينمو حيث أنت؟ وما هي القوانين المتبعة؟” إنها سلوك متكيّف ودقيق لا يمكن تبسيطه – على الأقل ليس بعد – إلى مستوى الخوارزميات.

ومع ذلك، يستمر المال في التدفق إلى تطوير الآلات التي يمكنها أداء مهام تقديم الرعاية المتخصصة، ويرجع السبب في ذلك ولو جزئياً إلى المخاوف من عدم وجود عدد كافٍ من البشر للقيام بهذه المهام. وطبقاً للنماذج التي قدمها بول أوسترمان، الأستاذ في “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” (إم آي تي)، بحلول عام 2030، ستكون الولايات المتحدة عاجزة عن تأمين ما يقرب من 151 ألف عامل رعاية مدفوعة الأجر و3.8 مليون مقدم رعاية أسرية غير مدفوعة الأجر،ما يعكس توقعات أخرى لنقص كبير.

يقول أوسترمان: “نظراً لعدم قدرة التكنولوجيا وحدها على سدّ هذه الفجوة في المستقبل المنظور، فسنحتاج إلى الشروع في جعل وظائف تقديم الرعاية الإنسانية أكثر جاذبية”. ويقترح أن إحدى الطرق للبدء في هذا المجال يكون من خلال توسيع المهارات اللازمة لبعض الوظائف. خذ، على سبيل المثال، مقدّمي الرعاية المنزلية. وفقاً لأوسترمان، يتلقى هؤلاء المساعدون القليل جداً من التعليمات الرسمية فيما يتعلق بواجباتهم لدرجة أنه غالباً لا يسمح لهم في بعض الولايات بأداء المهام الأساسية مثل استخدام قطرات العين مثلاً. قد يساعد تدريبهم على ملء الأدوار الأخرى، مثل التدريب الأساسي في مجال الصحة والتغذية. تظهر فائدة هذا الأمر في نقطتين؛ أولاً، التوفير على الأسر من عناء الزيارات المكلفة للمستشفيات، وثانياً، مساعدة مقدّمي الرعاية المنزلية على كسب المزيد من المال، وفقاً لما شرحه أوسترمان في برنامج تلفزيوني على “بيه بي إس”.

تأدية المرأة لأعمال الرعاية الصحية

قد تكون النقطة الثانية المرتبطة بتحسين دخل مقدمي الرعاية أكثر أهمية. إذ غالباً ما تكسب القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية أقلّ القليل، وهي في معظمها تتألف من النساء الملوّنات اللواتي يتقاضين الحدّ الأدنى من الأجور وأحياناً أقلّ من ذلك، مما يجعلهن يعانين الفقر. وتسهم تلك الأجور الضئيلة في الفكرة الجماعية حول تدنّي قيمة هذا العمل. يعود جزء من تدنّي التقدير لقيمة عمل الرعاية إلى التحيزات التاريخية. فقد اعتُبرت وظائف الرعاية تقليدياً مجالاً خاصاً بالنساء – الأمومة، ورعاية المسنين، والأعمال المنزلية، وفي وقت لاحق أُضيف إليها مهن مثل التعليم والتمريض – وذلك بسبب اعتبار الرعاية أمراً أنثوياً بالفطرة، يمكن للمرأة القيام به بشكل طبيعي دون الحاجة إلى الجهد أو المهارة.

لا تزال المرأة اليوم تؤدي أعمال الرعاية، سواء كانت مأجورة أم مجانية، بصورة غير متكافئة أكثر من الرجل. على سبيل المثال، يقدّر الاقتصاديون أن ​​المرأة تقضي بالمتوسط ما يعادل 23 عاماً أكثر على مدى حياتها من المعدل الذي يقضيه الرجل بالمتوسط في مهام تقديم الرعاية دون تعويض مثل الطهي والتنظيف وجمع المياه ورعاية الأطفال والمرضى وكبار السن. وهي إعانة هائلة تقدمها المرأة – ولكن لأن هذه الخدمات غير مأجورة، فإنها تصبح غير مرئية عندما تحسب الدول مقاييس الإنتاجية الاقتصادية لديها. تتضح الأهمية الهائلة لهذا الأمر عندما نلاحظ النتيجة التي توصّل إليها “مركز ماكنزي العالمي” للأبحاث، فقد وجد أنه فيما لو تم دفع الحد الأدنى من الأجور للعمل غير المدفوع الأجر في مجال تقديم الرعاية، فإنه سيضيف نحو 10 تريليونات دولار إلى الناتج الاقتصادي العالمي. وهذا يمثل نحو 13% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وأكثر من الناتج الاقتصادي لليابان والمملكة المتحدة والهند مجتمعة.

على الرغم من أننا نفترض، بتأثير من الأعراف الاجتماعية، أنه كلما ارتفع سلم الأجر، زادت أهمية عملك. لا يجب أن نسمح لهذا الاعتقاد بخداعنا. فمن دون أعمال تقديم الرعاية، ستتوقف عجلة اقتصادنا تماماً عن الدوران.

قد يدفعنا التقدم التكنولوجي إلى مواصلة التقليل من قيمة هذا العمل إذا افترضنا إمكانية تحويل جميع الأعمال المرتبطة بتقديم الرعاية إلى الأتمتة وآمنا بضرورة ذلك. ولكن بدلاً من ذلك، يجب أن تساعدنا هذه التطورات التكنولوجية على إعادة تقييم العديد من جوانب أعمال الرعاية وفهمها بشكل أفضل. تتطلب الأتمتة أولاً تفكيك الوظيفة المراد تنفيذها بكل سلوكياتها المكوّنة لها، وهي عملية يمكن أن تساعدنا في تحديد أي أجزاء من هذه الأعمال يمكن التنازل عنها للخوارزميات والروبوتات، وأيها يجب أن تبقى في يد الإنسان حصرياً.

استجابة الناس للرعاية الآلية

لا نستطيع اتخاذ كل هذه القرارات في المختبر فحسب، خاصة إذا أردنا أن يستخدم الناس هذه التقنيات الجديدة بالفعل. لذا يجب أن يتضمن جزء من العملية تقييم كيفية استجابة الناس للرعاية الآلية وتفاعلهم معها. وكما تشير إحدى مقالات “فيوتشر تنس التي نشرت عام 2012، يعود جزءٌ من السبب في أن الرجال الآليين المتخصصين في الرعاية ليسوا جزءاً من الأجهزة المنزلية بالفعل، إلى أن العملاء المفترضين لهذه الأجهزة، والذين غالباً ما يكونون من كبار السن، قد لا يتقبّلون هؤلاء المتطفلين الآليين. ويجدون التواصل مع هذه الأجهزة، على سبيل المثال، أمراً بالغ الصعوبة وخاصة عندما يتعلق الأمر بالتلميحات غير اللفظية. تشير بعض الأبحاث إلى احتمال ارتباط هذه الفجوة بالاختلافات القائمة بين الأجيال. وقد وجدت شيري توركلي، الأستاذة في “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” (إم آي تي)، التي تدرس العلاقة بين البشر والآلات، اختلافات متعددة تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي في كيفية قبول الناس (ورغبتهم) في تكوين علاقات مع الروبوتات. على سبيل المثال، عندما أجريت مقابلة مع صبي في سن المراهقة في عامي 1983 و 2008 حول ما إذا كان سيختار والده أو رجلاً آلياً للحصول على مشورة متعلقة بشأن مواعدة الفتيات، وجدتْ إجابات لا لبس فيها في كلتا الحالتين. ففي الثمانينات، كان الجواب الواضح أبي. بينما في عام 2008، فضّل الصبي نصيحة الرجل الآلي لأنه، على عكس والده، يمكن لهذه الآلة الوصول إلى مجموعة من البيانات التي تدرس أنماط العلاقات.

حتى إذا كنتَ على استعداد لاستشارة رجل آلي في مسألة تتعلق بالحب، فقد لا ترغب في أن ترعاك آلة في أكثر لحظاتك ضعفاً. لا تزال الكثير من النماذج الآلية وربما معظمها– تفتقد إلى القدرة على تهدئة مستخدميها من البشر. من المؤكد أن هناك زعم يقول إن بعض الرجال الآليين اليوم تتميز بالقدرة على التعبير عن العواطف وتفسيرها، أو توفير “قيمة عاطفية”. لكن ألبرت سكيب ريزو، مدير “مجموعة ميديكال فيرتشوال رياليتي” (Medical Virtual Realitygroupat)، في معهد “التكنولوجيات الابتكارية” التابع لجامعة “جنوب كاليفورنيا”، يشير إلى أننا لا نزال بعيدين عن المرحلة التي يستطيع فيها الرجال الآليون محاكاة الذكاء البشري.

وهو أيضاً لا يعتقد بإمكانية استبعاد هذا الأمر في النماذج المستقبلية من الروبوتات. ينظر ريزو إلى العمليات التي تنتج أنواعاً معينة من الذكاء العاطفي والتعاطف على أنها نظام متقدم لتحليل البيانات وليس أمراً ساحراً. يمتلك بعض الناس ذكاء عاطفياً متقدماً لأنهم يتلقون الكثير من نقاط البيانات بما يفوق غيرهم – مثل التواصل البصري ونبرة الحديث وتغيير المقام الصوتي وإيقاع الأصوات وأنماط التنفس – والاستجابة من خلال إظهار التعاطف. “إنها عملية معقدة”، كما يقول، وهو يؤمن بتميّز اللمسة الإنسانية. لكنه بالتأكيد يرى إمكانات كامنة متاحة في الذكاء الاصطناعي المتقدم للمساعدة أو للتدخل المؤقت لمساعدة شخص متخصص بتقديم الرعاية يشعر بالإرهاق.

يقول ريزو: “نريد سد الثغرات التي لا يتوفر فيها مقدم رعاية بشري، أو حيث يتوفر مقدمو الرعاية ولكن ليس لديهم ما يكفي من الوقت أو الصبر ليتمكنوا من أداء واجباتهم على النحو الأمثل طوال الوقت – أي أننا نريد أن نرفع هذا العبء عن كاهلهم. إن الذكاء الاصطناعي موجود هنا لمساعدة الناس على أن يكونوا مقدمي رعاية أفضل”.

هذه مقولة متكررة مشتركة بين مطوري الرعاية الآلية وأنصارها أيضاً. إذْ ستعزز الكثير من التكنولوجيات المستقبلية القدرات البشرية بدلاً من أن تحلّ محلها. خصوصاً مع اقتراب مرحلة هرم اليد العاملة في أميركا – إذ بحلول عام 2030، سيتجاوز حوالي خُمس سكان الولايات المتحدة الـ 65 سنة، وفقاً لتقدير الإحصاء الرسمي للسكان في الولايات المتحدة – مما سيجعلنا بحاجة إلى كل المساعدة الممكنة. وستساعد هذه الأجهزة الناس على توفير رعاية عالية الجودة، وملء النقص، وتعزيز قدرة بعض السكان، مثل كبار السن على الاعتماد على أنفسهم لفترة أطول.

الاهتمام بالرعاية الصحية الإنسانية

تعتقد أليسون بوغ، عالمة الاجتماع والأستاذة في جامعة “فرجينيا”،  أنه مع اختفاء وظائف أخرى من سوق العمل، هناك احتمال أن يبدأ المجتمع أخيراً في إعطاء عمل الرعاية الإنسانية ما يستحقه من تقدير. ولكن بوغ تقول إنه يمكن للتقدم التكنولوجي أن يجعلنا نبالغ أكثر في التقليل من تقديرنا لقيمة الرعاية من خلال إحالة الكثير من عملنا العاطفي إلى الخوارزميات والآلات أيضاً. وتكشف فوغ عن قلقها إزاء مستقبل يمكن فيه للأثرياء أن يدفعوا لقاء رعاية إنسانية شخصية راقية ومعززة تقنياً، في حين لن يتمكن الآخرون إلا من تأمين نفقات نسخة مهينة من الرعاية الآلية فقط. وهي تعترف بالفائدة التي يمكن تحصيلها من أتمتة بعض جوانب أعمال تقديم الرعاية ولكن، “إذا تحدثتَ مع مقدمي رعاية حقيقيين، سيخبرك معظمهم أن العمليات الأساسية في صميم أعمال تقديم الرعاية تتطلب تفاعلاً إنسانياً وجهاً لوجه – وهي تنطوي على رؤية الشخص الآخر، ومشاهدة ما هو عليه في الواقع وما يعاني منه والاستجابة بما يتناسب مع واقع الأمر”.

ومع ذلك، هناك سيناريو آخر للمستقبل حيث ندرك فيه من جديد مدى أهمية أعمال تقديم الرعاية ونخرج بنموذج اقتصادي يدفع للأشخاص الذين يقومون بهذه الأعمال ما يتناسب مع ما يبذلونه من جهد، وذلك لأنه سيتعين علينا إعادة النظر في طبيعة هذا العمل بعد تحويل الكثير جداً من وظائف العمل لتقوم بها الآلات. تتنبأ بوغ بأننا في هذا السيناريو المقترَح قد نرى وجود وظائف تقديم الرعاية في مجال العمل الإنساني الحساس بحيث يتم “تعزيزها بواسطة الآلات، بدلاً من استبدالها بها”.

إنه دور يمثل قيمة جوهرية اليوم حول موضوع القدرات التي تميز البشر عن الآلات كما كان عليه منذ آلاف السنين، عندما كانت الرعاية والترابط مع بعضنا البعض يكفلان بقاءنا على قيد الحياة. وفي الوقت الذي تتقدم فيه التكنولوجيا، فإن آخر وظيفة بشرية قد تجعلنا نعود إلى أول وظيفة بشرية كنا نمارسها في الماضي السحيق.

هذه المقالة هي جزء من “فيوتشر تنس”، وهو تعاون بين جامعة ولاية” أريزونا”، و “أميركا الجديدة”، و “سليت”. تستكشف فيوتشر تنس الطرق التي تؤثر بها التقنيات الناشئة على المجتمع والسياسة والثقافة. لقراءة المزيد، تابعنا على” تويتر” واشترك في نشرتنا الإخبارية الأسبوعية