مواجهة التغير المناخي: هل تتسرع الشركات بعقد آمالها على طحالب الكِلب؟

14 دقيقة
غابة تحت الماء من طحالب الكِلب
مصدر الصورة: غيتي إيميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في أواخر يناير، غرَّد إيلون ماسك قائلاً إنه يخطط لمنح 100 مليون دولار لتقنيات واعدة لإزالة الكربون، مما أثار آمال الباحثين ورواد الأعمال.

وبعد بضعة أسابيع، أعلن أرين كروملي، صانع الأفلام الذي توجه نحو تطوير ألواح التزلج الكهربائية، عن العمل على تشكيل فريق على كلابهاوس (Clubhouse)، التطبيق الصوتي الذي يحظى بشعبية واسعة في وادي السيليكون، للتنافس على الفوز بحصة من جائزة إكس برايز (XPrize) الممولة من ماسك.

ضمَ الفريق مجموعة من الفنانين والمصممين والمهندسين لمناقشة مجموعة متنوعة من الوسائل الطبيعية والتقنية التي يمكن الاستفادة منها لامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. ومع تواصل المناقشات، تبلور فريق أساسي قام بتشكيل شركة تحت اسم بل تو ريفريش (Pull To Refresh)، واتفق أعضاء الفريق في نهاية المطاف على استنبات طحالب الكِلب العملاقة ذات المثانات الهوائية في المحيط.

تتركز جهود الشركة حتى الآن على استنبات هذه الأعشاب البحرية في حوض واختبار أنظمة التحكم الخاصة بهم على متن قارب صيد صغير في بحيرة بشمال كاليفورنيا. لكنها شرعت بالفعل في تشجيع الشركات الأخرى على “التواصل معها” إذا كانت مهتمة بشراء أطنان من ثاني أكسيد الكربون المحتجز للاستفادة منها في موازنة انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري.

يقول كروملي إن الأساطيل الضخمة من السفن ذات التحكم الذاتي الجزئي التي تستنبت طحالب الكِلب تستطيع امتصاص حوالي تريليون طن من ثاني أكسيد الكربون وتخزينها بعيداً في أعماق البحار، مما يسهم بشكل فعال في عكس تأثيرات التغير المناخي. ويضيف: “من خلال الاستفادة من مساحات صغيرة من المحيطات المفتوحة، يمكننا العودة بمستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى ما كانت عليه قبل الثورة الصناعية”.

“لا أحد يملك الخبر اليقين”

تظهر العديد من الدراسات أن العالم قد يحتاج إلى إزالة مليارات الأطنان من ثاني أكسيد الكربون سنوياً من الغلاف الجوي بحلول منتصف القرن من أجل تجنب بلوغ الاحترار مستويات الخطيرة أو من أجل تخفيضها وإنقاذ الكوكب منها. بالإضافة إلى ذلك، هناك عدد متزايد من الشركات التي تجوب السوق بحثاً عن أرصدة الكربون التي تسمح لها بإزاحة انبعاثاتها والادعاء بأنها تحرز تقدماً حيال هدف الحياد الكربوني.

حفّز كل ذلك عدداً متزايداً من الشركات والمستثمرين والمجموعات البحثية لاستكشاف أساليب إزالة الكربون، التي تتراوح من زراعة الأشجار إلى طحن المعادن إلى بناء مصانع عملاقة لامتصاص ثاني أكسيد الكربون.

لقد اكتسبت طحالب الكِلب اهتماماً خاصاً وأصبحت محوراً نشطاً للبحث والاستثمار نظراً لوجود صناعة قائمة فعلاً تنطوي على استنباتها على نطاق واسع. ومن ناحية أخرى، لا يمكن الاستهانة بقدرتها النظرية على إزالة الكربون؛ إذ قدّرت لجنة خبراء جمعتها مبادرة إنيرجي فيوتشرز (Energy Futures) أن طحالب الكِلْب تتمتع بالقدرة على سحب ما يقرب من مليار إلى 10 مليارات طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً.

لكن العلماء ما زالوا يواجهون صعوبة في الإجابة على التساؤلات الأساسية المتعلقة باعتماد هذا الأسلوب: ما هي كمية طحالب الكِلْب التي نستطيع استنباتها؟ ما الذي يتطلبه الأمر لضمان غرق معظم هذه الأعشاب البحرية في قاع المحيط؟ وما مقدار الكربون الذي سيبقى محتجزاً هناك لفترة طويلة بما يكفي للمساهمة حقاً في حل مشكلة التغير المناخي؟

علاوة على ذلك، لا أحد يعرف ماهية التأثير البيئي الناجم عن إيداع مليارات الأطنان من الكتلة الحيوية الميتة في قاع البحر.

يقول ستيفن ديفيس، الأستاذ المساعد في جامعة كاليفورنيا إيرفين، والذي يحلل اقتصاديات الاستخدامات المختلفة لطحالب الكِلب: “ليس لدينا أي خبرة فيما يتعلق بزعزعة قاع المحيط بهذه الكمية من الكربون. لا أعتقد أن لدى أي شخص فكرة ناضجة حول تداعيات تدخل واسع النطاق مثل هذا على النظام البيئي”.

وبالرغم من جميع هذه المسائل الغامضة من الناحية العلمية، فإن ذلك لم يمنع بعض الشركات من الاستعجال والمضي قدماً وتقديم وعود جريئة والسعي إلى بيع أرصدة كربونية. إذا لم ينجح هذا الأسلوب في احتجاز كمية الكربون الموعودة، فقد يؤدي ذلك إلى إبطاء التقدم بشأن تغير المناخ أو المبالغة بحجمه، حيث سيفسح ذلك المجال أمام الشركات التي تشتري هذه الأرصدة الكربونية لمواصلة انبعاثاتها الكربونية تحت غطاء وعد كاذب بأن المحيطات تتولى إزاحة هذا التلوث، أي ستدعي أن كل طن انبعاثات يقابله امتصاص طن من ثاني أكسيد الكربون.

تقول هولي باك، الأستاذ المساعد في جامعة بوفالو، والتي تدرس الآثار الاجتماعية لإزالة الكربون بالاعتماد على المحيطات: “بالنسبة للمجال ككل، أعتقد أن إجراء هذا البحث من قبل الجامعات بالشراكة مع المختبرات الوطنية وعلماء من المؤسسات الحكومية سيقطع شوطاً طويلاً نحو تشكيل مستوى أساسي من الثقة قبل التسويق التجاري لبعض هذه الوسائل” .

إغواء المحيط

تصطف أعمدة متأرجحة من طحالب الكِلب العملاقة على امتداد الشواطئ الصخرية لخليج مونتيري بكاليفورنيا، لتشكل موطناً ومواقع صيد للأسماك الصخرية وثعالب البحر والقنافذ. وتعتمد هذه الطحالب الضخمة بنية اللون على ضوء الشمس وثاني أكسيد الكربون والمغذيات الموجودة في المياه الساحلية الباردة لتنمو بمقدار قد يصل إلى 60 سنتيمتراً في اليوم. تتخلص غابات الطحالب باستمرار من شفراتها وسعفها، كما قد تقتلعها الأمواج والعواصف من جذورها.

في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، أجرى الباحثون في معهد أبحاث حوض خليج مونتيري (Monterey Bay Aquarium) سلسلة من التجارب لتحديد المكان الذي تنتهي إليه كل هذه الأعشاب البحرية. قاموا بتوصيل أجهزة إرسال لاسلكية بتجمعات عائمة كبيرة من طحالب الكِلب ومسحوا أعماق المحيط بغواصات تعمل عن بعد.

وقدّر العلماء حينئذ أن هذه الغابات تطلق أكثر من 130 ألف طن من طحالب الكِلب كل عام. انتهى المطاف بمعظم تجمعات الكِلب على الشاطئ داخل الخليج في غضون أيام. لكن المراقبة بالغواصات تحت الماء أظهرت وجود حزم من الأعشاب البحرية تبطّن جدران وأرضية أخدود مجاور تحت الماء يعرف باسم وادي كارمل المغمور، على عمق مئات الأمتار تحت سطح الماء.

اكتشف العلماء بقايا مماثلة من طحالب الكِلب في قاع المحيط العميق للجيوب الساحلية في جميع أنحاء العالم. وبما أن طحالب الكِلب هي أحد المصادر المعروفة للرواسب النفطية، فمن المؤكد أن بعضاً من هذا الكربون المحتجز في الكتلة الحيوية سيبقى في القاع لآلاف السنين.

قدرت ورقة بحثية نُشرت عام 2016 في مجلة نيتشر جيوسينس (Nature Geoscience) أن الأعشاب البحرية قد تحتجز وبشكل طبيعي ما يقرب من 175 مليون طن من الكربون حول العالم كل عام عندما تغرق في أعماق البحار أو تنجرف في الأخاديد المغمورة.

تعتبر هذه الكميات أقل بكثير من مستويات ثاني أكسيد الكربون التي من المحتمل أن يحتاج العالم إلى إزالتها سنوياً بحلول منتصف القرن، ناهيك عن الكميات التي يتوقع كروملي وفريقه إمكانية إزالتها. وهذا ما دفع بل تو ريفريش وشركات أخرى إلى استكشاف أساليب تتيح توسعاً كبيراً في نطاق استنبات طحالب الكِلب سواء على السفن البحرية أو في أي مكان آخر.

بلوغ أعماق البحار

ولكن ما مقدار الكربون الذي سيبقى محتجزاً تحت سطح الماء، وإلى متى؟

تحتوي أنواع معينة من الأعشاب البحرية، مثل طحالب الكِلب العملاقة ذات المثانة، على مثانات هوائية صغيرة متوضعة على شفراتها، مما يمكّن الطحالب الكبيرة من جمع المزيد من ضوء الشمس الضروري لإطلاق عملية التمثيل الضوئي. تستطيع هذه المثانات أيضاً أن تحافظ على البقايا أو التجمعات طافية لبضعة أيام أو لمدة أطول تبعاً لنوعها، مما يساعد التيارات على حمل طحالب الكِلب المقتلعة إلى الشواطئ البعيدة.

عندما يتحلل الكربون الموجود في طحالب الكِلب على الأرض، أو يتحول إلى ثاني أكسيد الكربون غير العضوي المذاب في مياه البحر الضحلة، يمكنه أن يعود إلى الغلاف الجوي، كما يقول ديفيد كويك، مدير العلوم في أوشن فيجينز (Ocean Visions)، وهي منظمة بحثية تشارك مع مؤسسات مثل إم آي تي وستانفورد ومعهد أبحاث حوض خليج مونتيري. كما يمكن أن يتحرر الكربون عندما تقوم الكائنات البحرية بهضم طحالب الكِلب في أعالي المحيطات.

رغم أن بعضاً من هذه الطحالب يغرق إلى أعماق المحيط. وتقوم العواصف بدفع الأعشاب البحرية عميقاً إلى الأسفل لدرجة تؤدي إلى تفريغ المثانات من الهواء وتحللها. كما أن بعض أنواع هذه الطحالب لا تطفو بطبيعتها. وبعض الكمية التي تتحرر تحت سطح الماء تبقى هناك، وقد تنجرف إلى المياه العميقة عبر الأخاديد المغمورة مثل الأخدود الموجود قبالة ساحل مونتيري.

استنبات طحالب الكلب
مصدر الصورة: غيتي إيميدجيز

تشير نماذج حركة تيارات المحيط إلى أن كمية كبيرة من الكربون المحتجز في الكتلة الحيوية التي تصل إلى أعماق كبيرة في المحيطات يمكن أن تبقى هناك لفترات طويلة جداً، ويعود سبب ذلك إلى البطء الذي تتسم به أنماط انعكاس التيارات التي تحمل المياه العميقة نحو السطح. وعلى سبيل المثال، فإن متوسط وقت الاحتجاز عند أعماق تزيد عن 2,100 متراً يبلغ أكثر من 750 عاماً في أجزاء رئيسية من شمال المحيط الهادئ، وذلك وفقاً لورقة بحثية حديثة منشورة في مجلة أبحاث البيئة (Environmental Research Letters).

يشير كل ما سبق إلى أن تعمّد إغراق الأعشاب البحرية قد يخزن الكربون لفترة كافية لتخفيف بعض ضغوط تغير المناخ. ولكن تتوقف فعالية هذه الطريقة إلى حد بعيد على المكان الذي سيتم إجراؤها فيه، وعلى طبيعة الإجراءات التي يتم اتخاذها لضمان وصول معظم الكتلة الحيوية إلى أعماق المحيط.

خطط بغاية الربح

تتمثل خطة بل تو ريفريش في تطوير سفن ذاتية التحكم جزئياً مزودة بعوامات وألواح شمسية وكاميرات وهوائيات اتصال بالأقمار الصناعية، مما يتيح لها تعديل توجيهها وسرعتها للوصول إلى نقاط محددة في المحيط المفتوح.

ستقوم كل من هذه السفن المسماة كناري بسحب شبكة- تعرف باسم الشرغوف- مصنوعة من الأسلاك الفولاذية تحت الماء، لتربط معاً أحواضاً يمكن أن تنمو فيها طحالب الكِلب العملاقة ذات المثانة. ستقوم السفينة بتغذية الأعشاب البحرية من خلال أنابيب تمتد من خزان يحتوي المغذيات الدقيقة على متنها.

يقول كروملي إنه في نهاية المطاف ستموت طحالب الكِلب وتتساقط لتشق طريقها بشكل طبيعي إلى قاع المحيط. وتعتقد الشركة أنه من خلال وضع السفن بعيداً عن الساحل، يمكنها التعامل مع خطر انتشار الأعشاب البحرية الميتة على الشاطئ.

بدأت بل تو ريفريش بالفعل بإجراء مناقشات مع الشركات حول شراء “أطنان من طحالب الكِلب” التي ستقوم باستنباتها.

يقول كروملي: “نحتاج إلى نموذج عمل جاهز للعمل في الحال أو في أسرع وقت ممكن. يدرك الأشخاص الذين نعمل معهم أن هذه الطريقة لا تزال في مهدها، وهم متساهلون من حيث الجدول الزمني. لذلك سنكون صريحين بشأن أي شيء لا نعرفه. لكننا سنواصل نشر سفن الكناري هذه حتى نحصل على كمية كافية من أطنان الكربون لتلبية طلبات عملائنا”.

وذكر كروملي في رسالة بالبريد الإلكتروني أنه ما زال أمام الشركة عامان حتى تحصل على موافقة جهة اعتماد خارجية على حساباتها الكربونية، كجزء من أي عملية انتقال. وقال إن الشركة تبذل جهوداً داخلية بشأن التأثير البيئي، وتتواصل مع جهة واحدة على الأقل مختصة بتوثيق إزالة الكربون، وأوضح أنها تأمل في تلقي مساهمات ومشاركات من باحثين خارجيين يعملون على هذه القضايا.

وأضاف في رسالة البريد الإلكتروني: “لن نقدم أبداً على بيع طن واحد قبل أن يتم التحقق منه من قِبل طرف ثالث، وذلك لأننا لا نريد أن نكون جزءاً من أي شيء قد يبدو مشبوهاً”.

أنظمة التحكم على متن قارب صيد
اختبرت شركة بل تو ريفريش أنظمة التحكم الخاصة بها على متن قارب صيد في بحيرة بشمال كاليفورنيا/ مصدر الصورة: بل تو ريفريش.

’توسيع نطاق عمليات لا نظير له’

تتخذ شركات أخرى خطوات إضافية لضمان غرق طحالب الكِلب ولتنسيق جهودها مع الخبراء العلميين في هذا المجال.

تجري شركة رانينج تايد (Running Tide)، وهي شركة استزراع مائي ومقرها بورتلاند بولاية ماين، اختبارات ميدانية في شمال المحيط الأطلسي لتحديد مكان وكيفية نمو أنواع مختلفة من طحالب الكِلب ضمن ظروف متنوعة. تركز الشركة بشكل أساسي على الأنواع غير الطافية من الطحالب الكبيرة، كما تعمل على تطوير عوامات قابلة للتحلل الحيوي.

لم تختبر الشركة أساليب الإغراق بعد، ولكن تتمثل الفكرة في جوهرها في أن العوامات ستتفكك نتيجة نمو الأعشاب البحرية في المحيط. وبعد حوالي ستة إلى تسعة أشهر، من المفترض أن تغرق المنظومة بأكملها بسهولة لتستقر في قاع المحيط.

يشدد مارتي أودلين، الرئيس التنفيذي لشركة رانينج تايد، على أن فريق الشركة يعمل مع العلماء لضمان دقة وسلامة تقييماتهم لإمكانيات إزالة الكربون بالاعتماد على طحالب الكِلب.

ساعدت أوشنز فيجينز في إنشاء فريق استشاري علمي لتوجيه التجارب الميدانية للشركة، ويضم باحثين من معهد أبحاث حوض خليج مونتيري وجامعة كاليفورنيا بسانتا باربرا ومؤسسات أخرى. كما تنسق الشركة مع مركز إصلاح المناخ في كامبريدج بشأن الجهود المبذولة لتحديد كمية الكربون التي يمكن للمحيطات أن تمتصها بدقة أكبر باستخدام هذه الأساليب.

تخطط شركة رانينج تايد لإجراء اختبارات لمدة عامين ونصف على الأقل لتطوير “مجموعة بيانات محكمة” حول تأثيرات هذه الممارسات.

يقول أودلين: “في هذه المرحلة، قد نكتشف أننا بحاجة إلى مزيد من البيانات أو أن هذا الأسلوب غير ناجع أو أنه جاهز للاستثمار فيه”.

تعلق الشركة آمالاً كبيرة على ما يمكن أن تحققه؛ حيث ذكرت على موقعها على الإنترنت: “إن استنبات طحالب الكِلب وإغراقه في أعماق المحيط هو حل لعزل الكربون يتسم بإمكانية توسيع نطاقه أكثر من أي حل آخر”.

جمعت شركة رانينج تايد ملايين الدولارات من فينروك (Venrock) ولوركاربون كابيتال (Lowercarbon Capital) ومستثمرين آخرين. كما قدمت شركتا التكنولوجيا شوبيفاي (Shopify) وسترايب (Stripe) الأموال لشراء إزالة ثاني أكسيد الكربون في المستقبل بأسعار مرتفعة (250 دولاراً للطن في حالة سترايب) للمساعدة في تمويل جهود البحث والتطوير.

هناك العديد من الشركات والمنظمات غير الربحية الأخرى التي تستكشف طرقاً لاستخلاص ثاني أكسيد الكربون من الأعشاب البحرية. يتضمن ذلك مؤسسة المناخ، التي تبيع “عملة طحالب الكِلب” المؤمنة بتقنية البلوك تشين بـ 125 دولاراً لدعم جهودها البحثية الأوسع نطاقاً والرامية إلى زيادة إنتاج طحالب الكِلب لأغراض الغذاء وغيره.

المخاطر

يخشى بعض خبراء إزالة الكربون من أن قوى السوق قد تدفع جهود إغراق طحالب الكِلب للمضي قدماً بغض النظر عن نتائج الأبحاث العلمية حول فعاليتها أو مخاطرها. فالشركات أو المنظمات غير الربحية القائمة على هذه الجهود سيكون لديها حوافز مالية لبيع الأرصدة، وسيرغب المستثمرون في جني عوائد استثماراتهم، لاسيما مع التصاعد الكبير في طلب الشركات على مصادر أرصدة الكربون. أما جهات توثيق إزاحة الكربون، التي تكسب المال من خلال تقديم ختم موافقاتها على برامج أرصدة الكربون، فلها مصلحة واضحة في إضافة فئة جديدة إلى سوق الكربون.

تعمل شركة فيرا (Verra)، وهي إحدى الجهات التطوعية المختصة بتوثيق إزاحة الكربون، على إعداد بروتوكول لإزالة الكربون من خلال استنبات الأعشاب البحرية وهي “تراقب عن كثب” الأنشطة المعتمدة على طحالب الكِلب، وفقاً لمنظمة يال للبيئة 360 (Yale Environment 360).

يقول داني كولينوارد، مدير السياسات في كربون بلان (CarbonPlan) وهي منظمة غير ربحية تعمل على تقييم الدقة العلمية لجهود إزالة الكربون، لقد شهدنا بالفعل تأثيرات هذه الضغوط على الأساليب الأخرى في مجال الإزاحة بالأرصدة الكربونية.

سلطت كربون بلان ومجموعات بحثية أخرى الضوء على الإفراط في الاعتماد على الأرصدة الكربونية وغيرها من المشاكل التي تعاني منها البرامج المصممة لتحفيز وقياس والتحقق من الانبعاثات التي يتم تجنبها أو إزالة الكربون المنجزة من خلال ممارسات إدارة الغابات والتربة. ومع ذلك، تواصل أسواق أرصدة الكربون نموها؛ حيث تبحث الدول والشركات عن طرق لإزاحة انبعاثاتها المستمرة حتى ولو كان ذلك على الورق فقط وليس فعلياً في الغلاف الجوي.

من شأن إغراق الأعشاب البحرية في قاع المحيط أن يتسبب بتحديات صعبة بشكل خاص في مجال التحقق من حدوث إزالة فعلية للكربون. لنعترف بصراحة أن إحصاء الأشجار أسهل بكثير من تتبع تدفق الكربون المذاب في أعماق المحيط. وهذا يعني أن أي نظام لحساب الكربون الذي تمتصه طحالب الكِلب، سيعتمد بشكل كبير على النماذج التي تحدد مقدار الكربون الذي يجب أن يبقى تحت السطح والمدة التي ينبغي أن يبقى خلالها في أجزاء معينة من المحيط في ظل ظروف معينة. ولذا، سيكون من الأهمية بمكان امتلاك افتراضات سليمة لضمان دقة ونزاهة أي برنامج إزاحة نهائي وصحة أي حسابات إزاحة كربون للشركات قائمة على هذه الافتراضات.

كما يشعر بعض الباحثين بالقلق إزاء التأثيرات البيئية المترتبة على إغراق الأعشاب البحرية.

يرى ويل بيرنز، الأستاذ الزائر بجامعة نورث ويسترن وعضو المجلس الاستشاري في شركة رانينج تايد والذي يركز على إزالة الكربون، أن استنبات كمية كافية من طحالب الكِلب لإزالة مليار طن من الكربون قد يتطلب ملايين التجمعات الطافية في عرض المحيطات.

وقد تتسبب هذه الغابات العائمة في سدّ مسارات هجرة الثدييات البحرية. يمكن أن تتعثر الكائنات البحرية أيضاً بهذه التجمعات أو بالسفن التي تنقلها، مما قد يؤدي إلى إدخال أنواع غريبة إلى مناطق مختلفة. ويقول بيرنز إن غابات طحالب الكِلب نفسها قد تشكل ما يسمه “ألواح سوشي جديدة ضخمة”، متسببة ربما بزعزعة سلاسل الغذاء بطرق يصعب التنبؤ بها.

استنبات طحالب الكِلب
غابة تحت الماء من طحالب الكِلب على ساحل كاليفورنيا/ مصدر الصورة غيتي إيميدجيز

كما يمكن أن تؤدي إضافة هذه الكمية الكبيرة من الكتلة الحيوية والكربون إلى أعماق المحيطات إلى تغيير الكيمياء الحيوية للمياه، وقد يحمل ذلك تأثيرات تسلسلية متصاعدة على الحياة البحرية.

يقول بيرنز: “إذا كنت تتحدث عن أسلوب قد يحدث تغييرات كبرى في النظم البيئية للمحيطات، فهل تريد أن تضع هذه المسؤولية بين أيدي القطاع الخاص؟”.

يؤكد أودلين من رانينج تايد أنه ليس من مصلحته العمل على طرق إزالة الكربون غير الناجحة أو الضارة بالمحيطات. ويقول إن السبب الذي دفعه لدراسة أسلوب إغراق طحالب الكِلب هو أنه شهد بأم عينه كيفية تأثير تغير المناخ على النظم البيئية البحرية ومجموعات الأسماك.

ويضيف: “أنا أحاول حل هذه المشكلة؛ فإذا لم تثمر جهودي الحالية في حلها، سأنتقل للعمل على تطوير حل آخر ناجع لها”.

توسيع النطاق

يقول جون بيردال، الأستاذ الفخري في جامعة موناش في أستراليا والذي درس إمكانات وتحديات استنبات الأعشاب البحرية، إن توسيع نطاق عمليات إزالة الكربون بالاعتماد على طحالب الكِلب من مئات الملايين من الأطنان- التي يُقدر أنها تحدث بشكل طبيعي- إلى مليارات الأطنان المطلوبة سيواجه أيضاً بعض التحديات اللوجستية الواضحة.

على سبيل المثال، هناك أجزاء محددة من العالم توفر موطناً مناسباً لغالبية طحالب الكِلب. حيث تنمو هذه الأعشاب البحرية بشكل أساسي في المياه الضحلة والباردة والغنية بالمغذيات على امتداد السواحل الصخرية.

وسيكون التوسع في استنبات طحالب الكِلب بالقرب من الشاطئ مقيداً بالاستخدامات الحالية مثل الشحن وصيد الأسماك والمناطق البحرية المحمية وأراضي السكان الأصليين، وفقاً لما جاء في تقييم “حالة التكنولوجيا” الذي أعدته أوشنز فيجينز. في المقابل، فإن نقلها بعيداً عن الشاطئ- باستخدام طوافات أو تجمعات عائمة- سيخلق تحديات هندسية وسيرفع تكاليف العملية.

علاوة على ذلك، سيتوجب على الشركات التعامل مع التعقيدات القانونية إذا كان هدفها الأساسي هو إغراق طحالب الكِلب على نطاقات تجارية كبيرة. هناك مجموعات معقدة ودائمة التغير من القواعد التي تفرضها اتفاقيات من قبيل اتفاقية لندن وبروتوكول لندن التي تمنع الإغراق في المحيطات المفتوحة وتنظم “أنشطة الهندسة الجيولوجية البحرية” المصممة لمواجهة تغير المناخ. 

ويقول بيرنز إن الجهود التجارية للمضي قدماً في إغراق الأعشاب البحرية في مناطق معينة قد تخضع لمتطلبات التصريح بموجب قرار صادر عن اتفاقية لندن، وإلا ستكون متعارضة على الأقل مع روح قواعد الاتفاقية إذا مضت قدماً في ذلك دون إجراء تقييمات بيئية.

وأشار بيردال في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى أن تغير المناخ في حد ذاته يؤدي بالفعل إلى تدمير غابات طحالب الكِلب في أجزاء معينة من العالم. حيث أدى ارتفاع درجة حرارة المياه إلى جانب الزيادة الكبيرة في أعداد قنافذ البحر التي تتغذى على الأعشاب البحرية إلى الفتك بغابات طحالب الكِلب على طول ساحل كاليفورنيا. كما تقلصت غابات الكِلب العملاقة على طول ساحل ولاية تسمانيا الأسترالية بنحو 95% في السنوات الأخيرة.

وكتب بيردال في رسالته: “هذا لا يعني أنه علينا عدم النظر إلى حصاد الكربون باستخدام الأعشاب البحرية وتربية الأحياء المائية باعتبارهما نهجاً واحداً لاحتجاز ثاني أكسيد الكربون، لكني أريد ببساطة أن أوضح أن هذا الأسلوب لن يكون نهجاً رئيسياً في التعامل مع مشكلة تغير المناخ”.

استخدامات أخرى أكثر جدوى

هناك تساؤل آخر، وهو ببساطة ما إذا كان إغراق الأعشاب البحرية هو أفضل استخدام لها حقاً.

فهي مصدر مهم للغذاء والدخل للمزارعين في أجزاء واسعة من آسيا، مصدر يتعرض بالفعل لضغوط متزايدة مع تسارع تغير المناخ. كما يتم استخدامه في المستحضرات الصيدلانية والإضافات الغذائية وعلف الحيوانات. ويمكن استخدامه في تطبيقات أخرى تحتجز الكربون مثل البلاستيك الحيوي أو الفحم الحيوي الذي يغذي التربة.

قال دورتي كروز-جنسن، الأستاذ في جامعة آرهوس في الدنمارك والذي درس احتجاز الكربون باستخدام طحالب الكِلب، في رسالة بريد إلكتروني: “تعتبر الأعشاب البحرية المستزرعة بطريقة مستدامة منتجاً عالي القيمة لأنه يوفر مجموعة واسعة جداً من الاستخدامات … مع بصمة بيئية منخفضة. وفي رأيي الشخصي، فإن إغراق الكتلة الحيوية في أعماق البحار سيشكل هدراً وخسارة كبيرة”.

أجرى ديفيس، الباحث من جامعة كاليفورنيا في إيرفين تحليلاً اقتصادياً مقارناً للطرق المختلفة للاستفادة من طحالب الكِلب، بما في ذلك إغراقه أو تحويله إلى وقود حيوي قد يكون محايداً كربونياً أو استخدامه علفاً للحيوانات. تظهر النتائج الأولية أنه حتى لو كانت كل تكلفة عند الحد الأدنى من النطاقات، فإن تكلفة إغراق الأعشاب البحرية يمكن أن تصل إلى حوالي 200 دولار للطن، وهو أكثر من ضعف الحد الأدنى لتقديرات التكلفة طويلة الأجل لمصانع امتصاص الكربون.

يقول ديفيس إنه من المحتمل أن تؤدي هذه التكاليف إلى دفع القائمين على استنبات طحالب الكِلب نحو استغلاله في استخدامات ذات قيمة اقتصادية أعلى. ويضيف: “يتعمق اقتناعي بأن أكبر الفوائد المناخية لطحالب الكِلب المستنبتة لا تشمل إغراقه”. 

’سننجز الأمر’

يقول كروملي من شركة بل تو ريفريش إنه يأمل وفريقه في بدء اختبار سفينة في المحيط هذا العام. وإذا نجح الأمر، فإنهم يخططون لربط المجموعات العضة من طحالب الكِلب بالشرغوف و”إرساله في رحلته”، كما يقول.

وشكك في الحجة القائلة بأنه يجب على الشركات الامتناع عن بيع الأطنان الآن مع وعد بإزالة الكربون في نهاية المطاف. ويقول إن الشركات تحتاج إلى الموارد لتطوير هذه التقنيات وتوسيع نطاقها، وأن المنح الحكومية لن تصل إلى المستوى المطلوب لإنجاز ذلك.

يقول: “لقد عقدنا العزم على إنجاز هذا الأمر. فإذا تبين في نهاية المطاف أننا كنا مخطئين، سنتحمل المسؤولية عن أي أخطاء. لكننا نعتقد أن ما نقوم به هو خطوة في الاتجاه الصحيح”.

ومع ذلك، ليس من الواضح كيف يمكن لمثل هذه الشركة الناشئة تحمل المسؤولية عن أخطائها إذا أدت أنشطتها إلى الإضرار بالنظم البيئية البحرية. وعلى الأقل في الوقت الحالي، لا توجد آليات واضحة تتيح مساءلة الشركات بشأن المبالغة في تقدير فعالية إزالة الكربون باستخدام طحالب الكِلب.

في هذه المرحلة، من الأهمية بمكان إجراء اختبارات ميدانية خاضعة للرقابة لتوفير مزيد من المعلومات حول حجم وديمومة إغراق طحالب الكِلب ومخاطرها البيئية، كما يقول كويك من أوشن فيجين. ويعتبر سد هذه الفجوات المعرفية أمراً ضرورياً لإعداد أساليب موثوقة موثوقة لحساب إزالة الكربون الذي تحققه أي برامج إزاحة طوعية أو تشرف عليها الحكومة والتي تسمح في النهاية للشركات بشراء وتداول أرصدة الكربون المزالة بالاعتماد على طحالب الكِلب.

ويعتقد كويك أنه يمكن للشركات أن تلعب دوراً إيجابياً في ذلك من خلال العمل مع العلماء والمهندسين عبر الأوساط الأكاديمية والمنظمات غير الربحية لتقديم المعلومات اللازمة بسرعة أكبر من أجل وضع معايير موثوقة وتحديد أفضل الممارسات. ولكنه يرى أن الدراسات العلمية حول هذا الموضوع مازالت غير ناضجة بما يكفي للشروع بتسويق أرصدة الكربون المزالة بالاعتماد على طحالب الكِلب.

ويختم بالقول: “إننا وجميع اللاعبين الناشطين في هذا المجال- رواد الأعمال والشركات الناشئة والمستثمرون والمؤسسات الخيرية والعلماء والمهندسون- سنستفيد من خلال تخصيص الوقت والموارد للتعاون معاً على بناء قاعدة الأدلة العلمية قبل أن نشرع في بيع أرصدة الكربون”.