دماغ اصطناعي: مهندسو إم آي تي يطورون شريحة ذات عشرات آلاف المشابك العصبية الاصطناعية

3 دقائق
مصدر الصورة: نِك فيوينجز عبر أنسبلاش
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كشفت مجموعةٌ من المهندسين في جامعة إم آي تي عن تطويرهم لشريحةٍ حاسوبية جديدة تتضمن عشرات آلاف المشابك العصبية الاصطناعية ضمن مساحةٍ لا تتجاوز قصاصة ورقية صغيرة، في سبقٍ تقنيّ يساهم بتحقيق تقدمٍ كبير في مجال الحوسبة عصبونية البنية بشكلٍ خاص والحوسبة وقدرات المعالجة بشكلٍ عام.

تعتبر الحوسبة عصبونية البنية (Neuromorphic Computing) أحد المجالات التي تزايد التركيز عليها بشكلٍ كبير خلال السنوات السابقة؛ لما تُقدّمه من فكرةٍ ثورية من شأنها إحداث قفزة كبيرة في أداء وقدرات الحواسيب التي قد نستخدمها في المستقبل، خصوصاً مع اقتراب التقنيات المستخدمة حالياً في صناعة شرائح المعالجة الحاسوبية من حدودٍ قد تؤدي إلى عدم إمكانية إنتاج معالجاتٍ ذات أداءٍ أفضل.

تهدف الحوسبة عصبونية البنية إلى توفير طريقةٍ يمكن عبرها معالجة البيانات في الشرائح الإلكترونية بشكلٍ مشابهٍ لآلية عمل العصبونات في الدماغ البشري؛ بمعنى آخر، يهدف هذا المجال لاصطناع “دماغ اصطناعي”. أول ما قد يخطر على الذهن بهذا السياق هو الشبكات العصبونية الاصطناعية -ومجال الذكاء الاصطناعيّ بشكلٍ عام- والتي تهدف أيضاً إلى معالجة البيانات والمعطيات اعتماداً على طرقٍ مستوحاة من بنية الدماغ وآلية عمله. الفرق بين الحوسبة عصبونية البنية والشبكات العصبونية أن الأولى تهدف لتشكيل عتادٍ حاسوبيّ يعتمد في بنيته على عصبونات اصطناعية ومشابك عصبية اصطناعية، في حين أن الشبكات العصبونية تعتمد على خوارزميات رياضية متقدمة لبناء برامج “تستوحي” طريقة عمل العصبونات الحيوية في معالجة المعطيات.

ليس من السهل تصنيع شريحة معالجة حاسوبية تمتلك بنية شبيهة ببنية العصبونات الحيوية أو حتى تعمل بشكلٍ مشابهٍ لها، فالترانزيستورات (وحدات البناء الأساسية المستخدمة في صناعة المعالجات) تستطيع التعامل مع البيانات على أنها إما صفر أو واحد، وذلك عبر تمثيل الجهود الكهربائية؛ فعندما تزيد قيمة الجهد الكهربائي على بوابة الترانزستور عن قيمةٍ محددة، فإن ذلك سيؤدي إلى انتقاله لحالة “عمل” وهي الحالة التي يتم تمثيلها على أنها واحد منطقي، وما عدا ذلك يمثل على أنه صفر منطقي. وكمثال بسيط، يمكن فهم “الواحد” المنطقي على أنه مجال الجهود من 4 و حتى 5 فولت، وأي قيمة أقل من ذلك تعدّ بأنها “صفر” منطقي. بهذه الصورة، سنجد أن هنالك مجالاً كبيراً جداً من القِيَم تم إهماله بسبب المحدوديات المرتبطة ببنية الترانزستور نفسه الذي يمتلك حالتين فقط: إما أن يكون بحالة عمل ويمرر التيار الكهربائي، أو يكون مغلقاً ولا يمرر التيار. لا يوجد خيار ثالث. الأهم من هذا كله، الترانزستور نفسه لا يستطيع حفظ البيانات التي تأتي إليه.

لحسن الحظ، هنالك نمط فريد من العناصر الإلكترونية يدعى الممرستور (Memristor) أو المقاومات الذاكرية. تمثل المقاومة الكهربائية خاصيةً تعبر عن قدرة المادة على ممانعة مرور التيار الكهربائيّ ضمنها. ويمثل الممرستور عنصراً إلكترونياً ذا طرفين، بحيث تتغير قيمة المقاومة الكهربائية الخاصة به تبعاً لقيمة الجهد المطبق عليه، والفرق الأساسيّ بين الممرستور والمقاومة التقليدية هو قدرة الممرستور على “تذكر” قيمة المقاومة الخاصة به بعد انقطاع التيار الكهربائيّ. وبهذه الصورة، يوفر هذا العنصر قدرة فريدة على توفير آلية حفظ بيانات تشبه تلك التي تمتلك العصبونات والمشابك العصبية في دماغ الإنسان، وهذا ما جعل الممرستور خياراً مفضلاً في مجال الجهود والأبحاث المرتبطة بتصنيع شرائح المعالجة الحاسوبية عصبونية البنية.

المشكلة التي تواجه الباحثين في الوقت الحاليّ -فيما يتعلق بالحوسبة عصبونية البنية المعتمدة على الممرستور- هي عدم القدرة على تصغير هذا العنصر بشكلٍ فعال، ليكون بالإمكان تضمين عدد كافٍ منه على الشريحة (المعالجات المستخدمة في الحواسيب الشخصية -مثلاً- تتضمن مليارات الترانزستورات على شريحةٍ واحدة). يحتاج الباحثون لآليةٍ تتيح لهم تضمين عدد كبير من الممرستورات على الشريحة ليكونوا قادرين على بناء هيكل مشابه للعصبونات والمشابك العصبية الحيوية ولكن بشكلٍ اصطناعيّ. شكلت هذه المشكلة محور بحثٍ جديد لمجموعةٍ من مهندسي جامعة إم آي تي، الذين تمكنوا من تطوير طريقة تصنيع جديدة للممرستورات، أتاحت لهم تصنيع شريحة بحجم قصاصة ورقية صغيرة وتتضمن داخلها عشرات آلاف الممرستورات.

 بدلاً من الاعتماد فقط على السليكيون كمادةٍ خام لتصنيع الممرستور، لجأ مهندسو إم آي تي لعلم الخلائط المعدنية من أجل البحث عن مواد فعالة يمكن استخدامها ضمن بنية الممرستور بما يضمن الحصول على تدفق عالي للجسيمات المشحونة ضمن قناة ناقلة صغيرة الأبعاد؛ يمكن الحصول على تدفق عالي للجسيمات المشحونة في الممرستورات ذات الحجم الأكبر لأن سعة قناتها الناقلة ستكون أكبر، ولكن الهدف هو تصغير حجم الممرستور، مع الإبقاء على تدفق مناسب للجسيمات المشحونة عبر القناة الناقلة الخاصة به. وقد وجد المهندسون أن استخدام خلائط الفضة والنحاس بالإضافة للسيليكون سيوفر لهم الأداء المطلوب.

وكانت النتيجة أن استطاع المهندسون بناء شريحة معالجة قادرة على إنجاز مهام مرتبطة بمعالجة الصورة، حيث أظهرت الشريحة قدرة على إعادة إنتاج صورة رمادية ولكن بدقة أعلى وتفاصيل أكثر وضوحاً من الصورة الأصلية، كما أنها كانت قادرة على تذكر الصورة وإعادة إنتاجها مرات عديدة، فضلاً عن إنجاز مهام أخرى في مجال معالجة الصورة مثل تخفيض وضوح التفاصيل. وأظهرت الشريحة الجديدة قدرةً عالية على معالجة وبرمجة الصورة المدخلة إليها بالمقارنة مع شرائح الممرستور السابقة المعتمدة المصنعة بالتقنيات الأقدم.

قام الباحثون بنشر ورقةٍ بحثية تصف الطريقة المستخدمة في تصنيع شريحتهم الجديدة في مجلة نيتشر نانوتكنولوجي (Nature Nanotechnology)، وقد تم تمويل هذا البحث من قِبل جامعة إم آي تي ومخبر آي بي إم واتسون للذكاء الاصطناعي في إم آي تي ومخبر سامسونج العالمي للأبحاث والمنظمة الوطنية الأميركية للعلوم.