فيروس كورونا يرغم معجبي بيتكوين على إدراك أنها ليست ملاذاً أمناً

3 دقائق
مصدر الصورة: إم إس تك/ أليكسي رايسا عبر أنسبلاش
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يبدو أن الأسواق المالية خرجت عن السيطرة في ظل انتشار وباء كورونا. ولكن إذا كنت قد تحدثت مع أحد مناصري بيتكوين، فمن المرجح أنك سمعت (ربما عدة مرات) أن العملة المشفرة ابتُكرت لأوقات كهذه بالضبط. يقول بعض أكثر المناصرين حماسة إن الأصول الرقمية تمثل “ملاذاً آمناً” يحمي من انهيارات الأسواق التي نراها حالياً؛ وذلك لأنها “غير مرتبطة” بالأصول التقليدية مثل الأسهم.

غير أن مناصري بيتكوين المخلصين أصيبوا بخيبة أليمة؛ لأن سوق بيتكوين -بل بالأحرى سوق العملات المشفرة بالكامل- تراجعت مع سوق الأسهم التقليدية. على الرغم من أن السعر حقَّق قفزة جديدة، فهو ما زال وقت كتابة هذا المقال أقل بنسبة 40% تقريباً مما كان عليه منذ شهر. إذن، هل فقدت بيتكوين مكانتها كملاذ آمن فعلاً؟ على الرغم من أن هذه الفكرة لم تنجح ضد أكبر تحدٍّ واجهته حتى الآن، فمن المرجح أن الجدل سيتواصل، مذكراً إيانا بأننا ما زلنا لم نستطع تحديد ماهية بيتكوين بالضبط.

بل ليس من الواضح أيضاً ما إذا كان يُفترض بأن تمثل بيتكوين أي شيء محدد. غير أن مبتكرها المجهول -الذي نعرفه باسمه المزيف ساتوشي ناكاموتو- ترك لنا بعض الأدلة. يشير عنوان التقرير الأولي حول بيتكوين، الذي وضعه ناكاموتو لتعريف العالم بالفكرة، إلى “نقد إلكتروني يتم التعامل به بين طرفين” في المقدمة، دعا ناكاموتو إلى وضع بديل للنظام التجاري التقليدي على الإنترنت، الذي يعتمد إلى حد كبير على “الأطراف الخارجية الموثوقة”.

هناك أيضاً رسالة غامضة تركها مبتكر بيتكوين في أول سجل تعامل في البلوك تشين، المعروف باسم كتلة البداية: “صحيفة التايمز 3/يناير/2009 المستشار يوشك على إقرار كفالة إنقاذ مالية ثانية للبنوك”، ولم يشرح ناكاموتو مغزى هذه الرسالة قط. ولكن ليس من السهل ألا ننظر إلى بيتكوين كردة فعل على آخر انهيار عالمي للأسواق المالية، الذي بدأ في سبتمبر 2008. انتشر التقرير الأولي حول بيتكوين في قائمة بريد إلكتروني ذائعة الصيت حول التشفير في عطلة هالوين من ذلك العام، وبحلول يناير، كان النظام في حالة عمل كامل.

من الناحية العملية، فإن بيتكوين بطيئة للغاية وغير فعالة، ما يجعل استخدامها كعملة إلكترونية غير مناسب. بدلاً من ذلك، فإن الكثير من مناصريها اليوم ينظرون إليها على أنها “ذهب رقمي”. لطالما اعتُبر الذهب الحقيقي مصدراً موثوقاً للقيمة، ويميل المستثمرون إلى استخدامه كنوع من التأمين في وجه التراجع الاقتصادي.

أيضاً يُشتهر الذهب بأنه أصل يُعتبر بمثابة “ملاذ آمن”، وهو ما يُعرف وفق الموسوعة الاستثمارية بأنه “استثمار يُتوقع أن تبقى قيمته ثابتة أو تزداد في أوقات اضطرابات الأسواق”. توجد سلع أخرى تعتبر ملاذاً آمناً، مثل الفضة والذرة والمواشي، وكذلك سندات الخزانة الأميركية وأموالها النقدية. وقد ادعى الكثير من مناصري بيتكوين أن الأصول الرقمية تنتمي إلى هذه المجموعة أيضاً، غير أن الأحداث الأخيرة لم تتفق مع هذا الادعاء.

يقول برايان أرمسترونج، الرئيس التنفيذي لشركة التحويل الأميركية الشهيرة كوينبيس، في تغريدة بتاريخ 9 مارس: “نحن متفاجئون لرؤية انهيار أسعار بيتكوين في هذه البيئة، لقد توقعنا العكس”، وهو ما يعبر على الأرجح عن مشاعر الكثيرين من معجبي بيتكوين. كان هذا حتى قبل مجزرة 12 مارس، عندما فقدت بيتكوين أكثر من 40% من قيمتها.

إذن، ماذا حدث؟ ستجدون أن أحد أجزاء التفسير يحمل مفارقة إلى حد ما؛ ففي بدايات بيتكوين، كان معظم المستثمرين ملتزمين ببناء نظام مالي بديل، وكانوا ينظرون إليها كاستثمار بعيد الأمد. كانت بيتكوين “الأصل المستقبلي”، كما كتب نويل أيكسون، مدير الأبحاث في كوينديسك؛ حيث كانت منفصلة بشكل فعلي عن النظام المالي التقليدي. 

ولكن مع ظهور صناعة كاملة حول هذه العملة في السنوات الأخيرة، بُذلت جهود كبيرة لدفع المؤسسات الاستثمارية (مثل صناديق التحوط وغيرها من المؤسسات التجارية الاحترافية) إلى تبني واستخدام هذه العملة. تمثل عمليات البيع الأخيرة دليلاً على نجاح هذه الجهود. كان المتاجرون المحترفون متحرقين للحصول على أموالهم، كما كتب أيكسون: “كانت بيتكوين مجرد أصل مالي آخر تعرض إلى ضربة قاصمة مع تدافع المستثمرين إلى التخلص منها”.

وبالتالي، انتقلت بيتكوين خلال فترة حياتها القصيرة من أصل غامض للغاية ينتشر معظمه بين أيدي المناصرين المخلصين إلى “مجرد أصل مالي آخر”. على ضوء الأزمة المالية الأخيرة، فإن بيتكوين تبدو أبعد ما يكون عن ملاذ آمن، ولكن في سياق آخر -مثل اقتصادات البلدان التي تعاني من تضخم هائل كفنزويلا- أصبحت بيتكوين أقرب إلى الملاذ الآمن، على الأقل مقارنة بالعملة الوطنية. وعلى الرغم من أن بيتكوين انهارت مع سوق الأسهم التقليدية هذه المرة، فإنها ما زالت تُعتبر بمثابة “أصل بديل”؛ حيث إنها تشبه الذهب من حيث أن قيمتها لا تعتمد على تدفق المال من مؤسسات أخرى، كما يقول أيكسون: “يُعتبر ازدياد نطاق الأصول البديلة أمراً مفيداً للمستثمرين، خصوصاً في أوقات الاضطرابات مثل الوقت الحالي”.

إلى أي مدى ستختلف طبيعة بيتكوين كأصل بعد عقد من الآن؟ هل ستكون أقرب إلى الذهب الرقمي من الأموال الرقمية؟ ومن سيستثمر فيها ولماذا؟ من المرجح أن تستمر ماهية بيتكوين بالتغير مع هذه العوامل، وكذلك الأفكار حول الدور الذي يمكن أن تلعبه بالنسبة للمستثمرين والمجتمع، سواء أكانت ملاذاً أمناً أم لا.