هل كان المريخ فعلاً كوكباً دافئاً غنياً بالمياه؟

3 دقائق
مصدر الصورة: إيسا
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ليس المريخ حالياً سوى أرض قاحلة وباردة وجافة، غير أن الأمور كانت مختلفة على الأرجح منذ مليارات السنين. ومنذ بدأنا بإطلاق البعثات الروبوتية إلى المريخ في السبعينيات، تمكن العلماء من جمع أدلة تشير إلى ماضٍ أكثر دفئاً وغنى بالمياه للكوكب الأحمر، حيث كان السطح يعج بالبحيرات والمحيطات التي يحتمل أنها كانت موطناً لحياة من نوع ما. وهو أحد الأسباب التي دفعت بناسا إلى بناء وإطلاق عربة جوالة جديدة مؤخراً للبحث عن دلالات على حياة فضائية قديمة.

ولكن ليس هناك إجماع كامل على طبيعة المريخ في الماضي. تقول آنا جراو جالوفر من جامعة أريزونا الحكومية: “إن الجدل حول مناخ المريخ في الماضي جدل قديم”، يعود إلى نحو 40 سنة. قامت جراو جالوفر بالاشتراك كمؤلف رئيسي في دراسة جديدة نُشرت في مجلة نيتشر جيو-ساينس (Nature Geoscience)، وهي دراسة تقوّض أحلامنا بمريخ مليء بالمياه، وتقدم نتائج جديدة تشير إلى أن الكوكب كان في الماضي أقرب إلى المنطقة القطبية منه إلى المنطقة الاستوائية. ويقول الباحثون إن الكثير من التضاريس الجيولوجية التي كان يُعتقد أنها تشكلت بواسطة الأنهار المتدفقة والمجاري المائية التي تتجدد بالأمطار المتكررة، قد تكون في الواقع ناتجة عن ذوبان أنهار متجمدة وصفائح جليدية ضخمة مع مرور الوقت.

تركز الدراسة الجديدة على تاريخ الوديان الموجودة في المرتفعات الجنوبية من سطح المريخ. تقول جراو جالوفر: “أشارت الأعمال السابقة إلى الأنهار كسبب لنشوء شبكة الوديان المريخية”، ولكن دراستها تشير للمرة الأولى إلى أنظمة ذات خصائص “نموذجية بالنسبة لمجاري الأنهار تحت الجليدية”، ما يعني أن الجليد الذائب -لا المياه المتدفقة- هو الذي حفرَ هذه الوديان منذ حوالي 3.8 مليار سنة.

السير مع التيار

درس الفريق البحثي 10,276 وادياً منفرداً في 66 شبكة وديان على سطح المريخ، وذلك باستخدام خوارزمية بُنيت بشكل خاص لتجميع هذه الوديان في مجموعات، واستنباط نوع عمليات الحت التي أدت إلى تشكيلها. قورنت هذه الوديان مع الوديان الأرضية التي تم تشكيلها عن طريق مجاري الأنهار تحت الجليدية في المنطقة القطبية في كندا.

أما الفرق الأساسي بين الشبكات التي تشكلت عن طريق الأنهار، والتي تشكلت عن طريق الجليد الذائب، فهو طريقة تدفق الماء؛ حيث إن الأنهار لا تستطيع حفر الوديان إلا إذا كانت تتدفق منحدرة نحو الأسفل. أما مجاري الأنهار تحت الجليدية فهي معزولة الضغط، وهو ما يمكّن المياه من التدفق صعوداً نحو الأعلى أيضاً. تستطيع نماذج الباحثين تحديد العلامات الدالة على اتجاه المياه، وتقييم السبب المحتمل.

وقد وجد الباحثون أنه يوجد 22 شبكة وديان يبدو أنها حُفرت عن طريق المياه تحت الجليدية الذائبة، و14 شبكة وديان حُفرت عن طريق مياه الأنهار، أما الباقي فقد تشكل عبر عمليات حت أخرى. إذا كان المؤلفون على حق، “فهذا يشير إلى أن المريخ كان بارداً بشكل عام عبر تاريخه”، كما يقول جاي ديكسون، وهو عالم كواكب في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتيك)، ولم يشارك في هذه الدراسة. ويضيف أن بعض النماذج المناخية توصلت إلى نفس الاستنتاج، وهو ما يتضارب مع الصورة السائدة عن ماضي المريخ ككوكب مغطى بالمحيطات والبحيرات.

غير أن النتائج الجديدة لا تعني أن المريخ كان عبارة عن كرة ضخمة من الجليد. ويعتقد جو ليفاي، وهو جيولوجي في جامعة كولجيت ولم يشارك في هذه الدراسة، أن الأبحاث الجليدية مثيرة للأفكار، ولكنه يعتقد أيضاً أن هذه النماذج “لم تتمكن من تحديد عملية واحدة مسؤولة عن تشكل كل واحد من الوديان”.

ويضيف: “قد تعود هذه الضبابية في البيانات إلى عدم وجود عملية وحيدة أدت إلى حفر كل واحد من وديان المريخ. فإذا حدثت التغيرات على مدى عدة مليارات من السنين، فمن المحتمل أن كلاً من هذه الوديان تعرض إلى كل شيء، بدءاً من الحت الجليدي، إلى تدفق الحمم، وصولاً إلى الفيضانات. وقد أدت كل من هذه العمليات إلى تغيير شكل شبكة الوديان، وترك مجموعة من المعالم المميزة”.

الخبر الجيد

من حسن الحظ أن برودة المريخ لا تمثل خبراً سيئاً بالنسبة لاحتمال وجود حياة مريخية قديمة. تقول جارو جالوفر: “يمكن أن تقدم البيئة تحت الجليدية وسطاً مستقراً؛ حيث توجد وفرة في المياه، واستقرار في درجات الحرارة، وحمية من الجسيمات الشمسية عالية الطاقة والإشعاع الشمسي، دون الحاجة إلى حقل مغناطيسي”.

نحن نعرف أن الحياة تستطيع تحمل البيئات الباردة مثل هذه، وذلك بدليل وجود متعضيات تعيش تحت جليد القطب الجنوبي في أماكن مثل بحيرة فوستوك. قد يكون هذا ممكناً على المريخ أيضاً، حتى ضمن مجاري الأنهار تحت الجليدية هذه.

يعتقد ديكسون أن النتائج الجديدة ستدفع بالباحثين إلى دراسة مناطق أخرى من المريخ للمقارنة. ويقول: “يوجد على المريخ مئات البحيرات الجافة الهائلة التي تعود إلى هذه الحقبة، وكانت تحوي على كميات كبيرة من المياه الذائبة من شبكات الوديان هذه”.

ومن هذه البحيرات، موقع هبوط العربة الجوالة بيرسيفيرنس التي أرسلتها ناسا مؤخراً، والتي ستصل في فبراير المقبل إلى حفرة جيزيرو، ويمكن أن تقوم البعثة بتخصيص بعض مواردها لدراسة هذه الأدلة.

يقول ديسكون: “إنه تحدٍّ مثير بالنسبة لجميع الأوساط العلمية التي تهتم بدراسة المريخ”.