هل تصعب العودة إلى القمر لهذه الدرجة؟

7 دقائق
رائد الفضاء الأميركي باز ألدرين وهو يمشي على سطح القمر.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كان من المفترض أن تكون العربات الجوالة الخاصة في خضم مباراة غولف قمري محتدمة هناك في الأعلى بحلول هذا الوقت، لكن سطح القمر ما زال هادئاً مع انتهاء الموعد النهائي لجائزة لونار إكس من جوجل دون أي ضجيج.

حيث أعلنت كل من جوجل ومنظمة إكس برايز -منذ أكثر من 10 سنوات- عن جائزة بقيمة 20 مليون دولار لأول منظمة غير حكومية تُكمل بعثة قمرية وَفق المعايير التي حددتها، وبعد تمديد الموعد النهائي -الذي كان في 2012- عدة مرات، تم إغلاق المنافسة رسمياً في يناير المنصرم، بعد أن اتضح أنه يستحيل على أي شركة خاصة أن تصل إلى القمر قبل الموعد النهائي: 31 مارس عام 2018.

وقد اشترطت اللجنة المنظمة من الفريق الخاص المشارك تحقيق ثلاث مهام لجني المال والمجد:

– وضع مركبة فضائية على سطح القمر بنجاح.

– التحرك على سطح القمر لمسافة 500 متر.

– بث فيديوهات وصور عالية الدقة إلى الأرض.

ومنذ إطلاق المنافسة في 13 سبتمبر عام 2007، لم تتمكن سوى ثلاث سفن من الوصول إلى القمر، وكانت جميعها حكومية التمويل، وكانت واحدة منها فقط قادرة على التجول على سطح القمر، وهي “تشانج إي 3” التي أطلقتها الصين في 2013.

لقد صعدت البشرية إلى القمر في 1969، وبالتالي لا ينقصنا الإثبات على إمكانية تحقيق هذه المهمة، فلماذا إذن لا نستطيع ببساطة تكرار هذا النجاح الذي حققناه منذ 49 عاماً رغم وجود التكنولوجيا العصرية المتطورة؟

الجواب باختصار: الموارد؛ فعندما وصلت الولايات المتحدة إلى القمر لأول مرة، اتخذت ناسا أسرع طريق ممكن إلى هناك، حيث كان الدافع الأول هو التغلب على روسيا، وليس بناء طريق واضح للرحلات المستقبلية؛ يقول بلير ديويت (المدير التنفيذي لشركة لونار ستيشن “إل إس سي”؛ وهي شركة ناشئة للبيانات القمرية في كامبريدج، ماساتشوستس): “لقد كان الأمر أقرب إلى قفزة سريعة إلى سطح القمر بدلاً من اتخاذ الخطوات المنطقية في سبيل بناء نموذج مستدام؛ من أجل استمرار الوصول على القمر، وبالتالي لم تتواجد -بسبب هذه الهيكلية الغريبة للسوق- أي وسائل لبناء سلاسل التزويد المطلوبة في دعم النقل المتواصل للمعدات والمواد والبشر إلى القمر”.

ويجب علينا الآن أن نعيد بناء الهيكلية نفسها، ولكن بدون حمى الحرب الباردة التي تدفعنا بقوة إلى الأمام، بل يكون دافعنا في الوصول إلى القمر هو الرغبة في الاستكشاف، لا الفوز.

وعلى الرغم من تناقص كلفة الوصول إلى الفضاء، فإن السفر إلى القمر ليس بالمسألة زهيدة التكاليف، حيث نجد -بحسابات اليوم- أن صاروخ “ساتورن في” المستخدم في برنامج أبولو سيكلف حوالي 1.6 مليار دولار؛ أي أنه يحرق الدولارات بسرعة إحراقه للوقود الصاروخي، ومن الصعب أن تقنع الحكومة بأن تدفع -وبسرعة- نفس المبلغ على الأقل من أجل الحصول على صاروخ بنفس القوة، أو أكثر قوة من ذلك.

تشغيل اختباري على الأرض للعربة الجوالة ريد لشركة أستروبوتيك.
مصدر الصورة: منظمة إكس برايز

ونحن لا نمتلك حالياً صواريخ قادرة على مجاراة قوة ساتورن في، مما يجعل الرحلات القمرية ثقيلة الحمولة أمراً صعباً. ويعتبر صاروخ فالكون هيفي القوي من شركة سبيس إكس (والذي خاض رحلة اختبارية ناجحة مؤخراً) من الخيارات الواعدة للرحلات القمرية في المستقبل، وبكلفة تبلغ 90 مليون دولار (وهي تمثل صفقة لا بأس بها)، غير أن هذا الصاروخ يصل فقط إلى ثلثي قوة الدفع لساتورن في، والبالغة حوالي 3.4 مليون كيلوغرام. وكان إيلون ماسك (مؤسس سبيس إكس) قد ادَّعى سابقاً أن شركته سترسل السياح إلى القمر في هذا العام، لكن من الواضح أن هذه الخطط قد وضعت جانباً.

ما تزال ناسا تعمل أيضاً على صاروخ نظام الإطلاق الفضائي “إس إل إس” القوي، والذي سيتفوق على “ساتورن في” من ناحية قوة الدفع، غير أن فواتير التطوير بلغت مليارات الدولارات، وسيتحول هذا الصاروخ -بلا شك- عند انتهائه إلى مركبة باهظة التكاليف، كما أن الإطلاق الاختباري الأول ما زال على بعد سنوات كاملة.

يبدو إذن أن الأمور تتقدم، وإن كانت ببطء شديد، ويمكن لجائزة لونار إكس الآن أن تعزو لنفسها شيئاً من تنامي اهتمام القطاع الخاص بالسفر إلى القمر؛ فقد أُسِّست -بالتزامن مع المنافسة- الكثيرُ من الشركات الفضائية الناشئة، كما أن بعضها ما زال يخطط لتحقيق الرحلة القمرية، كما جهزت هذه المسابقة الأجواء المناسبة لعدد من عمليات الهبوط القمرية للشركات الخاصة في السنوات الخمس المقبلة، وجذبت الانتباه إلى مسألة السفر الفضائي الخاص، كما حفزت الشركات الفضائية الناشئة لتبدأ في جمع الأموال.

لم يتمكن أحد من تحقيق شروط المسابقة قبل الموعد النهائي، غير أنها تطورت إلى أكثر من مجرد محاولة للفوز بجائزة مالية، بل إن الجائزة كانت شحيحة نسبياً؛ فقد وجدت الفرق المختلفة أن تكاليف الفوز أعلى بكثير، وبحلول ذلك الوقت، كانت الفرق المتنافسة قد جمعت أكثر من 300 مليون دولار؛ تقول تشاندا جونزاليس ماورر (المديرة الأساسية لجائزة لونار إكس): “في الواقع يتطلب الذهاب إلى القمر الكثير من الأموال، لكننا اعتقدنا عندما أطلقنا الجائزة في 2007 أن تكاليف عقود الإطلاق كانت أقل مما هي عليه فعلياً”.

وبالتالي اضطرت الفرق إلى التعامل مع الوضع بأساليب مبتكرة؛ فقد لجأ بعضها (مثل مون إكسبرس وتيم إندوس) إلى تأسيس عقود وعلاقات مع البرامج الفضائية الحكومية في الولايات المتحدة والهند، على الترتيب، ولجأ فريق سبيس آي إل وغيره إلى رؤوس الأموال الاستثمارية من أجل الحصول على التمويل، كما أن العلاقات مع الشركات كانت هامة أيضاً، وكان بعضها أكثر تميزاً؛ يقول تاكيشي هاكامادا (مؤسس شركة آي سبيس ومديرها التنفيذي): “لقد صممنا فرصة شراكة جديدة وغير مسبوقة للشركات، لا سيما تلك التي لم تنخرط بشكل تقليدي في القطاع الفضائي من قبل؛ وذلك من أجل الحصول على القيمة حتى قبل الإطلاق”، ويشير هاكامادا إلى خيارات الإعلان التي تقدمها الشركة على مركبتها الفضائية بشكل يشبه ما نراه في سيارات السباق، إضافة إلى خدمة إضافية محتملة تتمثل في عرض إعلانات على المسبار القمري السطحي.

لقد ساعد كل هذا على بناء شركات راسخة تتجاوز مسألة المسابقة، وقد خططت الكثير منها -بما فيها أستروبوتيك، وسبيس آي إل، ومون إكسبرس- لعمليات إطلاق في وقت لاحق، وإن كان هذا بعد بضعة سنوات. وتتراوح أهداف هذه الشركات بين مهمة مون إكسبرس لاستخلاص الموارد القمرية، إلى هدف أستروبوتيك في بناء خدمة لتوصيل الحمولات. كما تتفاوت هذه الفرق بشكل كبير من حيث أسباب اشتراكها في المسابقة، وهو ما “يثبت نجاح الاستكشاف القمري من قِبل القطاع الخاص” كما تقول جونزاليس ماورر. وقد فاز فريق أستروبوتيك -وحده- بجميع الجوائز المرحلية التي عُرضت لقاء تحقيق مراحل معينة، وقد تمكن من تأكيد 11 زبوناً لأول عملية إطلاق في 2020، مع وجود أكثر من مائة زبون آخرين في الانتظار.

وتواجه شركات الفضاء الخاصة -إضافة إلى التحديات المالية والتقنية- مشكلة أخرى، تتمثل في صورتها العامة؛ حيث يقول جون ثورنتون (المدير التنفيذي لأستروبوتيك): “إنك إذا مشيت في الشارع وقلت إنك تبني شركة لنقل الحمولات إلى القمر، فلن تلقى سوى النظرات العابسة. يجب على البشر أن يغامروا بتصديق إمكانية بناء نشاط اقتصادي على القمر، كما أن كل النشاطات السابقة على القمر قد حصلت على التمويل من قِبل القوى العظمى، فكيف نعتقد أن شركة خاصة تستطيع الهبوط على القمر وجني الأموال؟”.

روبوت فريق بارت تايم ساينتيستس المشارك في مسابقة جائزة لونار إكس.
مصدر الصورة: منظمة إكس برايز

ولم يقدم ماسك أية مساعدة لرواد الأعمال الذين يحاولون جني الأرباح من الفضاء، وقال مؤخراً في تغريدة: “إن بناء شركة صواريخ هو على الأرجح من أغبى وأصعب الطرق لجني الأرباح، ولو كنت أبحث عن الربح فحسب، لكنت -ببساطة- أسست شركة إنترنت أخرى”.

يقول ثورنتون إن أفضل وصفة للتغلب على الصورة العامة المشكوك فيها هي الزمن، وإسهام المزيد من الشركاء والمستثمرين، وتراكم التقدم التكنولوجي نحو تحقيق هذا الهدف. ويبدو أن المستثمرين قد بدؤوا في الانجذاب إلى هذا المجال؛ فقد شهد عام 2016 تمويلاً برؤوس الأموال الاستثمارية لشركات الفضاء الناشئة بقيمة قياسية تساوي 2.8 مليار دولار، وذلك وفقاً لمنصة سي بي إنسايتس. وقد تمكنت -منذ فترة وجيزة- شركة ريلاتيفيتي سبيس (وهي شركة تركز على الطباعة المجسمة لمحركات الصواريخ) من تحقيق جولة تمويل بقيمة 35 مليون دولار.

صحيح أن جميع المتسابقين فشلوا في تحقيق شروط المسابقة قبل الموعد النهائي، ولكن المسابقة حققت جزءاً كبيراً من أهدافها في الواقع؛ فقد منحت جوائز مرحلية صغيرة بقيمة 5.25 مليون دولار، وساعدت في ترسيخ الشركات الخاصة التي تطمح إلى الهبوط على القمر، كما جعلت الوصول إلى القمر هدفاً يبدو ممكن التحقيق دون دعم من قوى عظمى عالمية.

وتشكل الشركات التي تأسست بسبب المسابقة جزءاً صغيراً من قطاع الأعمال القمرية؛ فقد بدأت الحكومات وغيرها من الكِيانات بتجاوز شركات الهبوط والعربات الجوالة، وأسسوا سلسلة التزويد القمرية التي فشلت الولايات المتحدة في تأسيسها في الستينيات، كما تعمل بعض الشركات -مثل ريلاتيفيتي سبيس- على تطوير طابعات مجسمة لطباعة مركبات الإطلاق، على حين تركز إل إس سي على استخلاص البيانات القمرية وتقديمها للشركات الفضائية، وقد بدأت بعرض خدمة جديدة باسم “مون هاكر”؛ والتي تقدم توقعات للطقس على القمر، وتخطط الشركة لتوسيع بياناتها المعروضة عن طريق سلسلة من الأقمار الاصطناعية التي تدور حول الأرض والقمر؛ حيث يقول ديويت (المدير التنفيذي): “لقد بدأت السوق القمرية بالتمايز إلى قطاعات مختلفة يعمل فيها مشاركون متخصصون يقدمون عروضاً فريدة من نوعها؛ ولهذا فهي تتحول تدريجياً إلى نظام اقتصادي متكامل، سيؤسس ويصون سلسلة التزويد المطلوبة للكثير من البعثات إلى القمر في العام المقبل، وفي المستقبل بشكل عام”.

أما بالنسبة للحكومات المنخرطة في سلسلة التزويد القمرية، فيبدو أن هدفها البعيد يتجاوز مجرد الوصول إلى القمر وتكرار بعثةٍ نجحت فيها منذ أكثر من جيل، وهو في الواقع لا يقل عن قفزة أخرى عملاقة للبشرية؛ حيث إن الحكومات الطموحة تركز في الواقع على المريخ، وتعتبر أن القمر يشكل حقلَ تجارب ممتازاً لهذه الرحلة؛ يقول ثورنتون: “يمثل القمر بالنسبة لنا مورداً ونقطة انطلاق وثروة، ولم نعد ننظر إليه بصفته مجرد وجهة مستقلة في حد ذاته”.

وقد أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في نهاية 2017 عن دعمه لإرسال رواد الفضاء إلى القمر، ثم إلى المريخ في نهاية الأمر، كما تضمن عرضه لميزانية عام 2019 بنوداً تُجسِّد هذا الدعم أيضاً، وكذلك صرح الرئيس فلاديمير بوتين -بشكل مشابه- عن نيته إرسال الروس إلى القمر والمريخ. كما تعمل وكالات الفضاء الصينية والهندية والروسية واليابانية والأوروبية على مشاريع قمرية، وبدأت في تنفيذ البعض منها؛ حيث ستطلق الهند والصين عربات جوالة في بعثاتٍ هذه السنة، كما ستطلق الصين بعثة لإحضار العينات في 2019.

ويمكن أن نقول إن الساحة قد أصبحت مهيأة لمستقبلٍ تتعاون فيه الحكومات والشركات الخاصة في مجال السفر الفضائي، وقد نصل قريباً إلى القمر -الذي لمسناه سريعاً من قبل- بفضل هذه التشكيلة المنوعة من الدوافع والأهداف للمؤسسات العامة والخاصة، وبفضل الفضول العلمي، والرغبة في الاستكشاف.

ولكننا سنؤسس لصلة دائمة في هذه المرة؛ يقول ديويت أخيراً: “إننا سنشهد الكثير من الأحداث المثيرة في السنتين المقبلتين، ونتوقع أن تُنفِّذ العشراتُ من المنظمات بعثاتٍ للهبوط على القمر وإحضار معلومات جديدة، فتنطلق موجة جديدة من تلك البعثات، مما يعني انطلاق دورة من العمليات المستدامة في سبيل مصلحتنا جميعاً”.