هل هي مؤامرة؟ ألينا تشان تراهن على حياتها بفكرة أن الفيروس قد جاء من المختبر

19 دقيقة
هل تسرب فيروس كورونا من المختبر
صورة مقدَّمة للنشر
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio
  • لا تريد الباحثة في مرحلة ما بعد الدكتوراة -التي أثارت نظرية التسرب من المختبر على الإنترنت- سوى “البقاء على قيد الحياة وعدم التعرض للقتل”.

  • قالت ألينا تشان بعد أن أمر بايدن بإجراء تحقيق حول كيفية بداية الوباء في الصين: “لقد تحقق هدفي”.

  • يتمثل ادعاؤها في أن فيروس كورونا تسرب من طبق بتري من المختبر ويتم كتمان الأمر. تقول تشان: “إذا كنت مخطئة، فقد فعلت شيئاً فظيعاً”.

بدأت ألينا تشان في طرح الأسئلة في مارس 2020. كانت تتحدث مع أصدقائها عبر فيسبوك بشأن الفيروس ثم انتشاره خارج الصين، وكانت تعتقد أنه من الغريب أن يقول الناس بأن الفيروس نشأ من سوق للمواد الغذائية. إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم يعثر أحد على أي حيوانات مصابة؟ وتساءلت عن سبب عدم اعتراف أحد باحتمال آخر بدا واضحاً جداً بالنسبة لها، فقد يكون الوباء قد نشأ عن حادث مختبري.

تشان هي باحثة في مرحلة ما بعد الدكتوراة في مختبر للعلاج الجيني في معهد برود، وهو معهد أبحاث مرموق في كامبريدج بولاية ماساتشوستس، وهو يتبع لكل من جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وكانت قد عملت في عدد قليل من المختبرات وتعرف بأنها ليست أماكن مثالية. وفي الواقع، فقد كانت كثيراً ما تتحدث عن الأمور الخاطئة. وشاركت في إحدى شكاوى كشف الفساد بشأن بيئات العمل في مختبر بجامعة هارفارد. (رفضت كل من تشان وجامعة هارفارد التعليق على التفاصيل). كانت تشان دائماً ما تبدو وكأنها الوحيدة التي تتخذ موقفاً، حتى وإن لم يكن يتماشى مع مسيرتها المهنية. وتقول: “أنا غبية من هذه الناحية. مجرد ناشرة للإشاعات”.

بدأ النقاش على فيسبوك عندما شارك أحد أصدقائها رسالة نشرها خمسة من كبار علماء الفيروسات في مجلة نيتشر ميديسين، بعنوان “الأصول القريبة لفيروس كورونا”، والتي حللت المصادر المحتملة للفيروس الجديد. درس مؤلفو الرسالة جينوم فيروس كورونا بدقة وقالوا إنهم لم يتمكنوا من العثور على أي علامة تشير إلى إنتاجه بشكل متعمد. وقال أحد أصدقاء تشان لها بأن هذه الورقة البحثية ينبغي أن “تنفي” كل نظريات المؤامرة. ولكن عندما قرأتها، تمكنت من ملاحظة مشكلة؛ فعند تفنيد احتمال أن يكون الفيروس ناتجاً عن تعديل جيني واسع النطاق، تم استبعاد سيناريوهات أخرى أبسط. فعلى سبيل المثال، إذا تم نقل فيروس طبيعي عبر الخفافيش البرية إلى ووهان، فقد كان من الممكن أن يتسرب بطريقة ما.

وتقول تشان: “كنت أرى بأنهم مخطئون جداً. فهم لم يفكروا في كل تلك الطرق المعقولة الأخرى لحدوث تسرب من المختبر”.

تنتشر وجهة نظرها الآن على نطاق واسع، ويرجع ذلك جزئياً إلى حسابها على تويتر؛ فخلال عام 2020، أثارت تشان الكثير من الجدل والشكوك العلمية، مضيفة أحياناً صورة متحركة لكائن الحصان الخرافي أحادي القرن لتسليط الضوء على الأبحاث التي وجدتها غير قابلة للتصديق. كان العديد من العلماء يعتقدون بصمت بامكانية التسرب من المختبر؛ وذلك لأسباب أهمها أن المركز العالمي لأبحاث فيروسات الخفافيش المشابهة لفيروس كورونا هو معهد ووهان لعلم الفيروسات ويقع على بعد ثمانية أميال من مكان ظهور أولى حالات الجائحة. ولكن لم يكن هناك أي دليل حقيقي، ولم يكن من المفيد “مواجهة كبار العلماء”، كما أخبرني أحد علماء الفيروسات البارزين.

لم تخشَ تشان من إعمال عقلها لمواجهة أفضل علماء الفيروسات في العالم، وقد ساعد إصرارها في تغيير تفكير بعض الباحثين. كان التغيّر في طريقة التفكير حاداً جداً لدرجة أن المؤسسات الإعلامية تقوم بتحديث المقالات القديمة التي وصفت فكرة التسرب من المختبر بأنها نظرية مؤامرة. فعلى سبيل المثال، توضح إحدى المقالات في موقع فوكس الآن بأن “الإجماع العلمي قد تغير”. وفي شهر مايو، أصدر الرئيس بايدن أمراً للوكالات الاستخباراتية الأميركية بإجراء تحقيق جديد في أصل الفيروس، ومن المخطط أن ينتهي قبل نهاية الصيف.

تقول تشان: “أعتقد أن هدفي قد تحقق. أردت فقط أن يقوم الناس بالتحقيق وأن يأخذوا الأمر بجدية. لقد انتهت مهمتي، وأريد أن أعود إلى حياتي الطبيعية”.

من غير المحتمل أن يحدث ذلك قريباً.

إذ إن البرامج التلفزيونية والإذاعية تطلب التحدّث مع تشان، كما وقّعت لتوها صفقة مع شركة هاربر كولنز لكتابة رواية حول البحث عن أصول فيروس كورونا، وذلك بالعمل مع كاتب العلوم البريطاني مات ريدلي. (لم تخبرني تشان ولا ريدلي بالثمن الذي تم بيع الكتاب مقابله). كما يتعين عليها أن تتحمل عواقب اتهامها للصين بارتكاب إحدى أكبر الجرائم التي خلّفت ضحايا عبر التاريخ. وأخبرتني أنها تخطط بعد نشر الكتاب لأن تغير اسمها وتحاول مواصلة مسيرتها العلمية بهدوء.

كما جذبت تشان أيضاً اهتماماً مخيفاً وكريهاً، مثل الرسائل التي تلقتها واصفةً إياها بـ “خائنة العِرق”. يعود جزء من الأصل العرقي لتشان إلى الصين، لكنها ولدت في كندا ونشأت في سنغافورة، التي تنحدر منها عائلتها. وتقول إن عائلتها لا علاقة لها بالسياسة وبأن والديها يعملان في مجال تكنولوجيا المعلومات، وكان الشعار في منزلها هو: “لا تقعوا في المشاكل ولا تتدخلوا في السياسة”. عادت تشان إلى كندا وهي بعمر 16 عاماً للالتحاق بجامعة كولومبيا البريطانية للدراسة في مرحلتي البكالوريوس والدكتوراه. وفي النهاية، كان عليها أن تقرر الجنسية التي تريد أن تحافظ عليها، واختارت الإبقاء على جواز سفرها الكندي.

قبل أن ألتقي بها مؤخراً في معهد برود، رتبنا إجراء الاجتماع على تطبيق سيجنال المشفّر. ولم ترغب في ذكر رقم الطابق الذي تعمل فيه، بل التقينا خارج المبنى. وأخبرت أصدقاءها بأن الحكومة الصينية قد تلاحقها بقولها: “هدفي الآن هو البقاء على قيد الحياة وعدم التعرض للقتل”.

يقول رئيسها في معهد برورد، بين ديفرمان: “هناك بعض المخاوف المتعلقة بالسلامة”. يعدّ معهد برود هو المعهد الأول في الولايات المتحدة لدراسة علم الوراثة البشرية، وتبلغ ميزانيته 500 مليون دولار سنوياً. يبحث مختبر ديفرمان في كيفية تعديل الفيروسات التي يمكن استخدامها في العلاج الجيني. ويقول بشأن تعليقاتها حول نظرية التسرب من المختبر: “أعتقد أنها قد قامت بأكثر مما قام به أي شخص آخر في إشراك الجمهور وتقديم الأمور من منطلق علمي ووسطي، والتي ربما لم تكن تبدو وسطية في ذلك الوقت. لم يتغير رأيها، لكن آراء الآخرين تغيرت”، ويشمل ذلك أشخاصاً من داخل المعهد، الذي دعم حريتها في التعبير لكنه طلب منها الفصل بين عملها وأنشطتها على تويتر. يقول ديفرمان: “نحن نرى ذلك خارج نطاق عملها الذي تتقاضى عليه أجراً في المعهد. طالما أنها لم تتحدث إلا بالنيابة عن نفسها، فمن حقها مناقشة ذلك والسعى خلفه”.

ويقول ديفرمان: “أنا خائف حتى من التفكير في كل الأشياء التي ينطوي عليها هذا الأمر، وفي ماذا سيحدث إذا تبين أنه صحيح. إنه مخيف بعض الشيء. بصراحة، لا أعرف كيف سيتعامل العالم مع هذه المعلومات، لكن لا يمكن لذلك أن يكون جيداً برمّته”.

كحال الصحفيين الآخرين المهتمين بفكرة التسرب من المختبر، قمتُ بمتابعة تشان منذ شهر مايو الماضي؛ إذ قدّمت شخصية فريدة بين الذين يبحثون في هذا اللغز عبر الإنترنت. فقد عملتْ في مؤسسة علمية حقيقية ولم يظهر عليها بأنها مهووسة أو لديها دافع واضح. كما أنها ذكية وودودة ولديها عدد لا حصر له من المراجع المتوافرة بين يديها، والتي كانت دائماً ما تستغرق وقتاً كافياً لمشاركتها وشرحها. يقول جوناثان آيسن، الذي يدرس تطور الميكروبات في جامعة كاليفورنيا في ديفيس، وينشط أيضاً في مناقشات وسائل التواصل الاجتماعي حول أصول فيروس كورونا: “لا شك في أنها ساعدت في رفع مستوى النقاش بخصوص الأصل المختبري إلى مستوى يرغب عدد أكبر من الناس في الحديث عنه، وليس فقط أصحاب نظريات المؤامرة”.

ومع ذلك، فإن المشكلة الواضحة في نظرية التسرب من المختبر هي أنه لا يوجد دليل ملموس عليها. ليس لدى تشان وجهة نظر معينة حول الكيفية الدقيقة لوقوع الحادث، سواءً عن طريق إصابة طالب بالمرض في أحد كهوف الخفافيش مثلاً، أو حدوث خطأ في بحث سري لإصابة الفئران بفيروس جديد. بعد قراءة منشورات تشان، لاحظتُ أن العديد من ادّعاءاتها لا تتعلق حتى بالأدلة المباشرة على ذلك الإطلاق، بل كانت تدور بشكل أكبر حول غياب تلك الأدلة؛ فهي تميل إلى الإشارة إلى الأشياء التي لم يقم الباحثون الصينيون بفعلها أو التصريح عنها، أو إلى حقائق مهمة لم يكشفوا عنها بسرعة، أو إلى الحيوان المصاب الذي لم يعثروا عليه مطلقاً في سوق الأطعمة الحيوانية، أو إلى قاعدة بيانات لم تعد موجودة على الإنترنت. إنها تشير بوضوح إلى وجود ما يتم التستر عنه، وبالتالي مؤامرة لإخفاء الحقيقة.

فيروس مسبق التكيّف

في شهر فبراير الماضي، عندما اجتمع كبار العلماء لتحليل جينوم الفيروس، انتهى بهم الأمر بنشر رسالتين. نُشرت الأولى في مجلة لانست واستبعدت احتمال وقوع حادث مختبري ووصفته بأنه “نظرية مؤامرة” (من بين مؤلفيها هناك عالِم قام بتمويل الأبحاث في مختبر ووهان). أما الرسالة الأخرى فكانت هي رسالة “الأصول القريبة” في مجلة نيتشر ميديسين، التي شارك في تأليفها كريستيان أندرسن، عالم الأحياء التطورية في معهد سكريبس للأبحاث في لا جولا بولاية كاليفورنيا. قام أندرسن وزملاؤه بدارسة جينوم الفيروس واستعرضوا الحجج التي تفسر سبب الاحتمال الكبير لحدوثه بشكل طبيعي، مدعومةً بالدليل على أنه فيروس مشابه للفيروسات الأخرى الموجودة في الطبيعة.

لا تزال الحروف الجينية البالغ عددها 30,000 والموجودة في ذلك الجينوم هي الدليل الأكثر دراسةً للبحث عن أصل الفيروس. كثيراً ما تتبادل فيروسات كورونا بعض الأجزاء، في ظاهرة تسمى إعادة التركيب الجيني. وجد أندرسن أن جميع مكونات الفيروس قد تمت ملاحظتها من قبل في عينات تم جمعها من الحيوانات على مر السنين. ويعتقد بأن التطور يمكنه أن يؤدي إلى إنتاج ذلك. كان معهد ووهان يقوم بتعديل فيروسات الخفافيش جينياً لإجراء تجارب علمية، لكن جينوم فيروس كورونا لم يتطابق مع أي من الفيروسات “الأساسية” المفضلة المستخدمة في تلك التجارب، ولم يتضمن أي علامة واضحة أخرى على التعديل الجيني.

ووفقاً لشركة كلاريفيت للتحليلات، كانت الرسالة المنشورة في مجلة نيتشر ميديسين في المرتبة 55 للمقالات الأكثر اقتباساً في عام 2020، مع أكثر من 1,300 اقتباس في المجلات التي تم تتبعها. أظهرت سجلات البريد الإلكتروني لاحقاً أنه اعتباراً من يناير 2020، كانت هذه المقالة موضوع رسائل عاجلة وعالية المستوى ومكالمات جماعية بين مؤلفيها وتوني فوسي، رئيس المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المُعدية، وأبرز علماء الفيروسات ورئيس مؤسسة ويلكم ترست، وهي مؤسسة كبيرة لتمويل الأبحاث الصيدلانية في المملكة المتحدة.

في البداية، كان المؤلفون قلقين من أن الفيروس يبدو مريباً، وذلك قبل أن يُجمعوا بسرعة على دليل علمي يدعم السبب الطبيعي. كان أحد أهدافهم الأولية هو القضاء على الشائعات القائلة بأن الفيروس هو سلاح بيولوجي أو ناجم عن خطأ هندسي، لكن انتهى بهم الأمر بالذهاب إلى أبعد من ذلك، حيث كتبوا: “نحن لا نعتقد أن أي سيناريو من السيناريوهات المخبرية معقول”.

كانت تشان تعمل من منزلها في ماساتشوستس، وسرعان ما وجدت طريقة لإعادة طرح نظرية الحادث المختبري من خلال البحث عن الاختلافات مع فيروس السارس المشابه الذي انتشر في عام 2002 ولكنه لم يتسبب إلا في حدوث 8,000 حالة فقط. قامت تشان مع شينغ زان، أخصائي المعلومات الحيوية في جامعة كولومبيا البريطانية، بدراسة أولى الحالات البشرية لمرض كوفيد ولاحظا أن الفيروس الجديد لم يطرأ للطفرات بالسرعة التي تعرّض بها فيروس السارس لها. واعتقدت تشان لو أن الفيروس أتى من أحد الحيوانات في السوق، فإن جينومه سيُظهر علامات على التكيف بسرعة أكبر ليناسب مضيفه البشري الجديد تماماً عليه. وقامت بإعداد تحليل تقول فيه بأن الفيروس كانت قد “تكيف مسبقاً” مع البشر وقدّمت بعض النظريات عن السبب. ربما كان ينتشر في أماكن أخرى من الصين دون أن يتم الكشف عنه. أو كما اعتقدت بأنه ربما كان ينمو في مختبر في مكان ما أو ربما كان يتكاثر في الخلايا البشرية أو في فئران معدلة جينياً كانت تحتوي على جينات بشرية مضافة إليها.

وكتبت تشان إنه “ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار” احتمال أن يكون فيروس غير معدّل قد “تكيّف مع البشر أثناء دراسته في المختبر، بغض النظر عن مدى احتمالية حدوث ذلك”.

وفي 2 مايو 2020، نشرت تشان ورقة أولية، شارك في تأليفها ديفرمان وزان، على موقع (bioRxiv)، وهو موقع على الإنترنت لنشر النتائج بسرعة قبل أن تتم مراجعتها من قبل علماء آخرين. وكتبوا: “تشير ملاحظاتنا إلى أنه بحلول الوقت الذي تم فيه الكشف عن فيروس كورونا لأول مرة في أواخر عام 2019، كان قد تكيف مسبقاً مع الانتقال إلى البشر”. كما قام قسم الاتصالات في معهد برود بإرشاد تشان إلى أمثلة حول كيفية إعداد “سلسلة تغريدات على تويتر”، وهي سلسلة من المنشورات المتسلسلة مع صور، والتي تقدّم حجة علمية مُحكمة إلى جمهور أوسع. ونشرت أول سلسلة تغريدات لها في اليوم التالي.

بالنسبة للصحفيين الذين يشككون في كيفية تعامل الصين مع الفيروس، فإن تلك السلسلة، وما تبعها، كانت بمنزلة الديناميت. فقد كانت تشان عالمة حقيقية في أكبر مركز للجينات في الولايات المتحدة وكانت تشرح السبب وراء احتمال أن تكون القصة الرسمية خاطئة. ونشرت صحيفة ميل أون صنداي (Mail on Sunday) مقالاً كان عنوانه بالخط العريض: “فيروس كورونا لم يأتِ من الحيوانات في سوق ووهان”، فيما أصبح أول ظهور لتشان في المناقشات مع عامة الناس.

وبينما حقق تقريرها نجاحاً إعلامياً، فإن الورقة التي وصفتها صحيفة ديلي ميل بأنها “ورقة محورية” لتشان لم تلقَ حتى الآن أي قبول رسمي من قبل أي مجلة علمية. وتقول تشان إن ذلك بسبب الرقابة لطرحها لاحتمالية الأصل المختبري للفيروس. ومع ذلك، يعتقد آيسن من جامعة كاليفورنيا في ديفيس بأن توقعات تشان بشأن الطريقة التي كان يسلكها فيروس كورونا تظل مجرد تخمين. وهو لا يعتقد بأننا تتبعنا عدداً كافياً من الأوبئة بتفاصيل جزيئية كافية لنعرف ما هو طبيعي حقاً. ويشير إلى أن فيروس كورونا استمر في التغير والتكيّف.

يقول آيسن، الذي استغرق وقتاً في دراسة الورقة: “يقول زملائي بأن هذه مؤامرة وعليّ ألا أهتم. قلت لا وسأتعامل معها مثل أي ورقة أخرى. أعتقد أن ما حاولت تشان القيام به هو أمر مثير للاهتمام، لكنني لستُ مقتنعاً بالنتيجة، وأعتقد أن الاستنتاجات كانت خاطئة. أنا أثني عليها لنشرها ذلك. الكثير من الأشخاص الذين يدفعون نحو نظرية الأصل المختبري لا يقدّمون ادّعاءات تستند إلى المنطق، لكنها قدّمت أدلتها. لا أتفق مع ذلك، لكنه علم”.

ولكن سواءً كان الأمر خاطئاً أو صحيحاً، فإن المصطلح الذي استخدمته تشان، “مسبق التكيّف”، يثير حفيظة بعض الأشخاص مثل المؤلف نيكولسون بيكر. يقول بيكر، الذي تواصل مع تشان لمعرفة المزيد: “كنا نتعامل مع مرضٍ كان منذ بدايته جيداً على نحو استثنائي في مهاجمة المجاري الهوائية لدى الإنسان”. وبعد ذلك بعدة أشهر وفي شهر يناير من هذا العام، نشر بيكر تقريراً مطوّلاً في مجلة نيويورك يقول فيه إنه أصبح مقتنعاً بأن السبب هو حادث مختبري. واستشهد بالعديد من المراجع المتنوعة، بما فيها تشان.

مشكلة آكل النمل الحرشفي

لم تنته تشان من إيجاد فجوات في فكرة ​​الأصول الطبيعية؛ إذ قامت بعد ذلك بمراجعة أربع أوراق بحثية نُشرت بسرعة في أوائل عام 2020، اثنتين منها في مجلة نيتشر، وتصف فيروسات تشبه فيروس كورونا لدى آكلات النمل الحرشفية، وهي حيوانات ثديية مغطاة بالحراشف ومهددة بالانقراض وتؤكل أحياناً كطعام شهي في الصين. إذا تمكن الباحثون من العثور على جميع مكونات الفيروس الوبائي، خاصة في الحيوانات البرية التي يتم الاتجار بها كطعام بشكل غير قانوني، فيمكنهم ضمان قضية انتقال الفيروس من الطبيعة، بالنظر إلى الطريقة التي تتبادل بها فيروسات كورونا مكوناتها. وكانت الأوراق البحثية، التي وصفت آكلات النمل الحرشفية ونُشرت بشكل متعاقب وسريع في أوائل عام 2020، بداية واعدة. بالنسبة لمؤلفي ورقة “الأصول القريبة”، قدمت هذه الفيروسات المشابهة أدلة “قوية” و”محدودة” على النشوء الطبيعي.

لاحظت تشان وزان أن جميع الأوراق البحثية وصفت نفس المجموعة من الحيوانات، على الرغم من أن بعضها فشلت في الاعتراف بالتداخل. وقامت إحدى الأوراق حتى بإعادة تسمية البيانات؛ ما جعلها تبدو وكأنها جديدة. بالنسبة إلى تشان، لم يكن هذا الأمر مجرد عمل مراوغ أو سوء سلوك علمي. واعتقدت أنه ربما كان هناك “تنسيق” بين المؤلفين المتداخلين لكل هذه الأوراق البحثية، الذين قام بعضهم بالنشر مع بعضهم الآخر من قبل. وقامت بإنشاء هاشتاغ #pangolinpapers، تذكيراً بوثائق بنما التي كشفت معاملات مالية خارجية سرية.

واعتقدت أن الباحثين ربما يقومون الآن بتنظيف البيانات لجعلها تبدو وكأن الطبيعة مليئة بفيروسات مماثلة.

بدأت تشان بإرسال رسائل بريد إلكتروني إلى المؤلفين والمجلات للحصول على البيانات الأولية التي تحتاجها لتحليل ما قاموا به بشكل كامل. عادة ما يكون إتاحة مثل هذه البيانات شرطاً للنشر، ولكن لا يزال من الصعب الحصول عليها. وبعد ما وصفته بأشهر من المماطلة، فقدت تشان أعصابها أخيراً ووجهت اتهاماً عبر متصفحها على الإنترنت. وكتبت على تويتر: “أريد من العلماء والمحررين الذين يتسترون بشكل مباشر أو غير مباشر على مشاكل سلامة الأبحاث الخطيرة المرتبطة ببعض الفيروسات الرئيسية الشبيهة بفيروس كورونا أن يتوقفوا ويفكروا قليلاً. إذا كانت أفعالك تغطي على أصول فيروس كورونا، فأنت تلعب دوراً في موت ملايين الأشخاص”.

وقال إيدي هولمز، عالم الفيروسات الأسترالي البارز والمؤلف المشارك لإحدى تلك الأوراق البحثية (بالإضافة إلى ورقة “الأصول القريبة”)، واصفاً التغريدةَ بأنها “واحدة من أكثر الأشياء المهينة التي قرأتها حول قضية أصول الفيروس”؛ إذ شعر بأنه متهم، لكنه تساءل عن الأمر الذي يُتهم به، لأن ورقته البحثية قد فسرت بشكل صحيح مراجعها الخاصة ببيانات آكلات النمل الحرشفية. قام هولمز بعد ذلك بمشاركة جدول زمني معقد أعدته تشان لتواريخ النشر والصلات السابقة بين المؤلفين. تنطوي الشبكة الكثيفة من الأسهم والارتباطات في الرسم البياني على تشابه واضح مع لوحة فلّين حائطية مملوءة بخيوط حمراء ودبابيس تثبيت.

لم يقدم هولمز أي رد على الطلب الموجه إليه لإبداء التعليق. ولكن بعد أن اتصل شخص ما بمعهد برود للشكوى من المضايقات، قامت تشان بحذف التغريدة. وقالت: “لقد ارتكبت خطأ بنشر تغريدة وأنا بحالة غضب”. يتبع معهد برود لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا -الذي ينشر أيضاً هذه المجلة- ووجدتُ العام الماضي أن تشان قد أثارت غضب علماء فيروسات بارزين لدرجة أن تواصلي المؤسساتي غير المباشر معها أصبح يمثل مشكلة. وعندما اتصلتُ بهولمز في الخريف الماضي بشأن مسألة أخرى، وذلك لمعرفة معلومات عن الإصدار الأولي للجمهور من جينوم فيروس كورونا في يناير 2020، الذي شارك في إعداده، أجاب بأنه لن يناقش ذلك معي لأن تشان أيضاً تابعة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وهي “تشكك بشكل مباشر في نزاهة أبحاثي”.

وكتب لي هولمز رافضاً إجراء المقابلة: “هناك عواقب للأفعال. وأنا آسف لأنك بمنزلة الأضرار الجانبية”.

يقول بعض متابعي تشان على تويتر بأنها معبرة. يقول أليكس كريتس كريستوف، المتخصص في دراسات المعلومات الحيوية للبيانات الجينية في جامعة كاليفورنيا في بيركلي مؤخراً والباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه، مثل تشان: “أعتقد أنها أكثر صدقاً من الناحية الفكرية من مؤيدي نظرية التسرب من المختبر الأقوياء الآخرين، بمن فيهم بعض أعضاء هيئة التدريس. أحب الطريقة التي تتعامل بها مع القضايا. ومع ذلك، أعتقد أنها ارتكبت بعض الأخطاء الكبيرة هنا. أعتقد أن خطأها الرئيسي هو الادعاء بوجود نية خبيثة في الحالات التي لا يوجد فيها سوى المشاكل الاعتيادية لمشاريع التسلسل الكبيرة والفوضوية”.

الجينوم الفيروسي

أخبرني كريتس كريستوف أنه قضى أيضاً عدداً كبيراً من الساعات في دراسة قواعد البيانات الجينية على جهاز الكمبيوتر الخاص به بحثاً عن أدلة على أصل الفيروس. كان يشعر في البداية أن احتمال حدوث التسرب من المختبر هو 20%، لكنه قال إنه خفض تقديره هذا إلى النصف بعد دراسة المسألة. يبدو الدليل على الأصل الطبيعي أقوى. ويقول: “هناك تحيز هائل تجاه فرضية التسرب من المختبر ولا أحد يعترف بذلك حقاً. الكثير منا سيكونون سعداء إذا استطاع المتخصصون في المعلوماتية الحيوية… أن يؤدوا إلى إثبات الجريمة بطريقة مماثلة لروايات مايكل كرايتون”.

من الواضح أن جينوم فيروس كورونا يجعله ينتمي إلى فصيلة فرعية من العوامل المسببة للأمراض، التي تظهر لدى الخفافيش. فهو ينطوي على مجموعة من المكونات البيولوجية الضارة، وعلى الرغم من عدم حيويته، إلا أنه جيد في السيطرة على الخلية وتحويلها إلى مصنع لمزيد من الفيروسات. ولكن على الرغم من الادعاءات المختلفة التي تشير إلى أنه قد تم إنشاؤه من فيروس مرض الإيدز أو باستخدام تقنية كريسبر، فإن الجينوم لا يحمل أي علامة واضحة على أنه قد نشأ في طبق بتري في المختبر. وحسب رأي العديد من العلماء مثل آيسن، إنه مجرد أمر يمكن للتطور أن ينتجه، بحيث يكون ذكياً وصغيراً وفعالاً بشكل مميت، فضلاً عن غيرها من الصفات التي تمت ملاحظتها من قبل.

يعدّ عدم وجود دليل حاسم في الجينوم أحد الأسباب التي جعلت نظرية الحادث المختبري تبقى خلال النصف الأول من عام 2020 على الإنترنت في الغالب؛ حيث تمت متابعتها بشكل أساسي من قِبل الهواة عبر الإنترنت، الذين كان بعضهم يعمل تحت أيدي مجهولة ويفتقرون إلى المصداقية بالنسبة للعلماء المتخصصين. فيما بعد، وصفت أنجيلا راسموسن، عالمة الفيروسات وكاتبة الرأي من جامعة ساسكاتشوان، الدائرة الاجتماعية التي تشكلت حول النظريات  المرتبطة بأصول الفيروس، بأنها تنطوي على “نشطاء متحمسين ومحققين نصّبوا أنفسهم وكتّاب غير مؤهلين وأصحاب نظريات المؤامرة ذوي الدوافع السياسية”.

لقد حقق هؤلاء الأشخاص بعض النجاح في مجال واحد؛ فباستخدام السجلات الخاصة بمعهد ووهان لعلم الفيروسات -بما فيها أطروحة ماجستير وجدت على موقع إلكتروني صيني وتعليقات توضيحية في قواعد بيانات الجينات- تمكنوا من توثيق حقيقة أن المعهد لم يكشف على الفور عن مجموعة من الفيروسات من نفس عائلة فيروس كورونا. كما قام أيضاً بحجب مكان العثور على هذه الفيروسات الأخرى، وذلك في منجم حيث تعرض بعض الرجال الذين كانوا يجمعون فضلات الطيور لمرض رئوي غامض في عام 2012. وبعد ثمانية أشهر، اعترف المعهد بعمال المناجم الذين تعرضوا للوفاة وبالاختبارات التي أجريت على دمائهم المحفوظة. وقال المعهد إن الاختبارات استبعدت أن يكون فيروس كورونا هو سبب الوفيات التي حدثت عام 2012.

لا يمكن لكثير من العلماء تفسير فشل المعهد في الكشف عن مثل هذه المعلومات ذات الصلة في وقت أبكر. يقول ديفيد ريلمان، عالم الأحياء بجامعة ستانفورد: “من الصعب أن نفهم سبب عدم إخبارنا بذلك من قبل”. وقال أنتوني فوسي أيضاً إنه يرغب في الاطلاع على عينات الدم الخاصة بعمال المناجم.

كانت تشان أحياناً تقوم بدور لتنظيف دلائل التسرب من المختبر، وذلك من خلال التخلص من أكثرها سخافة والإبقاء على غيرها. وأضافت في بعض الأحيان مصادر ومراجع علمية. وفي أحيان أخرى، كانت تعبر عن مخاوفها بتغريدة بليغة؛ فعلى سبيل المثال، فشل معهد ووهان في وصفه الأولي للفيروس في فبراير 2020 عندما أشار إلى جزء غير اعتيادي يسمى موقع انشقاق الفورين، وهو جزء من التسلسل الجيني، وقد يكون مريباً؛ لأن مواقع الفورين تُضاف أحياناً إلى الفيروسات بشكل متعمد لجعلها أكثر قابلية للعدوى.

يقوم موقع الفورين -وهو عبارة عن سلسلة من أربعة أحماض أمينية- بمساعدة الفيروس على الاندماج بالخلايا البشرية. لم يتم العثور على مثل هذا الموقع في أي من الفيروسات الأخرى الأكثر ارتباطاً بفيروس كورونا، ولكن أخصائيي التعديل الجيني لديهم تاريخ من إضافتها في التجارب المختبرية. إن التكهنات بأن وجود موقع انشقاق الفورين هو علامة على التلاعب الجيني البشري قد جعله أحد أكثر الجوانب التي تمت دراستها في الجينوم. ترى تشان أن الإغفال الذي قام به أفضل خبراء فيروسات الخفافيش في العالم هو أمر يدينهم، وقارنت ذلك بـ “وصف كائن أحادي القرن دون ذكر القرن”. وقد ظهر تأثرها في تلك المرحلة من خلال نشر عشرات الصور المتحركة لكائن أحادي القرن الخرافي، مع إضافة تعليقات ساخرة مثل “يبدو طبيعياً تماماً بالنسبة لي”.

بهذه الطريقة، يبدو الإغفال مريباً للغاية، فهل كان الأمر كذلك؟ فشلت أيضاً في ذكر موقع انقسام الفورين ورقتان بارزتان أخريان كانتا من بين أوائل من الأوراق التي وصفت الفيروس. لكن باحثين آخرين وجدوه فوراً في الجينوم، الذي كان في ذلك الوقت قد أصبح متاحاً للعامة على أي حال. بالنسبة إلى ستيوارت نيل، رئيس قسم الأمراض المُعدية في كينجز كوليدج لندن، فإن هذا الإغفال “غريب” بالتأكيد، لكن هناك تفسيرات أخرى أقل سوءاً. فربما كان الباحثون في عجلة من أمرهم، كما يقول. ويضيف: “لم يقوموا بإخفاء أي شيء، بل لم يعلقوا عليه فحسب”.

أدرك الباحثون التضمين الوحيد المتكرر في تعليقات تشان، وهو أنه لم يكن ينطوي على وقوع حادث مختبري فحسب، بل بأن الصين تعمل على التستر عليه بنشاط، وذلك بمساعدة غير مقصودة من العلماء الأجانب الذين يخشون طرح تساؤلات صعبة. وكتب أندرسن، من معهد سكريبس، في أحد انتقاداته العديدة عبر الإنترنت لتشان، التي كانت كثيراً ما تتشاجر معه على تويتر: “يجب على أي منشأ مختبري أن يتضمن مؤامرة ضخمة من العلماء والأطباء والمسؤولين عن الاستجابة في مجال الصحة العامة”. ومع ذلك، أشار أندرسن بعد أكثر من عام إلى أنه لم يظهر أي شخص موثوق به من الصين ليكشف المؤامرة.

يمكن أن تذكر تشان أسباباً لذلك؛ فلا ضرورة لإشراك الكثير من الأشخاص في حادث المختبر، ويتم تنظيف الكثير من الأخطاء البحثية بصمت ولا يتم ذكرها مطلقاً، كما حاولت الشرطة الصينية منع الأطباء من مناقشة الفيروس، وتم سجن بعض الصحفيين الصينيين لإثارتهم المشاكل. وتقول تشان إن أي شخص في الصين يطلق الفيروس عن طريق الخطأ، سيكون لديه سبب كاف للبقاء صامتاً، لأنه “يمكن أن يتعرّض للقتل”.

وزارة الخارجية

بحلول نهاية عام 2020، وصلت شهرة تشان إلى ذروتها. وكما ورد لأول مرة في مجلة فانيتي فير، اجتمع المسؤولون في قسم مراقبة الأسلحة بوزارة الخارجية الأميركية عبر تطبيق زوم في 7 يناير، وذلك في اليوم التالي لأحداث الشغب في مبنى الكابيتول، للاستماع إلى الأدلة على احتمالات أن يكون الفيروس قد جاء من المختبر. كانت تشان واحدة من اثنين من المتحدثين الذين تم اختيارهم لإلقاء كلمة أمام المجموعة. وكان المتحدث الآخر هو ستيف كواي، وهو طبيب ومدير تنفيذي لشركة أتوسا ثيرابيوتكس، وهي شركة عامة في مجال التكنولوجيا الحيوية وتقوم بتسويق الكتب الصحية عبر موقع على الإنترنت. يقول كواي إنه “متأكد بنسبة 99%” من أن الفيروس قد جاء من المختبر.

أخبرتني تشان أنها قاومت في البداية إعطاء معلومات إلى وزارة الخارجية وتفاجأت بمدى ضآلة ما تعرفه حكومة الولايات المتحدة فعلاً. لا يبدو بأن هناك أي عمليات تنصت سرّية أو أشخاص منشقين ليدلوا بكل التفاصيل. بدلاً من ذلك، يبدو أن المحققين في عهد ترامب كانوا يعتمدون على الأدلة المنشورة على تويتر وعلى مصادر من غير خبراء الفيروسات المدربين. أدى ذلك إلى نقاش غاضب بين المسؤولين حول ما إذا كانت الأدلة ذات مصداقية. وهناك مذكرتان مسرّبتان تتعلقان ببعض هذه النقاشات. تدافع إحدى المذكرات عن مصداقية كواي باعتباره “رائد أعمال في مجال التكنولوجيا الحيوية ولديه 78 براءة اختراع باسمه” وتثني على تشان لـ “خبرتها العميقة في ازدواجية الصين وانعدام شفافيتها”.

وتقول ضاحكةً: “أعتقد أن ذلك يتحدث عنهم أكثر مني”؛ إذ إن تشان ليس لديها خبرة خاصة بشأن الصين. وعلى الرغم من أنها تستطيع قراءة اللغة الصينية، التي درستها في سنغافورة، إلا أنها تتحدث لغة الماندرين بشكل سيئ لدرجة أن النوادل يطلبون منها أحياناً أن تطلب باللغة الإنجليزية. كما نفت أن يكون دافعها هو أي عداء خاص ضد الصين. وتقول: “لم أعش قط في الصين، ولا يتحدث أيّ من والداي اللغة الصينية كلغة أم، حتى أنني لا أعرف أحداً في الصين. أعتقد أن موقفي معقول بقدر ما يمكن أن يكون، فأنا لا أحب الحزب الشيوعي الصيني بسبب الديكتاتورية ومعسكرات الاعتقال. يمكنني أيضاً انتقاد حكومة الولايات المتحدة بسبب الأطفال المهاجرين الذين يتم وضعهم في أقفاص. لكن هذا لا يعني أنني أريد أن تحترق الولايات المتحدة أيضاً”.

أرسلت لي تشان نسخة من عرضها التقديمي في اجتماع وزارة الخارجية، مع قائمة “أفضل 10 نقاط”. من بين النقاط العشرة، هناك أربع نقاط جينية أو بيولوجية تؤدي إلى عدم وجود فترة لتكيف الفيروس لدى البشر، على الرغم من أن هذا الاستنتاج غير مقبول على نطاق واسع. تتعلق النقاط الستة الأخرى بالسلوك المشبوه المزعوم من جانب العلماء الصينيين، بما في ذلك عدم ذكر عمال المناجم الذين ماتوا في عام 2012 وموقع الفورين في جينوم الفيروس. يمكن لأي مدع عام في قاعة المحكمة أن ينظر إلى هذه النقاط على أنها قضية غير مباشرة لـ “الوعي بالذنب”، وهو المفهوم القانوني الذي يشمل بعض الأفعال مثل تزوير حجة الغياب أو إتلاف الأدلة أو تهديد الشاهد. وقال كواي، المتحدث الآخر الذي شارك تشان، في عرضه التقديمي الذي كان يقوم على نقاط مماثلة، إن أي عالم فيروسات “بريء” لن يقوم بمثل هذه الإغفالات.

شيء فظيع

بحلول مارس 2021، كانت الصين ومنظمة الصحة العالمية على استعداد لتقديم نتيجة تحقيق رسمي مشترك حول أصول الفيروس، الذي خلُص إلى أن السبب الأرجح هو انتقال أحد فيروسات الخفافيش من الحيوانات الغذائية، ووصفَ الحادث المختبري بأنه “بعيد الاحتمال جداً”. تم التوصل إلى هذا الاستنتاج بسبب ادعاء الصين عدم إصابة أي شخص في المختبر بالفيروس أو أن أحداً لم يكن قد تعامل من قبل مع فيروس كورونا. وقالت مجموعة التحقيق إنها لن تسعى خلف النظرية أكثر من ذلك، على الرغم من أن هذا الاستنتاج لم يلقَ قبولاً جيداً، حتى داخل منظمة الصحة العالمية، التي رد رئيسها، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، على الإعلان بقوله إن جميع النظريات يجب أن تظل مفتوحة.

بحلول ذلك الوقت، كانت تشان قد جمعت مجموعة كبيرة من المناصرين العلميين ممن شاركوها في شكوكها أو كان لديهم شكوكهم الخاصة. وفي الأول من شهر أبريل، أرسلتْ بريداً إلكترونياً إلى ريلمان وجيسي بلوم، عالم الفيروسات في مركز فريد هاتشينسون لأبحاث السرطان، تقترح فيه تنظيم بيان يدعو إلى إجراء تحقيق كامل من شأنه الوصول إلى سجلات المختبرات المفتوحة في الصين وغيرها من البيانات الأولية، وذلك من النوع الذي لم تحصل عليه في دراسات آكلات النمل الحرشفية. والآن، ومع استياء العديد من العلماء من تقرير منظمة الصحة العالمية، وافق على التوقيع 18 عالماً، من بينهم ريلمان وبلوم ورالف باريك، أحد كبار الخبراء في فيروس كورونا في جامعة نورث كارولينا. ومع ثقل مثل هذه الأسماء الكبيرة الموقّعة، بالإضافة إلى اسم تشان، نُشرت الرسالة بسرعة في مجلة ساينس.

ومنذ نشر تلك الرسالة، تغيرت المواقف من مسألة المختبر بسرعة أكبر حتى؛ إذ قام العديد من العلماء بتبديل مواقفهم علانية. كما قام أحد الموقعين على رسالة مجلة لانسيت في عام 2020 التي نددت بفرضية التسرب من المختبر ووصفتها بأنها نظرية مؤامرة بتغيير رأيه تماماً. وهو الآن متأكد من أن الفيروس قد تم نشره من خلال خطأ غامض في مكان ما في ووهان. وساعدت الرسالة أيضاً في تجريد نظرية المختبر من ارتباطها بدونالد ترامب وقناة فوكس نيوز ومجموعة متنوعة من المسؤولين الجمهوريين الذين نشروها بحماس لأول مرة في العام الماضي.

بعد أيام قليلة من نشر الرسالة، طلب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن تقريراً استخباراتياً في ضوء حقيقة أن وكالات الاستخبارات منقسمة في تفكيرها. وقال بايدن: “لقد طلبت الآن من مؤسسات الاستخبارات مضاعفة جهودهم لجمع وتحليل المعلومات التي يمكن أن تقربنا من التوصل إلى نتيجة حاسمة، وإبلاغي بذلك في غضون 90 يوماً”.

والآن بعد أن أصبح يتم التحقيق في نظرية الأصل المختبري من قبل مؤسسات قوية وتؤخذ على محمل الجد من قبل مجموعة مهمة من العلماء المرموقين، سألتُ تشان كيف ستشعر إذا ثبت أن الفيروس قد نشأ بشكل طبيعي، والذي يبدو هو الاحتمال الأرجح من قبل معظم العلماء.

أجابت: “تمر عليّ أيام أعتقد فيها أنه يمكن أن يكون طبيعياً. وإذا كان الأمر طبيعياً، فقد فعلتُ شيئاً فظيعاً لأنني عرّضتُ الكثير من العلماء لخطر كبير بقولي إنهم قد يكونون المصدر لحادث أدى إلى وفاة ملايين الأشخاص. سأشعر بشعور فظيع إذا كان منشؤه طبيعياً وفعلتُ كل هذه الأمور”.