نحن بحاجة إلى محركات نووية أكثر قوة حتى نتوغل أكثر في الفضاء وبسرعات أكبر

3 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في السنة الماضية، وصلت فوياجر 2 أخيراً إلى الفضاء البينجمي بعد أن قطعت مسافة تزيد على 18 مليار كيلومتر. وقد أمكن تحقيق هذه البعثة الملحمية بفضل الطاقة النووية، وهي التكنولوجيا التي قدمت الطاقة للمركبة الفضائية منذ عقود.

تستمد المركبات الفضائية -مثل مركبتي فوياجر- طاقتها من مولدات كهرحرارية تعمل بالنظائر المشعة، والتي تسمى اختصاراً آر تي جي RTG. تعتمد هذه المحركات على إطلاق المواد الإشعاعية للحرارة أثناء تفككها. وبتحويل الحرارة الناتجة عن تفكك البلوتونيوم 238 إلى كهرباء، يمكن للمركبة الفضائية أن تتابع عملها حتى بعد أن تصبح أشعة الشمس مجرد وميض بعيد.

ولكن هذه المولدات أصبحت تشكل عائقاً بالنسبة لنا. فإذا أردنا إرسال مركبة فضائية – أو حتى إرسال البشر – إلى الفضاء الخارجي لمسافات أبعد وبسرعات أكبر وبوتيرة أعلى، لن يكون باستطاعتنا أن نتكل على نفس التكنولوجيا النووية التي بلغت عقوداً كاملة من العمر. فكيف يمكننا أن نصل إلى أكثر من ذلك؟

ما الذي يحدث الآن

بدأ مخزوننا من البلوتونيوم 238 بالنفاد. فقد صُنعت الدفعة الأولى في الولايات المتحدة كناتج ثانوي عن تصنيع البلوتونيوم 239 المستخدم في الأسلحة ضمن حقبة الحرب الباردة. وتحتاج ناسا إلى المزيد منه حتى تستطيع مواصلة الاستكشاف.

قرر مختبر أوك ريدج الوطني أن يقوم بعملية التصنيع هذه في 2012. وكان تصنيع كمية ضئيلة لا تتجاوز عدة غرامات عملية يدوية مضنية. ولكن في الشهر الماضي، أعلن باحثو أوك ريدج أنهم تمكنوا أخيراً من تطوير طريقة لأتمتة وزيادة حجم الإنتاج لحبيبات النبتونيوم والألمنيوم اللازمة لتصنيع البلوتونيوم 238. ويتم تحويل الحبيبات إلى البلوتونيوم 238 الثمين عن طريق ضغطها بشكل مغلق ضمن أنبوب من الألمنيوم وتعريضها للإشعاع في المفاعل.

كان تصنيع هذه الحبيبات المشكلة الأكبر في هذه العملية، وقد تطلب الانتقال إلى العمل الآلي الذي لا يعتمد على البشر الكثير من التجارب. يقول مدير المشروع بوب وام: “يعتمد العمل في المجال النووي على التجريب والفحص. تقوم أولاً بالتصميم، آخذاً بعين الاعتبار الكثير من عوامل السلامة، ومن ثم تقوم بتجريب ما صممته لترى الأداء الفعلي وتقارنه مع الأداء المتوقع”. وبعد سنوات من العمل على أتمتة عمليات القياس والتصنيع، توصل الباحثون إلى النتيجة المطلوبة.

حالياً، يقوم المختبر بإنتاج 50 غرام من البلوتونيوم 238 سنوياً، ولكنه يتوقع أن يزيد الكمية إلى 400 غرام سنوياً قريباً، كما يتوقع تحقيق هدف ناسا بإنتاج 1.5 كيلوغرام سنوياً خلال سنتين. وكلما أصبح لدينا المزيد من البلوتونيوم 238، كما تمكنا من إرسال المزيد من البعثات إلى أعماق الفضاء.

خطوات صغيرة

تدرس ناسا أيضاً إمكانية تصنيع نوع أكثر فعالية من المحركات، تسمى eMMRTG، أو المولدات الكهرحرارية المحسنة متعددة البعثات التي تعمل بالطاقة الحرارية. ولكن التقدم بخطوات أكبر نحو الأمام يتطلب دراسة شيء جديد. يقول الباحث ديفيد بوستون من مختبر لوس ألاموس الوطني: “في نهاية المطاف، سنحتاج إلى أنظمة ذات طاقة أعلى. ولا يمكن الحصول على ذلك في المدى المنظور إلا عن طريق الانشطار النووي”.

وهنا يأتي دور كيلوباور

يشغل بوستون منصب مصمم المفاعلات الأساسي لكيلوباور، وهو مفاعل انشطاري تجريبي اختبرته ناسا بنجاح العام الماضي. ويمكن أن يقدم الطاقة على مدى بعثات طويلة، وقد يمكن حتى أن يُستخدم في المراكز البشرية على الكواكب الأخرى. يقول بوستون: “لقد تمكنا من تطوير هذا المفاعل إلى شكل عملي عن طريق تبسيط الأشياء. لقد نفذنا الكثير من برامج المفاعلات الفضائية على مدى السنوات الثلاثين الماضية، ولكنها باءت بالفشل جميعاً. وكانت التكاليف المرتفعة السبب الأهم لذلك”. تبلغ استطاعة كيلوباور حالياً 4 كيلو واط، ولكن الباحثين يأملون بالوصول إلى 10 كيلو واط.

قفزات عملاقة

وضع الباحثون بعض الأفكار النووية الحالمة، بما في ذلك تفجير القنابل النووية خلف المركبة الفضائية ضمن ما يسمى المحرك النبضي النووي (قد تكفي نظرة سريعة لاكتشاف بعض المشاكل العملية في هذه الطريقة). ولكن البعض ما زالوا يعملون على تحقيق بعض الأفكار التي لا تقل جنوناً عن هذه.

يعمل أحد هذه الفرق في شركة برينستون ساتيلايت سيستمز، والتي تحاول توليد طاقة تقدر بالميجا واط عن طريق الاندماج. أجل، لقد انتقلنا من الواط إلى الكيلو واط إلى الميجا واط. من المرجح أنك سمعت عن الاندماج النووي من قبل، أو على الأقل رأيته في كبد السماء يومياً على شكل شمس ساطعة. ينتج الاندماج النووي أضعاف ما ينتجه الانشطار، ولكن التحكم به أكثر صعوبة.

تعمل هذه الشركة على تطوير محرك الاندماج المباشر، والذي يستخدم الحقول المغناطيسية لتوليد تيار من البلازما وتسخينها إلى حرارة تصل إلى مليار درجة مئوية. يقول الفريق أن الدفع الذي تولده هذه الآلة التي تبلغ حجم شاحنة صغيرة يمكن أن يؤدي (نظرياً) إلى تقليل وقت السفر ضمن النظام الشمسي إلى أقل من النصف، حيث تستغرق الرحلة إلى بلوتو مثلاً حوالي أربع سنوات بدلاً من تسعة، مع الحفاظ على فائض من الطاقة.

يقول أخصائي الفيزياء في الشركة تشارلز سوانسون: “إذا تبقى لديك ما يكفي من الطاقة عند وصولك إلى وجهتك، يمكنك أن تقوم بالعديد من التجارب الرائعة. ومن أروع ما قامت به كاسيني التقاط الصور الرادارية لتيتان، قمر زحل. ولكن الرادار يتطلب الكثير من الطاقة، وكان محدود القدرات. ولهذا، فإن وجود مقدار من الطاقة يقدر بالميجا واط يمنحك المزيد من الخيارات”.

تلقت الشركة الكثير من التمويل من ناسا ووزارة الطاقة الأميركية، ولهذا، يبدو أن أحدهم يعتقد أن هذه الفكرة العجيبة قد تنجح فعلاً. ولكن، إذا شئنا أن نكون واقعيين، يجب أن نعترف أن هذا لن يحدث قريباً، أو حتى خلال حياتنا. ما زال الاندماج النووي في المراحل البحثية المبكرة، على الأقل هنا على الأرض.

على الرغم من ذلك، فمن المسلي أن نتخيل الاحتمالات الممكنة لدى تحقيقه. قد يكون القفزة التي نحتاجها لتسريع السفر إلى الكواكب الخارجية وما بعدها.