ابحث عن صورك على الإنترنت باستخدام هذا الموقع المثير للذعر

5 دقائق
ابحث عن صورك على الإنترنت باستخدام هذا الموقع المثير للذعر
حقوق الصورة: بيكساباي.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لم تتوقف أشهر شركة للتعرف على الوجوه عن إثارة الجدل منذ نشأتها، فشركة كليرفيو إيه آي (Clearview AI) التي تمتلك الآن أكثر من 20 مليار صورة وجه لا تزال تواجه عشرات القضايا أمام المحاكم، كما فُرضت عليها عقوبات في مختلف أنحاء العالم بسبب جمع صور الأشخاص دون إذن والتعدي على خصوصيتهم. بيد أن شركة أخرى للتعرف على الوجوه ظلت متوارية عن الأنظار بشكل كبير خلال السنوات الماضية، بدأت تحظى باهتمام واسع مؤخراً باعتبارها “مثيرة للذعر” أكثر من كليرفيوأيه آي لأن خدماتها متاحة لعامة الناس.

البحث في كومة القش

قد يكون البحث عن صورك المتناثرة على الإنترنت أشبه -حرفياً- بالبحث عن إبرة في كومة قش، لكن موقع “بيم آيز” (PimEyes) يسّر هذه العملية للغاية. يتيح محرك البحث عن الوجوه الموجود على الموقع لأي مستخدم البحث عن صوره الشخصية وصور غيره من الأشخاص في أنحاء الشبكة العنكبوتية، بدقة معقولة، عن طريق رفع صورة له حتى ولو كانت قديمة أو مشوشة. يدمج محرك البحث تقنية التعرف على الوجوه (Facial Recognition) مع تقنية البحث العكسي عن الصور (Reverse Image Search)، لتحليل الصور المتشابهة والعثور عليها خلال ثوان قليلة.

اقرأ أيضاً: الوكالات الحكومية الأميركية تخطط لزيادة استخدام تكنولوجيا التعرف على الوجوه

نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية نهاية الشهر الماضي تحقيقاً مطولاً حول الموقع، تضمن عمليات بحث على وجوه العشرات من صحفييها -بعد موافقتهم- لاختبار قوة محرك البحث. وقد تمكنت أداة التعرف على الوجوه من العثور على صور لكل شخص منهم، بعضها لم يره الصحفيون من قبل. وحتى عندما استخدموا في البحث صوراً يرتدون فيها نظارات شمسية أو أقنعة، أو تم إبعاد وجوههم عن الكاميرا، كانت النتائج لا تزال مذهلة.

أكبر قاعدة بيانات دون صورة واحدة

توضح الشركة التي تدير “بيم آيز”، في تدوينة على موقعها الرسمي، أنها طورت طريقة فريدة لجمع البيانات. فعلى الرغم من حقيقة أن لديها أكبر قاعدة بيانات في أوروبا، إلا أنها لا تحتوي على صورة واحدة. وبدلاً من جمع الصور وتخزينها، تقوم “بيم آيز” -كأي محرك بحث تقليدي على الإنترنت– بإجراء بحث بناءً على نظام فهرسة فريد من نوعه.

تتم فهرسة ما يسمى بـ “بصمات الوجوه” الموجودة على الإنترنت لغرض البحث فقط، ولا ترتبط عملية الفهرسة أبداً بأي شخص معين، وإنما بعنوان “محدد موقع الموارد الموحد” (URL) الذي توجد فيه الصور. وبالتالي، لا تحتوي قاعدة بيانات “بيم آيز” نفسها على معلومات شخصية، وإنما فهارس مواقع الويب المتاحة للجمهور والتي لا تتطلب إذناً خاصاً للوصول إليها.

وعلى الرغم من أن مثل هذا النهج قد يؤدي إلى عدم رضا العملاء الذين يرغبون في الاحتفاظ بسجل البحث الخاص بهم، أو أرشفة بيانات البحث، إلا أن الموقع يعتبر هذا النهج أكثر أماناً، لا سيما إذا تعرضت قاعدة البيانات إلى الاختراق بطريقة أو بأخرى وتسربت البيانات على الإنترنت، إذ لا توجد أي طريقة ممكنة لإعادة بناء أي صورة، أو تحديد هوية أي شخص، بناءً على “المخلفات” الموجودة داخل قاعدة البيانات.

الماضي المظلم لا يزال حياً

في شهر فبراير الماضي، رفعت مهندسة البرمجيات شير سكارليت بعض صور ابنتها المراهقة وأمها على الموقع، كنوع من التجربة. لم تسفر المحاولة في البداية عن نتائج مهمة، فكل ما حصلت عليه صور أطفال آخرين يشبهون ابنتها، بينما قادت صورة والدتها إلى بعض صورها الحقيقية القديمة، بالإضافة إلى صور لنساء أخريات. ولكن عندما حاولت الموظفة السابقة في شركة أبل البحث عن صورها الشخصية، اكتشفت وجود صور قديمة تعود إلى وقت مظلم من حياتها. عندما كانت سكارليت تبلغ من العمر 19 عاماً كانت مفلسة ومحطمة نفسياً، ففكرت في العمل في مجال المواد الإباحية لكنها تعرضت لتجربة مهينة وعنيفة أمام الكاميرا، دفعتها للتخلي نهائياً عن الفكرة.

تقول سكارليت -التي أسست الحركة العمالية المعروفة باسم (#AppleToo)- إن ما حدث لها في نيويورك عام 2005 كان مؤلماً للغاية لدرجة أنها حاولت الانتحار في الأسابيع التالية. وقد حاولت جاهدة إخفاء هذا الأمر خلال السنوات التالية حتى أنها غيرت اسمها ورقم هاتفها. لكن “بيم آيز” أعاد لها هذا الماضي بضغطة زر، وأظهر لها روابط للمواقع التي يمكن العثور فيها بالضبط على هذه الصور.

اقرأ أيضاً: حيلة يمكنها أن تجعل نظام التعرف على الوجوه يقع في خطأ فادح

الدفع مقابل إخفاء الصور

يقدم الموقع لمستخدميه خدمات أوسع من البحث، لكن مقابل مبالغ مالية بعضها باهظ فعلاً. يتقاضى “بيم آيز” 30 دولاراً شهرياً للسماح للشخص بالوصول إلى مصادر النتائج، أي إلى مواقع الويب والصور نفسها، و80 دولاراً مقابل السماح للمستخدمين بالتحكم في النتائج وإرسال إشعارات لإزالة المواد المخالفة. وأخيراً، تقدم خطة الاشتراك الأغلى ثمناً خدمتين مختلفتين: السماح للمستخدمين بالبحث في قاعدة البيانات الخاصة به وإجراء عمليات بحث أكثر عمقاً، والسماح لهم بإخفاء صورهم من نتائج البحث، لكن تكلفة هذه الخدمات تبلغ 300 دولار شهرياً، من المفترض أن يظل الشخص يدفعها “إلى ما لا نهاية”.

في مقالة شرحت فيها تجربتها بالتفصيل، قالت سكارليت إن خوفها من ردود أفعال الناس على هذه الصور دفعها للبحث عن كيفية إزالتها، وقد اكتشفت أن الموقع يوفر للمستخدمين خيار استبعاد صورهم من النتائج العامة التي تظهر في محركه البحثي مقابل الرسوم الشهرية التي تبلغ 80 دولاراً. ومع أنها اختارت الاشتراك في الخطة الأغلى ثمناً، إلا أن معظم صورها ظلت تظهر وتختفي في نتائج البحث خلال الأسابيع التالية.

اقرأ أيضاً: ما الذي يعنيه إعلان شركة جوجل الأخير عن خصوصية البيانات؟

أكثر خطورة من كليرفيو

ثمة العديد من الاختلافات الرئيسية بين المحرك البحثي المستخدم في هذا الموقع وبين محرك التعرف على الوجوه الذي طورته شركة كليرفيو، أهمها أن كليرفيو لا تتيح استخدام أداتها -حتى اللحظة- سوى لوكالات إنفاذ القانون وكيانات محددة. وعلى الرغم من كم الانتقادات الموجهة لها بسبب التعدي على الخصوصية والتحيز والأخطاء الكارثية التي تسببت فيها هذه الأداة، إلا أن تتبع المؤسسات التي تستخدمها ومعرفة هويتها وعددها يظل أسهل كثيراً من تتبع الأشخاص المنفردين الذين يستخدمون خدمات “بيم آيز”.

الاختلاف الأساسي الآخر هو أن نتائج بحث “بيم آيز” لا تتضمن صوراً مأخوذة من مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك على عكس كليرفيو التي يعتمد نظامها بشكل أساسي على مكتبة ضخمة من الصور العامة المأخوذة من هذه المواقع. تعتمد “بيم آيز” بدلاً من ذلك على الصور المنشورة ضمن المقالات الإخبارية وصفحات تصوير حفلات الزفاف والمدونات والمواقع الإباحية.

“حتى لا تتحول الشركة إلى وحش”

تعترف بيم آيز بأن تكنولوجيا التعرف على الوجوه في حد ذاتها مثيرة للجدل، وبأنه كثيراً ما تثار أسئلة حول الجانب الأخلاقي لجعل التعرف على الوجوه متاحاً للعامة. ومع ذلك، فإنها تدافع عن نفسها في مواجهة الاتهامات بالقول إن كل ما توفره هو مجرد أداة، وعلى المستخدم أن يلتزم باستخدام هذه الأداة بشكل مسؤول. وفي التدوينة المنشورة على موقعها، تقارن الشركة بين أداتها والمطرقة، إذ “يمكن للجميع شراء مطرقة، ويمكنهم استخدامها إما في صناعة شيء ما أو استخدامها في القتل. من المستحيل التحقق مما إذا كان بعض الأفراد يستخدمون كل أداة في حوزتهم وفقاً للقانون، وليس من الحكمة إلزام صانعي الأدوات بالتأكد من استخدام منتجاتهم للغرض الذي صنعته من أجله”.

كما ترى “بيم آيز” أنها إذا بدأت في التحقق من هوية كل مستخدم ومقارنتها بالبيانات التي يبحث عنها، فقد يحول هذا الشركة إلى وحش لا يخزن فقط البيانات الشخصية والقياسية الحيوية لكل مشترك، وإنما يخزن أيضاً المواد التي يرغب المستخدمون في تركها سرية.

اقرأ أيضاً: حقوق البيانات الجماعية قد تمنع الشركات التكنولوجية الكبيرة من تدمير الخصوصية

ومن المفارقات الغريبة أن التغطية الإعلامية المتجددة التي حظي بها الموقع بعد نشر تجربة سكارليت تسببت في شهرة واسعة غير مقصودة له، لدرجة دفعته يوم 25 مايو الماضي إلى إعلان أنه “نظراً لزيادة الإقبال، توجب على إدارة بيم آيز إعداد قوائم انتظار للمستخدمين المجانيين”.