مشروع لتصميم الأطفال بتمويل من البيتكوين

12 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كانت أصابع بريان بيشوب – وهو يحمل تصنيفاً على مستوى البلاد في سرعة الطباعة – تتحرك بسرعة عالية على لوحة المفاتيح في أوستن، تكساس، فقد كان يكتب مسودة أولية لاستفسار مهذب موجه إلى أحد مستشرفي المستقبل في المملكة المتحدة، وذلك للحصول على نصيحة حول مشروعه لتأسيس “شركة ناشئة لتصميم الأطفال”.

منذ عدة سنوات وحتى الآن، كان بيشوب – وهو مبرمج ومستثمر في البيتكوين بعمر 29 سنة – يترك أثراً من التعليقات حول “تحسين” البشر على الإنترنت. يعتقد بيشوب بوصفه من دعاة تحسين البشر أنه يمكن استخدام التكنولوجيا لتحسين الصفات البشرية إلى حد كبير. ولطالما دعا الآخرين إلى فعل شيء ما بخصوص الحالة البشرية.

أما الآن، فقد قرر أن يقوم بهذا بنفسه.

وفقاً للبريد الإلكتروني الذي أرسله بيشوب في مايو، فقد قرر بالتعاون مع شريكه ماكس بيري -وهو عالم مخبري سابق في شركة للتكنولوجيا الحيوية- “إطلاق شركة تركز على إنتاج الأطفال الذي يحملون صفات خاصة التصميم وتطبيق الهندسة الجينية على الخط الجنسي (مجموعة الخلايا التي تحمل مواد جينية يمكن توريثها) البشري”. ويقول إن “العمل المخبري قد بدأ مسبقاً” وأنه “يوجد والدان يُعتبران أول الزبائن لدينا”.

قال بيشوب أنه يرغب بنصيحة أخلاقية لمساعدته على الفوز برعاية أحد علماء الجينات البارزين، وهو جورج تشيرتش من جامعة هارفارد، والذي وضع قائمة بالتحسينات الجينية الممكنة –تتضمن جينات تحدث عنها في عشرات اللقاءات بأسماء غريبة مثل PCSK9 وCCR5 – وتعتبر هذه القائمة بمثابة “قائمة الأحلام” للحقبة ما بعد البشرية.

يأمل بيشوب بتحقيق هذه الاحتمالات. ووفقاً لنسخة من عرض الأعمال الذي صاغه، فإن مشروعه يهدف إلى السماح للأهل بإنجاب أطفال يحملون جينات معدلة بحيث “تنمو عضلاتهم بدون رفع أثقال” ويحملون جينات من “معمرين فائقين (تزيد أعمارهم على 110 أعوام)” ويتمتعون بفئة دم AB+، ما يتيح نقل الدم إليهم من أي شخص.

دعاة تصميم الأطفال برايان بيشوب (يسار) وماكس بيري في مؤتمر مشروع كتابة الجينوم.

في نوفمبر، ادعى عالم صيني مختص بالفيزياء البيولوجية أنه تمكن من استيلاد أطفال يحملون جينات معدلة لأول مرة، وهو نبأ أثار ضجة عالمية من الاستنكار، وقد يؤدي إلى فرض عقوبات قاسية في الصين على ذلك العالم. وبما أن عمل هي جيانكوي عُرض لأول مرة في إم آي تي تكنولوجي ريفيو، فقد سارع كبار المؤسسات العلمية لإيقاف تكرار هذا العمل من قبل باحث “متمرد” آخر. حيث يرغب البعض بفرض حظر مؤقت على تعديل الجينات لدى الأطفال، ويقول آخرون أنه من الضروري وضع معايير تقنية وتوجيهات إرشادية طبية، بحيث يمكن تعديل البداءات الجنينية لأطفال الأنابيب بأمان، ولأهداف تجمع عليها الأوساط الطبية. ويخطط عدد من أخصائيي تعديل الجينات من الصين والولايات المتحدة والمملكة المتحدة لتأسيس لجنة خبراء جديدة للسيطرة على الوضع.

قد تكون التوجيهات الجديدة والاستنكارات العامة كافية لردع العلماء المحترفين ممن تقوم الحكومة بتمويلهم، ولكنها لا تفيد كثيراً مع أمثال بيشوب، والذي يصف نفسه في سيرته الذاتية بأنه “أخصائي ذاتي التعلم والعمل ومعروف إلى حد ما في مجال التعديل الحيوي”، وقد أنفق الآلاف من الدولارات على محاولة تحقيق رؤيته الخاصة التي تقوم على منح المواليد الجدد قدرات خارقة عن طريق الجينات.

منذ بعض الوقت، أرسل لي أحد المهتمين نسخة من الشرائح المخصصة لجذب وجمع التمويل، والتي توضح خطة العمل لبيشوب، وتحوي على توقعات بتحقيق دخل يصل إلى مليارات الدولارات عن طريق استيلاد مئات الآلاف من الأطفال المحسّنين. وقد كان هذا الشخص –الذي طلب أن يبقى مجهول الهوية- متردداً إزاء هذا العرض، ولم يعرف ما إذا كان عبارة عن “محض هراء” أو “مسألة قابلة للتحقيق بشكل مثير للهلع”. وقد عبر لي ذلك الشخص عن مخاوفه من محاولة دعاة تحسين البشر تطبيق أفكارهم حول تحسين النوع البشري بشكل عملي، وقد شعر أنه حان الوقت لفضح بيشوب.

وفقاً لشرائح بيشوب، فلن يتم استيلاد هؤلاء الأطفال كما حصل في الصين، أي عن طريق حقن الجزيئات التي تقوم بتعديل الجينات في البويضة في لحظة التلقيح. بل إن طريقته –والتي ستثير دوختك- تقوم على تطبيق علاج جيني على خصيتي متطوع ذكر. وبهذه الطريقة، يمكن استخدام النطاف التي تحمل التحسينات الجينية لتلقيح بويضة في امرأة، بحيث تحبل بالطفل المطلوب. ووفقاً للخطة، يعتقد بيشوب وبيري أنه يمكن الانتقال بسرعة من الاختبارات على الحيوانات إلى المتطوعين البشر بمليوني دولار، كما تقول الشريحة التي تتحدث عن التمويل: “الناتج: أول بشري يحمل النطاف المعدلة جينياً، ويمكننا أن نبدأ بقبول الطلبات المسبقة للزبائن”.

تقول جيونز تايلور، وهي زميلة في مرحلة ما بعد الدكتوراه في معهد فرانسيس كريك في لندن، والتي تلقت أيضاً نسخة من العرض: “أعتقد أن هذه الطريقة لتعديل البشر جينياً تنطوي على أخطاء كبيرة وتثير الكثير من المخاوف. كما أنه من المثير للقلق أيضاً أنهم يزعمون أنهم تمكنوا من العثور على أول متطوع”.

يقول آخرون أن هذه الخطة تكاد تكون مطلقة السخافة، حيث أن رائدي الأعمال –على سبيل المثال- يقولان أن السوق التي وُجّهت إليها هذه التكنولوجيا هي “مستقبل الإنسانية بأسرها”، ويقدمان خطة أولية لعلاج جيني بفيروس يحتوي على حمولة ضخمة من التعليمات الجينية. يقول سامويل ستيرنبيرج، وهو أستاذ مساعد في جامعة كولومبيا: “يمكن تلخيص ردة فعلي، بشكل عام، بتساؤل حول مدى الجدية التي يجب أن أبديها تجاه هذه الفكرة”، ويشك في أن هدف بيشوب الحقيقي “إثارة أقوى ردة فعل ممكنة والوصول إلى الشهرة”.

يعتقد آخرون مطلعون على خطط بيشوب أيضاً أنها ما زالت حتى الآن مجرد أفكار، ولكن ربما ليس تماماً. يقول تشيرتش، المهندس الجيني من هارفارد، والذي يقول أنه تحدث مع بيشوب: “إن هذه الطريقة أقل تقدماً بكثير من طريقة جيانكوي هي، والذي كان يتمتع بالكثير من التمويل والمعرفة الضرورية”. يقر تشيرتش بأن طريقة استخدام النطاف “ممكنة من الناحية الفنية”، على الرغم من أنه يقول أيضاً أنها “ستحتاج إلى الكثير من التدقيق ومعالجة الأخطاء”.

أخبرني تشيرتش: “إن هذا الأمر ممكن بالتأكيد، ولهذا يجب أن نتحدث عنه”. يقول أخصائي الجينات، والذي يشغل مناصب استشارية في العديد من الشركات والمؤسسات الجينية، أنه لم يوافق على أن يلعب دوراً مماثلاً مع تشيرتش. وبدلاً من هذا، أخبر بيشوب أنه يجب أن يسعى للحصول على نصائح أخلاقية، إضافة إلى موافقة الإدارة الفدرالية للغذاء والدواء، ويجري التجارب السريرية المناسبة في حال تابع العمل. يقول تشيرتش: “أنا أقدم النصائح للجميع تقريباً، خصوصاً إذا بدا لي أنهم بحاجتها”.

رجل البيتكوين

رفض بيشوب وبيري خلال مقابلة هاتفية الإفصاح عن اسم الزبون المحتمل، أو التصريح عن نية أحدهما بالتطوع. يقول بيشوب، وهو رجل مربوع يربو طوله على 180 سنتمتر، أن التحكم الجيني بالوزن هو أحد التحسينات التي يرغب بتحقيقها. يقول الرجلان أنهم بدءا بإجراء أبحاث أولية على الحيوانات، ولم يقتربا من محاولة استيلاد طفل، حيث أن هذا قد يستغرق عدة سنوات، وفقاً لبيشوب: “لم نبدأ العمل مع البشر حتى الآن، ولكننا نعتقد أن عملنا أخلاقي. لقد بدأ الجميع بملاحقتنا في محاولة لإيجاد أي خطأ أو مستمسك، ولكنني أخشى من أنهم سيصابون بخيبة أمل”.

يعتبر بيشوب من المعروفين في أوساط العملات المشفرة، فقد عمل حتى فترة قريبة في ليدجر إكس، وهي شركة لصرافة البيتكوين، وقد أضاف في إحدى المرات بضعة أسطر من التعليمات البرمجية إلى البرمجيات التي تعتمد عليها العملة الرقمية. غير أن معظم أدواره الواضحة كانت في إطار الوساطة، سواء في إدارة المنتديات الحوارية، أو الظهور في المؤتمرات، أو نشر النصوص التي يكتبها بنفسه. وبعد يومين من المقابلة الهاتفية، ظهر نص مكتوب يتضمن كل ما قلته في صندوق الوارد في بريدي الإلكتروني. يقول نوا هورن، وهو مدير في مسابقة على الإنترنت للطباعة باسم تايب ريسر، أن بيشوب “يقع في أعلى شريحة مئوية ضمن جميع ممارسي الطباعة باللغة الإنجليزية في جميع انحاء العالم” بسرعة تصل إلى 173.66 كلمة في الدقيقة.

يقول آندرو هيسل، المدير التنفيذي للشركة الناشئة هيوماين جينوميكس المتخصصة بالعلاج الجيني، أنه كان يعرف بيشوب منذ عدة سنوات: “إنه أشبه بذكاء اصطناعي بشري الشكل. إنه شبح في الآلة”.

التقيت بيشوب لأول مرة في مايو المنصرم في مؤتمر علمي يسمى مشروع كتابة الجينوم، استضافه تشيرتش في مجمع هارفارد الجامعي الطبي. يجتذب هذا اللقاء الكثير من الأشخاص المهتمين بالتطبيقات المستقبلية للهندسة الجينية. وأخبرني بيشوب في ذلك الحين أنه كان يعمل على مشروع لتصميم الأطفال، ولكن ما اجتذب اهتمامي هو دوره في بيتكوين، والتي كانت تساوي في ذلك الوقت 9,072 دولار. هل يمكن أن يكون هذا الفتى في ذلك القميص مزدوج الجيوب فاحش الثراء؟ سيكون المثير للاهتمام أن تحصل على طفل مصمم بتقنية كريسبر بعد أن تدفع التكاليف بالبيتكوين. التقطت صورة وقلت له أننا يجب أن نبقى على تواصل.

لم أجد سبباً حتى أنظر إلى بيشوب بجدية في ذلك الحين. ولكن هذا تغير بعد سماع الأنباء من الصين، فلم يكن أي شخص يتوقع ولادة أطفال يحملون جينات معدلة بكريسبر بهذه السرعة. والآن، أصبح من الواضح أن إمكانية تحسين الجينوم البشري بدأت تكتسب جاذبية لافتة. لقد تجاهل الباحث الصيني هي نصيحة من بعض الزملاء الذين حذروه من مغبة الاستمرار، ولكن في نفس الوقت، كانت هناك دلالات على موافقة ضمنية. فخلال الصيف، أعرب مجلس أخلاقي رئيسي في المملكة المتحدة عن رأي مسبق، وذلك ضمن تقرير يقول إنه لا يوجد شيء خاطئ في محاولة “التأثير” على قدرات أو أجساد أو أشكال الأطفال عن طريق تعديل الدنا.

أيضاً، يعتقد الكثير من عشاق العمل الفردي في مجال البيولوجيا أن الحكومة يجب ألا تتدخل في جينات البشر، بل إن البعض منهم قاموا بتطبيق علاجات جينية غير مُجربة على أنفسهم. غير أن هذه التجارب كانت، في معظمها، مجرد استعراضات تهدف إلى لفت النظر. فقد قام أحد رواد الأعمال بحقن فخذه بمحقن مليء بالدنا، وعُثر عليه في وقت لاحق ميتاً ضمن خزان لكتم الحواس (خزان عازل للصوت يمكن أن يطفو داخله الشخص)، واعتبرت الوفاة عرضية. وقد قام رائد أعمال آخر، خوسياه زاينر، بحقن نفسه بما قال إنه مكونات لتعديل الجينات خلال مؤتمر في سان فرانسيسكو في 2017.

باختصار، تعتقد أوساط ممارسي التعديل الحيوي أنه من الممكن أن يحاول شخص ما تعديل خلاياه المسؤولة عن تصنيع النطاف، كما يقول هيسل: “إذا قال بريان أنه ينوي تعديل شخص آخر، سأصفه بالجنون، ولكن إذا قال إنه سيطبق هذا على نفسه…”

نطاف مسيسيبي

لم أتمكن من معرفة ما إذا كان بيشوب يخبئ ثروة من البيتكوين. وقد ادعى أنه “ربح وخسر الملايين من الدولارات” بالتعامل بهذه العملة الرقمية المتقلبة، ولكنه يقول أنه كان يشعر بشك مبكر حول وقت تناقص قيمة العملة، وربما فوت على نفسه فرصة تحقيق أرباح رقمية كبيرة. ولكنه على أي حال مبرمج من الطراز الأول، ويستطيع أن يطلب أجراً يصل إلى 600 دولار في الساعة، وفقاً لوكيل أعماله مايكل سولومون من شركة تن إكس ماناجمينت في نيويورك، وهي شركة تقوم بتمثيل المبرمجين الذين يعملون بشكل حر.

هذا يعني أن بيشوب يمتلك من الأموال أكثر من باقي أقرانه من الجيولوجيين العاملين فردياً، وهو قادر على توجيه جهودهم، وأحياناً شراء المعدات لهم أو تعيينهم للقيام بأعمال معينة. يقول زاينر، والذي يشرف على تشغيل شركة تزويد تسمى ذا أودين لبيع مجموعات كريسبر للهواة مقابل 159 دولار: “يتحدر الكثير من المعدلين الحيويين من بيئات متواضعة للغاية. وقد كان بيشوب يدفع الأموال لغيره من المعدلين الحيويين حتى يقوموا ببعض الأعمال له”.

من الأشخاص الذين قدم بيشوب بعض الموارد لهم مؤخراً ديفيد آيشي، وهو عامل نفط ومربي كلاب طويل الشعر من ميسيسيبي، وقد ظهر في الأخبار لمحاولته استخدام الهندسة الجينية على الكلاب. يعمل آيشي في كوخ حوله إلى مختبر، وقد كان يخلط دنا قنديل البحر مع نطاف الماستيف على أمل استيلاد جراء متوهجة. لم ينجح آيشي حتى الآن، على الرغم من إجراء عمليات تخصيب لست مرات على الأقل باستخدام النطاف المعدلة.

أخبرني آيشي أنه حاول أيضاً بعد اللقاء مع بيشوب وبيري إضافة بنى من الدنا إلى عينة من نطافه الخاصة. وقد أرسل بيشوب إليه ما يلزم من الأموال عبر خدمة باي بال لشراء الكواشف الكيميائية اللازمة: “لقد اشترى لي بعض مجموعات استخلاص الدنا الخاص بالتوهج. وهي تساوي بضعة مئات من الدولارات. وبالنسبة لي، هذا مبلغ كبير، وقد طلب مني أن أخبره إذا ما توصلت إلى شيء ما. وبطبيعة الحال لم أحاول أن أستخدمها لتخصيب أية امرأة، تخيل لو حدث هذا!”

بناء على خبرته مع الكلاب، يقول آيشي أنه من المستحيل على البيولوجيين الفرديين الذين يعملون بشكل متقطع استيلاد أطفال بصفات خاصة: “هل اقترب هؤلاء البيولوجيون من استيلاد أطفال بتعديلات جينية بطريقة كريسبر؟ كلا، ولا بأي درجة، ولكن إذا دفع شخص ثري ما لأحد العلماء ما يكفي لتأدية العمل، فقد يحدث هذا”.

يضيف آيشي: “ما تتحدث عنه ليس بريان، بل إنه فضاء وسطي غير مرئي، وطبقة من السوق الرمادية للتكنولوجيا الحيوية والعمل العلمي الحر حيث يستطيع أصحاب الموارد تحقيق الأشياء”. عندما سألته ما إذا كان يعتقد أن بيشوب وبيري يستطيعان تحقيق هذا الأمر، كان رده: “لا أدري. من البديهي أنه لا يكفي وجود ماكس وبريان، بل يجب أن تشارك امرأة ما أيضاً. وأفترض أنهما أخذا هذا بعين الاعتبار، لأن إنجاب طفل متحول جينياً ليس بالموضوع الذي يُستخدم عادة لبدء حديث ودي”.

مختبر في أوكرانيا

في يناير، انضممت إلى بيشوب وبيري في جولة افتراضية ضمن مختبر أوكراني يدفعان له لإجراء تجارب على الفئران. إنه جزء من معهد دراسة الشيخوخة في أكاديمية أوكرانيا للعلوم الطبية في كييف. وقد ظهر وجه دليلنا المميز، دميترو كراسنيينكوف، عبر سكايب أمام نبتة مزروعة في أصيص ولافتة تقول: “افعل المزيد مما يجلب لك السعادة”.

رتب بيشوب للجولة بعد أن طلبت منه أن يبين ما إذا كان هناك أساس علمي للمشروع. وقد حمل كراسنييكوف، والذي كان يرتدي رداء مخبرياً أبيض، حاسوبه المحمول عبر الغرف المختلفة التي تحوي على أجهزة الليزر، وآلات التعامل المباشر مع العينات، ومناطق تنمية الخلايا. وقد قال لاحقاً في رسالة بالبريد الإلكتروني أن هذه المساحة مشتركة ما بين المعهد وشركة خاصة، جيرون، والتي تدرس التيلوميراز، أحد الدلالات الحيوية المستخدمة في دراسة التقدم في العمر (من الجدير بالذكر أنه توجد شركة أميركية تحمل نفس الاسم).

قال كراسنيينكوف، وهو يدير كاميرا الويب: “هذا صندوق النوم، حيث ننام أثناء التجارب”.

باحث في معهد دراسة الشيخوخة في كييف بأوكرانيا، حيث تُجرى بعض الأبحاث لصالح معدل حيوي أميركي يدفع بالبيتكوين.

علق بيشوب: “إن تغطية الواي فاي في مختبرك جيدة جداً”. وقد كان بيشوب مهتماً بالجولة أيضاً، بما أنه لم يسافر إلى أوكرانيا حتى الآن، بل كان يدفع بتحويل البيتكوين إلى الأوروبيين لقاء إجراء التجارب.

تابع الأوكراني حديثه منتقلاً إلى منصة مغلقة يعلوها مجهر: “هنا نجري العمليات الجراحية”.

أرسل لي بيشوب سابقاً صورة لفأر مفتوح ومثبت على هذه المنصة المجهرية، إضافة إلى صورة مقربة لحقن صبغة التتبع في خصيتيه. وقد قال كراسنيينكوف أنه تم إجراء التجارب على حوالي 30 فأراً حتى الآن. وفي بضع حالات، حقق الباحثون نجاحاً محدوداً في إدماج المادة الجينية ضمن الخصيتين. ويُجرى هذا بحقن مجموعات خفية من الدنا وتطبيق صعقة كهربائية تدفع بالخلايا التي تصنع النطاف إلى استقبال هذه الحمولات الجديدة. ولكن حتى الآن، لم ينتج أي فرخ فأر يحمل هذه الصفات المعدلة.

خلال الاتصال على سكايب، قال كراسنيينكوف أنه لم يكن مستعداً لرؤية بشر معدلين جينياً عن طريق النطاف إلا بعد إجراء الكثير من الأبحاث: “لا أريد من أي أحد أن يستعجل، ولا أرغب بالقيام بأي شيء بأسرع من اللازم”. ويضيف أن أوكرانيا بلد فقير، وأن وسطي الرواتب يساوي حوالي 350 دولار شهرياً: “لا تقدم الحكومة الكثير من الدعم المادي، ولم تكن الأمور على ما يرام حتى قبل الحرب”، مشيراً إلى النزاع مع الانفصاليين الذين يدعمهم الروس في الشرق. وهو أحد الأسباب الذي يدعو المنشآت الحكومية لتنفيذ مشاريع خارجية، ولكن كراسنيينكوف يضيف: “لقد قبلنا هذا المشروع لأنه أثار اهتمامنا”.

رسائل بريد إلكتروني بدون رد

منذ أن بدأت بالحديث مع بيشوب بالهاتف في ديسمبر، بدأت الشكوك تساوره وتساور بيري حول طريقة تعديل النطاف. ويعتقد بيري، الذي يحمل إجازة في البيولوجيا، أنهم يجب أن يعتمدوا بدلاً من ذلك على طريقة “فيلوسيماوس” التي ابتكرتها شركة للتكنولوجيا الحيوية في نيويورك كأسلوب سريع لاستيلاد فئران بالدنا المطلوب. وتتضمن الطريقة إزالة الخلايا الجذعية من بداءة جنينية بشرية، وإجراء خطوات الهندسة الجينية عليها، ومن ثم حقنها ضمن بداءة جنينية ثانية، وستكون طريقة ثورية للحصول على طفل بشري.

من السهل أن نعتبر أن جهود بيشوب وبيري ستؤول إلى الفشل على الأرجح. ولكن ليس من السهل أن نكبح جماح المهتمين بتعديل الأطفال جينياً. وقد كتب بيري في رسالة بالبريد الإلكتروني: “هل ستهاجمنا الإدارة الفدرالية للغذاء والدواء إذا كنا نزود الأهل بهذه التكنولوجيا ضمن بيئة خاصة وبموافقتهم؟ أتوقع نشوب معارك قانونية، وآمل أننا سنحصل على الدعم فيها”. حالياً، يعتبر استيلاد الأطفال المعدلين جينياً مخالفاً للقانون في الولايات المتحدة، ولكن القوانين ليست صارمة في بلدان أخرى، مثل أوكرانيا. ويشعر بيشوب بالشك إزاء الدور الذي يمكن أن تلعبه القوانين، وهو درس يقول إنه تعلمه أثناء العمل مع بيتكوين، العملة الرقمية التي لا يسيطر عليها أي بنك مركزي.

بشكل عام، نالت التجارب الصينية انتقادات حادة من الأوساط العلمية، ولكن المعدّلين الحيويين مثل بيشوب وزاينر يعتقدون أن الصيني هي تعرض لإساءات أكثر من اللازم لمجرد محاولته الإقدام على الخطوة الواضحة التالية في التطور البشري. وخلال قمة دولية في هونج كونج في نوفمبر حيث استدعي هي حتى يشرح ماذا فعل، كان بيشوب واحداً من أكثر من مليون شخص يشاهدونه على الإنترنت، وهو ما قد يكون أكبر جمهور يحضر حدثاً علمياً على الإطلاق.

قام بيشوب بسرعة بنقل ملاحظات العالم إلى نص مكتوب، ويبقيها معروضة على حسابه على تويتر، وقد غرد قائلاً: “إذا كان هذا العمل يمثل مخاطرة غير مأمونة العواقب، فأنا أرغب باقتحامها”.

بعد هذه القضية، بدأ بعض المناصرين الأقوياء للتحسين البشري بنشر ملاحظات حذرة، خصوصاً حول فكرة تعديل الأطفال. يعمل الفيلسوف جوليان سافوليسكو في معهد مستقبل الإنسانية في أوكسفورد، ويشتهر بأنه يدعو الأهالي إلى استخدام الهندسة الجينية للحصول على “أفضل” ما يمكن من الأطفال، بحيث يتمتعون مثلاً بذكاء أو أخلاقيات أكثر، ويقول: “أنا متعاطف مع حركة التحسين البشري، ولكن هذه الحالة أشبه بمحاولة الجري قبل إتقان المشي”.

حقن الصبغات الكاشفة والمواد الجينية في خصيتي فأر في المختبر الأوكراني.

أخبرني بيشوب أنه لم يتلق أي رد من أي من أخصائيي الأخلاقيات الذين حاول التواصل معهم بالبريد الإلكتروني. وقد اتصلت بأنديرز ساندبيرج، وهو مستشرف المستقبل الذي طلب بيشوب نصيحته في مايو المنصرم، والذي يعمل في جامعة أوكسفورد، وقد قال: “كان يجب أن أرد”. يعتبر ساندبيرج من المؤثرين في حركة التحسين البشري، وينشر بشكل مستمر حول مواضيع مثل أخلاقيات السيارات ذاتية القيادة وفكرة تجميد الأجنة بدلاً من الإجهاض.

يقول ساندبيرج: “لقد قلت بصراحة أن التحسين قد يكون شيئاً جيداً ذا هدف طبي منطقي”، ولكنه يعتقد أيضاً أن المبرمجين من أمثال بيشوب مصابون بشكل غريب من العجرفة: “يبدو كل شيء بالنسبة لهم كتعليمات برمجية. إنها مجرد أحرف، هل من المعقول أنها صعبة إلى هذه الدرجة؟ ولكن معظم البيولوجيين يدركون أن هؤلاء المبرمجين المساكين سيدركون مدى صعوبة هذا الأمر عاجلاً أو آجلاً”.

تابع ساندبيرج قائلاً: “لا أعتقد أن بريان مجنون إلى هذه الدرجة، ويبدو لي شخصاً منطقياً. وإذا كان لديه شركة تعرض شيئاً ما، فيجب أن يثبت أنها قادرة على تقديمه، ولن يكون هذا سهلاً. وإذا أردت أن أستخدم هذه التكنولوجيا مع طفلي، فيجب أن تكون موثقة بشكل جيد. لا أرغب بأن يكون ابني فأر تجارب، وسيكون من الصعب إثبات نجاح الطريقة. آمل بالفعل أن نتمكن من تصميم الأطفال بطريقة صحيحة، ولكن محاولة تحقيق هذه الأمر بسرعة أكثر من اللازم سيؤدي إلى نتيجة عكسية سيئة، ولسنا مستعدين لهذا”.

انتهى بي المطاف بالتساؤل حول الدوافع الخفية الحقيقية لعمل بيشوب. وعلى الرغم من أنه تكلم مع بحرية حول أفكاره، فقد كان متكتماً فيما يتعلق بعائلته. ولم أعرف السبب الكامن في أعماقه والذي أثار هوسه بالتحسين البشري عن طريق الدنا. وقد شعر بيشوب أن هذه الأسئلة “أصبحت شخصية أكثر من اللازم”، وقال أن دوافعه كانت معقدة.

لاحقاً، أرسل لي رسالة بالبريد الإلكتروني: “ما رأيك أن تقول إنني تعرضت لعضة من كاتب خيالٍ علمي نشطٍ إشعاعياً؟”