ما نعرفه عمن يقتلهم “كوفيد-19”

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio
يمكن أن يصيب “كوفيد-19” أي منا، لكن المسنين والرجال وذوي البشرة السمراء يواجهون خطورة الوفاة بنسب أعلى.

في هذه المرحلة من الجائحة، أصبحنا ندرك أن فيروس كورونا لديه القدرة على إصابة أي منا، غير أن احتمالات الوفاة بسبب “كوفيد-19” ليست متساوية لدى الجميع. لا أحد محصن، لكن في الولايات المتحدة، تشير البيانات الأولية إلى أن المرض حصد أرواح أعداد كبيرة من مجموعات سكانية معينة، متمثلة بالرجال والمسنين وذوي البشرة السمراء، ويسعى العلماء لتحليل هذا التفاوت وفهمه، وفقاً لليزا كوبر، وهي طبيبة الصحة العامة ومديرة “مركز جونز هوبكنز للعدالة الصحية” (Johns Hopkins Center for Health Equity). ومع إعلان الولايات عن مزيد من البيانات السكانية، لا تزال كوبر متفائلة بشأن احتمال التوصل إلى التدخل المناسب الآن. تقول: “قد نتمكن من معرفة بعض من أفضل الممارسات ومشاركتها”. وفيما يلي، نلقي نظرة على ما توصل إليه العلماء حتى الآن من أسباب لهذه الاختلافات في معدلات الوفيات.

فجوة العمر

علمنا بشأن الأثر المدمر لفيروس كورونا على المسنين منذ بداية انتشاره في الصين. وتشير جميع الأدلة إلى أن احتمال الوفاة بسبب فيروس كورونا يزداد مع كل عقد إضافي من عمر المريض. في إحدى الدراسات التي نشرت في المجلة العلمية “لانسيت” (Lancet) في مارس/آذار، تشير البيانات التي جمعها العلماء من 38 دولة إلى أن الفيروس يقتل قرابة 13.4% من المرضى الذين يبلغون 80 عاماً فما فوق، مقارنة بنسبة الوفيات الإجمالية المقدرة التي تبلغ 1.38%.

تقول كوبر أن السبب الأساسي يعود إلى المناعة على الأرجح. فمع التقدم بالسن، يتراجع الجهاز المناعي لدى الإنسان مع تباطؤ المستقبلات في الجسم، مثل الخلايا الضامة والخلايا التائية، ويقل إنتاج الجسم للخلايا اللمفاوية الجديدة. ومع ضعف الجهاز المناعي يصعب على أي جسم مقاومة أي مرض يهاجمه، سواء كان نزلة برد عادية أو فيروس جديد. ويزداد الأمر سوءاً إذا كان المريض يعاني أساساً من مشاكل صحية كأمراض الكلى والكبد والقلب والأمراض الرئوية المزمنة، وهي الأمراض التي يعاني منها معظم المسنين. تقول كوبر: “لا يقاوم المرضى المسنون فيروس كورونا فقط، بل يدخلون في حالة اختلال عضوي متعدد في الوقت نفسه”.

النتائج صادمة، فقد توصلت إحدى دراسات المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها أن المصابين الذين لا يعانون من مشاكل صحية أساسية يواجهون خطورة الوفاة بنسبة 0.9%، لكن المصابين الذين يعانون من أمراض قلبية وعائية كانت نسبة الوفاة لديهم 10.5%، والمصابين الذين يعانون من أمراض تنفسية بلغت نسبة الوفاة لديهم 6.3%. وحتى المصابين الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم، وهو مرض يعاني منه قرابة 100 مليون أميركي، فقد كانت نسبة الوفاة لديهم 6%. وبالطبع، من الممكن أن تصيب الأمور التي تعرض المسنين للخطر، كضعف الجهاز المناعي أو الأمراض المزمنة، أي شخص مهما كان عمره. وفي الولايات المتحدة، توفي المئات ممن كانوا في العشرينات أو الثلاثينات أو الأربعينات من عمرهم بسبب فيروس كورونا. ويبدو أن كثيراً منهم كانوا يعانون من مشكلات صحية أساسية، منها الربو والسكري وارتفاع ضغط الدم. لكن بعض هذه الحالات لا يمكن تفسيرها بأي مشكلة صحية سابقة، وهذا ما دفع بعض العلماء إلى توقع ارتباط الوفاة بفيروس كورونا بعنصر جيني ما، أو أن الوفاة هي نتيجة تناقضية لجهاز مناعي مفرط النشاط، إذ يحدث ارتكاس مناعي يسمى “عاصفة القينات الخلوية” (cytokine storm)، يهاجم الجسم فيه خلاياه.

إلى جانب هذه الحقائق البيولوجية، تقول كوبر إنه يمكن أن تساهم بعض العوامل الاجتماعية في الأثر الشديد لفيروس كورونا على المسنين. إذ يعيش كثير من أكثر المسنين ضعفاً في الولايات المتحدة في دور الرعاية، حيث يعتني بهم بعض الممرضين والمساعدين. وكان الانتشار الكبير الأول “لكوفيد-19” في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، قد بدأ في دار رعاية المسنين في كيركلاند، واشنطن، حيث توفي 37 شخصاً.

الانقسام حسب النوع الاجتماعي

يمكن لعمل الجهاز المناعي تفسير الاختلاف في نسب الوفيات الناجمة عن “كوفيد-19” بين الجنسين. فعلى الرغم من تساوي نسب الإصابة بين النساء والرجال، فنسبة الوفيات بين الرجال إثر المرض أكبر منها بين النساء في جميع الدول. في الصين، البلد المنشأ للفيروس، كان 64% من وفيات فيروس كورونا من الرجال، وفي إيطاليا بلغت نسبتهم 63%. وفي حين لم يتم جمع البيانات في الولايات المتحدة بعد، بيد أنه في مدينة نيويورك، حيث كانت بؤرة انتشار الجائحة في الشمال الأميركي، بلغت نسبة الرجال من إصابات “كوفيد-19” المسجلة التي تم إدخالها إلى المستشفيات 55%، وبلغت نسبتهم من الوفيات منذ الثالث من أبريل/نيسان 62%.

لا يمكن التيقن من سبب هذه الفجوة بين الجنسين في الوفيات، ويبدو أن هناك عدة أسباب، وقد يكون للعوامل الاجتماعية دور فيها. عالمياً، نسب المدخنين من الرجال أكبر منها للنساء، ويبدو أن المدخنين أضعف من غير المدخنين في مواجهة فيروس كورونا. كما أن الرجال لا يغسلون أيديهم بقدر النساء، أو أنهم لا يستخدمون الصابون، كما أنهم لا يسعون للحصول على المساعدة الطبية بقدر النساء. لكن لا يمكن اعتبار أي من هذه التفسيرات سبباً حقيقياً لهذه الفجوة العميقة والثابتة بين الجنسين، وهذا يشير إلى احتمال وجود تفسير أعمق للمشكلة. وقد تقدم الأبحاث الكثيرة حول الاختلافات في الجهاز المناعي بين النساء والرجال معلومات مهمة. فمن الناحية البيولوجية، تتمتع المرأة بجهاز مناعي أقوى، إذ لديها صبغيين اثنين من النوع (X)، وهو النوع الذي يخزن الجينات القيمة من الناحية المناعية، ولديها الميكرو آر إن إيه وينتج جسمها كمية أكبر من الإستروجين الذي قد يساعد في نشاط الخلايا المناعية. (بالمقابل، يعمل التستوستيرون على منع الالتهابات). هذا يتيح للنساء استجابة أسرع وأقوى للعدوى، وهذا ينطبق على فيروس كورونا. إذ تشير الطبعة الأولى من إحدى الدراسات إلى أن النساء الصينيات المصابات بكوفيد-19 كانت لديهنّ أجسام مضادة بمستوى أعلى منه لدى الرجال.

التمييز العنصري المستمر

في الولايات المتحدة، كانت الإصابات بفيروس كورونا بين الأقليات العرقية أكبر. وفي مدينة نيويورك، كانت الوفيات أكثر بمقدار الضعف بين المصابين من الأصول اللاتينية والأفريقية مقارنة بالمصابين البيض. وعلى مستوى الدولة بأكملها، كانت نسب الإصابات بين الأميركيين الأصليين في نيو مكسيكو من ضمن أعلى النسب في البلاد. وفي ميشيغان، حيث يشكل الأميركيون ذوو البشرة السمراء نسبة تبلغ 14% من السكان، بلغت نسبة الوفيات منهم 40%. وفي حين تصرح الولايات ببطء عن البيانات الخاصة بالتوزع السكاني للإصابات بكوفيد-19، يتوقع الخبراء تفاوتاً مماثلاً في أجزاء أخرى من البلاد.

[su_heading size=”30″ align=”right” margin=”0″]”لا يرجع الاختلاف الذي نراه في هذا المرض لدى الأقليات الإثنية إلى عوامل بيولوجية” – الدكتورة ليزا كوبر[/su_heading]

ثمة توجه لتحميل الأقليات وذوي البشرة السمراء تحديداً مسؤولية المعاناة المتعلقة بفيروس كورونا. كتب إبرام كيندي في صحيفةذي أتلانتك” (the Atlantic): “لتفسير التفاوت في نسب الوفيات، يقول عدد كبير جداً من السياسيين والمعلقين أن المواطنين من ذوي البشرة السمراء يعانون من مشاكل صحية أساسية أكثر، لكن الأهم أنهم لا يوضحون السبب. أو أنهم يلومون خيارات ذوي البشرة السمراء أو الفقر أو البدانة، لكن لا يلومون العنصرية”.

لكن، وكما تنوه كوبر، يجب توجيه اللوم للعنصرية بكل تأكيد، تقول: “لا يرجع الاختلاف الذي نراه في هذا المرض لدى الأقليات الإثنية إلى عوامل بيولوجية، بل يبدأ بالعنصرية المنهجية”. فبسبب مشكلات قائمة منذ زمن طويل، مثل امتناع المصارف عن تقديم خدماتها لفئات محددة ومراقبة الشرطة الزائدة لهذه الفئات، يعيش الأميركيون ذوو البشرة السمراء في مجتمعات لا تقدم فرصاً لممارسة الرياضة والأنشطة الترفيهية ولا حتى شراء الطعام الصحي، أضف إلى ذلك التوتر المزمن، لينتج عن هذا كله مستويات مرتفعة من المشكلات الصحية الأساسية كارتفاع ضغط الدم والربو. وأيضاً، وبسبب الفجوات في التأمين الصحي الذي تدعمه جهات التوظيف وعدم إتاحة الإجازات المرضية مدفوعة الأجر، لا يستطيع الموظفون بنظام ساعي عزل أنفسهم، كما لا تتوفر لديهم دائماً معدات الوقاية أو وسائل النقل الخاصة التي يحتاجون إليها للحفاظ على صحتهم في وظائفهم في الخطوط الأمامية. لذا، فهم معرضون لمستوى عال من خطورة الإصابة بالعدوى، كما ارتفعت خطورة الحاجة إلى دخول المستشفى والعناية المشددة، وحتى الوفاة.

تقول كوبر: “لدينا كثير من الأمور التي تشكل الخيارات المتاحة للناس من أجل الحفاظ على صحتهم”. وحتى عندما يتلقى المواطنون ذوو البشرة السمراء الرعاية الصحية، فهم يتعرضون لتحيز شديد. مثلاً، يحط مقدمو الرعاية بصورة ضمنية من قدر ألام ذوي البشرة السمراء، كما أدى امتناع المصارف عن تقديم خدماتها للأقليات العرقية إلى اضطرار أبنائها للعيش في مجتمعات لا تملك مستشفياتها الموارد الكافية لمعالجة المرضى، حتى الذين يتمكنون من الدخول إليها. وتكشف قضية رنا زوي مانجين الوضع المأساوي للنظام الحالي. وكما ورد في المناشدة التي أطلقت في شهر أبريل/نيسان، فإن رنا البالغة من العمر 30 عاماً، المقيمة في بروكلين، حاولت الحصول على علاج من أعراض إصابتها بفيروس كورونا ثلاث مرات قبل إدخالها أخيراً إلى المستشفى. وفي إحدى المرات، قال العاملون الطبيون الذين اتصلت بهم من أجل نقلها إلى المستشفى أن صعوبة التنفس التي تعاني منها كانت بسبب نوبة ذعر، وليست بسبب الإصابة بفيروس كورونا، وتركوها في منزلها. كتبت إيرين كلير براون في المناشدة: “غالباً ما يكون العائق الأكبر ضرراً على الإطلاق، الذي يؤثر على النساء ذوات البشرة السمراء بغض النظر عن دخلهنّ وثقافتهنّ أو حالتهنّ الصحية الأساسية، هو ما واجهته مانجين في محاولاتها للحصول على العلاج: وهو ببساطة ألا تعتبر جديرة بالعلاج”. توفيت مانجين في 27 من أبريل/نيسان جراء مضاعفات “كوفيد-19”.

لن تكون هذه المشكلات سهلة الحل، سواء كانت بسبب الجهاز المناعي أو بسبب البشر. وسيساعدنا الحصول على مزيد من البيانات في فهم حجم المشكلة الحقيقي. لقد ساعدت البيانات المسنين، إذ اتضح منذ البداية في الصين أنهم عرضة للوفاة بنسب أكبر، فسعى كثير من الأميركيين لحماية المسنين من خلال حثهم على التزام منازلهم. لكن لم ينجح هذا النظام إلا بمساعدة البرامج الحكومية، مثل “ميديكير” والتأمين الاجتماعي، والعمل المجتمعي المتمثل في توصيل الطعام. يجب أن تجبرنا رؤية التكاليف التي تكبدها سكان الدول الأخرى على التصدي لهذه المشكلات البنيوية القائمة منذ زمن طويل في نظام الرعاية الصحية الأميركي.