آيسلندا الأولى عالمياً والإمارات الأولى عربياً في مؤشر «المستقبل الأخضر» لعام 2023

4 دقائق
آيسلندا الأولى عالمياً والإمارات الأولى عربياً في مؤشر «المستقبل الأخضر» لعام 2023
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Fahroni
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أصدرت مجلة “إم آي تي تكنولوجي ريفيو”، مؤخراً، النسخة الثالثة من مؤشر المستقبل الأخضر (GFI)، وهو تقرير سنوي يصنف 76 دولة بناء على مدى تقدمها نحو بناء مستقبل مستدام منخفض الكربون لاقتصاداتها ومجتمعاتها. يركّز المؤشر على عدة عوامل، بما فيها الطاقة المتجددة وانبعاثات الكربون والسياسات البيئية. 

وقد تصدرت آيسلندا التصنيف العام، فيما احتلت دول شمال أوروبا المراتب الأولى، ويشير التقرير إلى أنه على الرغم من التقدم المحرز على المستوى الدولي بشكلٍ عام، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لتحقيق مستقبل مستدام.

5 ركائز أساسية

خلال مؤتمر الأمم المتحدة لتغيّر المناخ لعام 2022 (COP27)، ذكرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ (IPCC)، أنه وفقاً لمعدلات النشاط الاقتصادي العالمي الحالية، فإن العالم سيتجاوز عتبة الاحترار العالمي التي تبلغ 1.5 درجة مئوية -والتي حددتها اتفاقية باريس- قبل مرور أقل من عقد من الزمان. وعلى الرغم من أن هناك برامج عدالة مناخية بدأت تتشكل على المستويات الوطنية وعبر الوطنية والإقليمية، فإن تطبيق هذه البرامج لا يزال معقداً.

يفحص مؤشر المستقبل الأخضر 2023 بيانات البلدان ويقارن بعضها بعضاً ويجمع النتائج عبر الركائز الخمس التالية: انبعاثات الكربون، والتحول إلى الطاقة المستدامة، والمجتمع الأخضر، والابتكار النظيف، وسياسات المناخ.

على مستوى الترتيب العام، حافظت آيسلندا على مركز الصدارة مع تطورات جديدة تتعلق بإنشاء الحكومة الآيسلندية مجموعة عمل لتقديم استراتيجية لتحسين تطوير مزارع الرياح، كما يشير التقرير إلى أنه من المتوقع صدور قانون جديد يبسط بناء مزارع الرياح خلال عام 2023.

واحتلت دول أقصى شمال أوروبا المتجاورة فنلندا والنرويج والدنمارك والسويد، على الترتيب، المراكز الأربعة التالية في الترتيب العام. وكانت أبرز التطورات التي شهدتها هذه البلدان موافقة الحكومة الفنلندية في سبتمبر/ أيلول 2022، على حزمة تشريعات بالمتطلبات الفنية لبناء المباني منخفضة الكربون لتحسين البيئة العمرانية، التي تمثّل نحو ثُلث انبعاثات غازات الدفيئة في البلاد، وانضمام النرويج إلى مبادرة المراكز البحرية للطاقة النظيفة التي تهدف إلى تشجيع الوقود الأخضر. كذلك، رفعت الدنمارك ضرائب انبعاثات الكربون بشكلٍ كبير. وفي ديسمبر/ كانون الأول 2022، وقّعت شركة التجزئة السويدية للأزياء السريعة إتش آند إم (H&M) أكبر اتفاقية شراء للطاقة الشمسية في البلاد.

اقرأ أيضاً: تعرف على سيارات الميثانول: البديل الذي تراهن عليه الصين ليحل محل محركات الوقود الأحفوري

اتساق أكثر منه تقدم

تكشف تصنيفات مؤشر المستقبل الأخضر 2023 عن “وجود اتساق أكثر منه تقدم” في الجهود المبذولة. حيث ظلت الدول نفسها التي تصدرت مؤشر عام 2022 -باستثناء ثلاث دول- في المراتب الـ 20 الأولى لمؤشر هذا العام، واستمرت الدول الـ 10 الأولى كما هي في المقدمة، واكتفت بتبادل بعض المراكز فيما بينها.

وقد جاءت دولة غير أوروبية واحدة فقط ضمن هذه الدول العشر (كوريا الجنوبية التي ارتفعت من المركز العاشر إلى المركز الثامن)، كما انتقلت دولة واحدة فقط إلى مجموعة “القادة الخضر”: لوكسمبورغ (من المركز الـ 28 عام 2022 إلى المركز الـ 16)، واحتلت الولايات المتحدة المرتبة الـ 19 متقدمة بمركز واحد عن سويسرا التي تتذيل قائمة “القادة الخضر”.

وفي حين حافظت جميع الدول العشرين الأولى على انبعاثاتها الكربونية المنخفضة، فإن نصفها تقريباً شهدت انخفاضاً في علاماتها خلال العام الماضي (بما في ذلك آيسلندا). ويشير هذا الأمر، بحسب التقرير، إلى أنه على الرغم من الجهود المبذولة للحد من انبعاثات الكربون في اقتصادات هذه الدول تتزايد، فإن العوائد المبكرة تتضاءل.

بالنسبة للبلدان التي تقع في منتصف الترتيب، فإن العديد منها بدأت في وضع السياسات المستدامة موضع التنفيذ. والملاحظ في مؤشر هذا العام أن معظم الدول التي تحرز تقدماً ضمن هذه المجموعة هي الدول التي تمتلك اقتصادات تصدير قوية وتلك القادرة على ربط السياسات المستدامة بالحوافز الاقتصادية. من بين هذه الدول أوروغواي التي احتلت المرتبة الـ 26 انطلاقاً من المرتبة الـ 38 في عام 2022، والتي يمثّل قطاعا الزراعة والغابات جزءاً كبيراً من صادراتها، وما يقرب من ثلاثة أرباع انبعاثاتها الكربونية.

كما ارتقت جنوب إفريقيا من المرتبة الـ 31 عام 2022 إلى المرتبة الـ 25 في التصنيف الجديد، بعدما طرحت وزارة الخزانة تصنيفاً للتمويل الأخضر في أبريل/ نيسان 2022 ووضعت معايير للأنشطة الاقتصادية الخضراء لزيادة جاذبيتها بالنسبة للمستثمرين الأجانب.

اقرأ أيضاً: قائمة المدن الأكثر استدامة في العالم عام 2022

الإمارات الأولى عربياً

ورد ذكر 7 دول عربية فقط في تصنيف هذا العام، حيث احتلت دولة الإمارات العربية المتحدة المركز الـ 36 في التصنيف العام والأول عربياً، لتستمر في التقدم بدءاً من المرتبة الـ 42 في تصنيف عام 2021، ثم المرتبة الـ 41 في تصنيف العام الماضي، وقد حققت الإمارات هذا العام تقدماً في أربعة من الركائز الخمس التي فحصها المؤشر، وجاء المغرب بعدها مباشرةً في المرتبة الـ 37 في الترتيب العام، ثم المملكة العربية السعودية (56) والكويت (57) ومصر (60) ثم قطر (73) والجزائر (75).

الأمر المشجع بحسب المؤشر، هو النمو في المشاريع والاستراتيجيات التي تدمج التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع عمليات إزالة الكربون، بيد أن هذه الجهود تتعقد بسبب التفاوتات العالمية في الثروة والتكنولوجيا والخبرة. ويشير التقرير إلى أن ربط الترتيب بنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في كل بلد يكشف أن الثروة يمكن أن تحدث فرقاً كبيراً، حيث ترتبط النتائج المرتفعة في تصنيف “المجتمع الأخضر” بالنواتج المحلية الإجمالية في 76% من الدول، وترتبط الدرجات المرتفعة في “سياسات المناخ” مع النواتج المحلية الإجمالية في 64% من الدول.

ومع أن مؤشر المستقبل الأخضر 2023 يؤكد في أكثر من موضع أهمية الثروة في هذا الإطار، إلا أنه يشير أيضاً إلى أن “الاقتصاد وحده لا يحدد المستقبل”، إذ إن 17 من أصل 35 دولة حسّنت درجاتها عام 2023 كانت من الدول الفقيرة، وقد شهدت الأرجنتين وإندونيسيا أكبر ارتفاع من بين جميع البلدان لعام 2023، حيث تقدمتا 20 و21 مركزاً على التوالي، لتصبحا في المركزين 48 و49 في الترتيب العام. وكان الالتزام الكبير بتحسين ركيزة واحدة من الركائز التي يفحصها المؤشر وراء هذا الارتفاع: “المجتمع الأخضر” في الأرجنتين و”انبعاثات الكربون” في إندونيسيا.

دراسة متعمقة

اعتمد العاملون على بناء المؤشر على عمليات بحث أولية وثانوية متعمقة، وقد تألف البحث الثانوي تحديداً من مراجعة عدة مئات من المقالات والتقارير البحثية الصادرة عن منظمات العمل المناخي والمنظمات غير الحكومية ووثائق السياسات الحكومية والمؤلفات العلمية، كما أجرت “إم آي تي تكنولوجي ريفيو” ما يقرب من 20 مقابلة متعمقة مع علماء مناخ ومتخصصين في الأبحاث وصُنّاع السياسات الحكومية وغيرهم للخروج بالبيانات التي تم على أساسها بناء المؤشر.

كما حصلت المجلة على بيانات من مجموعة واسعة من أحدث المصادر المتاحة للجمهور، والتي تم تحديثها عام 2022، وتشمل هذه المصادر بيانات الوكالة الدولية للطاقة (IEA) وصندوق النقد الدولي (IMF) والوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) وإدارة معلومات الطاقة الأميركية (USEIA).

يؤكد التقرير في النهاية ضرورة مواصلة إزالة الكربون في أسرع وقت ممكن، وأهمية استمرار الحكومات والمجتمعات في تجربة مجموعة واسعة من التقنيات والممارسات التجارية والنهج المجتمعية لهذا الغرض. 

اقرأ أيضاً: مشروع سري لدفن الخشب لإزالة الكربون يستقطب تمويل بملايين الدولارات

ويوضّح مؤشر المستقبل الأخضر 2023 أن قدرة العالم وموارده على القيام بذلك ليست موزعة بالتساوي؛ ففيما يتمتع “القادة الخضر” بالثراء وموارد الطاقة المتجددة التي تخلق مزايا عامة تسهم في إنشاء اقتصادات مستدامة منخفضة الكربون والحفاظ عليها، تظل البلدان الفقيرة (والتي غالباً ما تعتمد على الوقود الأحفوري) في الكثير من الأحيان عالقة في حالة دائمة من محاولة اللحاق بالركب، حيث تُجبر على إنفاق مواردها الشحيحة لدعم النمو.