لماذا تمثل المجموعات الكبيرة من الأقمار الاصطناعية خطراً على مستقبل الفضاء؟

3 دقائق
مصدر الصورة: إم إس تيك/ الكرة الأرضية: ويكيميديا كومونز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عندما أسقطت الهند أحد أقمارها الاصطناعية بصاروخ منذ فترة قريبة، أبدى مدير ناسا جيم برايدنستاين امتعاضه قائلاً: “ليس من الصواب أن نحدث المزيد من مناطق الحطام عمداً. إذا خربنا الفضاء، فلن نتمكن من استعادته”.

كان برايدنستاين يشير إلى مشكلة متفاقمة، وهي الحطام الفضائي: أقمار اصطناعية منتهية الصلاحية، بقايا الصواريخ، والحطام الناتج عن حوادث تصادم سابقة، وجميعها تمثل خطراً بالنسبة للأقمار الاصطناعية العاملة في الفضاء، والسفر الفضائي للبشر، وحتى محطة الفضاء الدولية.

من المبكر أن نحصل على بيانات جيدة بما يكفي حول غيمة الحطام من الاختبار الهندي لإسقاط الأقمار الاصطناعية، كما ستعمل شركات التتبع على مراقبة المنطقة عن كثب. ويتابع البنتاجون حالياً 250 قطعة منفصلة، كما أخبر أحد مسؤوليه وكالة رويترز. وعلى الرغم من أن التصادم أحدث على الأرجح غيمة من القطع المعدنية، فقد حدث على ارتفاع منخفض نسبياً، أي أن أغلبية هذه القطع ستُسحب إلى الغلاف الجوي الأرضي خلال أشهر.

وعلى الرغم من أن الاختبار الهندي لم يكن موافقاً لمزاج برايدنستاين، فإن خبراء الحطام الفضائي يركزون حالياً على مخاوف أكبر بكثير، حيث إن “المجموعات العملاقة” من الأقمار الاصطناعية التي يُقترح نشرها على ارتفاعات عالية قد تكون منشأ مشاكل أسوأ وأطول أمداً.

نشأ حوالي نصف الحطام الفضائي الحالي من حدثين اثنين فقط: اختبار أجرته الحكومة الصينية في 2007 لإسقاط الأقمار الاصطناعية، وحادث تصادم في 2009 بين قمرين اصطناعيين، ولكن هناك خطط ستؤدي إلى المزيد من الازدحام في المدار الأرضي الأدنى. وعلى سبيل المثال، ترغب الشركة الناشئة في مجال الأقمار الاصطناعية ون ويب بنشر 900 قمر اصطناعي صغير في المدار لتأمين الاتصال بإنترنت الحزمة العريضة لأماكن لا يتوافر فيها حالياً، على حين حازت سبيس إكس على الموافقة على نشر 12,000 قمر اصطناعي صغير عبر المدارين الأرضيين المنخفض والمنخفض جداً، إضافة إلى خطط مشابهة ولكن على مستوى أقل من شركات أخرى مثل تيليسات وليوسات.

يمكن أن يؤدي هذا الدفق المفاجئ من الأجسام الجديدة إلى مشاكل كبيرة؛ ففي بحث قُدم في الملتقى العالمي التاسع والستين للطيران والفضاء في بريمن بألمانيا في أكتوبر المنصرم، عرض جلين بيترسون -وهو باحث في منظمة أيروسبيس كوربوريشن- حساباته حول أثر إضافة آلاف الأقمار الاصطناعية للاتصالات والمراقبة ورصد الأرض إلى المدارات الأرضية الدنيا، حيث توجد أغلبية الحطام الفضائي.

ووجد بيترسون أنه إذا تم إطلاق جميع “المجموعات الكبيرة”، فإن تكنولوجيات التتبع الحالية ستعطي أكثر من 67,000 “إنذار تصادم” سنوياً، وعندها سيتوجب على المشغلين أن يختاروا أحد خيارين: تنفيذ المئات من المناورات الاحترازية للأقمار الاصطناعية يومياً، أو المخاطرة بفرصة صغيرة للتعرض للتصادم.

وفي يناير، قررت الشركة الناشئة كابيلا -التي تعمل في مجال التصوير برادار الفتحة التركيبية- أن تحرك قمرها الاصطناعي الوحيد “دينالي” عندما تعرض لاحتمال “اقتران” مع قمر كيوبسات تجاري. يقول بايام بانازادي المدير التنفيذي لكابيلا: “ارتفع احتمال وقوع التصادم إلى 12%، وهي مخاطرة كبيرة أخذناها بمنتهى الجدية”.

كانت تلك المرة الأولى التي استخدمت فيها كابيلا نظام الدفع في دينالي، واستغرقت العملية بأسرها بضعة أيام. ستكون المناورات اللاحقة أكثر سرعة، ولكنها ستؤثر على أرباح الشركة على أي حال، خصوصاً إذا اضطرت لإجرائها عدة مرات يومياً، كما يقول بانازادي: “بدلاً من جمع الصور فوق منطقة معينة، يجب أن تغير مدارك، وتستهلك الطاقة والموارد لتنفيذ هذه المناورة، وتستغرق فترة من الوقت حتى تتحقق من النتائج لاحقاً”.

ولكن إذا تم تجاهل أحد هذه الإنذارات، وتبين أنه إنذار صحيح، فقد تكون النتيجة كارثية.

وقد أورد بيترسون في بحثه أن “الاقتران” في 2009 بين قمر اصطناعي للاتصالات من إيريديوم وقمر اصطناعي روسي خامد “كان يمكن التنبؤ به، ولكن قيمته الاحتمالية لم تبرز من بين جميع أحداث الاقتران المحتملة الأخرى التي تعرض لها إيريديوم ذلك اليوم”.

ولا أحد يلمح إلى أن شركة إيريديوم قررت ألا تحرك القمر الاصطناعي من مكانه توفيراً للمال أو لتمديد فترته التشغيلية، ولكن البيئة في المدار أصبحت أكثر ازدحاماً وتنافسية.

يقول بانازادي: “إذا كنت أتصرف بطريقة حسنة في الفضاء، فهذا لا يعني أن الجميع سيحذون حذوي. وفي الواقع، يمكن أن تصبح الأمور أسوأ بكثير بالنسبة للجميع بسبب أخطاء بضعة أطراف وحسب”.

ومن المفترض أن يبدأ الرادار الأرضي المحسن -والمعروف باسم: السياج الفضائي- بالعمل قريباً ضمن شبكة مراقبة الفضاء الأميركية. وهو ما يمكن أن يحسن من دقة توقع التصادمات. ولكن هذه التكنولوجيا تمثل سلاحاً ذا حدين، كما يشير بيترسون. حيث إن الرادارات الحالية تستطيع أن تتتبع بشكل موثوق قطع الحطام الفضائي الأكبر من عشرة سنتيمترات، والتي يبلغ عددها حوالي عشرين ألفاً، ولكن الحساسات المستقبلية ستتمكن من كشف الأجزاء بحجم 2 سنتيمتر فقط، والتي قد يصل عددها إلى مائتي ألف.

ووفقاً لحسابات بيترسون، فإن المجموعات الكبيرة من الأقمار الاصطناعية ستبقى عرضة لعدة مئات من الإنذارات الخاطئة سنوياً، حتى لو تم تتبع جميع الأجسام بدقة. وقد يميل بعض مشغلي هذه الأقمار إلى المخاطرة بوقوع اقتران منخفض الاحتمال مع شيء ما بحجم برغي، حتى لو كان يتحرك بسرعة 30,000 كيلومتر في الساعة.

يقول بانازادي: “حالياً، لا توجد قواعد دولية يمكن فرضها بشكل صحيح في جميع البلدان وعلى جميع الشركات، ولهذا يجب أن نعتمد بدرجة كبيرة على التنظيم الذاتي، وهو أمر بالغ الخطورة في الفضاء”.