مقوّمات نجاح الشركات المبتكِرة في مجال الروبوتات في السعودية

5 دقيقة
قيادة التحول الصناعي: دور توليب للتقنيات في ثورة الروبوتات في السعودية
حقوق الصورة: توليب للتقنيات

ملخص: انتشرت مع مطلع القرن الحالي مصطلحات حديثة مثل المدن الذكية وحكومة المستقبل والمواطن الرقمي، والعامل المشترك بينها هو التكنولوجيا الحديثة وتطبيقاتها التي تسهم في تحقيق المشاريع الضخمة على المستوى الوطني مثل رؤية 2030. يدخل الذكاء الاصطناعي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في خُطط تحقيق 66 هدفاً من أصل 96 هدفاً منبثقاً من رؤية 2030 بركائزها الثلاث: مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح. يُسلّط هذا المقال الضوء على مَعلمَين رئيسيين من معالم الميزة التنافسية لشركة سعودية مبتكرة في مجال الروبوتات: 1. الاعتماد على أحدث التكنولوجيا وتطبيقها بأسلوب مبتكر. 2. الاعتماد على الشراكات واتفاقيات التعاون مع مؤسسات خاصة أو هيئات حكومية.  

ظهرت كلمة "روبوت" أول مرة عام 1920 في مسرحية للكاتب التشيكي كارل تشابيك، وحملت عنوان "رجال روسوم الآلية العالمية"، حيث ترمز كلمة "روبوت" في اللغة التشيكية إلى العمل الشاق، أمّا تأسيس علم الروبوتات كتخصص مستقل، فيُنسب للعالم المسلم "الجزري" الذي أبدع خلال القرن الثاني عشر في اختراع الكثير من الآلات والروبوتات (بمفهومها الحالي)، وبعد أكثر من 10 قرون، تسعى المملكة العربية السعودية لاسترجاع راية الابتكارات التقنية ضمن رؤية طموحة توجه الجهود والاستثمارات الهائلة التي تخدم هذه المصلحة.

يعتمد أي مشروع طموح على عددٍ من المقوّمات التي تتكامل ضمن منظومة كبيرة تهيئ عوامل النجاح، ورؤية 2030 حرصت بوضوح على تهيئة بيئة النجاح والازدهار للمشاريع والمؤسسات المبتكرة، وتحديداً ضمن محور الرؤية "اقتصاد مزدهر" الذي انبثقت منه هيئات حكومية داعمة ومشجّعة على الابتكار و"التفكير خارج الصندوق". ضمن هذه البيئة والمناخ الاستثماري في بلد معظمه من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة، ظهر العديد من الشركات الناشئة، وازدهرت شركات أخرى كانت جاهزة لاقتناص الفُرص التي أتاحتها رؤية 2030، مثل شركة توليب للتقنيات التي تجمع خبرات تصل إلى ثلاثة عقود في مجال صناعة الروبوتات الجاهزة للتشغيل والآلات التي تساعد على أتمتة مجموعة واسعة من المهام اليدوية الروتينية، بالإضافة إلى خدمات الدعم الفني وتصميم الروبوتات والحلول الآلية المخصصة (Customised) وخدمات تقنية أخرى.

الاعتماد على الآلات والروبوتات ليس وليد الحاضر وإنما تعود جذوره للقرن الثامن عشر مع بدايات الثورة الصناعية الأولى، غير أن مصانع "توليب للتقنيات" في الوقت الحاضر تعمل بالاعتماد على تقنيات ما يُسمى الثورة الصناعية الرابعة، شأنها في ذلك شأن عدد من الشركات على المستوى العالمي. الميزات "الكلاسيكية" لاستخدام الأتمتة والروبوتات في المصانع وضمن سلاسل الإنتاج والتخزين معروفة لدى القريبين من الاختصاص، مثل تخفيض التكلفة ورفع الإنتاجية نظراً لتفوق الآلة على الإنسان في حجم المهام، بالإضافة إلى تعزيز سلامة الأفراد جرّاء تقليل مخاطر الحوادث والإصابات، لكن ما الذي يُميّز فعلاً توليب للتقنيات مقارنة بالشركات الأخرى التي تنشط في المنطقة؟

عالمياً، تختص شركات كبيرة في إنتاج مجموعة متنوعة من الروبوتات الصناعية، وتُعدّ اليابان والصين والولايات المتحدة الأميركية وكوريا الجنوبية وألمانيا من بين الأسواق الخمس الأكبر في مجال الروبوتات الصناعية على مستوى العالم. ومن أبرز تلك الشركات اليابانية "فانوك" (FANUC) التي تُصنّع أكثر من 100 نموذج روبوت، وتنتج ما يصل إلى 5000 روبوت شهرياً، مع التركيز على تطبيقات مثل اللحام والعناية بالآلات والروبوتات التعاونية. عموماً، بلغت شحنات الروبوتات الصناعية في مختلف أنحاء العالم نحو 553 ألفاً عام 2022، ومن المتوقع أن تزيد بشكلٍ كبير في السنوات القادمة لتصل إلى 718 ألفاً تقريباً عام 2026. وتم تركيب 73% من الروبوتات المصنّعة حديثاً في آسيا، و15% في أوروبا، و10% في الأميركيتين.

توليب للتقنيات: توليفة تستهدف تحقيق ميزة تنافسية

يمكن تلخيص أهم الأسس التي تسعى توليب للتقنيات لتحقيقها، في نقطتين أساسيتين:

  1. مواكبة التكنولوجيا الحديثة واعتمادها في ظرف وجيز: تُعدّ شركة توليب إحدى الشركات الأولى التي تصنع روبوتات محلية الصنع في المملكة العربية السعودية، وتقدّم مجموعة متنوعة من الآلات الروبوتية، كل منها مصمم لتلبية الاحتياجات الوظيفية المحددة عبر مختلف الصناعات، تحمل أسماء "ساعد" و"بارق" و"ناقل" و"صابغ"، مصممة للاستخدام السريع والأداء الأمثل. "مشروع لحام هياكل الشاحنات" هو أحد المشاريع الذي عكس قدرة توليب للتقنيات على توظيف أحدث التكنولوجيا، حيث استخدمت نظاماً متطوراً اسمه "نظام التحقق الداخلي" يسمح بمراقبة مسارات اللحام آنياً وتصحيحها آلياً في حال وجود انحرافات ما يضمن جودة عالية ولحاماً متسقاً، كما يعمل الروبوت بنظام تعليق ودوران متطور يضمن تحرك "رأس اللحام" في الاتجاهات كلها ويسهل الوصول إلى أصعب النقاط وأضيق الأماكن في هيكل التلحيم، كما يؤدي الروبوت جميع مراحل التلحيم دون أي تدخل بشري، ويحتوي الذراع الذي يحمل رأس التلحيم على كاميرا تعمل بالليزر و"نظام تحسُس القطعة" يضمن تجانس القِطع التي تشكل الهيكل الجديد، أضف إلى ذلك الاعتماد على "التوائم الرقمية" التي تُتيح إعادة نسخ مكوّنات مشروع أو مصنع ما في البيئة الافتراضية، حتى يتسنى التأكد من نجاعة الحل أو المنتج المبتكر الذي تنوي الشركة بيعه. من بين التكنولوجيا الحديثة التي تُميّز توليب للتقنيات أيضاً توفيرها روبوتات تؤدي مهمة "التشطيب السطحي" آلياً دون أي تدخل بشري، وابتكارها روبوتاً محمولاً اسمه "MiR1000" يتمتّع بسعة حمولة تصل إلى ألف كلغ مع تلبية معايير السلامة والأمان كافة.
  2. الشراكات الاستراتيجية: تُعد الشراكات كما وصفها الخبير غاري هامل طريقاً مختصراً لاكتساب المعرفة والتكنولوجيا الحديثة، لذلك تولي شركة توليب للتقنيات أهمية كبرى لهذه "الأداة" التي تساعد في كسب ميزة تنافسية مستدامة. تتعدد أهداف الشراكة حسب الشريك المُستهدف، فمنها ما هو تقني بحت، يهدف للحصول على التكنولوجيا الحديثة من خلال التعلُم من الشريك، ومنها ما هو اقتصادي كالتعاون مع شركة أخرى تنشط في نفس المجال لتحقيق وُفرات الحجم وتخفيض التكلفة الوحدوية، ومنها ما هو مكمّل مثل الشراكة مع شركة "رقيم للحلول الذكية" (Rqeem for Smart Solutions)، أي إن خدمات ومنتجات ومعارف الشريكين تكمّل بعضها بعضاً، ومنها ما يهدف إلى تعزيز الابتكار والإبداع مثل الشراكة التي عقدتها مع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (كاكست) خلال فعاليات مؤتمر ليب 24، لتعزيز التعاون وتوحيد الجهود في مجال تطوير الروبوتات المتقدمة، ودعم التطوير المشترك لمشاريع لحلول الأتمتة والذكاء الاصطناعي، فهي من الشراكات التي تمثل جسراً بين معارف الأوساط الأكاديمية والخبرة الميدانية لشركات التقنية. تجدر الإشارة إلى أنّ التعاون مع هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار يُعدّ من أهم الشراكات، حيث تمثل هذه الهيئة بمحاورها الأربعة نافذة مُطلة على مستجدات القوانين والتشريعات الناظمة للمجال، وقوائم الشركاء المحتملين والراغبين في الاستثمار، ومصادر التمويل بمختلف أنواعها سواء كانت مؤسسية أو فردية، وفُرص السوق وبيانات الاقتصاد الكلّي التي يصعب الحصول عليها بالجودة المطلوبة في الوقت الصحيح.

بناء القوة العاملة السعودية في مجال الروبوتات والذكاء الاصطناعي

لا يكتمل تحقيق هذه الأهداف والفوائد دون قوة عاملة ماهرة في مجال الروبوتات والذكاء الاصطناعي، وهذا ما تعمل عليه المملكة كجزء من رؤية 2030، لذلك يركّز قطاع التعليم السعودي على المجالات المتخصصة مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات، بهدف تزويد القوى العاملة المستقبلية بالمهارات اللازمة لتطبيق هذه التقنيات. وتهدف الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي، التي أطلقت عام 2020، إلى تنمية قوة عاملة تضم 20 ألف متخصص في الذكاء الاصطناعي والبيانات بحلول عام 2030 وجذب الاستثمارات في هذا القطاع.

ويتولى العديد من المؤسسات الأكاديمية والبحثية تقديم برامج تدريب وتطوير متخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي منها جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، وتركّز هذه البرامج على المهارات الأساسية مثل التعلم العميق والتعلم الآلي ولغة البرمجة بايثون، ما يساعد الطلاب على الانتقال من مجالات الدراسة التقليدية إلى تخصصات أكثر توافقاً مع السوق. أمّا مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية فتركّز على تطوير تقنيات الروبوتات من خلال مبادرات البحث التي تعالج احتياجات الصناعة.

وسيكون أحد الاستخدامات للابتكار في مجال الروبوتات، وتفعيل اليد العاملة في هذا المجال، في مدينة نيوم التي يُخطط أن تضم عدداً من الروبوتات يفوق عدد البشر الذين يعيشون فيها، وستكون مركزاً لتطوير الروبوتات أيضاً. علاوة على ذلك، أسس صندوق الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية شركة "آلات"، بهدف جعل المملكة مركزاً عالمياً لتصنيع منتجات التكنولوجيا المستدامة التي ستُنشر في الأسواق المحلية والعالمية. تمثل الروبوتات أحد أهم منتجات شركة آلات، بالإضافة إلى أشباه الموصلات والأجهزة الذكية وغيرها.