كيف يمكن لحجب البرمجيات مفتوحة المصدر في الصين أن يؤدي إلى نتيجة عكسية؟

4 دقائق
كيف يمكن لحجب البرمجيات مفتوحة المصدر في الصين أن يؤدي إلى نتيجة عكسية؟
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في 18 مايو/ أيار، استيقظ الآلاف من مطوري البرمجيات في الصين على خبر قفل وحجب موقع “غيتي” (Gitee) عن العامة، وهو موقع ويب مدعوم حكومياً ويستضيف مشاريعهم البرمجية مفتوحة المصدر بصورة مماثلة للمنصة العالمية لتخزين المشاريع البرمجية “غيت هاب” (GitHub).

وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، أصدرت غيتي بيانا تفسر فيه أن الأكواد التي تم حجبها كانت تتم مراجعتها يدوياً، الأمر الذي تحتاجه الأكواد مفتوحة المصدر قبل نشرها لهم. وأورد البيان أن الشركة “لم يكن لديها أي خيار”. لم تستجب شركة غيتي لطلب إم آي تي تكنولوجي ريفيو بالإجابة عن سؤالها حول سبب التغيير، ولكن من المفترض على نطاق واسع أن الحكومة الصينية فرضت إجراء جديداً من الرقابة الثقيلة.

وبالنسبة لأوساط البرمجيات مفتوحة المصدر في الصين، والتي تحتفي بالشفافية والتعاون الدولي، فقد كانت هذه الخطوة بمثابة صدمة كبيرة. فمن المفترض أن المسائل البرمجية مستقلة عن السياسة. ويخشى هؤلاء المطورون في نهاية المطاف أن هذا يمكن أن يثبط من رغبة الناس بالمساهمة بمشاريع مفتوحة المصدر، وهو ما يمكن أن يؤثر سلباً على صناعة البرمجيات الصينية.

“تتمحور عملية التدقيق في البرمجيات مفتوحة المصدر حول تحسين جودة الرموز البرمجية وبناء الثقة بين المطورين، وبالتالي، فإن إضافة البعد السياسي إلى تدقيق الرموز البرمجية سيكون سلبياً بالنسبة لكلا المجالين، وقد يؤدي في نهاية المطاف إلى تراجع زخم حركة البرمجيات مفتوحة المصدر في الصين”، كما يقول هان شياو في برلين، وهو مؤسس شركة “جينا أيه آي” (Jina AI)، وهي شركة تجارية للبرمجيات مفتوحة المصدر.

اقرأ أيضاً: من يدفع تكاليف البرمجيات مفتوحة المصدر التي تشغل شبكة الإنترنت؟

صعود غيتي

تُعد منصة غيت هاب، التي تأسست في عام 2008 واستحوذت عليها Microsoft في 2018، المنصة الأساسية للمطورين في جميع أنحاء العالم الذين يستخدمونها لنشر التعليمات البرمجية الخاصة بهم ثم النقد والتعلم من بعضهم بعضاً. ويشار إلى كتل الرموز البرمجية هذه المتاحة للجميع –على عكس الرموز البرمجية التي تعود ملكيتها الخاصة إلى الشركات أو الأفراد- بالبرمجيات مفتوحة المصدر. من بين 73 مليون شخص يستخدمون غيت هاب في عام 2021، يوجد 7.5 مليون في الصين، ما يجعلهم أكبر مجموعة خارج الولايات المتحدة.

ولكن مستوى استقلال هذه المنصة أثار قلق الحكومة الصينية، خصوصاً بعد العقوبات الأميركية على شركة “هواوي” (Huawei) في 2019، والتي ذكّرتها بأن الدولة ما زالت تعتمد على بعض الشركات والخدمات الأجنبية. وليست منصة غيت هاب إلا واحدة منها.

وفي نفس الوقت، كانت صناعة البرمجيات مفتوحة المصدر تنمو بسرعة في الصين. وقد قامت كبرى الشركات، مثل “تينسنت” (Tencent) و “علي بابا” (Alibaba) بإطلاق نسخها الخاصة من غيت هاب، أما غيتي التي تدعمها مجموعة البرمجيات مفتوحة المصدر المهمة “أو إس تشاينا” (OSChina)، فقد بدأت تحتل الصدارة في المنافسة المحلية. لذلك في عام 2020، تعاقدت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية مع ائتلاف من الشركات والجامعات، بقيادة غيتي، لتنمية المستودع الحالي إلى “منصة استضافة صينية مستقلة مفتوحة المصدر”. وتدعم غيتي الآن أكثر من 8 ملايين مستخدم.

اقرأ أيضاً: ناشطون يستخدمون «برامج احتجاج» مفتوحة المصدر احتجاجاً على الحرب الروسية الأوكرانية

ومع مرور الوقت، بدأ بعض المطورين بتفضيل غيتي على غيت هاب لعدد من الأسباب، بدءاً من الأداء والتكلفة وصولاً إلى الحماية من التدخل الأجنبي.

وبالنسبة لدانييل بوفينسيبين لي، وهو عالم باحث في بكين ويستخدم غيتي لمشاريع شخصية واحترافية، فإن الميزة الأساسية لهذه المنصة هي أنها موجودة ضمن البر الرئيسي للصين، ما يجعل خدماتها أكثر سرعة واستقراراً. ويقول: “نظراً لهذا القرب، فإن الأداء أفضل بكثير من غيت هاب أو “غيت لاب” (GitLab) (وهي منصة أخرى وراء البحار)”. يبلغ عدد المشاريع التي وضعها “لي” على غيتي، والتي تأثرت بالتغيير الأخير، 24 مشروعاً.

ومن المرجح أن تقوم المؤسسات التي ترتبط بالحكومة باستخدام غيتي أيضاً. يقول توماس ياو في شنغهاي، وهو مؤسس “غيت كافيه” (GitCafe)، إحدى أولى النسخ الصينية من غيت هاب، والتي باعها إلى تينسنت في 2016: “جميع المؤسسات الحكومية، مثل الجيش والجامعات الحكومية والشركات المملوكة حكومياً، تشعر بالقلق من كون غيت هاب مملوكة من قبل شركة مايكروسوفت الأميركية”. ويقول إن الطلاب والمطورين الهواة يمكن أيضاً أن يحجموا عن استخدام غيت هاب بسبب التكاليف، إضافة إلى صعوبة العثور على خدمات الشبكات الخاصة الافتراضية (VPN) موثوقة في الصين.

التأثير

حالياً، لا يوجد تفسير واضح ومحدد لهذا التغيير، ولكن تطبيق الرقابة على أنواعٍ معينة من العبارات –مثل الشتائم والكلمات الإباحية والكلمات الحساسة سياسياً– كانت قد بدأت تُطبِق على المنصة منذ فترة. على صفحة التعليقات الرسمية والعامة لغيتي، هناك العديد من شكاوى المستخدمين حول كيفية فرض الرقابة على المشاريع لأسباب غير واضحة، ربما لأنه تم الالتباس بين اللغة التقنية وكلمة حساسة.

كانت النتيجة المباشرة للتغيير في 18 مايو/ أيار على غيتي حجب المشاريع الموجودة على المنصة والمتاحة للعامة دون سابق إنذار. اشتكى المستخدمون من أن هذا عطّل الخدمات أو حتى أفسد صفقاتهم التجارية. وحتى تصبح الرموز البرمجية متاحة للعامة ثانية، يجب على المطورين تقديم طلب والتأكيد على عدم احتواء المشروع على أي شيء ينتهك القوانين الصينية أو حقوق الملكية.

وقد خضعت جميع مشاريع لي على غيتي للتدقيق اليدوي، وتمت حتى الآن إعادة 22 من أصل المشاريع البالغ عددها 24. ويقول: “ولكنني أفترض أن عملية التدقيق هذه ليست مجرد إجراء يُطبق لمرة واحدة، وهو ما يدعو للتساؤل حول مدى صعوبة استضافة المشاريع مستقبلاً”. ولكن، وفي ظل غياب أي بديل محلي، يتوقع لي أن يبقى المستخدمون على المنصة: “قد لا يجد المستخدمون إجراءات غيتي مدعاة للسرور، ولكن هذه المنصة ستبقى مطلوبة لإنجاز أعمالهم اليومية”.

وعلى المدى الطويل، قد يؤدي هذا إلى وضع عبء إضافي على المطورين: “عند كتابة النصوص البرمجية، يتعين عليك أيضاً أن تقوم بكتابة بعض التعليقات وتحديد أسماء للمتحولات. ومن المؤكد أن أي مطور لن يرغب بالتفكير في احتمال أن يثير رمازه البرمجي كلمة حساسة هنا أو هناك”، كما يقول ياو.

اقرأ أيضاً: البرمجة الآمنة وأهميتها في تعزيز الأمن السيبراني

مع كل جوانب الإنترنت الأخرى تقريباً، نجحت الطريقة الصينية لبناء بديل خاص بها بشكل جيد في السنوات الأخيرة. ولكن، وفيما يتعلق بالبرمجيات مفتوحة المصدر، وهو منتج مباشر للتعاون عبر الحدود، يبدو أن الصين وصلت إلى طريق مسدود.

تقول المحللة في معهد مركاتور للدراسات الصينية والمشاركة في تأليف تقرير عن رهان الصين على المصادر المفتوحة، ريبيكا أرسساتي: “هذا الدفع لعزل المجتمع المحلي مفتوح المصدر عن المخاطر الناشئة عن المجتمع العالمي هو أمر يتعارض إلى حد كبير مع الاقتراح الأساسي لتطوير التكنولوجيا مفتوحة المصدر”.

وتقول إن مختصي التكنولوجيا الصينيين لا يرغبون في الانعزال عن الحوار العالمي حول تطوير البرمجيات، وقد لا يشعرون بالارتياح إزاء التوجه الصيني: “كلما حاولت الصين ترسيخ الطابع القومي للعمل على البرمجيات مفتوحة المصدر، وكلما حاولت بناء أنظمة بيئية محلية، سيصبح المطورون أقل حماساً للمشاركة في المشاريع الحكومية مفتوحة المصدر”.

اقرأ أيضاً: برمجيات مراقبة الطلاب أثناء الاختبارات تنتهك خصوصيتهم وتكرس عدم المساواة

كما قد يؤدي قطع الصلات الدولية بصورة دائمة إلى إبطاء النمو السريع لصناعة البرمجيات مفتوحة المصدر الصينية قبل أن تبدأ نتائجها الاقتصادية بالظهور. وهو جزء من مشكلة أكبر تلقي بظلالها على قطاع التكنولوجيا الصيني مع إصدار الحكومة الصينية للعديد من القوانين الصارمة في السنوات الأخيرة، فهل ستضحي الصين بالفوائد بعيدة المدى للتكنولوجيا بسبب أثر قصير المدى؟

تقول أرسيساتي: “لا أعرف كيف يمكن للصين أن تتدبر أمرها من دون الصلات الدولية مع الأوساط والمؤسسات العالمية للبرمجيات مفتوحة المصدر. وعلى كل حال، لم نصل إلى هذه المرحلة بعد”.