جيل جديد من روبوتات الذكاء الاصطناعي يكتسح المستودعات

4 دقائق
جيل جديد من روبوتات المستودعات
مصدر الصورة: أوزارو
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في الأشهر التي سبقت ظهور التقارير الأولى عن كوفيد-19، توجه نوع جديد من الروبوتات إلى العمل. تستطيع هذه الروبوتات -المبنية على سنوات من الاختراقات في مجال التعلم العميق- التقاطَ جميع أنواع الأشياء بدقة مذهلة؛ ما يجعلها مناسبة لوظائف مثل فرز المنتجات ووضعها ضمن طرود في المستودعات.

كانت قدرة الروبوتات التجارية السابقة محدودة في أداء المهام مع تعديلات بسيطة؛ حيث كانت تقوم بتحريك المنصات على مسارات محددة وربما كانت تستطيع تعديل مسارها قليلاً لتجنب العقبات التي تعترض طريقها. أما الروبوتات الجديدة، التي تتمتع بالقدرة على التعامل مع الأغراض ذات الأشكال والأحجام المتغيرة في اتجاهات غير متوقعة، فإنها قد تفتح الباب أمام أتمتة مجموعة مختلفة تماماً من المهام.

مصدر الفيديو: أوزارو

في ذلك الحين، كانت هذه التكنولوجيا لا تزال في طور التجربة وإثبات فعاليتها. ثم تفشى الوباء، وارتفع الطلب عبر منصات التجارة الإلكترونية بشكل كبير وتعمقت مشكلة نقص الأيدي العاملة. ونتيجة لذلك، تحولت الروبوتات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي من أداة كمالية يستحسن امتلاكها إلى ضرورة.

تعد شركة كوفاريانت (Covariant) واحدة من العديد من الشركات الناشئة التي تعمل على تطوير البرمجات اللازمة للتحكم بهذه الروبوتات. وتقول -شأنها شأن أهم منافسيها شركة أوزارو (Osaro)- إنها تشهد الآن تزايداً متسارعاً في الطلب في قطاعات مثل الموضة ومستحضرات التجميل والمنتجات الدوائية والبقالة. وبدأ العملاء المشتركون سابقاً في البرامج التجريبية لهذه الروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي التحرك لإدماجها بصورة دائمة في خطوط إنتاجهم.

كانت كناب (Knapp)، وهي شركة تقدم خدمات تكنولوجيا لوجستيات المستودعات، أحد عملاء كوفاريانت الأوائل التي بدأت بتجربة هذه التكنولوجيا في أواخر عام 2019. وتقول كناب إنها تعمل اليوم على “مجموعة كاملة من المشاريع” في مختلف أنحاء العالم، والتي تتضمن تعديل المستودعات القديمة وتصميم مستودعات جديدة تماماً مصممة على النحو الأمثل لتمكين روبوتات الالتقاط التي تطورها كوفاريانت من العمل جنباً إلى جنب مع البشر.

وفقاً لتقديرات رايان ويتون، الذي يحلل سوق الروبوتات الصناعية في إيه بي آي ريسيرش (ABI Research)، فقد تم حتى الآن نشر حوالي 2,000 روبوت يعمل بالذكاء الاصطناعي، حتى أن كل مستودع عادي أصبح يحتوي روبوتاً أو اثنين. لكنه يرى أن الصناعة قد بلغت نقطة انعطاف جديدة، ويتوقع قريباً أن يضم كل مستودع ما يزيد عن 10 روبوتات؛ ما سيدفع بالعدد الإجمالي إلى عشرات الآلاف في غضون السنوات القليلة المقبلة. ويقول: “إنها تشهد توسعاً سريعاً حقاً، ويعود الفضل في ذلك جزئياً إلى وباء كوفيد-19”.

موجة جديدة من الأتمتة

على امتداد العقد الماضي، قامت قطاعات البيع بالتجزئة والشحن عبر الإنترنت بأتمتة مطردة للعمليات في مستودعاتها، مع تصدر الشركات الكبرى لهذا التوجه. في عام 2012، استحوذت أمازون على شركة كيفا سيستمز (Kiva Systems)، وهي شركة روبوتات في ماساتشوستس تنتج روبوتات متحركة ذاتية التحكم تُعرف في الصناعة اختصاراً باسم إيه إم آر إس (AMRs)، لاستخدام روبوتاتها في نقل البضائع بين الرفوف. في عام 2018، بدأت فيديكس (FedEx) تنشر روبوتاتها المتحركة ذاتية التحكم الخاصة بها، والتي صممتها شركة ناشئة أخرى مقرها في ماساتشوستس تسمى فيكنا روبوتيكس (Vecna Robotics). وفي العام نفسه، تصدر متجر أوكادو (Ocado) البريطاني عبر الإنترنت عناوين الصحف بأنباء حول مركز التوزيع المؤتمت للغاية في أندوفر بإنجلترا، الذي يتميز بشبكة عملاقة من الروبوتات التي تتنقل على طول سقالات الرفوف المعدنية.

ولكن هناك سبب وراء احتلال الروبوتات المتحركة ذاتية التحكم موقع الصدارة في هذه الموجات المبكرة من الأتمتة. من منظور تقني، يعد تحريك الأشياء من النقطة (أ) إلى النقطة (ب) أحد أسهل التحديات الروبوتية. لكن التحدي الأصعب يكمن في تمكين الروبوتات من التلاعب بالأشياء لالتقاطها من الرفوف وإخراجها من الصناديق، أو وضعها في صناديق وتغليفها، بنفس الطريقة الرشيقة التي يقوم بها العمال البشريون بذلك بأيديهم.

هذا هو بالضبط ما يتخصص في إنجازه أحدث جيل من شركات الروبوتات مثل كوفاريانت وأوزارو، وهي تكنولوجيا لم تثبت جدواها التجارية حتى أواخر عام 2019. في الوقت الحالي، أكثر ما تبرع به هذه الروبوتات هو مهام التلاعب البسيطة مثل التقاط الأشياء ووضعها في الصناديق، لكن كلتا الشركتين الناشئتين تعملان بالفعل مع العملاء على تزويد الروبوتات بتسلسل حركات أكثر تعقيداً، بما في ذلك التوضيب التلقائي، والتي تتطلب من الروبوتات التعامل مع المواد المجعدة أو القابلة للكسر أو الشفافة. في غضون بضع سنوات، أي مهمة كانت تتطلب سابقاً استخدام الأيدي لإتمامها ستخضع لأتمتة كلية أو جزئية.

بدأت بعض الشركات بالفعل في إعادة تصميم مستودعاتها للاستفادة بشكل أفضل من هذه القدرات الجديدة. وعلى سبيل المثال، تعمل كناب على تغيير مخطط أرضية المستودعات وطريقة توجيه البضائع بهدف تحديد نوع العامل- روبوت أو إنسان- الأفضل في التعامل مع المنتجات المختلفة. بالنسبة للأشياء التي لا يزال من الصعب على الروبوتات التعامل معها، مثل الرخام الملفوف بشبكة أو الفخار الرقيق، تقوم خوارزمية توجيه مركزية بإرسالها إلى محطة عاملين بشرين قادرين على التقاطها. أما المواد الأكثر شيوعاً، مثل السلع المنزلية واللوازم المدرسية، فسيتم توجيهها إلى محطة روبوتات.

يتوقع ديريك بريدمور، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة أوزارو، أن تصبح المستودعات في صناعات مثل الموضة مؤتمتة بشكل كامل في غضون عامين، نظراً لسهولة التعامل مع الملابس بالنسبة للروبوتات.

لكن هذا لا يعني أننا سنشهد قريباً أتمتة جميع المستودعات؛ إذ يقول مايكل تشوي، الشريك في معهد ماكنزي جلوبال والذي يدرس تأثير تكنولوجيا المعلومات على الاقتصاد، إن هناك الملايين من المستودعات حول العالم، و”لا يمكن أن يتم تعديل كل هذه المنشآت بين عشية وضحاها”.

جيل جديد من روبوتات المستودعات
واحدة من أولى الأذرع الروبوتية التي طورتها كوفاريانت وجربتها كناب في مستودع في برلين بألمانيا.

ومع ذلك، فإن أحدث موجات الأتمتة هذه تثير تساؤلات حول التأثيرات على الوظائف والعمال.

لقد أمدّت موجات الأتمتة السابقة الباحثين بالمزيد من البيانات التي تتيح لهم توقع ما يمكن أن يحدث. حيث أجرت دراسة حديثة تحليلاً لتأثير الأتمتة على مستوى الشركات لأول مرة، وتوصلت إلى أن الشركات التي سبقت غيرها في تبني الروبوتات في صناعتها أصبحت تتمتع بقدرة تنافسية ونمو أكبر؛ ما دفعها إلى توظيف المزيد من العمال. يقول لين وو، الأستاذ في جامعة وارتن والذي شارك في إعداد الدراسة: “إن أي خسارة في الوظائف إنما تحدث في الشركات التي لم تتبنَّ الروبوتات؛ فهي تفقد قدرتها التنافسية وبالتالي تسرح العمال”.

ولكن كما لمس العاملون في أمازون وفيديكس، فإن طبيعة وظائف البشر ستتغير؛ حيث سيتم استبدالهم في أعمال من قبيل توضيب البضائع في الصناديق والحقائب وستظهر وظائف جديدة لهم، بعضها مرتبط بشكل مباشر بصيانة الروبوتات والإشراف عليها، والبعض الآخر من تأثيرات الدرجة الثانية المتمثلة في تلبية المزيد من الطلبات، الأمر الذي قد يتطلب عمليات لوجستية وتسليم موسعة. بعبارة أخرى، ستختفي العمالة ذات المهارات المتوسطة لصالح الأعمال التي تتطلب مهارات منخفضة أو عالية، كما يقول وو: “إننا نكسر السلم الوظيفي ونفرغ المنتصف”.

ولكن الخبراء يقولون إنه بدلاً من محاولة إيقاف توجه الأتمتة، من الأفضل التركيز على تسهيل هذا التحول من خلال مساعدة العمال على اكتساب مهارات جديدة وإنشاء فرص جديدة للنمو الوظيفي. يقول تشوي: “هناك عدد من البلدان في العالم تشهد تناقصاً حقيقياً في حجم القوة العاملة بسبب الشيخوخة. يُعزى نصف نمونا الاقتصادي إلى زيادة عدد الأشخاص العاملين على مدار الخمسين عاماً الماضية، وهذا الأمر في طريقه إلى الزوال. لذلك هناك ضرورة حقيقية لزيادة الإنتاجية، ويمكن للتقنيات الجديدة أن تساعدنا في تحقيق ذلك. كما ينبغي علينا ضمان مشاركة فوائد هذه التكنولوجيا مع العمال”.