جوزيف عتيق مبتكر تكنولوجيا التعرف على الوجوه يتحدث عن ابتكاره ومخاوفه منه

3 دقائق
تكنولوجيا التعرف على الوجوه
حقوق الصورة: إم آي تي ريفيو العربية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

“عندما دخلت إلى المكتب، قامت الخوارزمية بالتقاط صورة وجهي واقتطاعه من الخلفية وأعلنت النتيجة بصوت واضح: ’أرى جوزيف’! حينها، سرت القشعريرة في جسدي. لقد شعرت أننا نشهد إنجازاً كبيراً”. هكذا وصف جوزيف عتيق لحظة ابتكاره لتكنولوجيا التعرف على الوجوه في عام 1994 أثناء حوار معه في بودكاست “بالآلات نثق” من إم آي تي تكنولوجي ريفيو.

اليوم، يشغل جوزيف عتيق منصب رئيس مجلس الإدارة التنفيذي لمنظمة “آي دي فور أفريكا” (ID4Africa)، وهي مؤسسة غير حكومية تركز على منح الناس في إفريقيا هوية رقمية تتيح لهم الوصول إلى الخدمات. وهو حاصل على درجة الدكتوراه في الرياضيات من جامعة ستانفورد في عام 1986، وكان مع زملائه وراء تطوير أول نظام تجاري للتعرف على الوجوه. ويوصف بأنه الأب المؤسس لتكنولوجيا التعرف على الوجوه ومجال القياسات الحيوية.

اقرأ أيضاً: الوكالات الحكومية الأميركية تخطط لزيادة استخدام تكنولوجيا التعرف على الوجوه

رحلة العمل ولحظة ابتكار تكنولوجيا التعرف على الوجوه

يصف عتيق رحلة الوصول إلى هذا الابتكار بأنها “كانت شهوراً طويلة من حلقات متكررة من البرمجة والفشل”. وفي صباح أحد الأيام، كان وفريقه قد فرغوا للتو من تطوير خوارزمية جديدة. قاموا بإعداد الشيفرة البرمجية وبدء عملية التجميع. وعندما عاد إلى المكتب، كانت عملية التجميع قد انتهت وبدأ تنفيذ الخوارزمية التي رصدت شخصاً يدخل إلى الغرفة والتقطت صورة وجهه وأعلنت النتيجة: “أرى جوزيف”. كانت تلك لحظة الابتكار الثوري: خوارزمية ناجحة للتعرف على الوجوه.

وسرعان ما طلب عتيق من زملائه الحضور إلى الغرفة ليشهدوا نجاح الخوارزمية في التعرف عليهم واحداً تلو الآخر.

يقول عتيق: “لقد كانت تلك لحظة الحقيقة، اللحظة التي أثمرت فيها جهودنا”. وبدأ العمل على تطوير الخوارزمية ليتم إدماجها في نظام حاسوبي. وكانت تلك مرحلة ولادة أول تكنولوجيا تجارية للتعرف على الوجوه.

مخاوف عتيق من التكنولوجيا التي ابتكرها

بعد فترة قصيرة من هذا الابتكار الثوري، بدأ عتيق يشعر بالقلق إزاء تداعيات ابتكاره، ويقول: “رأيت مستقبلاً لا مكان فيه للاختباء مع انتشار الكاميرات في كل مكان وتوفر الحواسيب الشخصية وتنامي قدرات المعالجة”. لذا طالب عتيق في عام 1998 بوضع مبادئ للاستخدام المسؤول. وكان مطمئناً إلى أن ضبط استخدام هذه التكنولوجيا هو أمر ممكن في حينه لسببين اثنين:

  • يتمثل العنصر الأكثر أهمية في نظام التعرف على الوجوه في قاعدة البيانات الموسومة لأشخاص معروفين. فإذا لم تحتوِ هذه القاعدة على صورتك، فلن يتمكن النظام من التعرف على وجهك وتحديد هويتك.
  • يصعب بناء قاعدة بيانات ضخمة من هذا النوع؛ لأنه كان ينبغي مسح كل صورة ضوئياً وإدخالها يدوياً إلى النظام.

ما لم يكن في حسبان عتيق هو ظهور وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ يقول:”لقد أفسحنا المجال لهذا المارد بالخروج من القمقم من خلال تزويد شبكات التواصل الاجتماعي بمليارات من صور الوجوه ومساعدتها عن طريق وضع وسوم على صورنا”. وقد دفعه ذلك إلى دعوة العالَم لضغط زر “الذعر” في عام 2011، لأن “العالم يسير في اتجاه حيث سيكون التعرف على الوجوه منتشراً في كل مكان، وستكون الوجوه متاحة في كل مكان في قواعد البيانات”.

وبالفعل، نحن اليوم نعيش في عالم يصعب فيه مطالبة الجميع بالاستخدام المسؤول والأخلاقي لتكنولوجيا التعرف على الوجوه. ومن ناحية أخرى، يمكن لأي جهة أن تجمع صور الوجوه الموسومة من أصقاع الإنترنت ومن شبكات التواصل الاجتماعي. وهذا ما تقوم به العديد من الشركات، كان آخرها شركة كليرفيو التي أعلنت منذ أسابيع أنها بنت قاعدة بيانات تضم 10 مليار صورة من الويب.

اقرأ أيضاً: حيلة يمكنها أن تجعل نظام التعرف على الوجوه يقع في خطأ فادح

كيف يمكننا استعادة التحكم ببيانات وجوهنا؟

في مطلع عام 2021، أظهرت دراسة إلى أي مدى تسبب ابتكار تكنولوجيا التعرف على الوجوه في تقويض خصوصيتنا. قامت الدراسة بتحليل أكثر من 130 مجموعة من بيانات التعرف على الوجوه تم جمعها على مدار 43 عاماً. وتوصلت إلى أن هذا الابتكار لا يمثل اليوم أداة مراقبة متزايدة القوة فحسب، بل إن أحدث أجيال أنظمة التعرف على الوجوه القائمة على تكنولوجيات التعلم العميق قد أخلَّت تماماً بالقواعد الخاصة بمنح الموافقة. حيث كشفت أن الباحثين -المدفوعين بكمية البيانات الضخمة التي تتطلبها أنظمة التعلم العميق- قد تخلوا تدريجياً عن طلب الموافقة من الناس؛ ما أدى إلى إدراج أعداد متزايدة من الصور الشخصية في أنظمة المراقبة دون علم أصحابها. تسبب هذا الأمر كذلك في تزايد الفوضى بشكل كبير في مجموعات البيانات، فقد تتضمن -دون قصد- صوراً للقُصّر، أو تستخدم تصنيفات عنصرية ومتحيزة جنسياً، ما يفضي إلى تطوير أنظمة متحيزة.

دفعت هذه التداعيات العديد من الشركات الكبرى إلى إيقاف أنظمتها الخاصة بالتعرف على الوجوه؛ حيث علّقت أمازون استخدام الشرطة لنظامها الخاص بالتعرف على الوجوه “ريكوجنيشين” لأجل غير مسمى، وانسحبت آي بي إم من تطوير أحد أنظمة التعرف على الوجوه بسبب استخدامها في التصنيف العنصري.

يرى عتيق أنه “لا يمكننا السماح بتطور التكنولوجيا بوتيرة لا يمكننا اللحاق بها، بوتيرة تفرض إيقاعها على قيمنا وعلى حدود ما يمكننا قبوله”. لذا يعتبر أن أفضل أساليب التعامل مع هذه المشكلة يتمثل في التشريع القانوني. ويدعو بشكل دؤوب إلى وضع الأطر القانونية التي تحظر استخدام صورة شخص ما دون موافقته. فالمشكلة، وفقاً لعتيق، “لم تعد مشكلة تكنولوجية، ولا يمكننا احتواء إمكانات وتبعات هذه التكنولوجيا بالاعتماد على الوسائل التكنولوجية”.

يرى عتيق أنه ينبغي على العلماء أن يتحلوا بالشجاعة لاستشراف المستقبل وتوقع عواقب عملهم. ويوضح: “أنا لا أقول إنه ينبغي عليهم التوقف عن الابتكار وتحقيق القفزات النوعية، بل يجب أن يبذلوا قصارى جهدهم ويحققوا المزيد من الابتكارات. ولكن في نفس الوقت،  يجب علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا وننبه العالم وصناع القرار إلى أن هذا الابتكار الثوري له إيجابيات وسلبيات. وبالتالي، عند استخدام هذه التكنولوجيا، نحتاج إلى نوع من الإرشادات والأطر لضمان توجيهها نحو تطبيقات مفيدة وتجنب استخدامها بشكل سلبي”.