لماذا تطالب شركة مايكروسوفت الحكومة باتخاذ إجراءات صارمة حيال تقنية التعرف على الوجه؟

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

طرح مقال يوم الجمعة الماضي حججاً وجيهةً وقويةً تدعو الحكومة لتنظيم تقنية التعرف على الوجه. لم يكن ناشر هذا المقال مُشرعاً ولا خبيراً ولا من جماعة التأييد، بل كانت شركة “مايكروسوفت“.

طرحت الشركة التي يقع مقرها في سياتل قضيتها في مقال مطول على مدونتها، قائلة أن هذه الخاصية ذات فاعلية كبيرة جداً، لكنها  تترافق مع مخاطر أكثر مما ينبغي على الناس، ويجب عدم السماح بتركها تحت سيطرة الشركات الخاصة وحدها، بما فيها شركة “مايكروسوفت”، ويتزايد عدد التطبيقات والمواقع الاجتماعية المتخصصة بالصور والتصوير التي تستخدم هذه التقنية المبنية على برامج التعلم الآلي من أجل التعرف تلقائياً على الأشخاص في الصور وتسجيلات الفيديو، بالإضافة إلى استخدامها كميزة أمان في أجهزة كجهاز آيفون. كما يتزايد عدد وكالات حفظ النظام التي تستخدم هذه التقنية للمساعدة في التعرف على المشتبه بهم في الجرائم، كجريمة إطلاق النار الجماعي في مقرّ جريدة “كابيتال غازيت” (Capital Gazette) في مدينة أنابوليس عاصمة ولاية ميريلاند في يونيو/ حزيران الماضي.

دعا رئيس شركة “مايكروسوفت” براد سميث في المقال الحكومة للمبادرة إلى تنظيم استخدام التقنية مستعينة بلجنة من خبراء الحزبين، حيث قال: “تثير تقنية التعرف على الوجه قضايا تمسّ قلب حماية حقوق الإنسان الجوهرية كالخصوصية وحرية التعبير. هذه القضايا تزيد المسؤولية التي تحملها شركات التقنية المنشئة لهذه المنتجات. ونحن نرى أنها تستدعي تنظيماً حكيماً من قِبل الحكومة وتطوير القوانين المتعلقة بالاستخدامات المقبولة لهذه التقنيات”. 

إنّ هذا الموقف قوي لدرجة غريبة، إذ إنه صادر من شركة تعمل على إنشاء تقنية خاصة بها للتعرف على الوجه، وأتى بعد تلقي شركة “مايكروسوفت” انتقاداً لاذعاً بشأن مقال نشرته على مدونتها في شهر يناير/كانون الثاني  روجت فيه لعملها لصالح وكالة “الهجرة والجمارك”. ومع أن شركة “مايكروسوفت” ذكرت تقنية التعرف على الوجه في ذاك المقال إلا أنها أوضحت في مقال يوم الجمعة أنّ عقدها مع وكالة “الهجرة والجمارك” لم يتضمن أي شيء يتعلق بتقنية التعرف على الوجه، وأنها زودت الوكالة ببرامج إنتاجية كالبريد الإلكتروني، والتقويم، والمراسلات، وإدارة الوثائق فقط. 

ناقش مقال شركة “مايكروسوفت” العديد من القيود التي تعاني منها هذه التقنية، بما فيها البحث الذي يبين أن دقتها في التعرف على الذكور البيض أكبر من دقتها في التعرف على النساء أو الأشخاص من الأعراق الملونة، وكنتيجة لذلك، تقدم الرئيس التنفيذي لشركة “كايروس” (Kairos) المختصة بتقنية التعرف على الوجه، برايان براكين، مؤخراً بنقاش من خلال بث صوتي (بودكاست) نشر في برنامج “أوبيد” (op-ed) على موقع “تيك كرانش” (TechCrunch)وبرنامج “إف ذين” (If Then) على موقع “سليت” (Slate)

ولكن، حتى لو أصبحت تقنية التعرف على الوجه قادرة على التعامل مع الفئات المختلفة من البشر بالتساوي، ستستمر في طرح تهديدات مرعبة على الخصوصية، قال سميث: “تخيل حكومة تتبّع كلّ مكان مشيت فيه خلال الشهر الماضي من دون موافقتك أو علمك. تخيل وجود قاعدة بيانات لكلّ شخص حضر سباقاً سياسياً يمثل جوهر حرية الكلام. تخيل أن تستخدم متاجر مراكز التسوق تقنية التعرف على الوجه لمشاركة المعلومات فيما بينها بشأن كل رفّ تفقدت بضائعه وكلّ منتج اشتريته دون طلب موافقتك أولاً. لقد كانت هذه الأمور مجرد خيال علمي في أفلام شهيرة، مثل فيلم “تقرير الأقليةMinority)” Report) وفيلم “عدوّ الدولة” (Enemy of the State) أو حتى فيلم “1984”، ولكنها اليوم على وشك التحقق”.

يمكن تفسير تصريح شركة “مايكروسوفت” على أنه نتيجة عملية محاسبة صادقة للذات تقوم بها شركة خاصة لصالح المجتمع. وبالتأكيد، تمت مناقشة المقال بتعمق، وتبين أن دعوته لتنظيم التقنية هي دعوة جدية مخلصة. 

(صدرت الدعوة لتدخل الحكومة من رئيس شركة “مايكروسوفت” ورئيس القسم القانوني فيها براد سميث).

ولكن هناك طرقاً أخرى تفسر دوافع الشركة بسخرية أكبر. بما أن جميع شركات التقنية الكبرى المنافسة لـ “مايكروسوفت”، مثل “آبل”، و”جوجل”، و”أمازون”، و”فيسبوك”، تستخدم تقنية التعرف على الوجه بأشكال متعددة وتعتبر رائدة في تطويرها، ربما رأت شركة “مايكروسوفت” أنّ اتخاذ موقف والدعوة لتنظيم حكومي قد يخدم مصالحها أكثر من استمرارها في التنافس ضمن ميدان غير منظم. إذ قامت سابقاً بخطوة كبيرة لصالح الخصوصية على الإنترنت في الوقت الذي كان محرك البحث “بينغ” لديها يصارع للتنافس مع محرك جوجل للبحث. 

وفي الوقت ذاته، تعمل “مايكروسوفت” على إبعاد نفسها عن الخلافات التي أثارها عملها لصالح وكالة “الهجرة والجمارك”، الذي أثار غضب الليبراليين بمن فيهم العديد من موظفي شركة مايكروسوفت نفسها. يعمل موظفو الشركات التقنية الكبرى منذ فترة على تنظيم محاربة الشركات التي يعملون لديها بشأن منتجات وعقود وسياسات يعتبرونها لا مسؤولة اجتماعياً. ولذلك قررت شركة “جوجل” ألا تجدد عقد الطائرات المسيرة مع البنتاغون، ويستمرّ موظفو “أمازون” بالضغط على رئيسهم التنفيذي جيف بيزوس كي يتراجع عن عقود تقنية التعرف على الوجه مع قوى حفظ الأمن. 

يقرّ مقال مايكروسوفت أن الشركة تحمل مسؤولية ضمان ألا يُساء استخدام منتجاتها. ولكن نجح سميث في طرح قضية مقنعة وهي أن الحكومة هي من يجب عليها تحديد الاستخدامات الملائمة لتقنية التعرف على الوجه وليست شركات التقنية المفردة. وقد طالب في مقاله بصورة أساسية الحكومة بالاستيلاء على جزء من سلطة “مايكروسوفت”، وهو أمر نادراً ما يقوم به الرؤساء التنفيذيون. حيث قال: “على الرغم من تقديرنا لبعض الأشخاص الذين يناشدون شركات التقنية اليوم لاتخاذ هذه القرارات، ونحن نقرّ بالحاجة الجلية لممارسة مسؤوليتنا كما سنناقشها أدناه، إلا أننا نؤمن أنّ ذلك بديل غير كاف لصنع الشعب وممثليه للقرار في جمهورية ديمقراطية. فنحن نعيش في أمة يحكمها القانون، ويجب على الحكومة ممارسة دور مهم في تنظيم تقنية التعرف على الوجه. وبالنسبة لمدير عام، تبدو مطالبة حكومة منتخبة بتنظيم الشركات أكثر حساسية من مطالبة شركات غير منتخبة بتنظيم حكومة منتخبة”. 

في نهاية المطاف، قد لا يكون مهماً سواء كانت دوافع شركة “مايكروسوفت” إيثارية بحتة أم أنانية جزئياً. ما يهمّ هو أنّ الشركة تساعد على وضع قوانين تنظم تقنية التعرف على الوجه ضمن الأجندة الوطنية في الوقت الذي تضغط فيه على منافسيها لاتخاذ مواقفهم. ومن الجدير بالذكر أنّ شركتي “جوجل”، و “فيسبوك” لم تستجيبا لطلب موقع “سليت” (Slate) للتعليق على النقاش الذي نشره يوم الجمعة.