تطوير برمجيات الحوسبة الكمومية يجب أن يسير بالتزامن مع تطور عتادها الصلب

3 دقائق
تطوير برمجيات الحوسبة الكمومية يجب أن يسير بالتزامن مع تطور عتادها الصلب
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Bartlomiej K. Wroblewski
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

من المتوقع أن تصبح الحواسيب الكمومية متاحة خلال 5 أو 10 أو 20 عاماً، وتتمتع هذه الحواسيب بقدرات حوسبة فائقة تتجاوز بملايين المرات أفضل الحواسيب الفائقة الموجودة حالياً، وبالتالي ستكون قادرة على كسر تشفير كل الاتصالات والبيانات المشفّرة.

لهذا السبب، يعمل العديد من الباحثين وخبراء التكنولوجيا وعلماء الرياضيات على تطوير ما يعرف باسم “تشفير ما بعد الكم“، وهي تكنولوجيا تشفير جديدة ومتقدمة لا تستطيع الحواسيب الكمومية كسرها.

لكن تطوير تشفير بهذه المواصفات ليس نهاية القصة، إذ يجب تحديث كل البرامج والتطبيقات التي نستخدمها لتكون متوافقة مع بروتوكولات التشفير ما بعد الكم.

بالإضافة إلى ذلك، سيكون على الشركات التعامل مع عدد كبير من الثغرات التي قد تنجم عن هذه التحديثات.

لذا يمكننا القول إن الحواسيب الكمومية ستؤدي لإحداث تغيير كبير في عالم التكنولوجيا، وقد تنجم عن هذا التغيير مخاطر سيبرانية عديدة. يقول خبير التشفير والمدرس في جامعة ميريلاند الأميركية جوناثان كاتز: “نحن نعرف كيف نصمم خوارزميات آمنة رياضياً، لكننا حتى الآن لسنا على نفس القدر من الكفاءة لاستخدامها بطريقة آمنة”.

اقرأ أيضاً: العلماء يسابقون الزمن لتطوير خوارزميات تشفير ما بعد الكم

تحدٍ كبير

يفترض بعض خبراء التكنولوجيا سيناريو خطيراً للغاية، وهو أن تتمكن جهةٌ ما -قد تكون شركة تكنولوجيا عملاقة أو دولة- من تطوير حاسوب كمومي بقدراتٍ فائقة تمنحه القدرة على كسر تشفير الاتصالات والبيانات، هذا الأمر سيعرض كل البشر للخطر، فكل شيء نرسله ونستقبله عبر الإنترنت سيكون مشفراً ببروتوكولات تشفير قابلة للكسر.

هذا ليس سيناريو خيالٍ علمي، العديد من الشركات والدول، وخاصةً الولايات المتحدة الأميركية والصين، تستثمر المليارات في تطوير الحوسبة الكمومية، وقد تمكن البعض من تحقيق اختراقاتٍ في هذا المجال.

تشير بعض التوقعات أيضاً إلى أن الدول بدأت تجمع البيانات المشفرة المهمة للدول المعادية من أجل كسر تشفيرها في المستقبل حين تصبح الحواسيب الكمومية متوفرة. باختصار، الحوسبة الكمومية هي تهديد مباشر لكل شخص يستخدم الإنترنت، وهناك حاجة ماسة إلى حلول سريعة لهذا التهديد.

اقرأ أيضاً: إليكم ما يعنيه وما لا يعنيه مفهوم “التفوق الكمومي” في عالم الحوسبة

جهود تطوير تشفير مقاوم للحواسيب الكمومية

يشرف المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا التابع لوزارة التجارة في الولايات المتحدة الأميركية على جهود بحجم مواجهة هذا التحدي الخطير، ويتعاون مع عدد كبير من المختصين والخبراء في مجال التكنولوجيا وعلم الرياضيات منذ عام 2016 لتطوير خوارزميات التشفير ما بعد الكم.

في شهر يوليو/ تموز 2022، قدم المعهد ثمرة أعماله التي استمرت لمدة 6 سنوات، وهي عبارة عن 4 خوارزميات يمكن استخدامها كأساس للتشفير المقاوم للحواسيب الكمومية.

واحدة من هذه الخوارزميات الأربع سوف تستخدم لتشفير الاتصالات عبر الإنترنت، وتُعرف باسم كريستالس كايبر (CRYSTALS-Kyber)، يشير إليها بعض الخبراء باسم كايبر (Kyber). أما الخوارزميات الأخرى فسيتم استخدامها للتحقق من الهوية أثناء إرسال البيانات واستقبالها.

هذه الخوارزميات الأربع لا تزال غير جاهزة للاستخدام، ويتوقع المعهد أن تصبح جاهزة خلال العامين المقبلين، ويتم حالياً اختبارها بشكل تجريبي للتحقق منها.

اقرأ أيضاً: هل تم إحراز قفزة إلى الأمام في التشفير المقاوِم للحوسبة الكمومية؟

تطوير خوارزميات التشفير ليس سوى البداية

يظن البعض أننا بمجرد تطوير خوارزميات مقاومة للحواسيب الكمومية فإن اتصالاتنا وبياناتنا ستكون بأمان، لكن الحقيقة هي أن تطوير خوارزميات التشفير ما بعد الكم ليست سوى البداية، وهناك حاجة إلى الكثير من العمل من أجل جعل هذه الخوارزميات قابلة للاستخدام.

يقول رئيس قسم البحث لأمن الويب والأداء في شركة كلاود فلير الأميركية نيك سوليفان: “نحن نعرف كيف ستبدو الخوارزمية، لكن كيف يمكننا نشرها بالفعل في الأنظمة؟ وما هي المشكلات الناجمة عن ذلك؟”.

هذا يعني أننا سنواجه مشكلتين رئيسيتين، الأولى هي تطبيق خوارزميات التشفير الجديدة التي لم يتم اختبارها لفترة كافية، والثانية تتعلق بتطبيق واستخدام هذه الخوارزميات، ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى الكثير من الأخطاء والعيوب في البرامج، والتي يحتمل أن تشكل ثغرات أمنية قد يستخدمها القراصنة لتنفيذ الهجمات السيبرانية.

للتغلب على هذه المشكلات، ستحتاج شركات التكنولوجيا إلى تدريب المهندسين والمبرمجين على الخوارزميات الجديدة، وسيكون عليهم التعاون من أجل حل أي مشكلة يمكن أن تواجههم. هذا الأمر يتطلب وقتاً طويلاً، ونحن لا نملك هذا الوقت، إذ من المتوقع أن تصبح الحواسيب الكمومية متوفرة قريباً.

هذا السباق المحتدم بين تطوير الحواسيب الكمومية وتطوير خوارزميات تشفير مقاومة لها يفرض على الشركات العمل بسرعة أكبر. وكما هو معروف في مجال التكنولوجيا، تعتبر السرعة عدو الأمن، فإن تم تطوير تكنولوجيا جديدة بسرعة، ستكون التكنولوجيا أقل أماناً وأكثر عرضة للهجمات السيبرانية.

اقرأ أيضاً: الحوسبة الكمومية لديها أداة بحث قوية الآن

لكن بعض الخبراء يقللون من هذا الخطر، إذ يعتقدون أن الحواسيب الكمومية لن تكون متاحة للاستخدام بشكلٍ فعّال خلال السنوات العشر القادمة، ما يعني أن شركات التكنولوجيا لديها ما يكفي من الوقت لاستيعاب خوارزميات التشفير الجديدة ودمجها في أنظمتها وبرامجها المختلفة والتحقق من كفاءتها وعملها بشكلٍ آمن.

باختصار، لدينا الوقت للاستعداد لعصر الحوسبة الكمومية، لكن ليس الكثير من الوقت.

تحديث البنية التحتية للشركات

الشركات التي تعتمد على الحوسبة السحابية لن تكون قلقة بشأن التغييرات التي يجب تطبيقها، لأن معظم التحديثات ستتم من قبل الشركات المزودة لخدمة الحوسبة السحابية، لكن الشركات التي تمتلك بنية تحتية خاصة بها ستحتاج إلى معرفة كيفية تحديث برامجها وأنظمتها وشبكاتها وأجهزتها لتتوافق مع معايير التشفير الجديدة، وهذا ما سيفرض عليها تكاليف إضافية.

اقرأ أيضاً: باحثون يجرون أول عملية حسابية دون أخطاء باستخدام حاسوب كمومي

هذا الأمر يذكرنا بما حصل مع بعض الشركات حين انتشر وباء كوفيد-19، وأصبح الكثير من الموظفين مضطرين إلى العمل عن بُعد، فكانت هناك حاجة إلى تغيير جذري في البنية التحتية لبعض الشركات وتوفير أجهزة جديدة وتدريب الموظفين على استخدامها.