تطبيق وي تشات يساعد في إجراء تجربة طبيعية لدراسة العطاء عند البشر

3 دقائق
وي تشات؛ بيكساباي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في عام 2014، أطلق تطبيق وي تشات WeChat الصيني العملاق تطبيقاً غريباً اسمه رِد باكيت Red Packet، يمكِّن المستخدمين من التبرع بالمال لمجموعة من الأصدقاء أو جهات الاتصال. وتعتمد فكرة التطبيق على التقليد الصيني المعروف باسم هونج باو hongbao (“أي الظرف الأحمر، وهي الترجمة العربية لاسم التطبيق”)، والذي يقوم الناس فيه بتقديم المال للأصدقاء أو الأقارب كهدية.

ولكن هناك بعض التغيير عن فكرة التقليد، فتطبيق وي تشات لا يقسم المال بالتساوي بين المستلمين، بل يتم تقسيم المال بشكل عشوائي. وبمجرد أن يتم التقسيم، يُكشف عن المبلغ الذي تلقاه كل مستلم ويُلقب الشخص صاحب الحصة الأكبر بأنه “المستلم الأكثر حظاً”.

وقد أتاح ذلك إمكانية إجراء دراسة استثنائية؛ فغالباً ما يشارك المستلمون المحظوظون المال الذي حصلوا عليه عن طريق إرسال جزء منه إلى أشخاص آخرين، أي بمعني “الوفاء بالعطاء”. لكن لا يُعرف الكثير عن هذا السلوك وكيفية نشوئه واستجابة الناس له. فعلى سبيل المثال، هل يقوم الأشخاص الذين يحصلون على حصة أكبر بإرسال مبالغ أكبر؟

يتغير ذلك الآن بفضل دراسة يوان يوان من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وزملائه. ففي أول دراسة واسعة النطاق لسلوك الوفاء بالعطاء، قام الباحثون بدراسة السلوك عبر الإنترنت عند 3.4 مليون شخص استخدموا تطبيقات وي تشات رِد باكيت. وتقدّم هذه الدراسة معلومات فريدة حول شكل من أشكال النشاط المؤيد للمجتمع، الذي يمكن أن يكون له آثار عميقة عليه. يقول يوان وزملاؤه: “لقد تم تمكين تجربتنا الطبيعية من خلال العشوائية الموجودة في الآلية التي يستخدمها وي تشات”.

وتعدّ ظاهرة الوفاء بالعطاء جزءاً من مجموعة أوسع من السلوكيات التعاونية التي تطورت عند البشر؛ حيث أدّى منشأ هذا التعاون إلى حيرة علماء بيولوجيا السلوك لسنوات عديدة، لأنهم كانوا يعتقدون أن جميع الكائنات يجب أن تتصرف بشكل أناني.

ولكن مختلف الدراسات أظهرت أن السلوك التعاوني يفيد كافة المشاركين فيه، ويمكن تلخيص الأمر بالشعار القائل: “إذا حككتَ ظهري، سأحكّ ظهرك”.

ولكن من الصعب التوفيق بين سلوك الوفاء بالعطاء ووجهة النظر هذه، لأنه لا يوجد ما يضمن للمتبرع أن يتم ردّ صنيعه. وفي الواقع، يمكن تلخيص الأمر في جملة: “إذا قمت بحكّ ظهرك، فهل ستحكّ ظهر شخص آخر؟”.

ومما أعاق البحث في هذا المجال كان صعوبة مراقبة سلوك الوفاء بالعطاء في الحياة الحقيقية. ولهذا أجريت دراسات محدودة على نطاق صغير في ظروف مفتعلة ومع الطلاب عادةً، وهم لا يمثلون كافة السكان بشكل عام.

لكن تطبيق رِد باكيت جمع كمية هائلة من البيانات التي تشمل أشخاصاً عاديين في الصين في مواقف واقعية منذ عام 2015 حتى الآن؛ إذ قام هؤلاء الأشخاص مجتمعين بتوزيع 36 مليون ظرف أحمر بقيمة 160 مليون يوان صيني، أي ما يعادل 24 مليون دولار.

والسؤال الرئيسي الذي يبحثه يوان وزملاؤه هو ما إذا كان مستلمو الظروف الحمراء يتأثرون بذلك ويقومون بإرسال ظروفهم الحمراء. بمعنى آخر، هل هذا النوع من السلوك المؤيد للمجتمع قابل للانتقال؟

والجواب هو أن المستلمين يقومون بتوزيع جزء من المال الذي حصلوا عليه. يقول يوان وزملاؤه: “تظهر نتائجنا أن المستلمين يرسلون في المتوسط 10.34٪ من المبلغ الذي يتلقونه”.

ويكون أكثر المستلمين حظاً هو الأكثر سخاءً؛ حيث يقول الباحثون: “لقد وجدنا أيضاً أن المستلمين الأكثر حظاً -أي أولئك الذين حصلوا على أكبر كمية من الظروف الحمراء- يزيد احتمال توزيعهم للمال على الآخرين بمقدار 1.5 مرة بالمقارنة مع المستلمين الآخرين”.

إلا أن سبب حدوث ذلك غير واضح. ويتوقع يوان وزملاؤه أن أحد الأسباب يكمن في وجود ضغوط اجتماعية كبيرة على المستلمين الأكثر حظاً لأن نصيبهم من الجائزة يظهر للجميع.

وهناك سؤال آخر مثير للاهتمام حول السبب الذي يدفع الناس إلى المشاركة أصلاً في أنشطة الوفاء بالعطاء. وأحد الإجابات المحتملة هي أنها تزيد من فرص استفادة المتبرعين أنفسهم من هذا النوع من السلوك. وفي الواقع، ليس من الصعب تخيل الظروف التي يمكن أن ينتشر فيها هذا السلوك على شكل رد فعل يشبه سلسلة متفجرة.

ولكن ذلك لا يحدث في وي تشات؛ إذ يسترد المرسلون في المتوسط ​​حوالي 3٪ فقط من المبلغ الذي وزعوه في الظروف الحمراء، وهذا يشير إلى وجود بعض الإيثار.

وتعدّ هذه الدراسة مثيرة للاهتمام، وهي تكشف عن بعض الآليات الكامنة وراء هذا النوع من السلوك المؤيد للمجتمع. وتتمثل الخطوة التالية بالطبع في إيجاد طرق لتطبيق ذلك في ظروف أخرى. قد يكون ذلك صعباً، لأنه يصعب رصد العديد من أنواع سلوك الوفاء بالعطاء، كما لم تقم شركات الوسائط الاجتماعية الغربية حتى الآن بتضمين وظائف تشبه وي تشات في برامجها.

ومع ذلك، فقد انتشر سلوك الوفاء بالعطاء على نطاق واسع في السنوات الأخيرة، وهو أمر تروّج له مختلف المؤسسات غير الربحية في كافة أنحاء العالم. بل يوجد حتى فيلم اسمه Pay It Forward يحمل نفس المعنى. وما نأمله هو أن يؤدي هذا السلوك إلى إحداث فرق إيجابي كبير في الطريقة التي يتفاعل بها الناس في المجتمع ككل.