هل تطبيقات تتبع الاحتكاك الرقمية فعالة حقاً؟

4 دقائق
تطبيقات تتبع كوفيد-19
حقوق الصورة: إم إس تك/ بيكسلز.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

شهدت الأيام الأولى من تفشي جائحة كوفيد-19 إطلاقَ العديد من المشروعات المتنافسة التي اعتمدت على مفهوم بسيط إلى حد خادع: يُمكن لهاتفك أن ينبهك إذا التقيت أحد الأشخاص الذين أثبتت الاختبارات في وقت لاحق أنهم مصابون بفيروس كورونا. وسرعان ما اكتسب أحد أنظمة إشعارات التعرض هذه شعبية. وقد تم تصميم هذا النظام في بادرة تعاون غير متوقعة بين شركتي أبل وجوجل، اللتين أصدرتا النسخة الأولى منه في مايو الماضي.

كيف تعمل تطبيقات تتبع الاحتكاك التي صممتها أبل وجوجل؟

عندما تفعّل خاصية إشعارات التعرض، يبدأ هاتفك في استخدام البلوتوث لإجراء مسح مستمر بحثاً عن الهواتف القريبة التي تفعل نفس الشيء. (يجري هذا المسح في الخلفية، وهو مصمم بحيث لا يستخدم الكثير من الطاقة الإضافية).

وبمجرد أن يتصل هاتفان ببعضهما البعض، فإنهما يتبادلان رموز الهوية المجهولة. ويسجل هاتفك مقدار الوقت الذي تمضيه بالقرب من الجهاز الآخر ويُقدر بُعد المسافة بينهما استناداً إلى مزيج من العوامل، مثل وجهة الهاتف ومدى قوة الإشارة الصادرة عن نظيره الآخر.

وإذا أثبت الاختبار أنك مصاب بمرض كوفيد-19، فستسألك إدارة الصحة عما إذا كنت ترغب في إخطار الأشخاص الذين ربما تكون قد خالطتهم. إذا وافقت، فسترسل لك رمزاً لإدخاله في التطبيق. ويسمح هذا الرمز لهاتفك بإرسال رموز الهوية الخاصة به -التي تظل مجهولة- إلى خادم مركزي تديره الدولة التي تعيش فيها أو هيئة الصحة الوطنية بها.

وفي الوقت نفسه، يفحص هاتفك الخادم بصورة دورية بحثاً عن أي هويات جديدة مرتبطة بأشخاص أثبتت الاختبارات إصابتهم بالفيروس، ويقارنها مع تلك التي جمعها على مدار الأسبوعين السابقين.

إذا اعتقد هاتفك أنه اقترب لمسافة ستة أقدام من أي من الأجهزة التي تم الإبلاغ عنها، لمدة 15 دقيقة على الأقل، فستتلقى تنبيهاً بأنك ربما تكون قد خالطت أحد المصابين بالفيروس، ومعلومات حول ما الذي ينبغي القيام به بعد ذلك.

كيف تبدو عملية تتبع الاحتكاك الفعالة؟

إن عملية تتبع الاحتكاك الفعالة -سواء تلك التي ينفذها البشر أو أحد التطبيقات- هي عملية ثلاثية المحاور: تحديد الأشخاص المصابين بالفيروس، وتحديد أولئك الذين قضوا الوقت معهم، وإقناع هؤلاء المخالطين بالبقاء في منازلهم.

لا تزال إمكانية الوصول إلى الاختبار تمثل مشكلة أساسية، فالتطبيقات لا يمكنها العمل إذا لم يُجرِ المستخدمون الاختبارات الخاصة بالكشف عن كوفيد-19. وإذا حصل الناس على نتائج هذه الاختبارات، فعليهم أن يثقوا في حكوماتهم (أو في شركات التكنولوجيا) بالقدر الكافي لإدخال النتائج الإيجابية في التطبيق. وأخيراً، يتعين على كل من يتلقى إشعاراً بالتعرض أخذَ المشورة بشأن كيفية إجراء العزل على نحو صحيح.

كيف عالجت تطبيقات تتبع الاحتكاك المخاوف المتعلقة بالخصوصية؟

كافحت إدارات الصحة لبناء الثقة في عملية تتبع الاحتكاك. وتوصل استطلاع حديث أجرته مؤسسة بيو إلى أن 40% من الأميركيين من غير المرجح حتى أن يتحدثوا مع الأشخاص الذين يتتبعون الاحتكاك بشكل يدوي. وعلى الرغم من وجود العديد من مستويات السرية في تطبيقات إشعارات التعرض، إلا أنها واجهت الكثير من الانتقادات بشأن المخاوف المتعلقة بالخصوصية. كما تعرضت لانتقادات من منظمة العفو الدولية وجمعيات حماية المستهلكين، بل حتى من 39 من المدعين العامين في الولايات المتحدة.

ويُمكن لإدارات الصحة استخدام تقنية الحفاظ على الخصوصية التي صممتها شركتا جوجل وأبل، مع الاستمرار في مطالبة المستخدمين بأن يرسلوا أرقام هواتفهم إذا تلقوا إشعاراً بالتعرض. ورغم أن هذه الخاصية طوعية تماماً -فالتطبيقات ستظل تعمل إذا لم يُضِف المستخدمون أرقامهم- إلا أن العديد من الحكومات لا تطالب بها المستخدمين، في محاولة لجعل الناس يشعرون بالمزيد من الاطمئنان على خصوصيتهم.

هذا التركيز على الخصوصية يعني تقديم بعض التنازلات: لو كان الناس على استعداد للتحدث مع متتبعي الاحتكاك بعد تلقي إشعار التعرض، لكان بإمكانهم مساعدة خبراء الصحة العامة في فهم كيفية انتشار المرض.

هل تطبيقات تتبع الاحتكاك فعالة؟

ثمة أدلة تشير إلى أن هذه التطبيقات بإمكانها تقديم المساعدة عن طريق كسر سلاسل انتقال العدوى ومنع ظهور حالات إصابة جديدة، حتى في حالة عدم وجود الكثير من المستخدمين. كما أنها قد تكون مفيدة كجزء من نموذج “الجبن السويسري”: بالرغم من أن كل نهج لاحتواء الفيروس له عيوب (مثل الثقوب الموجودة على جوانب الجبن السويسري)، إلا أن تجميع الكثير من النُهُج معاً يمكن أن يشكل حاجزاً صلباً. ومع ذلك فإن الدرجة التي تغير بها إشعارات التعرض سلوكَ الناس لا تزال غير واضحة، خاصة أنه من الصعب معرفة عدد الأشخاص الذين تلقوا إشعارات تعرض ثم أثبتت الاختبارات في وقت لاحق أنهم مصابون بالفيروس. 

يتابع العديد من الخبراء بقلق التقدمَ الذي يحرزه التطبيق الأيرلندي، الذي يستخدمه أكثر من ثلث السكان البالغين على نحو نشط. وفي الفترة بين منتصف يوليو ومنتصف أكتوبر، رفع المستخدمون 3000 نتيجة اختبار إيجابية على التطبيق، تمثل حوالي 11% من حالات الإصابة المؤكدة. وفي أكتوبر، أصبحت أيرلندا أول دولة في أوروبا تُعيد فرض الإغلاق على مستوى البلاد. (انخفض معدل الإصابات الجديدة في البلاد -مقارنة بعدد السكان- على الفور تقريباً، ويبلغ حالياً سدس المعدل في أميركا).

ومن المؤسف أن الأمل الذي يحمله الحل الذي تقدمه الهواتف الذكية يتعارض مع واحدة من أقسى حقائق الجائحة: تلتقط الفئات المهمشة في جميع أنحاء العالم العدوى، وتموت بسبب مرض كوفيد-19 بمعدلات أعلى بكثير من الفئات التي تتمتع بالمزيد من القوة الاجتماعية والاقتصادية. كما تقل فرص المنتمين لهذه الفئات في إجراء الاختبار من الأساس. لذا، قد لا تكون تطبيقات الهواتف الذكية مفيدة تماماً في مثل هذه المجتمعات، خاصة إذا كان لدى أعضائها أسباب وجيهة تدعوهم إلى عدم الثقة في الحكومة.

ماذا بعد؟

رغم أن العديد من الدول تمتلك حالياً تطبيقات وطنية خاصة بها، لم تُبذل أي جهود فدرالية في الولايات المتحدة، التي يتصادف أنها أكثر بؤر فيروس كورونا سخونة على مستوى العالم. وبدلاً من ذلك، اضطرت إدارات الصحة في عدد من الولايات الفردية إلى بناء مجموعة متنوعة من التطبيقات.

وربما ستكتسب إشعارات التعرض على مستوى الولايات الزخم اللازم أخيراً؛ ففي سبتمبر الماضي بدأت شركتا جوجل وأبل في السماح لإدارات الصحة في الولايات المتحدة بتوفير إشعارات التعرض دون الحاجة لبناء تطبيقات خاصة بها. وتم دمج هذه الأداة -التي يُطلق عليها (Exposure Notifications Express)- في نظام تشغيل آي أو إس، بدءاً من آي أو إس 13.7، وهو ما يعني أن كل ما يجب على مستخدمي هواتف أيفون عمله هو تفعيل الإشعارات من قائمة الإعدادات. وفي الوقت نفسه، خصصت جوجل تطبيقاً لكل ولاية.

وقد مثّل النظام المُفكك لإدارة الهويات أو “المفاتيح” المرتبطة بالاختبارات التي جاءت نتيجتها إيجابية إحدى العقبات الكبرى التي واجهت التطبيقات، حيث لم يكن المستخدمون يتلقون إشعارات من الأشخاص الذين يستخدمون تطبيقات الولايات الأخرى. وفي شهر أغسطس، أنشأت الرابطة الأميركية لمختبرات الصحة العامة خادماً مشتركاً يُسهل على التطبيقات التواصل مع بعضها البعض وإرسال المفاتيح عبر حدود الولايات. وحتى الآن، أطلقت واشنطن العاصمة و12 ولاية -معظمها تقع على الساحل الشرقي- تطبيقات تستخدم هذا النظام، كما أطلقت أربع ولايات أخرى برامج تجريبية.