كيف يمكن تسخير الذكاء الاصطناعي لتحقيق التنمية بالعالم العربي؟ مقابلة مع عماد تيناوي

6 دقائق
كيف يمكن تسخير الذكاء الاصطناعي لتحقيق التنمية بالعالم العربي؟ مقابلة مع عماد تيناوي
حقوق الصورة: عماد تيناوي المدير التنفيذي لمؤسسة "إينغايج أيه آي" (Engage AI)،
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في هذا الحوار، يتقاسم عماد تيناوي المدير التنفيذي لمؤسسة “إينغايج أيه آي” (Engage AI)، المتخصصة بتسخير التكنولوجيا لتحقيق التنمية عبر العالم، رؤيته لكيف يمكن للمنطقة إطلاق مشاريع في هذا المجال، ليكن بغرض رسم خريطة الفقر أو تحسين السياسات أو تشخيص الأمراض أو غيرها من قضايا.

انطلاقاً من التجربة التي راكمتها مؤسستكم في تسخير الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي لخدمة التنمية بأنحاء متفرقة من العالم، ماذا يمكنك أن تقول لنا عن موقع المنطقة العربية من هذه الجهود؟

بالتأكيد إن حكومات المنطقة تبذل جهوداً مهمة للاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتعي أهمية الاستثمار في هذه التكنولوجيا، وترى فيها عاملاً حاسماً في زيادة تنافسيّتها، سواء تعلّق الأمر بالإمارات العربية المتحدة أو المملكة العربية السعودية أو غيرهما من الدول. لكن على الرغم من هذه الجهود، فإنه لا يزال هناك سوء فهم حول ماهية الذكاء الاصطناعي وتمثلاته بالمنطقة، ما يعيق الاستفادة المثلى منه. فهل نحن في العالم العربي في مستوى ما يجري بالعالم؟ لا. قبل سنتين دقت “كونفدرالية مختبرات البحث في الذكاء الاصطناعي بأوروبا“، وهو اتحاد يضم أرقى العقول العلمية في المجال بهذه القارة، ناقوس الخطر، معتبرةً أن أوروبا متخلفة عن ركب التطورات الحاصلة بهذا المجال، وهو الأمر الذي لا يمكن السماح به بنظرها. هذا يعطيك صورة عن حجم الجهود التي نحن بحاجة لبذلها في المنطقة العربية.

هل هذه مقاربة من زاوية تنافسية المنطقة؟

نعم تماماً، فهذه طريقة في مقاربة الموضوع من زاوية المنافسة العالمية، وهناك مقاربة أخرى للنظر للأمر أيضا وهي بطرح السؤال: كيف ندبر التحديات التنموية بالمنطقة؟ هل نحقق تقدماً وتغييرات مهمة وملموسة؟ فحكومات المنطقة مدعوة إلى خلق نظام متكامل يحفّز جميع الفاعلين على الانخراط بقوة أكبر في هذه الورش.

اقرأ أيضاً: بالأرقام: دور الذكاء الاصطناعي في نمو اقتصاد دول الشرق الأوسط

هل المؤسسة التي تقودها منخرطة في أيّ مشاريع اجتماعية أو بيئية بالمنطقة توظّف الذكاء الاصطناعي؟ وهل لك معرفة بأهم المشاريع القائمة بالمنطقة التي تسخّر الذكاء الاصطناعي في تعزيز التنمية؟

بدأنا نرى تشخيص الحاجيات وتحديد أولويات أهداف التنمية المستدامة بعدد من دول المنطقة بالاستناد للذكاء الاصطناعي. حيث يتم تحديد مجالات التدخل بناءً على نتائج تحليل البيانات. إذ تسمح مقارنة البيانات مع بعضها بعضاً بمعرفة ما إذا كانت هناك أيّ علاقات ترابطية أو سببية بين مشكلة وأخرى، كأن نعرف مثلاً ما إذا كانت للاستثمار في مجال “أ” عائدات على مجال “ج” أو العكس إذا ما كان أحدهما يؤثّر على الآخر سلباً. لكن بشكل عام وفي حدود اطّلاعي، لا علم لي ببرنامج بارز يوظّف التعلّم الآلي أو الذكاء الاصطناعي بالمنطقة. مثلاً في كندا هناك برنامج مهم لإيواء المشردين استعمل تقنيات الذكاء الاصطناعي. فقد استطاع بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي التنبؤ بالأشخاص المهددّين بالتشرد ومن ثَمَّ تصميم تدخلات استباقية لصالح هذه الفئات من السكان.

هناك مَن يسأل عن مدى توافق برامج وتقنيات صُنعت في سياق مختلف ثقافياً واجتماعياً (السياق الغربي أساساً) مع الواقع العربي، وكيف يمكنها أن تساهم في جهود تحسين حياة الناس كغاية نهائية؟

هذا سؤال مهم جداً، ودعني أجيبك بمثالٍ دقيق وهو الكشف المبكر عن سرطان الثدي. تحصد الشركات والمؤسسات الأكاديمية في الولايات المتحدة بيانات هائلة حول سرطان الثدي لمعرفة ما إذا كان الذكاء الاصطناعي قادراً على التنبؤ بالإصابة بسرطان الثدي. هذه البيانات هي بيانات أميركية طبعاً تنطلق من البيئة والعادات والجينات الأميركية، وهي تستطيع كشف سرطان الثدي بشكل مبكر وبدقة عالية جداً. فهل يمكنها أن تفعل الشيء نفسه في الأردن مثلاً؟ لا يمكن معرفة الجواب مسبقاً، لذا نحتاج أطباء وخبراء أردنيين يقومون بحصد بيانات محلية حتى نعرف.

وبهذا الصدد، هناك ما يسمى بالتوجيه البشري للآلة (Human in the Loop) لتحسين وتدقيق نتائج التعلّم الآلي، حيث يتم استدعاء خبراء، لنقل مثلاً أطباء، ليلقوا نظرة على البيانات ويقرروا في وجاهتها انطلاقاً من خبراتهم وتأهيلهم العلمي، مقدمين خلاصات يتم إدراجها مرة أخرى في عمليات التعلّم الآلي لتحسين العملية. لذا، فالقضية أكبر من مجرد أجهزة أو برمجيات، مثل “آيفون” يعمل في الولايات المتحدة كما يعمل في السعودية أو الإمارات. نحتاج مبادرات وطنية لتحديد ما نريد تحقيقه بتوظيف الذكاء الاصطناعي.

يُثير سؤالك أيضاً قضية أخرى تتعلق بحيادية الذكاء الاصطناعي. قد تكون سمعت بلا شك عن توظيف خوارزميات في الولايات المتحدة لاستباق الجريمة، غير أن الواقع أظهر أن هذه البيانات تكون أحياناً عنصرية أو تمييزية، وهذا نقاش عام حول مدى حيادية الذكاء الاصطناعي خاصة عندما يكون مَن يصمم هذه الخوارزميّات له وجهة نظر ثقافية أو طبقية معينة. لكن تبقى النقطة الأساسية هي أن الولايات المتحدة والصين وغيرهما من دول العالم منخرطة في عمليات هائلة من حصاد البيانات، وتراكم معلومات جمّة، وكل هذه المعلومات يتم تخزينها في أماكن خارج المنطقة، وفي كثير من الحالات لا نعرف ما مصير هذه المعلومات وكيف توظف؟ ولأي أهداف؟ وهذا مبعث انشغال. وعلينا أن نسأل هذا الواقع.

عملياً، كيف يمكن للذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي أن يساعدا الدول العربية في رفع التحديات التنموية التي تواجهها؟

هناك طريقتان أساسيتان في نظري لرفع هذه التحديات باستعمال الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي. الطريقة الأولى عبر تحديد أدق وتحليل أعمق للتحديات القائمة. فقد صار بإمكاننا اليوم القيام بتحليل من منظور شمولي، مثلاً وأنت تحلل طريقة استهلاك الماء بدولة من الدول، يمكنك النظر في البيانات الوطنية والدولية والمحلية، وهذا فقط في مجال البيانات البيئية، ثم يمكن أن تنتقل لاستقراء بيانات أخرى من قطاعات مختلفة والتي كان جمعها بهذا الشكل متعذراً من قبل، وهذا أمر يساعدنا في تحديد طبيعة المشكل، هل هو متكرر أم غير متكرر. مثلاً إذا كان هناك جفاف، يمكن معرفة إذا كان موسمياً أم يعبّر عن تغيّر أعمق في مناخ المنطقة؟ وهل هو مرشح للاستمرار في المستقبل؟ وهل يتأثر بظواهر مناخية محيطة؟ وما إلى ذلك.

والطريقة الثانية هي بتمكين صناع القرار على المستوى المحلي أو الوطني، باتخاذ قرارات أفضل وصياغة سياسات أكثر نجاعة وفعالية باللجوء لهذه التقنيات. فمثلاً في مشروع إيواء المشردين بكندا وصلوا لحد التنبؤ بمَن قد يتعرض للتشرد مستقبلاً وبنوا تدخلاتهم على هذا المعطى.

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي في المغرب يرسم ملامح مستقبل البلاد

بنظرك، هل لدينا البنى التحتية الرقمية اللازمة للاستفادة من الذكاء الاصطناعي؟

في الحقيقة هناك الكثير من الموارد المفتوحة المصدر التي يمكن اللجوء إليها. مثلاً بالنسبة لأهداف التنمية المستدامة، هناك بيانات إضافية يمكن استقاؤها من الأمم المتحدة أو البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، إضافة إلى خوارزميات مفتوحة يمكن استخدامها. أحد الباحثين معنا استخدم إحدى هذه الخوارزميات لمعرفة كيف يمكن توزيع الموارد بشكل ناجع بين الأهداف الـ17 للتنمية المستدامة. وقضية توزيع الموارد قضية شائكة كما تعلم. فكيف تحدد القسط الذي ستخصصه لكل هدف من ميزانية الدولة أو القطاع وكيف يتم الحسم في ذلك عملية معقدة.

فحسب الحالة، قد تكون مطالباً بضخ أموال أكبر في التعليم أو محاربة الفقر أو إحداث فرص عمل أو القضايا الزراعية. فتوزيع الموارد يبقى أحد التحديات الكبرى التي تواجهها كل الحكومات. وعلى الحكومات معرفة تأثير تخصيصها موارد أكبر لقطاع على ما يجري بقطاع آخر وعلى التنمية بشكل عام.

“علاقة الذكاء الاصطناعي بالوسائل القائمة قبله تشبه تطور تقنيات الفحص الطبي من مرحلة بدائية كان يتم فحص المريض فيها انطلاقاً من لون راحة اليد قبل الانتقال إلى فحص الجلد، ثم أتت الأشعة السينية، وبعدها تحليل عينات الدم وصولاً لتحليل الحمض الجيني”.

وهنا أريد أن أوضح أمراً وهو أن الذكاء الاصطناعي لا ينفي الجهود القائمة مسبقاً لإيجاد حلول لهذه القضايا، وهو مجرد وسيلة إضافية ربما أقوى. فالأمر أشبه بتطور تقنيات الفحص الطبي مثلاً من مرحلة بدائية كان يتم فحص المريض فيها انطلاقاً من لون راحة اليد قبل الانتقال إلى فحص الجلد، ثم أتت الأشعة السينية، وبعدها تحليل عينات الدم وصولاً لتحليل الحمض الجيني. فكل طبقة من هذه الطبقات تعطينا تشخيصاً أدق دون أن تلغي ما قبلها، وهذا ينطبق على الذكاء الاصطناعي.

 

اقرأ أيضاً: 10 طرق لتسريع الانتفاع بخدمات الصحة الرقمية في المملكة العربية السعودية

إذاً، هل القضية مرتبطة بشكل أكبر بتغيير الذهنيّات؟

أكيد، فتجارب الذكاء الاصطناعي تكرارية بطبيعتها. عليك كل مرة جمع البيانات ونقلها لبرامج الذكاء الاصطناعي ثم استخراج النتائج ثم تعيد الكرة تبعاً لذلك، وهذا يتطلب الكثير من التجارب واستثمارات مالية ضخمة دون أن تكون النتائج مضمونة. ما يجعل الحكومات أكثر تردداً في استعمال الذكاء الاصطناعي مقارنة بالشركات التي تمانع في إجراء التجارب مراراً وتكراراً.

وهنا أؤكد أيضاً أن تبني الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يكون رهيناً بالحكومات وحدها أو الشركات أو الجامعات، بل لا بُدّ أن يكون جهداً مجتمعياً شاملاً ومساراً مشتركاً، وهذا ما تقوله لنا تجارب باقي الدول وفي صدارتها الولايات المتحدة الأميركية.

“نحن بحاجة إلى ربط الذكاء الاصطناعي بإحداث فرص عمل، لأنك تحتاج لتدريب الناس على استيعاب وتوظيف هذه التكنولوجيا”.

كما أننا بحاجة إلى ربط الذكاء الاصطناعي بإحداث فرص عمل، لأنك تحتاج لتدريب الناس على استيعاب وتوظيف هذه التكنولوجيات. وإذا لم نسرع في تبني هذه التقنيات الواعدة، لن نتمكن من وقف هجرة الأدمغة نحو شركات غربية لأنها لا تجد أين توظّف مهاراتها داخل المنطقة. فعلينا إيجاد آلية لاستبقاء هذه الكفاءات.

اقرأ أيضاً: أنماط تبني الدول لتقنيات الذكاء الاصطناعي

آلية مثل ماذا؟

“على دول المنطقة البحث عن آلية إقليمية لتجسير المسافة مع ما يحصل في العالم بهذا المجال”.

على المدى البعيد، نحتاج مبادرة شبيهة مثلاً بكونفدرالية مختبرات البحث في الذكاء الاصطناعي بأوروبا. علينا التفكير في مقاربة إقليمية لرفع تحدي الذكاء الاصطناعي. أعتقد أنه لا يمكن تحقيق تقدم ملموس في المجال في غياب تضافر جهود دول المنطقة. علينا أن نجد آلية إقليمية لتجسير المسافة مع ما يحصل في العالم. فأنا أقارب كل هذا من زاوية تنموية فلست خبيراً في الذكاء الاصطناعي، ومن منطلق المسؤولية الأخلاقية تجاه مجتمعاتنا.