هل كانت سنة 2020 مقيتة؟ إليكم بعضاً من الجوانب المشرقة فيها

6 دقائق
2020
حقوق الصورة: ماجا هيتيج عبر صور جيتي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هناك إجماع على أن سنة 2020 كانت “الأسوأ على الإطلاق”. ولكن هناك أسباب تدفعنا لإعادة النظر في هذه السنة واكتشاف بعض الجوانب المشرقة والمفاجئة للحجر المنزلي، وبشكل أكثر تحديداً عندما يتعلق الأمر بالطريقة التي نتواصل بها مع غيرنا.

لا يمكن مقارنة أي من هذه الفوائد بأشكال الموت والمعاناة والبؤس التي ظللت هذه السنة الرهيبة، ولكن إليكم قائمة بالمكاسب الصغيرة التي يمكننا التمسك بها وتعزيزها في الوقت الذي ننفض فيه غبار الأيام الأخيرة من عام 2020 من تحت أقدامنا.

أصبح بإمكاننا جميعاً أن نستيقظ ونتقلّب في أسرّتنا ونلج إلكترونياً إلى أعمالنا مباشرة عبر الإنترنت

أصبحت ظاهرة التعب من برنامج زوم أمراً واقعاً، ولكن لا يجدر بنا النظر إلى العمل عبر الإنترنت إطلاقاً على أنه حل بديل مؤقت للعمل من داخل المكاتب. كان العديد من الدعاة إلى حقوق ذوي الإعاقات يطالبون أرباب العمل دوماً بتقديم فرص العمل عن بعد لأولئك الذين يستطيعون القيام بأعمالهم بتلك الطريقة. وقد قدمت جائحة كورونا دليلاً على أن بعض الأشخاص يستفيدون فعلاً من العمل من المنزل، ويمكنهم أن يظهروا كفاءتهم الإنتاجية بشكل فعلي عندما يفعلون ذلك.

تقول فيليسا تومبسون، وهي ناشطة في مجال حقوق ذوي الإعاقات ومؤسسة منظمة (ارفع صوتك): “إذا كان بإمكان موظفيك العمل من المنزل، ويرغبون في ذلك، فدعهم يقومون به”،  وبالرغم من أن العمل من المنزل قد يكون مرهقاً جداً بالنسبة للبعض، إلا أن البعض الآخر قد يجده أكثر سهولة وراحة من العمل في المكتب؛ وذلك لأسباب مختلفة تتعلق إما بالإعاقة الجسدية، أو بالعائلة، أو المجتمع. تخشى تومبسون من أن الشركات ستكون مندفعة بشدة للعودة إلى العمل في المكاتب مع توافر اللقاحات على نطاق أوسع. تقول تومبسون: “في الواقع، لا يمكنك القول بأن بعض الأشياء يستحيل إنجازها بشكل صحيح إذا جرى تنفيذها عن بعد”. وتضيف: “لقد رأيتم كيف جرت بشكل ناجح”.

ينطبق هذا الأمر على المدارس والتجمعات المهنية أيضاً، كما تقول تومبسون. واليوم، بات الطلاب الذين طلبوا من جامعاتهم إتاحة حضور الدروس عن بعد بشكل اختياري، يعلمون بأن المدارس أصبحت مهيأة بدورها لهذا الغرض. كما أن المؤتمرات الافتراضية أيضاً أصبحت متاحة بشكل أكبر عبر وسائل متعددة، بما في ذلك الجانب الاقتصادي للأمر: حيث تنخفض تكاليف الاشتراك، ولا تعود هناك حاجة للإقامة المدفوعة في الفنادق، ولا حتى للسفر والتنقلات.

أصبح العرض النصي لمحتوى الفيديوهات الحية أكثر من المعتاد

كان الحصول على مقاطع فيديو مصحوبة بالعرض النصي للمحتوى أمراً نادر الحدوث. حتى عندما كان يتم الأمر، كما هو الحال مع فيديوهات يوتيوب وخيار إظهار التعليقات النصية فيها، كانت النتائج غير منطقية في أغلب الأحيان. أضف إلى ذلك كلاً من ارتداء الكمامات مع المحادثات الفيديوية، فأصبح أولئك الين يعانون من مشكلات في السمع أو من الصمم الكلي، يجدون صعوبات جمة في فهم أقرانهم. جعل الوباء الحاجة إلى إظهار التعليقات الحية على الفيديوهات أكثر إلحاحاً، وقامت الشركات الناشئة مثل “آفا” بالإضافة منصات عملاقة مثل زوم ومايكروسوفت، بإدراج ميزة إظهار النصوص على الفيديوهات الحية بشكل قابل للتعديل، لتحسين إمكانية القراءة لدى المشاهدين.

وكان أكثر ما يثير الانتباه، هو أن منصات التواصل الاجتماعي مثل إنستقرام قد بدأت بإدماج ميزة إظهار النصوص في الفيديوهات للسماح للأشخاص ذوي الصعوبات السمعية بفهم الفيديوهات المسجلة مسبقاً. حتى الأشخاص الذين يتمتعون بحاسة سمع سوية، يمكنهم الاستفادة من وجود نصوص قابلة للحفظ، والبحث ضمنها، التي أثبتت فعاليتها للعمل. هذا لا يعني أن المشكلة تم حلها بالكامل، حيث يقول تيبو دوشمين -مؤسس آفا- إنه بالرغم من أنه تم إنجاز أجزاء ضخمة من العمل، إلا أنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به، لا سيما في مجال البث المباشر: “بالنسبة لشخص أصم أو يعاني من ضعف في السمع، إذا كان يشاهد التلفاز الآن، فإنه يُقدّم بشكل مترافق مع تعليقات نصية كتبها أشخاص مختصون، ولكن كيف يختلف الأمر في حالة بث حي عبر وسائل التواصل الاجتماعي لأحد الأحداث الهامة؟”.

كان العالم الواقعي سيئاً كفاية، ما جعلنا نضيع في العوالم الافتراضية

مرحباً، معكم آبي، إحدى مؤلفَي هذا المقال. آخر مرة شعرت فيها ببعض البهجة كانت قبل بضعة أسابيع، وذلك عندما اشتركت في لعبة “أمونج أس” مع مجموعة عشوائية من الأشخاص الغرباء. أمونج-أس هي لعبة لوحية تشبه اللعبة اللوحية “سيكرت هتلر” أو اللعبة الجماعية “مافيا”، ولكنها تُلعب عبر الإنترنت. في هذه اللعبة، إما أن تكون عضواً في الفريق أو تكون مخادعاً، ولكن لا أحد غيرك يعرف ما هو دورك. يقوم أعضاء الفريق بإنجاز بعض المهمات. يقوم المخادعون بقتل أعضاء الفريق. يفوز أعضاء الفريق بإنجاز المهمات الموكلة إليهم، أو بالتعرف على المخادعين وإخراجهم جميعاً من اللعبة قبل أن يتفوقوا من الناحية العددية. على أي حال، قمنا بتغيير القواعد قليلاً في هذه اللعبة لضمان أقصى درجة من الفوضى والعشوائية: كان هناك ثلاثة مخادعين، وهذا يعتبر عدداً كبيراً. يُكلَّف كل عضو في الفريق بمهمة واحدة. كانت عبارة عن فوضى سريعة الإيقاع، ووجدت نفسي أضحك بشدة كما لو كنت في الخارج مع أصدقائي.

تحولت ألعاب الفيديو إلى صناعة ضخمة قبل ظهور الوباء بكثير؛ ولذا فمن الطبيعي بالتأكيد أن تحظى بالمرح وأنت تلعب عبر الإنترنت. ولكن الوباء دفع مزيداً من الناس لاكتشاف ذلك، ولإيجاد طرق جديدة للتواصل مع الأصدقاء والغرباء في مختلف الفضاءات الافتراضية. حاول الناس التخفيف من أحزانهم من خلال ممارسة ألعاب مختلفة مثل “أنيمال كروسينج”، وأقاموا حفلات غنائية ليلية من خلال سلسلة ألعاب “جاك بوكس بارتي”، وابتدعوا ألعاباً مخيفة ومسلية في لعبة “أمونج أس”. سيكون رائعاً أن تظل هذه اللحظات جزءاً من الحياة اليومية بالنسبة للكثيرين منا.

لم تكن المواعدة أمراً سطحياً مبتذلاً

في السنة الفائتة، كانت “ثقافة التمرير” بالمسح على الشاشة يميناً وشمالاً أمراً رائجاً ويشهد نشاطاً ملحوظاً. وقد جعل الوباء من العلاقات العاطفية لليلة واحدة أمراً من صنائع الزمن القديم، وخلق صعوبات جمة للعازبين في هذا العالم، ما أجبرهم على التواصل عبر الإنترنت، وإعادة  النظر في أمر المواعدة العاطفية. تم استخدام تطبيق “جوجل فورمز” لإنشاء خدمات التعارف والزواج، وانتشرت تطبيقات المواعدة عبر الفيديو، وارتفعت مبيعات الدمى الجنسية بشكل كبير. بالطبع، لا شيء يضاهي مقابلة شخص آخر في الواقع، واختبار مدى التوافق بينكما في العالم الحقيقي؛ في حين أدت ظروف الجائحة إلى تقديم كل منا صورة مثالية عن أنفسنا عبر الإنترنت، ما جعل اللقاءات الشخصية في غالب الأحيان سطحية عندما تم تخفيف إجراءات الإغلاق العام لاحقاً.

جعلت بطاقات الاقتراع البريدية الأمر أكثر سهولة وأماناً أثناء عمليات التصويت

على الرغم من أن التصويت عبر البريد سبقت تجربته قبل ظهور الوباء بوقت طويل، إلا أن انتخابات عام 2020 جعلته متاحاً على نطاق أوسع من قبل؛ حيث استفادت أعداد هائلة من الأميركيين من هذا الأسلوب. كتب زميلنا باتريك هاول أونيل في وقت سابق من ديسمبر الفائت يقول: هذا التوسع في الاقتراع عبر البريد كان بدوره سبباً في جعل هذه الانتخابات واحدة من أكثر عمليات الاقتراع أماناً على الإطلاق. حيث كتب قائلاً: “إن تمديد فترة التصويت بحيث يكون لدى المسؤولين أسبوع أو شهر واحد للتعامل مع الأمر، يعني أن الخطورة الناجمة عن أي مشكلة -سواء كانت خللاً فنياً، أو هجوماً خبيثاً- ستكون محدودة بشكل كبير”.

كثير من الأشخاص يقومون بغسل أيديهم الآن!

اتضح أن كثيراً منا لم يكونوا على علم بكيفية غسل الأيدي. في الأيام الأولى من عمر هذه الجائحة، وعندما لم يكن العالم يعرف الكثير عن كيفية انتشار فيروس كورونا، أكد مسؤولو الصحة العامة -ومنهم أولئك المسؤولون في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها– على ضرورة الالتزام بغسل الأيدي بقوة ولمدة لا تقل عن 20 ثانية، ما أدى إلى ظهور وانتشار عدد لا يحصى من الميمات، وأصبح الناس يدمدمون أغنية “عيد ميلاد سعيد” في أكثر فترات السنة ظلاماً وقتامة بشكل متكرر، كي يضمنوا بقاء أيديهم نظيفة قدر الإمكان.

هل تذكرون عندما كنا نمسك بالأعمدة المنتشرة في محطات المترو، وعندما كنا نلمس عربات التسوق في محلات البقالة، وعندما كنا نمسح بأيدينا على أسطح الأماكن العامة قبل أن نلمس وجوهنا دون أن نفكر ولو لثانية واحدة في كل ذلك؟ أجل، دعونا لا نفعل ذلك ثانية.

الفترات القصيرة التي قضيناها في وسائل التنقل اليومية، أفسحت المجال للبيئة أن تتنفس قليلاً

عدم لحاقنا بالقطار وعدم الإسراف في صرف الوقود أثناء الانتظار في الزحام، كان له بعض الآثار الملموسة على البيئة. بحلول شهر أبريل، انخفضت انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بنحو 17%. استطاعت المدن التي كانت ملوثة من قبل في كل من الصين والهند أن تنعم برؤية الضباب الدخاني وهو ينقشع.  وقد أشار الخبراء إلى أن تداعيات ما حدث على الانبعاثات كان يعادل إزالة 192,000 سيارة من الطرقات حول العالم. كما أشار أحد الأبحاث، الذي نُشر في مجلة ساينس في شهر يوليو الماضي، إلى أن توقف النشاط البشري الجماعي الذي طال كامل الكرة الأرضية أتاح للعلماء رصد الحركات الزلزالية الدقيقة، التي لم يكونوا ليتمكنوا من رصدها لولا حدوث مثل هذا التوقف العالمي. إن وجودنا في عالم أكثر هدوءاً ونظافة، لا يعني أننا تجاوزنا مشكلاتنا مع الاحترار العالمي، ومن المؤكد تقريباً أن هذه الانتصارات لن تدوم بمجرد أن نخرج من هذه الأزمة العالمية ويصبح هذا الوباء من ذكريات الماضي. ولكن ذلك يظهر كم هو مؤثر ما نقوم به من أفعال على المناخ.

تجمع العائلة حول طاولة المأدبة الرئيسية

قبل ظهور الوباء، كانت نسبة العائلات (في الولايات المتحدة) التي تتشارك وجبة واحدة بشكل معتاد تتراوح من 30% إلى 40%، وذلك استناداً إلى تقرير أعدته آن فيشل، وهي أستاذة سريرية مساعدة في علم النفس في جامعة هارفارد، ومؤسسة شريكة في مشروع العشاء العائلي. ماذا الآن؟ إن كلاً من أوامر التزام البقاء في المنازل، والإغلاق العام، والعمل أو الدراسة من المنزل، جعل من أوقات الوجبات أوقاتاً ثمينة لإحياء التواصل بين أفراد العائلة. تقول فيشل، مستندة إلى بحث أجرته جامعة جويلف الكندية: “ارتفع معدل الطهي اليومي عند 70% من العائلات، وبات 60% من العائلات تعد الطعام من مواده الأولية، و50% من العائلات تضم أطفالاً، وازدادت نسبة الوجبات العائلية بالمجمل بمقدار 55%”.

قد يبدو تناول وجبة على الطاولة ذاتها وفي الوقت نفسه مع باقي أفراد العائلة، ليس أكثر من تقليد لطيف، ولكن فيشل تؤكد أنه ينطوي على الكثير من الآثار الإيجابية الهامة.

تقول فيشل: “تنطوي حياة العائلات التي تجتمع على وجبات العشاء بشكل منتظم على معدلات أقل من تعاطي المخدرات، واضطرابات الأكل، والقلق والاكتئاب”. وتضيف أخيراً: “هناك قدرة أكبر على التكيف وتقدير أعلى للذات أيضاً”. وهما أمران قد يلجأ إليهما الجميع تقريباً في الوقت الحالي، في الوقت الذي يمر فيه العالم بأزمة ظهور طفرة جديدة لفيروس كورونا، قد تصاحبنا نحو العام القادم.