هل ستكون تقنية التعرف على بصمة الكف من شركة تينست وسيلة جديدة للمراقبة في الصين؟

12 دقيقة
هل ستكون تقنية التعرف على بصمة الكف من شركة تينست وسيلة جديدة للمراقبة في الصين؟
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت/ ميتر/ إنفاتو
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هل تريد زجاجة صودا بسعر سنت واحد فقط؟ 

قبل أن تقول نعم، هناك شرط، عليك أن تدفع المال عن طريق تمرير يدك على الماسح الضوئي ومشاركة معلوماتك مع شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة. 

هذا هو الاقتراح الذي قدمته شركة تينسنت (Tencent) إلى مجموعة من المستهلكين الصينيين مؤخراً، كما يظهر في مقطع فيديو نُشر على منصة دوين (Douyin)، النسخة الصينية من تطبيق تيك توك، في أواخر شهر سبتمبر/ أيلول. 

حيث يمكن سماع شخص يبدو أنه موظف في تطبيق وي تشات (WeChat) وهو يطلب من الأشخاص وضع أيديهم أمام جهاز التعرف وتسجيل بصمات راحة اليد مقابل صفقة الصودا. يقول الصوت: “ميزة جديدة من خدمة وي تشات باي (WeChat Pay)، الجميع مدعوون لتجربة خدمتنا ودعمنا”.

اقرأ أيضاً: الدفع ببصمة الكف: «وي تشات» يمهّد لترسيخ سمعته كـ«تطبيق كل شيء»

يسأل المستخدم الذي قام بتحميل الفيديو لاحقاً، عن موعد إطلاق هذه الميزة، ويرد الصوت بأنها بدأت منذ نصف عام، ولكنها وصلت مؤخراً إلى مدينة غوانزو الصينية.

وفقاً لمنشورات وسائل التواصل الاجتماعي التي جمعتها إم آي تي تكنولوجي ريفيو، فقد اتضح قيام شركة تينسنت، الشركة التي تمتلك نظام الدفع، وي تشات باي (WeChat Pay)، باختبار أجهزة الدفع عن طريق بصمة راحة اليد في البلاد منذ عدة أشهر. 

تقنية الدفع ببصمة الكف

يقول مؤيدو التقنية الجديدة إن هذه التقنية أكثر دقة وأماناً من الأشكال الأخرى للقياسات الحيوية، ومن الصعب تحديد هوية الشخص إذا تم تسريب صورة بصمة راحة اليد. لذلك، على الرغم من استخدام بصمات الأصابع والتعرف على الوجه على نطاق واسع في حالات التحقق من الهوية، فإن التقنية الجديدة التي تميّز الأيدي المختلفة، بما في ذلك الخطوط الواضحة والأوردة الموجودة تحت الجلد، أصبحت مجالاً جديداً للتعرف على القياسات الحيوية. 

ورغم نقص بيانات التدريب الذي أدى إلى إبطاء تطوير التقنية، فإنها أصبحت الآن جاهزة تقريباً للاستخدام التجاري على نطاق واسع، كما يقول العديد من الباحثين المعنيين.

يقول الأستاذ في كلية علوم البيانات في الجامعة الصينية في هونغ كونغ، ديفيد تشانغ، وهو باحث في نظام التعرف على بصمات راحة اليد، ويقيم في مدينة شينزن: “يمكنني أن أخبركم، بصراحة شديدة، أننا نعمل على خاصيّة التعرف على بصمة راحة اليد منذ أكثر من 20 عاماً، والآن، أصبحت الميزة جاهزة، وفي الوقت الحالي، ما أركز عليه وأتحمس له هو تطبيق هذه الميزة”. 

هذا هو المكان الذي تطمح شركة تينسنت بالوصول إليه. ولا شك في أن التقنية الجديدة مغرية، حيث تتنافس شركة تينسنت مع شركة علي باي (Alipay) من أجل الهيمنة على هذا المجال. ومع استمرار الصين في التعامل مع سياسات الحد من انتشار فيروس كوفيد، واستمرار الناس بارتداء الأقنعة وتجنب التلامس الجسدي، فإن السماح للناس بالدفع عن طريق التلويح بأيديهم فوق مسافة بضع بوصات من الكاميرا يبدو أفضل من طرق الدفع عبر التعرف على الوجه أو بصمات الأصابع. تقترب شركة تينسنت من نشر استخدام تقنية التعرف على بصمات راحة اليد في الحياة اليومية على نطاقٍ واسع، من خلال تقديم حوافز نقدية للمستخدمين مقابل مشاركتهم والحصول على بياناتهم. 

اقرأ أيضاً: ما هي بصمة الوجه؟ وهل يمكن خداع أنظمة التعرف على الوجوه؟

ورغم أن شركة أمازون كانت أول شركة تقنية كبرى تنشر رسمياً ماسحات ضوئية لبصمة راحة اليد في متاجرها في الولايات المتحدة (انتشرت إلى ما يقارب من 180 موقعاً منذ عام 2020)، فمن الممكن أن تصبح هذه التقنية قريباً في كل مكان في جميع أنحاء الصين بفضل اعتماد خدمة وي تشات باي (WeChat Pay) على نطاق واسع في جميع أنواع المتاجر، حيث يستخدم أكثر من 800 مليون فرد و50 مليون بائع في الصين خدمة وي تشات باي (WeChat Pay). 

ورغم فوائد التعرف على بصمات راحة اليد، سيظل الانتشار الواسع لهذه التقنية مصحوباً بمخاطر الخصوصية بالنسبة للمستخدمين، إضافة إلى الصعوبات العملية. في الواقع، لا يزال المحللون والنشطاء في مجال الخصوصية يشكّكون في ضرورة استخدام ميزة التعرف على بصمات راحة اليد في عمليات الدفع، ويشعرون بالقلق من عواقب ذلك الاستخدام.

يقول المدير التنفيذي لمشروع ستوب (STOP) للإشراف على تكنولوجيا المراقبة، ألبرت فوكس كان: “تتعرض متاجر التجزئة للاختراق طوال الوقت، وعندما تتعرض معظم هذه المتاجر للاختراق، يجب عليك في أسوأ الأحوال تغيير رقم بطاقتك الائتمانية، لكن لا يمكنك تغيير بصمة راحة يدك إذا تم اختراقها”. ويضيف: “لذا فإننا ننظر إلى هذه التقنية باعتبارها وسيلة تتيح للناس توفير بضع دقائق من الوقوف في الطابور لكن على حساب خصوصيتهم البيولوجية لبقية حياتهم”.

اقرأ أيضاً: حيلة يمكنها أن تجعل نظام التعرف على الوجوه يقع في خطأ فادح

تجارب خدمة وي تشات (WeChat) السرّيّة

في أواخر عام 2021 ، ذكرت وسائل الإعلام الصينية لأول مرة أن شركة تينسنت كانت تقوم بدراسة نظام دفع يعتمد على مسح بصمات راحة يد المستخدم. في ذلك الوقت، ردّت الشركة بأنه مجرد مشروع بحث داخلي ولا توجد خطة لتطبيق هذه التقنية في ظروف الحياة الواقعية. 

لكن ذلك قد تغيّر بعد عامٍ واحد، حيث كانت شركة تينسنت تختبر أجهزة التعرف على بصمات راحة اليد لعدة أشهر في مدينة شينزن، حيث مقر الشركة، وفي مدينة غوانزو، وهي مدينة ضخمة أخرى على بُعد 65 ميلاً. 

كما هو موضح في مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي التي تم تحميلها منذ شهر يوليو/ تموز، وكنت قد أبلغتُ عنها لأول مرة في وقت سابق من هذا الشهر في صحيفة تشاينا ريبورت “China Report”، يتم بالفعل استخدام أجهزة الدفع عن طريق بصمة راحة اليد من خلال نظام وي تشات باي (WeChat Pay) التابع لشركة تينسنت في المقاهي والمخابز والمتاجر الكبيرة. في معظم الحالات، يقدم تطبيق وي تشات حسماً محدوداً بقيمة أقل من 10 يوان صيني (1.37 دولار أميركي)، للعملاء لتجربة الميزة الجديدة وإرسال بيانات بصمة راحة اليد. يشبه هذا الأسلوب طريقة شركة أمازون، التي قدّمت رصيداً بقيمة 10 دولارات العام الماضي للمستخدمين الذين سجلوا في نظام الدفع عن طريق بصمة راحة اليد، أمازون ون (Amazon One).

إن أجهزة وي تشات (WeChat) التي تظهر في مقاطع الفيديو، هي عبارة عن صناديق بيضاء بحجم آيباد (iPad) مع شاشة تعرض التعليمات وكاميرا تلتقط بيانات راحة اليد. من الممكن أن تكون تلك الأجهزة لا تزال في المرحلة التجريبية، حيث يتم عرضها غالباً إلى جانب ملاحظات تقول: “الموقع التجريبي لخدمة الدفع بواسطة المسح الضوئي لراحة اليد، وي تشات (WeChat)” أو “الاختبار الداخلي، من فضلك لا تخبر الناس”. في إحدى الصور المنشورة على الإنترنت، يشير تحذير مكتوب إلى أن التصوير الفوتوغرافي للجهاز ممنوع.

شركة تينسيت تقترب من إطلاق تقنية الدفع ببصمة راحة الكف رسميّاً

ثمة أدلة أخرى على اقتراب شركة تينسنت من إطلاق تقنية الدفع ببصمة راحة اليد رسمياً، فقد قامت مؤخراً بإنشاء علامات تجارية لعدة خدمات مثل وي تشات بام سكان (WeChat palm scan) ووي بام (WePalm) وحصلت على براءات اختراع لأجهزة الكاميرا المتعلقة بتلك الخدمات. وفي إطار تطبيق وي تشات (WeChat)، التطبيق العملاق الذي يستخدمه أكثر من مليار شخص، تم إطلاق ميزة جديدة الشهر الماضي تسمى وي تشات بام سكان بيمنت (WeChat palm scan payment)، على الرغم من أنه يمكن فقط لأولئك الذين سجّلوا بياناتهم في الماسحات الضوئية لبصمة راحة اليد في متاجر شركة تينسنت الوصول إلى هذه الميزة.

ومقارنة بشركة أمازون، التي تملك المئات من متاجر هول فودز (Whole Foods) ومتاجر أخرى للبيع بالتجزئة في الولايات المتحدة، تمتلك شركة تينسنت القدرة على المضي بشكل أسرع وأوسع لتطبيق خدمة الدفع عن طريق التعرف على بصمة راحة اليد، نظراً لأن كل متجر وبائع في الصين تقريباً قد تبنّى خدمة وي تشات باي (WeChat Pay) أو منافستها علي باي (Alipay) خلال ثورة التكنولوجيا المالية في الصين. كما تقوم الشركة ببيع أجهزة مشابهة لقارئات بطاقات الائتمان التي تساعد البائعين على إجراء عمليات مسح ومعالجة لرموز الاستجابة السريعة كيو آر (QR) من العملاء، وهي الطريقة الأكثر شيوعاً حالياً لإجراء عمليات الدفع غير النقدي.

ومع ذلك، فإن الشركة تمتلك بالفعل بعض أجهزة الدفع عن طريق التعرف على القياسات الحيوية، حيث أصدرت الشركة جهاز فروج برو (Frog Pro)، الذي يشبه كشك الخدمة الذاتية لماكدونالدز ولكن مع كاميرا متطورة في الأعلى لتمكين الدفع عن طريق التعرف على الوجه، في عام 2019، وقامت الشركة ببيع الجهاز بسعر 1،999 يوان صيني (276 دولاراً).

اقرأ أيضاً: مالك وي تشات يظن أن التزييف العميق مصدر محتمل للفائدة

يقول كبير المحللين الماليين في شركة بوتونغ أناليسيس (BoTong Analysys) للاستشارات، وانج بينجبو، الذي يقيم في بكين: “إن الدفع عن طريق التعرف على القياسات الحيوية سيحظى بفرصة كبيرة عندما يأتي عصر الجيل الخامس (5G) والشاشات المتعددة، لأن هذه الأجهزة يمكن أن تساعد [شركات التكنولوجيا المالية] على التواصل مع البائعين والمستخدمين، وهذا سبب مهم يجعل شركات الدفع العملاقة تقوم بوضع أجهزة للدفع عن طريق التعرف على الوجه في المتاجر مقدماً لاعتماد التكنولوجيا على نطاق واسع”. كما يتوقع أنهم يمهّدون الآن لاستخدام أجهزة الدفع عن طريق التعرف على راحة اليد بنفس الطريقة.

ويضيف أن إدخال طريقة جديدة للدفع يخدم أيضاً هدف شركة تينسنت في التنافس مع شركة علي باي (Alipay)، التي تمتلك حالياً الحصة الأكبر من خدمات الدفع في السوق الصيني.

السعي لتحسين تقنية التعرف على بصمات راحة اليد 

من غير الواضح ما إذا كانت أجهزة شركة تينسنت التي شاهدناها على وسائل التواصل الاجتماعي مخصّصة فقط لاختبار أداء تقنية التعرف على بصمة راحة اليد أو أنها تهدف أيضاً إلى جمع البيانات للمساعدة في ضبطها. لا يشير أي من مقاطع الفيديو إلى أنه يتم إخبار العملاء عن كيفية استخدام بياناتهم. ولم ترد شركة تينسنت على قائمة الأسئلة التي أرسلتها إم آي تي تكنولوجي ريفيو.

اقرأ أيضاً: مرثاة الدفع نقداً: التكنولوجيا التي قد لا نستبدل بها على الإطلاق

ولكن من المحتمل أن تقوم شركتا تينسنت وأمازون بالدفع للمستخدمين لمنحهما البيانات التي يمكن استخدامها لتحسين خوارزميات التعرف على الملكية الخاصة بهما. على سبيل المثال، تنص شروط وأحكام خدمة أمازون ون (Amazon One)، على أن الشركة تخزّن بصمات راحة اليد “لتقديم الخدمة وتخصيصها وتحسينها”. ولم ترد شركة أمازون على أسئلة حول كيفية تعاملها مع بيانات بصمات راحة اليد.

أدى الافتقار إلى هذا النوع الدقيق من البيانات إلى إعاقة تقنية التعرف على بصمة راحة اليد لسنوات عديدة. على عكس الوجوه، فإن الناس لا يضعون صوراً لراحة اليد على الإنترنت، ولا حتى للخطوط الموجودة فيها. وبدلاً من الاعتماد على الصور العامة، مثل ملايين الصور للمشاهير والأشخاص العاديين التي عزّزت النمو الهائل لتقنية التعرف على الوجه، يحتاج الباحثون إلى جمع البيانات يدوياً من المشاركين في التجربة لتحسين خوارزميات الرؤية الحاسوبية. تُعتبر هذه العملية مكلفة للغاية وتستغرق وقتاً طويلاً. ورغم توفّر قواعد بيانات مفتوحة ومجانية لأكثر من 100.000 صورة وجه، فإن أكبر قاعدة بيانات عامة لصور راحة اليد اليوم تضم 600 صورة فقط.

يقول باحث ما بعد الدكتوراة في جامعة كاليفورنيا، في لوس أنجلوس، كاي تشاو، الذي عمل سابقاً في مختبر يو تو (YouTu) لأبحاث الذكاء الاصطناعي التابع لشركة تينسنت: “لا يمكنك تنزيل الكثير من بيانات بصمات راحة اليد من الإنترنت. أعتقد أن هذا هو السبب وراء هيمنة أبحاث تقنية التعرف على الوجه على هذا المجال”. وفقاً لتقديرات تشاو، فإن 95% من الأبحاث في مجال التعرف على القياسات الحيوية تركز على التعرف على الوجه.

ومع ذلك، فقد ركز تشاو وغيره من الباحثين على تحسين خوارزميات التعرف على بصمات راحة اليد على مرّ السنين، وعملوا على صياغة طرق مختلفة للتغلب على العوائق. 

اقرأ أيضاً: التعرف على العينين: تكنولوجيا جديدة للتعرف على الأشخاص حتى مع ارتداء الكمامة

طوّر تشاو طريقة لاستخدام النماذج الاصطناعية لتوليد بيانات مزيفة لبصمات راحة اليد، ما أدى لإنشاء مجموعات بيانات ضخمة تشبه التجاعيد في راحة اليد دون استخدام صور حقيقية لها. على الرغم من عدم جمع تلك البيانات من أشخاص حقيقيين، إلا أنه لا يزال من الممكن استخدامها لتحسين خوارزمية التعرف، وفقاً لبحث قدمه تشاو إلى المؤتمر الأوروبي حول الرؤية الحاسوبية في عام 2022. كما يقول: “بمجرد أن نقوم بتوليد نحو 200.000 إلى 300.000 صورة، سيكون معدل الدقة 100% تقريباً، ويُعتبر هذا تحسناً واضحاً”. في السابق، كان معدل الدقة للخوارزميات المدرّبة على عيّنات صغيرة من الصور الحقيقية من أجل التعرف على بصمات راحة اليد نحو 98%.

وفي الوقت نفسه، ظل تشانغ، من الجامعة الصينية في هونغ كونغ، يركّز على البيانات الحقيقية للمستخدمين. قال تشانغ، أحد أوائل الأكاديميين في العالم الذين بحثوا في مجال التعرف على بصمات راحة اليد، بدءاً من أواخر التسعينيات، إن فريقه طوّر جهازاً خاصاً لمسح بصمات راحة اليد وتمكن من جمع البيانات من أكثر من 10.000 شخص. وعلى الرغم من أن هذه البيانات ليست متاحة حالياً للعامّة، فإنه يقول إن الفريق يخطط لنشر بحث أكاديمي قريباً. 

يقول تشانغ: “يجمع التعرف على بصمة راحة اليد بين [مزايا تحديد] التفاصيل الدقيقة في بصمات الأصابع، وقزحيّة العين، والمعلومات الهندسية في الوجوه”. وقد وجدت أبحاث الفريق أنه عند مقارنة القياسات الحيوية التي تم جمعها من نفس المجموعة من الأفراد، فإن معدّل الدقة في التعرف على بصمات راحة اليد كان أعلى بعشر مرات من بصمات الأصابع أو الوجوه.

اعتماد خدمات الدفع القائمة على القياسات الحيوية عرضةً للفشل

يبدو اقتراح الدفع عن طريق التعرف على بصمة راحة اليد بسيطاً، فمن خلال استخدام هذه الطريقة، لا داعي لإحضار محفظة أو بطاقة ائتمان أو حتى هاتف محمول لإكمال عملية شراء داخل المتجر. لكن هناك العديد من التحدّيات العمليّة والأخلاقية التي تواجه هذه التقنية. 

يقول أحد كبار الباحثين في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، مارتن تشورزيمبا، ومؤلف كتاب جديد بعنوان الثورة غير النقدية: أولاً، يعمل نظام رمز الاستجابة السريعة بشكلٍ جيد وهو مناسب تماماً، فلا يتعلق الأمر بذهاب الناس إلى أي مكان بدون هواتفهم”. 

وهذا هو السبب نفسه الذي دفع كل من خدمة وي تشات باي (WeChat Pay) وخدمة علي باي (Alipay) إلى اعتماد الدفع عن طريق التعرف على الوجه لسنوات، إلا أن الفكرة فشلت في أن تصبح شائعة جداً. وقد أظهر استطلاع أجري في أبريل/ نيسان 2022 على نحو 58.000 مستخدم صيني لطريقة الدفع عبر الهاتف المحمول أن 95.7% منهم يختارون رمز الاستجابة السريعة كطريقة دفع أساسية. و20.2% من جميع الذين شملهم الاستطلاع رفضوا استخدام القياسات الحيوية في عمليات الدفع.

اقرأ أيضاً: تماماً كبصمة الإصبع: يمكن لنبضات قلب شخص ما أن تحدِّد هويته

يقول كان من مشروع ستوب (STOP): إن الفكرة القائلة بأن التعرف على القياسات الحيوية يوفر الراحة للمستهلكين هي “وهم كفاءة”. إن استبدال أمناء الصناديق التقليديين بنظام الدفع الذاتي من خلال التعرف على القياسات الحيوية، كما فعلت أمازون، يؤدي إلى إلقاء العمل على عاتق الزبائن. يقول كان: “هذا ليس من أجل راحة العملاء، وإنما من أجل راحة المتجر الذي يريد إقالة الموظفين والحصول على مزيد من التتبع لقراراتنا”.

ومع ذلك، قد يكون أكبر عائق أمام اعتماد الخدمة هو القلق من انتهاكات الخصوصية وأمن البيانات، نتيجة استخدام القياسات الحيوية. أصبح الناس في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الصين، يدركون بشكل متزايد مخاطر إعطاء القياسات الحيوية للشركات والحكومات، بغض النظر عن المزايا الموعودة في المقابل.

وعلى الصعيد الأمني، يقول الباحثون والشركات التي تعمل على ميزة التعرف على بصمات راحة اليد إنها أكثر أماناً من طريقة الدفع عبر التعرف على الوجه من عدة جوانب، حيث تمتلك راحة اليد تفاصيل أكثر تميّز كل شخص عن الآخر، فمن الصعب مسح راحة يد الشخص، التي تكون مقبوضة عادةّ، دون موافقته، وفي حال خرق البيانات، يصعب مطابقة بيانات راحة اليد مع هوية الشخص، على عكس الوجه الذي يمكن التعرف عليه على الفور. 

لكن هذه الفوائد تبدو ضئيلة عندما يختار الناس الانسحاب من أي شكل من أشكال الدفع باستخدام القياسات الحيوية والالتزام بدلاً من ذلك بالطرق التقليدية. ردّ مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي في الصين بالفعل على أخبار تجارب التعرف على بصمات راحة اليد من خلال خدمة وي تشات باي (WeChat Pay) بشكٍّ وسخرية. حيث نُشر مقطع فيديو لجهاز الماسح الضوئي لخدمة وي تشات باي (WeChat Pay)، على منصة دوين في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني، وقد كُتب أسفله تعليق: “إذاً، لقد انتهوا من جمع كل القياسات الحيوية الأخرى وانتقلوا إلى بصمات راحة اليد، ستكون قزحية العين هي الخطوة التالية، ثم الحمض النووي”. وقد نال المنشور أكثر من 103.000 إعجاب.

في نهاية المطاف، بغض النظر عن مدى أمان قاعدة البيانات أو مقدار الجهد الذي تبذله الشركات والحكومات لحماية البيانات، فليس هناك ما يضمن عدم حدوث تسريبات وعمليات اختراق. كما لا يملك المستخدمون أي فكرة عن كيفية استخدام البيانات داخلياً أو بيعها لوسطاء بيانات خارجيين إلّا بعد فوات الأوان.

يقول كان: “في كثير من الأحيان، يمكن أن تتلاشى القواعد القليلة، التي تفرضها الشركات على الطرق التي يمكن من خلالها استخدام بيانات القياسات الحيوية، إذا تم بيع الشركة التي كانت تمتلك تلك البيانات أو في حال إفلاسها. فجأةً ستصبح بياناتنا البيولوجية متاحة للجميع”.

مستقبل التعرف على بصمات راحة اليد في الصين

بطريقةٍ ما، توفر سياسات الصين الصارمة بخصوص انتشار وباء كوفيد الوقت والمكان المناسبين لتعزيز تقنية التعرف على بصمات راحة اليد. 

مع استمرار الصينيين في ارتداء الأقنعة في الأماكن العامة، فإن ذلك يخلق عائقاً أمام التعرف على الوجه. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحاجة إلى عمليات التنظيف وتقليل ملامسة الأسطح تطرح خيارات الدفع بدون تلامس (وتستبعد بصمات الأصابع). لذا فقد تبدو أجهزة التعرف على بصمات راحة اليد التي تقوم بمسح الأنماط والتعرف عليها من مسافة بضع بوصات بديلاً مثالياً. 

شركات الدفع ليست الوحيدة التي لاحظت إمكانات التقنية. يقول تشانغ: “أعتقد أنه يجب استخدام تقنية التعرف على بصمات راحة اليد في المناطق التي تتطلب أقصى قدر من السرية، مثل البنوك والمنظمات العسكرية، نظراً لدقتها العالية وقدرتها الكبيرة على مكافحة الاحتيال”. 

اقرأ أيضاً: مشروع قانون أميركي جديد يحظر استخدام الشرطة لتكنولوجيا التعرف على الوجوه

وتحاول الشركات الصينية الأخرى بالفعل اكتشاف طرقها الخاصة لتسويق التقنية الجديدة. يقول مدير قسم ذكاء القياسات الحيوية في شركة ديب بلو تكنولوجي (DeepBlue Technology) للذكاء الاصطناعي ومقرها شنغهاي، شينج يانكياو: يُعد استخدام التعرف على بصمات راحة اليد مفيداً للمجتمعات الصغيرة والمغلقة مثل المدارس والصالات الرياضية، حيث يلزم وجود نظام داخلي للتحقق من الأعضاء وتوفير خدمات كاملة. تبيع الشركة العديد من منتجات التعرف على بصمة راحة اليد.

يقول شينج: “إن أحد سيناريوهات استخدام التقنية هو حوض السباحة في صالة الألعاب الرياضية، لأنك إذا فقدت سوار الخزانة أثناء السباحة، فلن تتمكن من الحصول على ملابسك”. ويرى أن التحقق من بصمة راحة اليد هو أفضل طريقة للمصادقة في هذه الحالة، حيث قد يكون لدى الأشخاص مخاوف تتعلق بالخصوصية بسبب كاميرات التعرف على الوجه في غرف خلع الملابس، ويصعب التعرف على بصمات الأصابع بمجرد أن تصبح مبلّلة بالماء.

كما أن الحكومات تمضي الآن نحو هذا المجال. في 28 أكتوبر/ تشرين الأول، أطلقت مدينة شينزن خط مترو أنفاق جديد يسمح لفئات معيّنة من السكان (مثل كبار السن والمحاربين القدامى والأشخاص ذوي الإعاقة) بتسجيل معلومات بصمات أيديهم واستخدامها “للانتقال” في محطة مترو الأنفاق مجاناً. (يسمح نفس الخط أيضاً لأي شخص بدفع أجرة مترو الأنفاق من خلال التعرف على الوجه).

اقرأ أيضاً: تقرير جديد: الأميركيون لا يمانعون استخدام الشرطة لأنظمة التعرف على الوجوه لهم

إن جمع الحكومة لبيانات بصمات راحة اليد يخلق احتمالات واضحة لزيادة مراقبة الدولة لمواطنيها. قام تشي كينجلو، الذي بنى نظام معالجة البيانات ييسا أومني آي (YISA OmniEye) للمراقبة والإشراف على البنية التحتية لشبكة سكاي نت (Skynet)، بتأسيس شركة ميلوكس (Melux)، وهي شركة صينية لتطوير تقنية التعرف على بصمات راحة اليد، بالإضافة إلى قيامها بتصنيع الأجهزة المستخدمة في خط مترو الأنفاق في مدينة شينزن. وقد صرّحت الشركة علناً بأن الماسحات الضوئية لبصمات راحة اليد، التي ستكون جزءاً من نظام “حكومي غير ملحوظ“، قد تم استخدامها بالفعل في المكاتب الحكومية المحلية، والخدمات العامة، والجمارك، والخدمات المالية، وغيرها. لم يرد ميلوكس على طلب من إم آي تي تكنولوجي ريفيو لإجراء مقابلة.

يقول تشورزيمبا: “الشيء الذي يقلقني هو أننا شهدنا تحوّل رموز الاستجابة السريعة كيو آر (QR) من شيء يولّد قدراً كبيراً من الحرية المالية للصينيين، إلى شيء يتعين عليك مسحه في كل مرة تذهب فيها إلى مكانٍ ما، لكي تتمكن الحكومة من تنفيذ إجراءات الحجر والإغلاق للسيطرة على وباء كوفيد”، في إشارة منه إلى الخوف الحقيقي من تكرار هذا السيناريو وتحول تقنية التعرف على بصمات راحة اليد من أداة للدفع إلى أداة للمراقبة. “يمكن أن يكون ذلك منحدراً خطيراً. بمجرد أن يصبح ذلك منتشراً ومناسباً، سيصبح أيضاً أداةً [مغرية] تستخدمها الحكومة لزيادة السيطرة الاجتماعية”.