كيف يرسم الذكاء الاصطناعي والعلوم المتقدمة مستقبل دولة الإمارات؟

4 دقائق
كيف يرسم الذكاء الاصطناعي والعلوم المتقدمة مستقبل دولة الإمارات؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ VideoFlow
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في سبعينيات القرن الماضي، بدأ اقتصاد دول الخليج بالنمو نتيجة الزيادة الكبيرة في إنتاج النفط، ولعدة عقود، شكل النفط الدعامة الرئيسية لاقتصاد هذه الدول بما فيها الإمارات العربية المتحدة.

لكن في السنوات الأخيرة، انخفضت أسعار النفط بشكل كبير ما أدى إلى تقليص ميزانية الكثير من الدول المنتجة للنفط. نتيجة لذلك، أدركت حكومة دولة الإمارات أنها لن تستطيع الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي لدخلها بشكل دائم، خاصة مع توجه الكثير من دول العالم نحو استخدام مصادر الطاقة المتجددة، والتي ستؤدي في النهاية إلى خفض الطلب على الوقود الأحفوري تدريجياً ليصل إلى الصفر.

تنويع الاقتصاد

تعتبر الحكومة الإماراتية تنويع اقتصاد البلاد ومصادر الدخل في صلب استراتيجيتها المستقبلية، ولتحقيق هذه الغاية، دعمت العديد من المشاريع المتنوعة بمليارات الدولارات، والتي تهدف في النهاية إلى جعل الإمارات مركزاً عالمياً للسياحة والخدمات والتكنولوجيا والبحث العلمي.

باختصار، تريد حكومة الإمارات العربية المتحدة أن تحول الدولة من بلد يعتمد على النفط كمصدر رئيسي للدخل، إلى بلد يعتمد بشكلٍ أساسي على الابتكار والمعرفة.

لهذا السبب، أصبح الذكاء الاصطناعي ركيزة أساسية من ركائز العمل في القطاعين العام والخاص، ويزداد الاعتماد عليه في شتى المجالات. يضاف إلى ذلك الاستثمارات الهائلة التي دخلت السوق من أجل تطوير وتوسيع الجامعات الحكومية والخاصة، وبناء مراكز الأبحاث والوكالات العالمية، والاستعانة بخبرات علماء وباحثين أجانب بهدف استغلال أحدث ما توصلت إليه العلوم والتكنولوجيا في مجال الاقتصاد والأعمال.

اقرأ أيضاً: الإمارات تسير بخطوات واثقة نحو الريادة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي

مبادرات اعتماد التكنولوجيا في الإمارات

اتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة خطوات عديدة لتعزيز صورتها والتزامها بالابتكار والتكنولوجيا. تطمح الدولة إلى أن تصبح واحدة من الوجهات العالمية الرائدة في هذا المجال بالإضافة إلى كونها المركز الإقليمي للذكاء الاصطناعي.

في عام 2017، أصبحت الإمارات أول دولة في العالم تعيّن وزير دولة للذكاء الاصطناعي، وأطلقت ما يعرف باسم الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي لدولة الإمارات العربية المتحدة 2031، والتي تحدد إمكانات النمو المرتبطة باعتماد الذكاء الاصطناعي.

في مارس 2014، أعلنت حكومة دبي عن مبادرة دبي الذكية من أجل جعل دبي مدينة ذكية رائدة. يتطلب هذا المشروع بنية تحتية رقمية يمكنها ربط مختلف أجهزة الاستشعار والآلات في نظام عام يتيح تبادل المعلومات في الوقت الفعلي.

كل هذه المشاريع التي تسعى الإمارات لتنفيذها ستزيد فعالية مؤسسات الدولة في خدمة المواطنين والمقيمين، وتحسّن الإنتاجية في الشركات والمعامل وتقلل التكاليف في جميع المستويات والقطاعات.

اقرأ أيضاً: تقرير عالمي: الإمارات الأولى عربياً في مؤشر الجاهزية الحكومية للذكاء الاصطناعي

أهمية الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد

لا تكاد تخلو مناسبة يظهر فيها المسؤولون الإماراتيون إلا ويتحدثون عن الذكاء الاصطناعي ودوره في رسم مستقبل الإمارات، هذا التوجه نحو اعتماد الذكاء الاصطناعي في كل المجالات مدعوم بالكثير من التقارير الإحصائية التي قدمتها مؤسسات إماراتية وعالمية. تشير هذه التقارير إلى دور الذكاء الاصطناعي في تحسين اقتصاد الدول، فمن المتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي بمبلغ 15.7 تريليون دولار أميركي في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030 منها 320 مليار دولار أميركي في اقتصاد الشرق الأوسط.

في عام 2020، أصدر معهد ماكينزي الأميركي للاستشارات الإدارية تقريراً يشمل تحليل 6 دول في الشرق الأوسط هي البحرين ومصر والكويت وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وقد أوضح التقرير أن 45% من أنشطة العمل الحالية في هذه الدول قابلة للتشغيل الآلي، هذا يعني أن الذكاء الاصطناعي سيشكل قيمة اقتصادية كبيرة ويوفر الكثير من التكاليف ويحقق أرباحاً هائلة للشركات.

يمكن أيضاً استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات بهدف تحسين الخدمات، على سبيل المثال، يستطيع الذكاء الاصطناعي التنبؤ بمعدل استهلاك المدن الإماراتية للطاقة والمياه والموارد المختلفة، ما يحسن من كفاءة عمل المؤسسات التي توفر هذه الموارد ويضمن عدم انقطاعها أو إهدارها.

لا يجب أن ننسى أيضاً دور الذكاء الاصطناعي في مجال الدفاع، فعلى الرغم من أن دولة الإمارات العربية المتحدة مستقرة وآمنة، إلا أنها تقع في منطقة جغرافية مليئة بالصراعات وتشهد الكثير من الحروب، وهذا يستدعي دعم القوات المسلحة الإماراتية بأحدث الأسلحة والتكنولوجيا التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لاستهداف الأعداء ومواجهتهم.

اقرأ أيضاً: هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل البشر في اتخاذ القرارات العسكرية؟

في مجال التجارة، حيث تعتبر الإمارات مركزاً تجارياً عالمياً، تشير التقديرات إلى أن تجار التجزئة حول العالم يمكنهم توفير نحو 340 مليار دولار أميركي من التكاليف في حال الاعتماد على حلول الذكاء الاصطناعي.

التكنولوجيا لتحسين الخدمات ومحاربة الفساد

الإمارات العربية المتحدة هي من أكثر الدول التي اعتمدت على التكنولوجيا الحديثة، فالمواطن الإماراتي والمقيمون في الدولة ليسوا مضطرين إلى زيارة مؤسسات الدولة والانتظار لفترة طويلة من أجل تسيير معاملاتهم أو الحصول على أوراق رسمية، فكل معاملة يمكن إتمامها بسرعة وسهولة عن طريق الإنترنت.

هذا التحول نحو أتمتة المعاملات له جانب إيجابي، إنه يقلل من تعامل المواطنين مع موظفي القطاع العام، ما يقلل من احتمال عقد صفقات فاسدة أو استغلال للمناصب الوظيفية، وهذا ما يفسر التقدم الذي حققته الإمارات في مؤشرات الفساد العالمية، ومن المتوقع في حال استمرار هذا النهج أن تصبح الإمارات واحدة من أقل دول العالم فساداً.

يرتبط انخفاض معدل الفساد في أي دولة بشكل مباشر مع تحسن الاقتصاد ونموه وزيادة ثقة المواطنين بحكومتهم وشعورهم بالعدالة الاجتماعية، كما يؤدي ذلك دوراً في جعل الدولة أرضاً خصبة للاستثمارات الأجنبية التي تبحث عن فرص جديدة للتوسع حول العالم.

يبرر ذلك تحول الإمارات إلى وجهة للكثير من الشركات ورؤوس الأموال، وفقاً لتقرير “هينلي غلوبال سيتيزن” (Henley Global Citizens) الأحدث الذي نشرته “هينلي آند بارتنرز” (Henley & Partners)، من المقرر أن ينتقل أكثر من 4000 مليونيراً إلى الإمارات للعيش بشكل دائم والاستثمار فيها.

اقرأ أيضاً: الدروس المستفادة من تجربة دولة الإمارات في صناعة السياسات التقنية المواكبة للثورة الصناعية الرابعة

من مستهلك إلى منتج

تعتمد الإمارات حالياً على عدد كبير من الشركات الأجنبية لتطبيق واعتماد حلول الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، لكن الإماراتيين لا يستخدمون هذه الحلول فقط كمستهلكين، بل يتعلمون كيفية تطويرها بما يخدم استراتيجيتهم وحاجتهم، وقد استثمروا مليارات الدولارات في تطوير الجامعات لتحويل الإمارات دولة منتجة للتكنولوجيا المتقدمة.