لن تكون بمفردك في ألعاب الفيديو الافتراضية بعد اليوم

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

فيما يخص علاقتي بألعاب الفيديو، بقي جانب واحد على حاله منذ أن كنت طفلاً، وهو أنني ألعب تلك الألعاب التي تفصلني عن المجتمع، وهذا الأمر لا يميزني عن غيري. لقد نشأت في فترة الثمانينيات والتسعينيات، أي عندما كانت فرحة ذهاب الطفل إلى صالة ألعاب الفيديو الافتراضية في مركز التسوق تعادل شعور الشخص البالغ بالسرور عندما ينفق المال في مطعم متخصص بتقديم شرائح اللحم اللذيذة.

الضوضاء الرهيبة في داخل صالات الألعاب تلك لم يكن لها أي علاقة بحياتنا الحقيقية، ولا حتى أولئك المراهقون المخيفون، وتلك الألعاب “الجائرة” التي تقودهم للتفاخر على حساب أي شيء آخر. لقد كانت ألعاب عنيفة، لذلك فقد فضلنا ألعاب اللحوم والبطاطا في “نينتندو”، لأنه ببساطة كان بإمكاننا “السيطرة” على تلك الألعاب، وليس من الضروري التعامل مع أي شخص آخر، ويمكننا الاستمرار في اللعب من دون الحاجة إلى الوقوف في زاوية واحدة وممارسة القتال.

قد يجعلني هذا أبدو معادياً للمجتمع، مثل شخص اعتاد منذ طفولته على الهروب إلى عالم الألعاب. وقد يكون هناك بعض الحقيقة في ذلك، لكنني لا أفكر في الأمر بهذه الطريقة. بالنسبة لي، يبدو الأمر كما لو كنت أتعامل مع الآخرين طوال اليوم في المدرسة، ومحاولة معرفة شخصيتي الحقيقية، والتحرك بلا هدف في هذه العوالم الصغيرة الغريبة، ومواجهة مشكلات وهمية وسماع موسيقى مكررة جذابة وحوار غير متقن بصورة كاملة. عندما كان كل ما هو موجود على شاشة التلفاز هو إعادة عرض سلسلة أفلام “لوني تيونز” (Looney Tunes)، كانت ألعاب الفيديو مثل “ميجا مان 2″ (Mega Man 2) و”بيونك كوماندو” (Bionic Commando) بمثابة نقل تلك الأفلام إلى حلم يقظة نابض بالحياة. تلك الحقائق البديلة نادراً ما كانت منطقية، لكنها كانت ساحرة للغاية بسبب ذلك، ولم نكن نلعب من أجل قصة لأن الألعاب كانت تحتوي على أماكن واسعة فقط. كان هنالك نوع من التأمل الهادئ في كل تلك الألعاب، أي كنت وحيداً في عالم لم يكن فيه شيء منطقي لكنه خاضع لتوازن مطمئن ومنطق غريب بمجرد أن تبدأ اللعب.

كيف تغيرت ألعاب الفيديو الافتراضية خلال السنوات الأخيرة؟

تغيّر هذا الجزء “الوحيد” من معادلة ألعاب الفيديو في السنوات الأخيرة. نعم، لقد حدثت ثورة في شعبية الألعاب عبر الإنترنت منذ فترة طويلة، إذ مُنح اللاعبون القدرة على الانضمام إلى الغرباء أو مطاردتهم أو الانضمام إلى الأصدقاء الذين تقابلهم أحياناً خلال لعبة، أي أن هناك توجه جديد غير واضح المعالم على الإطلاق، ألا وهو نهاية وحدتك في ألعاب الفيديو. اليوم، حتى في رحلات اللاعب المنفرد، فإنك عادة ما تتحد مع شريك لك طوال فترة المغامرة. على الرغم من وجود أمثلة سابقة مبعثرة لشخصيات مصاحبة، مثل لعبة “هاف لايف 2″ (Half-Life 2) الصادرة عام 1998 و”إيكو” (Ico) الصادرة عام 2001، إلا أن انتقالها من مرافقة “طائر القطرس” إلى شيء أكثر أهمية هو تطور حديث، حيث بدأ مع “الموتى السائرون” (The Walking Dead) الصادر عام 2012 و”بايوشوك إنفاينايت” (BioShock Infinite) و”ذا لاست أوف أس” (The Last of Us) الصادرين عام 1013. (تدفعك الألعاب الثلاث تلك إلى حماية فتاة صغيرة من خلال اتخاذ قرارات صعبة في مواجهة مخاطر شديدة).

أنا لا أقصد هنا السرد مطولاً حول “كيف كانت ألعاب الفيديو أفضل في أيام طفولتي”، ولكن هذه تجربة مثيرة وجديدة في عالم ألعاب الفيديو، والتي تثير الكثير من الأسئلة، أو سؤال واحد على الأقل، والذي هو، لماذا؟

يقول حدسي إن أكثر الأمثلة التي تتسم بالطموح في شريك اللعبة هي الشخصيات المهمة التي تدخل في الحبكة وتنضج وتتغير خلالها، وبها شخصيات ووجهات نظر حقيقية. إنها ترافق التحول في اللعبة في أنواع القصص التي يجري سردها في ألعاب الفيديو، وكيف يشارك اللاعب فيها.

خذ مثالاً ألعاب “نينتندو” القديمة التي نشأت عليها، ففي لعبة “ذا ليجند أوف زيلدا” (The Legend of Zelda)، تكون تفاعلاتك مع الآخرين محدودة وهزيلة. في البداية، يحذرك رجل عجوز يجلس في كهف ويحمل سيفاً من خطر الذهاب بمفردك، إنك لا تستمع له على الإطلاق، ولا يمكنك فعل ذلك حتى إذا كنت ترغب بذلك. . هذه هي الطريقة التي صورت ألعاب الفيديو فيها الأشخاص الآخرين الذين تصادفهم، إنهم يشبهون الأشياء الغامضة والمبهمة، هل تتذكر ماريو وهو يتحدث إلى تلك السلاحف؟

تطور شخصيات ألعاب الفيديو

كان التفسير المفترض للأبطال الصامتين في ألعاب الفيديو هو أن الصور الرمزية التي لا صوت لها تمهد الطريق أمام اللاعب لتخيل نفسه في الدور. لم يتمكن ماريو، أو أي شخصية أخرى، على مخالفة نوايا اللاعب أو إيصال أي رأي. ولكن من المحتمل أيضاً أن السبب وراء إبقائهم صامتين يعود إلى القيود التي فرضتها التكنولوجيا والميزانية والوقت. لقد بقوا كذلك لفترة طويلة. مع مرور الوقت والتقدم التكنولوجي وتضخم الميزانيات، أصبحت العديد من ألعاب الفيديو عبارة عن أفلام تطول لمدة 20 ساعة، وأصبحت الشخصيات اليوم قادرة على الالتفاف وأداء نوع من الاستكشاف الإبداعي الذي تجلبه شخصية ثانوية.

تجلب هذه الحدود الجديدة معها طائفة جديدة من الخبرات. تتمثل إحدى المقاربات المستقبلية لألعاب الفيديو في إبقائك متصلاً على الدوام، وهو الأمر الذي نعيشه جميعاً في حياتنا اليومية. فمن خلال الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعطيك صديقك في اللعبة “الإشارة” بالتحرك من خلال حوار مع كل تقدم في اللعبة. إن سلسلة ألعاب الفيديو الأحدث مثل ولفنشتاين” (Wolfenstein) و”يونغ بلد” (Youngblood) التي صدرت في يوليو/تموز، و”فار كراي 5″ (Far Cry 5) الصادرة في عام 2018، قد ألقت هذه الأدوار بشيء أقرب إلى البدائل عن لاعب ثانٍ في حال لم يكن لديك أي شخص آخر تلعب معه، لكن هذه التموجات الأخيرة ليست سوى النهاية الضحلة للمجموعة على ما أعتقد.

أوضح مثال على هذا التحول هو لعبة “إله الحرب” (God of War) التي صدرت عام 2018، وهي إعادة تصور دراماتيكية لسلسلة بدأت في عام 2005. يعود أصل اللعبة إلى وجود محارب إسبارطي يخوض حروباً بمفرده ضد الآلهة في عالم يشبه المزج بين الأساطير اليونانية والمحتوى الفانتازي لمجلة “هيفي ميتال” (Heavy Metal). وعلى الرغم من أن النسخة الأخيرة بها نصيبها من العنف، إلا أن هذا ليس الأمر الأبرز أو الأقوى هنا، بل إن الطابع الغالب هو مسعى شخصية كراتوس مع ابنه أتريس لدفن رماد والدته.

تتطور العلاقة بين الأب والابن من العلاقة الباردة والمترددة إلى العلاقة المتوترة والمستاءة، وأخيراً يصلحان الأمور من خلال وعد أحدهما الآخر ببذل جهد أكبر. خلال اللعبة، يزحف أتريس إلى المناطق التي لا يمكنك مساعدته فيها، ويطلق الأسهم على كل من تحاول قتله. ولكن ما أتذكره بعد الانتهاء من اللعبة هو أنني مشيت بعيداً وأنا أشاهد أتريس ينمو من صبي صغير إلى شاب، متسائلاً ما إذا كان بإمكانه إبقاء قلبه مفتوحاً ويتجنب المرارة بينما ينتقل بنفسه لتتمة العملية التي لا مفر منها في النهاية.

عقبات صنع ألعاب الفيديو

تشير هذه التوجهات وغيرها إلى أنك ستكون قادراً على لعب ألعاب الفيديو في يوم من الأيام وتقول إنها مناسبة حقاً لقصة، ولن تكون بموقف المدافع في حال فعلت ذلك. لم نصل إلى تلك المرحلة بعد، ولكن جلّ ما أعرفه في الوقت الحالي هو أنني لست وحدي أبداً في ألعاب الفيديو الحديثة. هذه الخطوات الأولى ليست مثالية أو محكمة، إذ ما يزال هنالك عقبات وأمور سيئة في طريقة صنع ألعاب الفيديو. أشبّه نفسي وأنا ألعب تلك الألعاب بالممثل على المسرح الذي لا يمتلك النص مثل باقي الزملاء، ويجري تلقيني النص لأتمكن من أداء دوري. على الرغم من أن الصورة الرمزية يمكنها التحدث، إلا أنها لا تنوب عني إلى الآن. (لكي نكون منصفين، فإن ألعاب الفيديو القديمة ستذكرك بالعودة إلى المسار الصحيح عندما تنحرف عنه، ذلك من خلال حوار محفز، لكن هذه الألعاب الأحدث تقذف بتلك العبارات في أذنك ربما كل 20 دقيقة).

يشير هذا التحول إلى تغيير أوسع، ومن الممكن أن تقدم بعض أكبر ألعاب الفيديو – حتى تلك التي تمتلك إعدادات اعتباطية أو مركزة على الفوضى – نافذة جديدة أو مختلفة في علاقاتنا وهوياتنا على أقل تقدير. إنها توضح من نحن عندما نمسك بجهاز التحكم مقارنة مع من نحن في الحياة العادية. وإذا كنت تلعب حالياً ألعاب الفيديو تلك فهذا يعني أنك متصل دائماً، ولكنك أكثر انسجاماً مع من أنت ومن تريد أن تكون، ويمكنك فهم الآخرين من حولك.

أو كما أخبرني توم بيسل، مؤلف ألعاب الفيديو، عندما أجرينا حديثاً حول موضوع ألعاب الفيديو الافتراضية: “بالنظر إلى حالة مجتمعنا وحالة سياستنا وحالة العالم، أعتقد أن هناك شيئاً يمكن قوله عند الذهاب لخوض قتال مرعب مع صديق لك في ألعاب الفيديو، وجعل شخص ما يمسك بيدك خلال ذلك الكابوس المرعب”.