عش تجربة غامرة في أعماق البحار مع هذا الروبوت

4 دقائق
عش تجربة غامرة في أعماق البحار مع هذا الروبوت
ستانفورد.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عاش باحثون من جامعة ستانفورد تجربة فريدة مع الروبوت أوشن ون كيه (OceanOneK) الذي طوروه ليمكّنهم من اكتشاف أعماق البحر الأبيض المتوسط، وأتاح لهم فرصة التفاعل مع المياه والكائنات البحرية، فقد منحهم شعوراً حقيقياً بملمس ما يحيط به. بالإضافة إلى ذلك، اكتشف الروبوت طائرات وسفناً غارقة أحضر منها تحفاً أثرية قديمة.

ما المميز في روبوت أوشن ون كيه؟

صمم باحثون من جامعة ستانفورد الروبوت أوشن ون كيه ليكون له شكل يشبه الإنسان في نصفه العلوي، أما نصفه السفلي أقل نحافة، ومزوّد بثمانية محركات دفع متعددة الاتجاهات تسمح بالمناورة الدقيقة تحت الماء.

زوّد الباحثون الروبوت أيضاً بنظام تغذية راجعة لمسية (قائم على اللمس)، سمح له بتشكيل أحاسيس واقعية بشكل لا يصدق تعادل ما كان سيختبره البشر فيما لو كانوا هم في الأعماق بدل الروبوت. بالإضافة إلى ذلك، يحمل الروبوت بذراعه كاميرا فيديو تسمح بتشكيل رؤية مجسمة لما حوله، وبرؤية المساحات الضيقة التي لا يستطيع الروبوت الوصول إليها. يحمل الروبوت أيضاً صناديق لجمع الأشياء.

اختبر المهندسون الروبوت في مختبر ستانفورد للروبوتات على مدى شهور، وفي مسبح الجامعة، حتى أصبح الروبوت جاهزاً للعمل والغوص دون عوائق تؤثر على الحركة أو الرؤية أو اللمس.

اقرأ أيضاً: روبوت ذكي يشق طريقه في المحيط بأقل قدر من الطاقة

صُمم الروبوت بدايةً لهدفين:

  • استكشاف أماكن لم يذهب إليها بشر من قبل.
  • إعطاء البشر شعوراً باللمس ورؤية مواقع في أعماق المحيط لا يمكن للإنسان العمل فيها.

حاسة اللمس: أكثر ما يميز الروبوت

غاص الروبوت أوشن ون كيه في واحدة من أبرز رحلاته ليصل إلى السفينة الإيطالية الغارقة لو فرانسيسكو كريسبي (Le Francesco Crispi). شعر عالم الروبوتات بجامعة ستانفورد ومدير مختبر ستانفورد للروبوتات الأستاذ أسامة الخطيب حينها أنه هو نفسه هناك، فقد شعر بأنه يلمسها بيديه بفضل حاسة اللمس التي يتمتع بها الروبوت، وشعر أيضاً بمقاومة الماء في الموقع، وبأنه يرى السفينة والكائنات الحية الموجودة في المكان بأم عينيه، وميّز الأشكال والآثار بوضوح شديد.  

يقول الخطيب مندهشاً ومعبراً عن شعوره: “إنك تقترب جداً من هذا الهيكل المذهل ويحدث شيء لا يصدق عندما تلمسه: تشعر به بالفعل”. “لم أختبر أي شيء من هذا القبيل في حياتي. أستطيع أن أقول إنني من لمست سفينة كريسبي على عمق 500 متر. وقد فعلت – لقد لمستها، وشعرت بها”.

روبوت أوشن ون كيه ينجح في تنفيذ الغرض الذي صمم لأجله

أدى الروبوت أوشن ون كيه مهمتين ناجحتين في أعماق البحر الأبيض المتوسط.

المهمة الأولى على عمق 1000 متر

كاد يصل الروبوت أوشن ون كيه في مهمته الأولى إلى عمق 1000 متر، و”هذه هي المرة الأولى التي يتمكن فيها روبوت من الوصول إلى هذا العمق، والتفاعل مع البيئة، والسماح للمشغل البشري بالشعور بتلك البيئة”، على حد تعبير الخطيب الذي أضاف قائلاً: “لقد كانت رحلة لا تصدق”.

استمرت المهمة الأولى من سبتمبر/ أيلول 2021 حتى فبراير/ شباط من هذا العام 2022. بدأت الجولة بمحطتين بالقرب من مدينة مرسيليا الفرنسية، زار فيها الروبوت طائرة مقاتلة غارقة منذ الحرب العالمية الثانية من طراز P-38 على عمق 40 متراً، والغواصة لو بروتيه (Le Protée) على عمق 124 متراً. وكانت المحطة الثالثة سفينة رومانية من القرن الثاني في مقاطعة أليريا في جزيرة كورسيكا الفرنسية أيضاً على عمق 334 متراً.

اقرأ أيضاً: ابتكار روبوت غواص بغرض المساعدة في القضاء على أحد أنواع السمك

وكانت سفينة كريسبي الرومانية هي المحطة التالية، حاول فيها الفريق استعادة مصباح زيت من السفينة لكنهم لم يتمكنوا من ذلك. بعدها، توجهوا إلى مدينة كان، التي استطاعوا في أثناء وجودهم فيها من استخدام كاميرا ذراع الروبوت لأول مرة ليروا قمرة قيادة طائرة بيتش كرافت بارون F-GDPV من الداخل، وكانت الطائرة على عمق 67 متراً.

انتهت الجولة الأولى بالغطس على عمق 852 متراً، وكانت نهاية غير موفقة، إذ لم يستطع الروبوت الصعود حينها على الرغم من أنه كان يعمل بكامل طاقته، لكن استطاع الفريق سحبه في النهاية. على الرغم من ذلك، استطاع الروبوت خلال سلسلة المحطات التي زارها في مهمته الأولى وضع لوحة على قاع البحر، نُقشت عليها الكلمات التالية:

اللمسة الأولى للروبوت في قاع البحر العميق

عالم جديد شاسع يمكن للبشر استكشافه

اقرأ أيضاً: باحثون من إم آي تي يطورون روبوتات مضيئة بحجم الحشرات

المهمة الثانية على عمق 1 كيلومتر

وصل الروبوت في المهمة الثانية إلى ما هو أبعد بكثير مما وصل إليه في المهمة الأولى، فبعد ساعات طوال قضاها الفريق في التصميم والتجريب، وعشرات الرحلات إلى المختبرات لتصحيح الأخطاء، وعدد كبير من الدروس المستفادة التي تعلموها من المهمة الأولى، وصل الروبوت إلى عمق 1 كيلومتر.

في التصميم الأولي للروبوت، كان من المخطط الوصول إلى عمق 200 متر على الأكثر. لكن لكي يصل الروبوت إلى عمق الكيلومتر الواحد كان عليهم إجراء بعض التعديلات التي تمكّنه من تحمل الضغط الهائل في الأعماق، وتساعده على الطفو عائداً إلى السطح، ولتجنب العقبة التي واجهوها في المهمة الأولى. لتحقيق ذلك، أضاف المهندسون لجسم الروبوت رغوة خاصة مصنوعة من الزجاج المجهري.

لم يكتفِ الباحثون برغوة الزجاج المجهرية بل زودوا الروبوت بتقنية أخرى تزيد تحمله للضغط وتحمي الدارات الإلكترونية. تعتمد التقنية على وجود الزيت وزنبرك في أذرع الروبوت تعمل على ضغط الزيت لمطابقته مع الضغط الخارجي. بالإضافة إلى ذلك، حدّث الباحثون العديد من المكونات الصغيرة في جسم الروبوت لتقليل كمية الهواء المضغوط الموجودة في الأجزاء الفردية والحفاظ على الروبوت قدر الإمكان.

أضاف الباحثون تحسينات أخرى شملت الذراع والرأس، أتاحت لها حركة أوسع، ويدين جديدتين، طُورت الأولى في مختبر مارك كوتكوسكاي في جامعة ستانفورد، وطور الأخرى البروفيسور أنطونيو بيكي من جامعة بيزا والمعهد الإيطالي للتكنولوجيا IIT.

أوشن ون كيه أكثر من مجرد روبوت يغوص في أعماق البحار

عاد أوشن ون كيه إلى سفينة كريسبي الغارقة مرة أخرى هذا الشهر، يوليو/ تموز 2022، بتوجيه من فريق من علماء الآثار، ونجح هذه المرة في استخراج مزهريات قديمة تعود إلى الإمبراطورية الرومانية، لم يُرَ لبعضها مثيل من قبل، ولا تزال محتفظة باسم الشركة المصنعة لها. يشير ذلك إلى أهمية الروبوت في استعادة القطع الأثرية من الأعماق السحيقة دون إصابتها بأذى.

يتم التخطيط الآن لرحلات استكشافية أخرى في المدن المفقودة المدفونة داخل البحيرات العميقة والشعاب المرجانية والحطام الأثري المغمور في الأعماق التي لا يستطيع الإنسان الوصول إليها. وقد قال الخطيب: “إن إبعاد البشر جسدياً عن الأماكن الخطرة التي يصعب الوصول إليها، مع ربط مهاراتهم وحدسهم وخبراتهم بالمهمة يعد بتغيير جذري في العمل عن بُعد”. 

اقرأ أيضاً: باحثون يطورون السلطعون الصغير: أصغر روبوت في العالم

بذلك نرى أن ابتكاراً مثل روبوت أوشن ون كيه، مزوّداً بإمكانات للمس والرؤية ليس مجرد تكنولوجيا مبهرة، بل يوفر إضافة مهمة لعلم البحار والهندسة المائية، فقد يساعد مستقبلاً في إصلاح القوارب والبنية التحتية مثل أرصفة الجسور والأنابيب الممتدة تحت الماء.