هل نحتاج إلى دمج بوتات الدردشة في كافة التطبيقات التي نستخدمها؟

5 دقائق
هل نحتاج إلى دمج بوتات الدردشة في كافة التطبيقات التي نستخدمها؟
حقوق الصورة: جيتي إيميدجيز بلس.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كانت آخر مرة ثارت فيها حماسة الناس بشأن بوتات الدردشة على النحو الذي نشهده الآن، حينما أطلقت شركة مايكروسوفت (Microsoft) أحد هذه البوتات الذي اشتُهر بسبب تعليقاته العنصرية. بالعودة إلى عام 2016، يبدو أن بوت الدردشة التابع لمايكروسوفت، تاي (Tay) قد أثبت أن الشكوك بشأن هذه البوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي كانت محقة؛ ولكن النجاح الباهر الذي حققه تشات جي بي تي حمَّس المتفائلين بالذكاء الاصطناعي أكثر حيال المستقبل. 

أطلقت شركة أوبن أيه آي (OpenAI) بوت الدردشة تشات جي بي تي (ChatGPT) في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 وعززته مؤخراً بالإصدار المحدود من نموذج التعلم تشات جي بي تي-4، وترك بوت الدردشة ملايين المستخدمين في حالة من الدهشة والخوف من مدى تطور قدرته الآلية على معالجة الكلمات التي من المتوقَّع أن تزداد قوة. إنه مثير للإعجاب بحق؛ كما أنه يحفز سباق التسلح التكنولوجي الأكثر صمتاً منذ طفرة العملات المشفرة خلال فترة جائحة كوفيد-19.

مخاطر تطوير الذكاء الاصطناعي: بين الصين والولايات المتحدة

ثمة مخاطر كبيرة فيما يخص تطوير الذكاء الاصطناعي؛ وأبرزها التهديدات المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين، وطموحات عمالقة التكنولوجيا، ومستقبل العمل. ولا يقتصر الأمر على أن تشات جي بي تي أثار ذعر عمالقة مثل جوجل فدفعها إلى تتبع أدوات ذكائها الاصطناعي لتوليد النصوص على أمل مواكبة الجيل التالي من البحث عبر الإنترنت؛ بل يتسع أثره ليدفع عدداً لا يُحصى من المطورين والشركات الناشئة وأدوات البرمجيات إلى التسابق لدمج بوتات على غرار تشات جي بي تي في كل ما يمكنهم دمجها فيه بطرائقَ ليست مرعبة بقدر ما هي غريبة.

اقرأ أيضاً: تشات جي بي تي يسقط ورقة التوت عن المنشورات المحكمة

لا حاجة بنا إلى دمج بوت دردشة في كل منتج نستخدمه؛ إذ يبدو ذلك غريباً وعديم الجدوى.

دمج بوتات الدردشة في كل ما فعله قد يكون عديم الجدوى

لنأخذ بعض الأمثلة: يمكنك الآن التحدث إلى النسخ الإلكترونية من كتبك ومقالاتك وأوراقك البحثية المفضلة وحتى إن كانت بصيغة بي دي إف (PDF)! وذلك بفضل أداة الذكاء الاصطناعي “توك تو بوكس” (Talk to Books) السحرية من جوجل.

مَن كان يعلم أن فيلم “سيد الصفحات” (Pagemaster) الذي صدر عام 1994 سيتنبأ بالمستقبل؟ يمكنك كذلك طرح الأسئلة على مقالات ويكيبيديا أو مقاطع الفيديو المرفوعة على يوتيوب باستخدام أداة تسمَّى “سوليد بوينت” (SolidPoint) كما يمكنك الحصول على ملخصات لمقاطع يوتيوب المفضلة لديك كلها ومشاهدة الملخصات الأخرى الرائجة.

اقرأ أيضاً: هل يمكن استخدام تشات جي بي تي لكتابة مقالات ويكيبيديا؟

وبفضل شركات ناشئة مثل إنترفليكشين (Interflexion) وكور أيه آي (Kore.ai)، بات بإمكانك إجراء محادثة مع مهنيين أو موظفين أو حتى عملاء غير حقيقيين، ويمكنك أيضاً أن تدردش مع هذا التطبيق لإنشاء نصوص يمكنك استخدامها أيضاً للدردشة مع تطبيق مختلف.

كما تتيح لك شركة أليثيا أيه آي (Alethea A.I) التحدث إلى الرمز غير القابل للاستبدال (NFT) المفضل لديك، أما شركة ستوديو إم 64 (Studio M64)، فهي تقدم لك فرصة التحدث إلى طفل غير حقيقي من الجيل زد ليعلمك لغة تيك توك؛ كما يمكنك تحويل موقعك الخاص على الويب إلى بوت دردشة بفضل شركة ساموراي أيه آي الناشئة (SamurAI) (قصد مؤسسوها أن يشير اسمها إلى محاربي الساموراي اليابانيين). 

لكن ما حاجتك إلى المتصفح إذا كان بإمكانك الحصول على تشات جي بي تي مصغر في كل منتج تستخدمه من مايكروسوفت أو جوجل؛ مثل برنامج باوربوينت، وتطبيقات المراسلة، بما أن الشركتين تتسابقان لدمج الذكاء الاصطناعي في كل منتج؟ أو ربما تفضل تثبيت بوت دردشة على تطبيق المراسلة المشفرة المفضل لديك؟ ألم تتمنَ دائماً أن تُجري محادثة مع تطبيق ملاحظاتك الشخصية؟ أو مع أحلامك؟ ربما ثمة بوت دردشة يمكنه أن يحدّثني عن ذلك!

ثمة الكثير من التطبيقات المفيدة فيما يخص تكنولوجيا النصوص التوليدية؛ كما تبدو فكرة إضافة المزيد من المهارات المشابهة لمهارات تشات جي بي تي إلى العديد من البرامج جذابة للغاية. بالنسبة إليّ، بما أني لا أجيد بتاتاً تدوين الملاحظات وتتبعها، فإنه من الرائع أن أتمكن من رفع كل ما لدي من أبحاث وملخصات ومسودات ولقطات شاشة واقتباسات، أخذتها من عدد لا يُحصى من المنصات والأجهزة، إلى تطبيق قوي للغاية من شأنه ترتيبها وتنظيمها بسرعة، يبدو ذلك رائعاً! ولا شك في أنه إذا تطورت تكنولوجيا بوتات الدردشة فيما يخص تجميع المعلومات الدقيقة والاستشهاد بالمصادر، وهي تسير بهذا الاتجاه على ما يبدو، فلن يكون لإمكانات الاستكشاف والبحث المتعمق حدود.

ومع ذلك ثمة سبب رئيس يجعل من دمج بوتات الدردشة في كل برنامج أو أداة يبدو سابقاً لأوانه، فعلى الرغم من التقدم الفائق الذي حققته؛ لكن معظم أجهزة الذكاء الاصطناعي وأدوات التعلم الآلي غير متسقة وغير موثوقة، فضلاً عن سهولة استغلالها لأنها في جوهرها آلات مدرَّبة على ربط الكلمات بعضها ببعض والتنبؤ النحوي، لا على توليد محادثة فعلية، ويتطلب أي استخدام لهذه التطبيقات في سياق تقصي الحقائق حداً أدنى من الإشراف والتدقيق.

بالإضافة إلى ذلك، نتساءل: هل سنستمتع حقاً بوضع بوتات الدردشة “المخصصة” هذه كلها في مستندات مايكروسوفت وورد والعروض التقديمية التي نستخدمها؟ لطالما كانت محادثات خدمة العملاء متاحة لعدد لا يُحصى من الخدمات؛ كالدعم الفني والتأمين وتوصيات الثقافة الشعبية، ولا تعبأ الغالبية العظمى من المستهلكين بتجاربها معها التي تتسم بالبطء والمماطلة ولا تقدم لهم الفائدة المرجوة؛ لكن حتى لو حسّنت شركات الذكاء الاصطناعي تكنولوجياتها، فهل سيساعدنا ذلك حقاً، أم أن البوتات الأحدث ستكون أقدر على التلاعب بنا نيابة عن صانعيها؟

اقرأ أيضاً: ما الأزمات التي تسببها نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية في التعليم؟

هل تتلاعب بنا بوتات الدردشة بالنيابة عن صانعيها؟

ربما في هذا الكلام الكثير من الخيال؛ ولكن إقحام بوتات الدردشة في كل مكان في ظل هذه الإثارة التي تجتاح عامة الناس وفهمهم المحدود للمسألة في الوقت ذاته؛ كما حصل سابقاً مع الميتافيرس والبلوك تشين، هي خطوة لا تخلو من المخاطر، والسبب هو أنه إذا كانت منتجات شركة أوبن أيه آي وشريكتها مايكروسوفت ومنافستها جوجل تمثل أفضل ما يمكن تقديمه في هذا المجال، فلن تعمل بوتات الدردشة جميعها وفق معايير هذه الشركات.

وعلى الرغم من أن تطبيقات الدردشة المدرَّبة على نماذج لغة متقدمة مثل تشات جي بي تي-4 قد توفر ضوابط أكثر وهامش خطأ أصغر؛ لكن تكلفتها ستكون الأعلى على المستخدمين أيضاً، ويرجع ذلك جزئياً إلى قوة الحوسبة المطلقة المطلوبة لتشغيلها على أفضل نحو. 

تمثل برامج الدردشة ميسورة التكلفة أو المجانية التي يشهد إنتاجها ازدهاراً، أسوأ ما يمكن أن يقدمه المجال من ناحية الدقة والثقة والاستقرار والمعرفة، إضافة إلى قدرتها المحدودة فيما يخص الحصول على محادثة فعلية، ولا يمكن للترقيات مثل تشات جي بي تي-4 أن توفر حلاً شاملاً لذلك حتى الآن، ومن أسباب ذلك القيود التي تواجه توسيع نطاق الاستخدام وحقيقة أن تطبيقات تشات جي بي تي-4 الواقعية حتى الآن؛ مثل  محرك البحث الآلي في بينغ (Bing)، تشتهر بقابليتها للخطأ وعدم انتظامها أكثر من جدواها.

اقرأ أيضاً: كيف سيكون الحال مع بوتات الدردشة التي تكذب وتختلق المعلومات أيضاً؟

اندفاع محموم

نتفاعل منذ سنوات مع أنواع البوتات المختلفة على الإنترنت، وقد كانت تمثل نكتة، وما زالت كذلك بالنسبة إلى بعض الأشخاص؛ ولكن الوعد الجديد هو أن هذه البوتات يمكنها التواصل مثل البشر الافتراضيين، وأنها تتطور مع كل محادثة تجريها معنا. لكن المشكلة هي أنه بغض النظر عن حجم نموذجك، لا يمكنك تحويل كل جانب فريد من جوانب الشخصية الحية إلى برنامج حاسوبي. كما توضح أمثلة شركة إم 64 أنه من المرجح أن يستخدم بوت الدردشة الذي يمثل فتىً من الجيل زد، أنواع المصطلحات العامية جميعها في جملة ما بدلاً من أن يعكس في الواقع  الطريقة التي يتكلم بها أبناء هذا الجيل فعلاً .

إن هذا الاندفاع المحموم الذي أثاره تشات جي بي تي ينعش بسرعة سوقاً كانت خامدة؛ ما يتيح عدداً كبيراً من الخيارات المثيرة للاهتمام، تتجاوز ما تتيحه المواقع المماثلة لموقع كليفربوت (Cleverbot) جميعها في العالم. ولا شك في أنه ستُجرى إصلاحات للدقة والأداء وسنشهد بعض الإمكانيات المثيرة؛ لكن السؤال الأهم هو: هل نريد حقاً التحدث إلى التطبيقات والبرامج التي نستخدمها كافةً وطوال الوقت؟ أظن أنه حتى تشات جي بي تي-4 ليست لديه إجابة وافية عن هذا السؤال حتى الآن!