كيف تساعد تكنولوجيا التعديل الجيني النباتات على مواجهة الاحترار العالمي؟

3 دقائق
كيف تساعد تكنولوجيا التعديل الجيني النباتات على مواجهة الاحترار العالمي؟
قد تتراجع الاستجابة المناعية لبذور اللفت في الطقس الحار.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لقد شهدت بعض من أكثر المناطق الزراعية إنتاجية في العالم، من الولايات المتحدة وصولاً إلى الهند، زيادة محطمة للأرقام القياسية للحرارة هذه السنة، ما يمكن أن يؤدي إلى عواقب مثيرة للقلق على إنتاج الأغذية.

ويمكن للحرارة العالية في النهار والليل أن تؤدي إلى تفاقم نتائج الجفاف، بل ويمكن أن تؤثر الحرارة على النبات بطرق أخرى. وفي الظروف شديدة القسوة، يمكن للآليات الجزيئية ضمن النباتات أن تتوقف عن العمل حتى، ما يؤدي إلى فشل إنتاجي للمحصول. ومن المتوقع أن يرتفع مستوى هذا الخطر مع تفاقم التغيّر المناخي.

غير أن بعض النباتات، بما فيها بعض المحاصيل المهمة مثل الذرة والقمح، يمكن أن تتعرض إلى تحديات إضافية بسبب الاحترار في المستقبل، لأن الحرارة تؤدي إلى شلل آلية دفاعية مهمة تعتمد عليها النباتات للتصدي للإصابات. فعندما ترتفع الحرارة فوق المستويات الطبيعية، وإن بزيادة طفيفة، تصبح النباتات أكثر عرضة للآفات. 

اقرأ أيضاً: هل من الممكن سحب الميثان من الغلاف الجوي لإبطاء الاحترار العالمي؟

محاولات لتعزيز قدرة النبات على مواجهة الاحترار

وقد بدأ البيولوجيون باستكشاف طريقة حدوث هذا الأمر، ويكشف بحث جديد عن طرق لإعادة الآليات الدفاعية للنباتات إلى حالتها الطبيعية دون إبطاء نموها. وإذا أمكن تطبيق هذه الطريقة في المزارع الحقيقية، فقد يؤدي تغيير المحاصيل بهذه الطرق إلى المساعدة على الحفاظ على مستويات جيدة من الإنتاج الغذائي بما يكفي نمو التعداد السكاني في عالم ما زال يعاني من الاحترار.

ليست الأنظمة المناعية لدى النباتات معقدة كما لدى البشر، ولكنها قادرة على تركيب المواد الكيميائية للاستجابة للإصابات البكتيرية أو الفطرية أو هجمات الحشرات.

وبالنسبة للكثير من النباتات، فإن حمض الساليسيليك يمثل أحد أهم عناصر المناعة. وتتمتع هذه المادة الكيميائية بخصائص مضادة للبكتيريا، كما تقوم بدور إشارة تقوم بإطلاق آليات مناعية أخرى.

وتكمن المشكلة في أن الحرارة الزائدة تؤدي عملياً إلى إيقاف هذه الآلية. وبالنسبة للمحاصيل التي تنمو عادة في أماكن أكثر برودة، مثل وسط أوروبا على سبيل المثال، فإن ارتفاع الحرارة إلى أكثر من 28 درجة مئوية (84 درجة فهرنهايت) لبضعة أيام قد يكون كافياً لإضعاف دفاعات النباتات.

وعلى الرغم من أن هذه المشكلة معروفة للباحثين منذ عقود، فقد بدؤوا مؤخراً وحسب باستيعاب تفاصيلها بالضبط، وكيف يمكن معالجتها. 

اقرأ أيضاً: ما زال بإمكاننا تجنب الاحترار بواقع 1.5 درجة مئوية، لكن المؤكد أننا لن نفعل

تعديل جيني على النباتات

وفي بحث جديد، حدد الباحثون جيناً واحداً يبدو أنه المسؤول عن الحساسية إزاء ارتفاع الحرارة، كما وجدوا طريقة لإعادة تفعيل النظام المناعي لدى النباتات في درجات الحرارة المرتفعة.

فقد قام أخصائي البيولوجيا النباتية في جامعة ديوك ومعهد هاورد هيوز الطبي، شينغ يانغ هي، بالاشتراك مع فريقه، بتحديد الجين المسمى “CB60g” الذي يقوم بترميز بروتين يتحكم بكيفية التعبير عن الجينات الأخرى المتعلقة بنظام تركيب حمض الساليسيليك.

وما إن وجد الباحثون الجين، تمكنوا من تعديل جينوم النباتات حتى تنتج حمض الساليسيليك طوال الوقت، حتى مع ارتفاع الحرارة. وفي نهاية المطاف، تمكن الباحثون أيضاً من استزراع نباتات تقوم بتركيب المواد الكيميائية الدفاعية فقط عند التعرض لعامل ممرض، ما يوفر طاقتها ويضمن أن النباتات لا تبطئ نموها بسبب تركيب مواد كيميائية غير ضرورية.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن لزراعة الأشجار أن تؤدي إلى عواقب بيئية فادحة؟

وعلى غرار الكثير من الدراسات النباتية الأساسية، فقد تضمن هذا البحث استخدام نبتة رشاد أذن الفأر (Arabidopsis)، وهي أقرب ما يكون إلى فأر التجارب المعتمد في مجال البيولوجيا النباتية. يقول مختص البيولوجيا النباتية في جامعة المكسيك الوطنية المستقلة وأحد مدققي الدراسة، سيزار كويفاس فيلازكيز، إن نقل هذا العمل إلى نباتات أخرى قد يكون أمراً صعباً.

وعلى الرغم من هذا، فإن الكثير من سلالات المحاصيل المهمة قريبة من هذه النبتة، بما فيها القرنبيط وكرنب بروكسل. ونظراً لوجود آلية حمض الساليسيليك الدفاعية في الكثير من النباتات مختلفة الأنواع، بما فيها المحاصيل المهمة مثل القمح والذرة والبطاطا، فمن الممكن أن يتجاوز أثر هذا العمل حدود المختبر بكثير. 

التعديل الجيني لنبات السلجم

وفي بضع تجارب لاحقة، عملت مجموعة ديوك على محاولة تكرار النتائج في نبتة السلجم، وهي إحدى الأنواع التي يُصنع منها زيت الكانولا. وقد كانت النتائج واعدة، على الرغم من أن العمل ما زال بحاجة إلى اختبارات ميدانية، كما يقول.  

ولكن استخدام هذه المحاصيل في الحقول قد يواجه بعض العوائق، فقد استخدم الباحثون البكتيريا لدمج الحمض النووي الجديد في النبتة، ما يعني أنها ستُعتبر من فئة المواد العضوية المعدلة جينياً. ولكنه يقول إن الأبحاث اللاحقة قد تتضمن استخدام أدوات التعديل الجيني، مثل كريسبر (CRISPR)، بدلاً من استخدام متعضيات أخرى لدمج الحمض النووي، ما يمكن أن يساعد على تجاوز بعض التحديات المتعلقة بالقوانين والمستهلكين بالنسبة للمواد المعدلة جينياً.

وسارع بعض الخبراء إلى الإشارة إلى أننا لم نتوصل إلى استيعاب كافة التفاصيل المتعلقة بالنباتات حتى الآن، على الرغم من أن البحث يمضي قدماً.

وتقول المختصة بالبيولوجيا النباتية في جامعة كورنيل، جيان هوا: “ما زال هناك الكثير من التساؤلات المتعلقة بمسائل جوهرية أكثر من هذا”. وعلى سبيل المثال، كما تقول، ليس من الواضح ما الذي يتسبب بتعطيل هذه الآلية المناعية عند ارتفاع الحرارة في المقام الأول.

اقرأ أيضاً: أهم استخدامات تكنولوجيا النانو في مجال الزراعة

قد يكون توقف الجهاز المناعي عن العمل عند ارتفاع الحرارة طفرة تطورية، ولكن قد تكون هناك أيضاً فائدة ما في إيقاف دفاعات محددة مع تغير الحرارة، كما تقول هوا. بعض النباتات تتمتع باستجابات مناعية تزداد شدة مع ارتفاع الحرارة، وليس من الواضح ما هي الأهمية النسبية لهذه الآليات المختلفة أو كيفية تفاعلها.

إن تأثير ارتفاع الحرارة بسبب التغيّر المناخي على النباتات لن يقتصر على الجهاز المناعي، ولكن إذا تمكن الباحثون من إيجاد طرق جديدة تساعد النباتات في الدفاع عن نفسها، فقد يؤدي هذا في نهاية المطاف إلى التقليل من استخدام المبيدات الحشرية، والمزيد من الاستقرار لإنتاجية الغذاء في العالم.