تقرير خاص

الاستفادة من زخم بناء القدرة على مواجهة الأزمات في تحقيق مستقبل نمو شامل ومستدام

11 دقيقة
الاستفادة من زخم بناء القدرة على مواجهة الأزمات في تحقيق مستقبل نمو شامل ومستدام
حقوق الصورة: ماكنزي آند كومباني.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في العام الماضي، واجه قادة مؤسسات القطاع الحكومي وشركات القطاع الخاص اضطرابات وأزمات جمة. وتأثر العالم، الذي لم يسلم بعد من جائحة كوفيد-19، بهزات النزاعات العالمية، وعدم اليقين بشأن الطاقة، ونقص الغذاء، ومعدلات التضخم المتسارعة، والأزمات المناخية العاتية.

مقدمة: المرونة تحدٍ لا يستهان به في عالم متغير مضطرب

ومن غير الممكن التعامل مع هذه الاضطرابات بمعزل عن بعضها بعضاً، أو واحدة تلو الأخرى، لأنها تنشأ وتؤثّر من خلال منظوماتنا الهشة وشبكاتنا المنهكة، ولا توجد موارد كافية في العالم للقيام بذلك. ويتفق العديد من قادة الحكومات والمؤسسات والشركات على أن المرونة هي التحدي الرئيسي؛ فيجب علينا تعزيز المرونة بما يتجاوز القدرة على البقاء لأجل تمكين النمو طويل الأجل والمستدام والشامل.

وهنا يأتي دور “أجندة المرونة”، وهي جهد متعدد المستويات لتحالف المرونة من قِبل وزراء ورؤساء تنفيذيين ورؤساء منظمات دولية، بالتعاون مع مبادرات المنتدى الاقتصادي العالمي.

وقد تم تصميم أجندة المرونة بهدف تسريع العمل الجماعي عبر موضوعات المرونة الرئيسية، وهي تمثّل أول برنامج جاد لتنسيق الحلول طويلة المدى في أنحاء عالمنا المضطرب.

ولأجل توجيه الفكر القيادي وتمكين تقدم ملموس في تنسيق تلك الأهداف، علينا الإحاطة بثلاثة مفاهيم رئيسة:

1- “أجندة المرونة” عمل معقد ومتواصل يمتد عبر سنوات وعقود. ونظراً لمستوى الاضطراب وترابط القضايا وتداخلها، يتطلب الوقت الحالي أجندة المرونة المتكاملة التي يتقدم بها هذا البحث لأول مرة. ولقد أظهرت الحرب في أوكرانيا وجود ارتباط بين نقاط ضعف سلاسل التوريد وأمن الطاقة وانتقال الطاقة بأسعار معقولة. ويجب أن تصبح التكنولوجيا محرك نمو للشركات بالإضافة إلى تقديمها حلولاً جديدة من أجل رعاية صحية أفضل وانتقال أكثر سلاسة للطاقة.

2-  المنظور طويل الأمد حتمي. بالنظر إلى الأزمة الحالية، تركّز العديد من الحكومات والشركات بشكلٍ طبيعي على إيجاد حلول للمشكلات العاجلة. ومع ذلك، فإن التركيز طويل المدى أمرٌ مهم وينبغي عدم إغفاله، وأهميته تتزايد أمام مخاطر المناخ ولكنها تمتد إلى سلسلة التوريد العالمية، والبيئة الجيوسياسية، والتكنولوجيا، والأفراد والتعليم، والرعاية الصحية.

وبالإضافة إلى تغيّر المناخ، تشمل المخاطر طويلة الأمد الاتجاهات السائدة في التركيبة السكانية، والتكنولوجيا التي تعتمد على البيانات، وزيادة استهلاك الطاقة، وقضايا الصحة السلوكية.

3- لن يتحقق التقدم إلا من خلال التعاون الدولي بين القطاعين الحكومي والخاص. لا تستطيع الحكومات والشركات بمفردها حل مشكلات العالم أو شق طريق بمفردها للنمو المستدام. واليوم، صار تعاون القطاعين الحكومي والخاص ضرورة أكثر من أيّ وقت مضى، لأجل تحديد معايير طويلة الأجل للنمو الاقتصادي. ولأننا في عالم مضطرب، فلا يمكن أن يتحقق النجاح إلا من خلال التعاون الدولي والمشاركة في التنمية الاقتصادية وضمان النمو المستدام والشامل.

القدرة على مواجهة أزمات المناخ والطاقة والغذاء

أدّى اتفاق مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ (كوب 26)، الذي انعقد في غلاسكو عام 2021، على تحقيق أهداف الحياد الكربوني، إلى إدخال اعتبارات مناخية جديدة في عمل صانعي السياسات وقادة الشركات. وفي العام التالي، أثار ارتفاع معدلات التضخم واندلاع الحرب في أوروبا تساؤلات حول كيفية تحقيق تحول آمن ونظيف في الطاقة، وبأسعار معقولة.

وكنسبة مئوية من الناتج الاقتصادي العالمي، ظل الاستثمار في الطاقة منذ عام 2015 ثابتاً إلى حد ما، من 2.2 إلى 2.6 في المئة (الذروة في عام 2019).  وإلى جانب عدم كفاية سلاسل التوريد المتنوعة وندرة العمالة والمواد الخام الضرورية لانتقال الطاقة، فإن الاستثمار الثابت يعرض توافر الطاقة وأمنها للخطر.

إن المهام داخل مجال المرونة متعدد الأبعاد هذا عديدة وذات نتائج كبيرة على جودة حياة البشر، وسلامة البيئة الطبيعية، وتنشيط الاقتصاد العالمي.

زيادة استقلالية الطاقة والاستدامة

من المتوقع أن يرتفع حجم الطلب على الكهرباء بأكثر من 250 في المئة بحلول عام 2050 على أساس تحقيق الحياد الكربوني. ولتلبية الطلب، يتعين على الشركات تنويع مصادر الطاقة وتسريع استخدام مصادر الطاقة المتجددة والطاقة النظيفة. كما يجب عليها الاستثمار في كهربة الشبكة، وسيتطلب ذلك من القطاعين الحكومي والخاص تحسين كفاءة الشبكة وموثوقيتها، وتنفيذ تطبيقات التكنولوجيا الرقمية لتعزيز مرونة الشبكة. وانتقال الطاقة، بحكم تعريفه، هو انتقال للمواد والمعادن أيضاً، وهو ما ينطوي على الاعتماد على بعض المعادن النادرة التي لا ينتجها سوى عدد قليل من الدول. وحجم الطلب على بعض معادن الأرض النادرة أكبر بالفعل من معدل العرض المعلوم. وتتطلب معالجة مثل هذه التحديات الاستثمار في البحث والتطوير للعثور على معادن بديلة، وتسريع وتيرة إعادة تدوير المواد، وإعادة التفكير في شكل سلاسل التوريد.

إعادة توظيف الأنظمة الحالية والاستثمار في التقنيات الجديدة

سوف تواكب البنية التحتية الجديدة الأنظمة القديمة أثناء عملية الانتقال، وستكون التكنولوجيا التي تقلل انبعاثات الكربون من الأنظمة القديمة جزءاً مهماً من تحقيق الحياد الكربوني. ويمكن تحديث المرافق الحالية لاحتجاز الكربون وتخزينه واستخدامه، كما يجب تسريع الاستفادة من تقنيات احتجاز الهواء، ويمكن تكيّف مرافق الغاز الطبيعي لتقليل استخدام الوقود أو لاستخدام مزيج وقود أنظف بيئياً. وبحلول عام 2050، على سبيل المثال، يمكن أن يمثّل الهيدروجين الأزرق 20 في المئة من خفض الانبعاثات.

توفير مصادر جديدة لرأس المال للاستثمار في فرص اقتصاد الكربون

يجب على مؤسسات القطاعين الحكومي والخاص على حد سواء الاستثمار في محفظة أعمال متنوعة ذات فرص واعدة، مع قرب التحول إلى الطاقة الخضراء، كما الحال بالنسبة لشركات الأسهم الخاصة. وقد وجد تقرير صدر مؤخراً عن Swiss Re، أن فجوة الاستثمار تضيق، وإن كان ببطء. ووفق وتيرة الاستثمار الحالية، لن يكون صافي الانبعاثات الصفري ممكناً إلا بحلول عام 2069؛ أي ما يقرب من 20 عاماً بعد الموعد المستهدف. وحتى تحقق رؤوس الأموال هذا الهدف، فإن الأمر يتطلب استثمارات في كل جديد من معادن ومواد، معدات وعمليات، وتكنولوجيا، في ظل سلاسل توريد أكثر تكيّفاً، وفرص لأعمال مراعية للبيئة.

حقوق الصورة: ماكنزي آند كومباني.

يجب على مؤسسات القطاعين الحكومي والخاص على حد سواء الاستثمار في محفظة أعمال متنوعة ذات فرص واعدة.

إزالة الكربون من خلال الطبيعة

يتطلب تحقيق أهداف الحياد الصفري لغازات الاحتباس الحراري إزالة الكربون على نطاق واسع من الانبعاثات. ونجد اليوم أن الطريقة الوحيدة الفعّالة من حيث التكلفة لإزالة ثاني أوكسيد الكربون على نطاق واسع هي من خلال البيئة الطبيعية. ولتعزيز هذه العملية العديد من الفوائد الإضافية، ومنها التحكم في الفيضانات والمرونة الغذائية. وتوفّر الحلول المناخية الطبيعية ما يصل إلى ثُلث حجم الحد من الانبعاثات المطلوب للإبقاء على ارتفاع درجة حرارة الأرض عند مستوى 1.5 درجة مئوية. ويمكن للحكومات استخدام الأطر التنظيمية لمنع الإضرار بالبيئة، بينما يمكن للشركات البدء في تقييم المخاطر البيئية ضمن معايير الاستثمار الخاصة بها، كما يجب تقييم الأصول الطبيعية كما يمكن للحكومات الاستفادة من الإمكانات الاقتصادية طويلة الأجل لهذه المشاريع. وهنا، يمثّل مشروع “الجدار الأخضر العظيم” الذي ينفذه الاتحاد الإفريقي لمكافحة تدهور الأراضي والتصحر والجفاف نموذجاً لذلك. فإلى جانب احتجاز كميات كبيرة من الكربون، يهدف المشروع إلى توفير الأراضي الزراعية الخصبة والأمن الغذائي للسكان الأشد احتياجاً.

توفير الطاقة ميسورة التكلفة وتحقيق الأمن الغذائي والمائي

الغذاء والماء والطاقة وتغيّر المناخ تحديات متداخلة ومترابطة. ويؤدي الفشل في تحقيق المرونة بشأنها إلى المخاطرة بظواهر مناخية أكبر حجماً وما يترتب على ذلك من أضرار مادية متزايدة.

وفي الفترة من 2021 إلى 22، أدّت الفيضانات في باكستان، والعواصف الاستوائية في شرق آسيا، والجفاف في الولايات المتحدة وإفريقيا وأوروبا والصين، إلى تراجع وفرة الغذاء وارتفاع أسعاره.

ومرونة منظومة الغذاء، إلى جانب الأمن الغذائي، ضرورة لكي يعيش السكان بصحة جيدة.

ولذلك سيتعين على أصحاب المصلحة المتنوعين التعاون للانتقال إلى الزراعة المراعية للبيئة لمزيد من وفرة الغذاء الصحي.

مرونة التجارة وسلاسل التوريد

يجب على القادة وشركاتهم فهم تبعيات سلسلة التوريد بشكلٍ أفضل وتحديد نقاط الضعف الجيوسياسية والتكنولوجية وأوجه قصور المصدر الوحيد في عملياتهم. وفي الوقت نفسه، يجب ألا تضحي جهود المرونة بعلاقات التوريد القائمة منذ فترة طويلة والترابط العالمي الذي يُتيح الازدهار للأعمال.

ولاكتشاف المخاطر المستقبلية، يجب على الشركات والحكومات تكثيف استخدامها لـ “الاستشعار المبكر” وتخطيط السيناريو.

ويعد حجم الطلب المتغير أحد الأسباب المألوفة لاختلال العرض، وقد تؤدي العوامل الجيوسياسية إلى تراجع العولمة في التجارة، ويمكن أن تكتسب العلاقات بالموردين صبغة سياسية بشكلٍ متزايد. ومع ذلك، فإن مثل هذه الضغوط سوف تتعارض كذلك مع الحقائق الراسخة للعالم المترابط، بما يخلق تحديات تنظيمية ويزيد من التكاليف. ولا توجد منطقة في العالم قريبة من تحقيق الاكتفاء الذاتي، وجميعها يستورد ما لا يقل عن 25 في المئة من واحد أو أكثر من الموارد أو السلع المصنّعة المهمة.

وينبغي للقادة وشركاتهم الاستفادة من خبراتهم الأخيرة في التعامل مع خلل سلسلة التوريد. وحتى ننشئ سلاسل توريد مرنة، يجب التركيز على موضوعات في ثلاثة مجالات:

بصمة المصادر

يجب قياس جهود إعادة تهيئة بصمات المصادر على أساس قيمة الاحتفاظ بمصادر التوريد الحالية، كما يمكن مراعاة التكامل الرأسي، إن لزم الأمر ذلك. وينبغي موازنة الفوائد المحتملة لإضافة مواقع توريد جديدة مقارنة بالتحديات الملازمة لإنهاء علاقات الموردين طويلة الأمد.

وهذا لن يتحقق بسهولة، نظراً للنمو العضوي لسلاسل التوريد في القرن الحادي والعشرين، علاوة على العديد من العناصر المترابطة الأخرى. وعند فك الارتباط عن المصادر الحالية، يمكن أن تتكبد الشركات خسائر نتيجة تقاسم الملكية الفكرية ومزايا الاستثمار طويلة الأجل. وأثناء التفكير بعناية في خطط إعادة تهيئة أكثر طموحاً، يمكن للشركات القيام ببعض التحركات الواثقة السريعة.

  • دراسة التكامل الرأسي المستهدف لبناء ميزة تنافسية. لم تعد دائماً الإعدادات التقليدية التي تحتفظ بإنتاج مستقر وكبير الحجم داخل الشركة، أثناء استخدام الشركات المصنّعة للمنتجات المتخصصة والمشاريع الخاصة، هي الخيارات الأنسب دائماً. وبدلاً من ذلك، قد يكون الاستثمار في فئات النمو سريعة الحركة منخفضة الموثوقية أكثر أهمية.
  • زيادة الاحتياطات الوقائية في سلسلة التوريد عند الحاجة. تحسباً لاضطرابات العرض المحتملة، من قبيل نقص مدخلات التصنيع، يمكن للشركات تنفيذ استراتيجيات متعددة المصادر وتخزين المواد الخام وغيرها. وهناك حاجة إلى تبني نهج استراتيجي لتحديد المدخلات المهمة والمواد الخام النادرة التي يجب أن تكون متعددة المصادر ومخزنة.

الاستشعار المبكر وتخطيط السيناريو

في التخطيط، يفسح التنبؤ والتوقع المجال للاستشعار المبكر وتخطيط السيناريو، مع التصعيد وبروتوكولات العمل. ويعتمد التجاوب المرن والرشيق تنظيمياً على تبين المخاطر والاتجاهات المستقبلية. وبالنسبة لجهود الرؤية الشاملة في سلسلة التوريد، بما في ذلك تعيين موردي المستويات التي تتجاوز المستوى الثاني، تعد البيانات عالية الجودة أمراً حيوياً. وفي فترة الاضطراب الحالية، تقوم العديد من الشركات بإجراء هذه التحسينات، على الرغم من أن هذا النوع من التعيين لا يزال أداة غير مستخدمة في إدارة سلسلة التوريد.

بناء القدرات في تنظيم سلاسل التوريد

على الشركات الاستثمار في بناء قدرات وكفاءات متقدمة للتعامل مع أي خلل داخل سلاسل التوريد الخاصة بها. ومن أساليب القيام بذلك تنفيذ سيناريوهات جديدة والتدرب على الدروس السابقة والتعلم من أخطاء الماضي، كما يتطلب استشعار الطلب والتنبؤ الديناميكي أساليب متقدمة للتعلم الآلي مدعومة ببناء متكامل للقدرات. وبينما تستعد الشركات لاستخدام التكنولوجيا والبيانات في تلبية متطلبات العملاء المتغيرة، يجب عليها تقديم حوافز للمواهب التي تمتلكها حتى تعمل على فرق سلاسل التوريد الرقمية الخاصة بها. وسوف تساعد زيادة الوضوح بشأن التعاون والمنافسة في القطاعين الحكومي والخاص على التنبؤ بصورة أكبر بخيارات الاستثمار مع الحد من العواقب غير المقصودة.

وتنشأ الأولويات المتضاربة ما بين الحاجة إلى فصل فئات معينة من سلسلة التوريد والحفاظ على الروابط بين سلاسل أخرى.

مرونة الرعاية الصحية

تستدعي الظروف إيجاد نهج متعدد الأوجه لمعالجة الأمور المتعلقة بالطلب المُتزايد وقيود إمدادات الرعاية الصحية والاستعداد للطوارئ، مع ضمان إيصال الرعاية العادلة لمستحقيها. لذا على القادة منح الأولوية للرعاية الصحية الوقائية والشاملة، لتعزيز الصحة وجودة الحياة – وردم الهوة البالغة 18 عاماً في متوسط الأعمار بين البلدان منخفضة الدخل والبلدان ذات الدخل المرتفع.

وقد كشفت جائحة كوفيد-19 عن نقصٍ في الاستعداد في نظام الرعاية الصحية، وسلّطت الضوء على أوجه تساؤلات أكثر تتعلق بمدى مرونة الرعاية الصحية والاستدامة على المدى الطويل.

ومن أجل بناء نظام رعاية صحية أكثر مرونة واستدامة، سيحتاج القطاعان العام والخاص إلى التعاون للتغلّب على عددٍ من التحديات مثل حالة الضغط على نظام الرعاية الصحية وتوافر اللقاحات وتقديمها والتحديات التي تواجه الإنتاجية.

على سبيل المثال، من المتوقّع تضاعف شريحة سكان العالم الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً، لتصل إلى 2.1 مليار بحلول عام 2050، ما سيؤدي إلى زيادة الطلب على الرعاية الصحية بشكلٍ كبير. وهناك عامل آخر وهو أن حالات الصحة النفسية واضطرابات تعاطي المخدرات زادت بنسبة 13% من عام 2008 إلى 2017، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، التي تشير أيضاً إلى أن علاج أولئك الذين يعانون الاكتئاب والقلق يكلّف تريليون دولار سنوياً. تتفاقم هذه التحديات وغيرها بسبب النقص العالمي في العاملين في مجال الرعاية الصحية.

تُقدّر منظمة الصحة العالمية عجزاً قدره 15 مليون عامل في مجال الرعاية الصحية بحلول عام 2030، معظمهم في الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل. سوف يتعيّن على القادة المختصين بتعزيز مرونة الرعاية الصحية، اعتماد نهج متعدد الأوجه، مع تنسيقٍ واسع النطاق بين القطاعين العام والخاص، من شأنه إعطاء الأولوية للرعاية الوقائية والشاملة وتحسين القدرات والتأهب للصدمات وضمان تقديم الرعاية العادلة.

الأولوية للرعاية الوقائية والصحة الشاملة

تشير الأبحاث إلى أنه من خلال الاستثمار في الرعاية الوقائية ورعاية الأمراض المزمنة، تستطيع أنظمة الرعاية الصحية تقليل أعباء المرض العالمي بنسبة 25%. وتشمل مجالات الاستثمار، تحسين الاستدامة البيئية وتشجيع السلوكيات الصحية وتوفير الغذاء الصحي والمياه النظيفة وتحسين الوصول إلى اللقاحات والعلاجات الوقائية بشكلٍ عام.

ويمكن أن تساعد وسائل تكنولوجية مثل الذكاء الاصطناعي والأتمتة والبيانات الضخمة، على الوقاية من الأمراض وتشخيصها وعلاجها. قد توفّر هذه المبادرات عائداً إيجابياً على الاستثمار، لأن مقابل كل دولار يُستثمر في تحسين الصحة، يمكن تحقيق عائد اقتصادي بمقدار مرتين إلى أربع مرات.

حقوق الصورة: ماكنزي آند كومباني.

تأتي لنا التحسينات الصحية بفوائد اقتصادية تُضيف تريليونات من الدولارات إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2040، كما يستطيع السكان الأكثر صحة، المشاركة بشكلٍ أكبر في القوى العاملة وتحسين نوعية الحياة بشكلٍ عام.

المرونة الرقمية والتقنية

من المهم أن يطوّر القادة منظوراً طويل الأجل حول تأثير النمو في التغييرات، وتحديد الفرص الأولية، وتطوير نهج محفظة النمو. وستكون التكنولوجيا محركاً رئيسياً للتغيير في جميع مجالات المرونة، لا سيما في تحول الطاقة والتعليم والرعاية الصحية وسلاسل التوريد. ويجب إدارة الاضطرابات والمخاطر الناتجة عن التحولات التكنولوجية.

وسوف تشمل مجالات العمل هنا الأمن السيبراني، حيث تستمر التهديدات في الانتشار، والتوعية المجتمعية.

وتشمل الأهداف المجتمعية المعايير الأخلاقية التي تحمي الخصوصية الشخصية بالإضافة إلى تعزيز الشمولية والقضاء على الفجوة الرقمية. وتُقدّر منظمة العمل الدولية أن تحقيق تغطية الإنترنت الشاملة يعني الوصول إلى ثلاثة مليارات شخص لم يستخدموا الإنترنت بعد مطلقاً.

ويمكن لهذه الخطوة وحدها أن توفر 24 مليون وظيفة جديدة في جميع أنحاء العالم، منها ملايين الوظائف للشباب.

ومن المرتقب أن يستمر نمو الإنتاجية الذي تحقق بفضل الرقمنة والتكنولوجيا على مدى العقود القليلة الماضية في صورة موجة جديدة من التقنيات؛ من الذكاء الاصطناعي إلى البيانات الضخمة إلى الأتمتة، تكفل إمكانية تحقيق قفزات مستمرة في الإنتاجية، كما توفر هذه الموجة من نمو الإنتاجية مسارات محتملة للنمو الاقتصادي دون زيادات في استهلاك الكربون. ومع ذلك، ليست كل الشركات والمؤسسات مجهزة ومؤهلة للاستفادة من هذه الابتكارات وتوجيهها بطريقة تتيح لها ميزة تنافسية.

الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والأتمتة

نظراً لتعقيدات المشهد التقني الراهن، يمكن أن تجد مؤسسات القطاع الحكومي والشركات الخاصة صعوبة في اتخاذ القرارات المتعلقة بامتلاك التكنولوجيا.

وتحل تطبيقات الذكاء الاصطناعي محل المهارات المتقدمة، وبالتالي فإن تأثير هذه الابتكارات في المجتمع يشكّل تحدياً قد يكون غير مرغوب فيه. وهناك حاجة إلى تنفيذ استراتيجيات لتدريب العمال على مهارات عالية المستوى وتوفير وظائف بديلة لمنع حرمان شرائح من قوة العمل من عملها وأن تعاني تراجع مستويات المعيشة. كما يمكن للحكومات الاستفادة من نهج أكثر دقة في الاستثمار التكنولوجي، والمقصد هو الحفاظ على المرونة دون استنزاف رأس المال بشكلٍ غير متناسب، أو زيادة التبعيات، أو تعريض الشركة أو المؤسسة لمخاطر مفرطة.

مخاطر وتبعيات جديدة

يفرض التبني المتسارع للتكنولوجيا الجديدة مخاطر وتبعيات جديدة، وتواكب الهجمات السيبرانية ابتكارات التكنولوجيا وتبنيها.

وفي استطلاع أُجري عام 2022، أفاد 57 في المئة من التنفيذيين بتسجيل خرق واحد على الأقل للبيانات في السنوات الثلاث السابقة، وذكر 42 في المئة منهم أنهم تعرّضوا لخسائر مالية. وبمقدور المؤسسات، الحكومية والخاصة، ترويض مخاطر الأمن السيبراني من خلال تنفيذ استراتيجيات فعّالة. ويمكن للحكومات والقائمين على الفضاء السيبراني في القطاع الخاص التعاون في التعلم لإنشاء مؤسسة أمنية مستقبلاً. ولإدارة مخاطر التكنولوجيا بشكلٍ فعّال، بما في ذلك التبعيات التي تنشأ عنها، يجب على الحكومات التعاون مع القطاع الخاص في التخطيط الاستراتيجي.

الملخص: دعوة إلى العمل

قدّم المنتدى الاقتصادي العالمي، بالتعاون مع ماكنزي آند كومباني، في هذا التقرير البحثي أول رؤية متكاملة لأجندة المرونة.

ويأمل أن يكون قد سلّط الضوء على مجالات المرونة الأهم، حيث يجب أن تتركز الجهود، وكذلك على عوامل التمكين التي سوف تسهّل ذلك العمل.

وفي الواقع، تشير هذه الأجندة إلى تعاون عالمي بين القطاعين الحكومي والخاص على نطاق لم نشهده منذ وقت طويل. ومع ذلك، فإن المهمة تتزايد إلحاحاً في ظل توالي الأزمات والاضطرابات الراهنة.

ويجب على العالم أن يعمل الآن وفقاً لهذه الأجندة، وأن يبني على الزخم الجماعي للعمل الجاري الأخير والذي تنهض به العديد من المؤسسات والشركات لإصلاح المجتمع وتحسين وضعه وإقالة عثرة الاقتصادات.

يمكنك قراءة التقرير كاملاً على هذا الرابط.

المساهمون:

  • ماكنزي آند كومباني
  • ريما عاصي، شريك رئيسي في مكتب دبي 
  • ريتشارد بوتشي، محرر أول، نيويورك 
  • ديفيد فرنسيس، شريك في مكتب مكسيكو سيتي 
  • ماري دل مار مارتينيز، شريك رئيسي في مكتب مدريد
  • ميهير ميسوري، شريك في مكتب هيوستن
  • ألفونسو ناتالي، شريك في مكتب ميلانو 
  • دانيال باكتود، شريك رئيسي في مكتب نيويورك
  • توماس بوبنسيكر، شريك رئيسي في مكتب ميونيخ 
  • سفين سميت، شريك رئيسي في مكتب أمستردام
  • مايكل ثوت، خبير رئيسي في مكتب ميونيخ 
  • أندريا زغرافو، شريك في مكتب دبي 

المنتدى الاقتصادي العالمي:

  • أندريه بيليو، رئيس قسم التأمين وإدارة الأصول والمستثمرين المؤسسيين
  • أندريه كيرن، رئيس شؤون المنظمات الدولية وأجندة العمل الإنساني
  • ميريام شيف، نائبة رئيس شؤون المنظمات الدولية وأجندة العمل الإنساني