اشترك

الاستمرار بالحساب الحالي

Preview
 
 
تاريخ النشرة : 16-01-2023
يكتبها هذا الأسبوع: د. وسام شاهين، مدير المحتوى العلمي والتقني في مجرة


إليك بعض العناوين التي قد تصادفك أثناء تصفحك للإنترنت هذا العام:
دراسة جديدة: القهوة مفيدة لصحتك لكنها تسبب صعوبات في النوم
دراسة أحدث: القهوة ضارة إذا كنت تعاني من ارتفاع ضغط الدم
دراسة نشرت هذا الشهر: القهوة ضارة إذا كنت تعاني من ارتفاع ضغط الدم وتتناولها قبل وجبة الفطور
دراسة نشرت هذا الشهر أيضاً تدحض الدراسة الأخرى وتضيف أن القهوة تضر فقط بعد وجبة الغداء لكنها قد ترفع الكوليسترول!

وبعد أن قرأت هذه الدراسات وتأكدت أنها كلها منشورة في مجلات علمية محكمة، ما الذي تفعله الآن؟ هل القهوة مفيدة لك بالتحديد أم ضارة؟ وهل اتباع نظام الصيام المتقطع مناسب لك أم لا؟ وهل وجبة عشاء دسمة ستحرمك النوم وترفع الشحوم الثلاثية لديك؟

ربما يجب أن تسأل: لماذا كل هذا التضارب في أبحاث التغذية؟ ولماذا لا يوجد جواب أوحد لسؤال بسيط مثل: "ما هو النظام الغذائي المناسب لي للحفاظ على وزني؟"

قريباً قد تحصل على الإجابة بفضل الذكاء الاصطناعي؛ حيث مولت المعاهد الأميركية الوطنية للصحة برنامجاً اسمه "التغذية للصحة الدقيقة" يشارك فيه 10 آلاف شخص ويهدف إلى توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي للتنبؤ باستجابة الشخص للأنظمة الغذائية. وسيشمل البرنامج دراسة كيفية تأثير جينات الشخص وميكروبات أمعائه وبيئته ونمط حياته وتاريخه الصحي على استجابته للأغذية المختلفة.

لماذا تتضارب دراسات التغذية؟
في عام 1747، أراد طبيب اسكتلندي يدعى جيمس ليند معرفة سبب إصابة العديد من البحارة بالإسقربوط، وهو مرض يسبب الإرهاق وفقر الدم. لذلك قام بإجراء أول تجربة سريرية حديثة؛ حيث اختار 12 بحاراً مريضاً وقسمهم إلى 6 مجموعات، ومنح كلاً منها أغذية مختلفة. وبعد أيام، تعافى البحارة الذين تناولوا البرتقال، وتوصل ليند إلى أن المسؤول عن مرض البحارة هو نقص فيتامين سي. كانت تلك نتيجة حاسمة، فلماذا لا يتوصل علماء التغذية اليوم إلى نتائج مماثلة؟


في الوقت الحاضر، لم يعد السؤال مقتصراً عن السبب الغذائي لإصابة شخص بمرض ما، بل ما هو النظام الغذائي المناسب للحفاظ على الصحة وضبط الوزن وضغط الدم وتجنب ارتفاع الكوليسترول. وتتمثل العقبة الأهم أمام تقديم إجابات حاسمة في صعوبة إجراء تجارب عشوائية على ما يأكله أو يشربه البشر؛ إذ لا يمكن أن تفرض على شخص أن يتناول الخضار فقط وتراقبه لمدة عام كامل حتى تدرس تأثير الخضار على سكر الدم مثلاً. لذلك يلجأ علماء التغذية إلى دراسات المراقبة والتي تعتمد على التتبع الدوري لما يتناوله عدد كبير من الأشخاص في وجباتهم العادية ثم رصد من منهم أصيب بأمراض القلب أو السرطان على سبيل المثال.

لكن تبقى دقة هذه الدراسات منخفضة كونها لا تعزل العوامل الأخرى مثل أسلوب الحياة والبيئة وكميات الطعام. علاوة على ذلك، قد يكذب أو ينسى الأشخاص المشاركون ما تناولوه خلال الأسبوع أو الشهر السابق. من ناحية أخرى، لا يمكن أن نغفل عن حقيقة تمويل بعض شركات الأغذية للعديد من الأبحاث؛ على سبيل المثال، في عام 2016 وجدت
عدة دراسات ممولة من شركات المشروبات السكرية أنه لا توجد صلة بين هذه المشروبات وزيادة الوزن والإصابة بالسكري، بينما كانت نتائج الدراسات المستقلة مناقضة تماماً.


على أكتاف عملاق الذكاء الاصطناعي
يمثل "برنامج التغذية للصحة الدقيقة" جزءاً من برنامج (All of Us)، الذي تديره المعاهد الأميركية الوطنية للصحة والذي يعمل على بناء واحدة من أكثر قواعد البيانات الصحية تنوعاً في التاريخ وتشمل مليون شخص من الولايات المتحدة.

يدرس برنامج التغذية للصحة الدقيقة المشاركين في 3 مجموعات؛ في المجموعة الأولى، سيتم جمع معلومات عن الأنظمة الغذائية اليومية العادية لجميع المشاركين. في المجموعة الثانية، سيقوم عدد محدد من أفراد المجموعة الأولى بتناول ثلاث وجبات مختلفة يختارها الباحثون. في المجموعة الثالثة، سيتم التحكم في طعام الأفراد بدقة بالغة من قبل الباحثين لمدة أسبوعين. وفي نهاية التجربة، سيصوم جميع المشاركين طوال الليل ثم يتناولون وجبة إفطار أو مشروباً محدداً ليقوم الباحثون بدراسة استجابتهم على مدار عدة ساعات.

سيستخدم الباحثون تطبيقات الهواتف الذكية والأجهزة القابلة للارتداء لتسجيل ما يأكله المشاركون الذين سيرتدون أجهزة مراقبة مستمرة ستجمع معلومات حول النشاط البدني ووقت الجلوس والنوم. كما سيتم تحليل المؤشرات الحيوية المختلفة مثل نسبة الشحوم ومستويات الهرمونات والسكر في الدم والميكروبات الموجودة في البراز.

بعد الحصول على هذه الكميات الضخمة من البيانات، يأتي دور الذكاء الاصطناعي الذي يستطيع معالجتها بسرعة واكتشاف الأنماط بين نقاط البيانات. وبناء على النتائج، سيصبح من الممكن التنبؤ باستجابة الفرد للأطعمة والأنظمة الغذائية المختلفة مع الأخذ في الاعتبار دور الجينات والميكروبيوم والتمثيل الغذائي والعوامل البيئية ونمط الحياة. وهذا سيمثل خطوة كبرى نحو الأنظمة الغذائية المخصصة لكل شخص تبعاً لتلك العوامل.

أليكسا! هل أحتسي قهوتي الآن؟
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يعاني أكثر من مليار شخص حول العالم من السمنة، ويعاني 1.4 مليار شخص من ارتفاع ضغط الدم، وتشير الدراسات إلى أن حوالي واحدة من كل خمس وفيات يمكن أن تُعزى إلى سوء التغذية. ويشكل هذا البرنامج خطوة أولى في مجال "التغذية الدقيقة" التي تتيح تطوير أنظمة غذائية مخصصة لكل شخص، وأن يحسم الجدل حول فائدة أو ضرر أغذية محددة على شخص بعينه. وربما خلال سنوات قليلة، ستعتمد على تكنولوجيا المنزل الذكي لمراقبة مؤشراتك الحيوية، ثم ستطلب من أليكسا أن تحدد لك نظام الصيام والغذاء المناسب لك دون غيرك لضبط مستوى الكوليسترول وضغط الدم، بل لتخبرك ما إذا كان الوقت الآن مناسباً لتناول القهوة!


:بعض مقالاتنا في جديد العلوم والتكنولوجيا لهذا الأسبوع
(إم آي تي تكنولوجي ريفيو)
Facebook
 
Twitter
 
Linkedin
 
Youtube
 
Instagram