تاريخ النشرة : 29-11-2022 تكتبها هذا الأسبوع: نجوى بيطار
في أواخر شهر أكتوبر الماضي، أتم الملياردير إيلون ماسك صفقة شراء تويتر مقابل 44 مليار دولار، ليدخل بعد ذلك إلى مقر الشركة دخول الفاتحين. لكن دخوله كان موجعاً في الكثير من المواقع.
فقد ترافق هذا الفتح العظيم لتويتر بالكثير مما حدث وسيحدث، إذ تأثرت البنية العاملة في الشركة بأسلوب ماسك القيادي الجديد، فقد طرد الكثير من الموظفين في تويتر في أيامه الأولى، مع استقالات لاحقة، ويبدو أن من تبقى من الموظفين لا يستبعد هذا الخيار أيضاً، وذلك عائد إلى أسباب كثيرة، منها طلب ماسك العلني ممن بقي من موظفي تويتر تشكيل نواة عمل لساعات تفوق الأربعين أسبوعاً تعمل على حل مشكلات تويتر الكثيرة القائمة حالياً، أو الوشيكة، أو التي تلوح في الأفق.
وفي معرض الحديث عما يلوح في الأفق، بدأ مستخدمو تويتر خطة جدية للتفكير للانتقال إلى منصة أخرى، بعد أن انتشرت الكثير من المزاعم -التي تبررها أخطاء تقنية- بأن المنصة قد تتوقف قريباً، وهو أمر غير مستبعد أبداً في ظل الكثير من المشكلات القانونية والمالية التي كانت محور حديث ماسك نفسه في أول بريد إلكتروني له للعاملين في الشركة. وحتى لو لم تكن أنت أو أنا من مستخدمي تويتر، لكن انهيار تويتر يبدو أن له أثراً كبيراً على الحضارة البشرية؛ فالمنصة كانت عبارة عن سجل توثيقي لأبرز ما شهده العصر الحديث، ومكاناً للإعلان عن الكثير من اللحظات أو المواقف التي أدت دوراً كبيراً في تاريخ البشر الحديث، ولعل المثال الذي لا يغيب عن ذاكرة أحد، استخدام الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تويتر كمنصة أطلق عبرها مواقفه إلى كل العالم، الأمر الذي اضطُر المنصة إلى إغلاق حسابه بعد أحداث الشغب التي شهدها الكونغرس، كما تحضر تغريدات وفيديوهات تويتر في محكمة العدل الدولية كأدوات توثيق.
يعني ذلك باختصار أن المنصة تعتبر أرشيفاً رقميّاً لأحداث تهم البشر، فماذا سيحدث لهذه السجلات إذا انهارت المنصة؟ ربما سرّعت قصة تويتر بطرح هذه القضية، لكن القضية تتجاوز تويتر أيضاً، فمصيرنا المحتوم إلى الزوال كنا نعزي أنفسنا حياله بأننا في مرحلة يمكن لكل فرد فيها أن يترك إرثاً رقميّاً يقول للقادمين بعدنا: "مرحباً، لقد كنت هنا يوماً وهذه المحارف هي سجلي وتاريخي" لكن مهلاً حتى المعلومات تكافح للبقاء.
وفقاً للخبراء، يمكن أن تصبح أنظمة التخزين الرقمية غير قابلة للقراءة في أقل من ثلاث إلى خمس سنوات. ويتسابق أمناء المكتبات والمحفوظات في نسخ الأشياء إلى تنسيقات أحدث. لكن يقول جوزيف جينس، الأستاذ المشارك في كلية المعلومات بجامعة واشنطن: "غالباً ما نحاول إطالة العمر الطبيعي إلى أقصى حد ممكن من خلال مجموعة متنوعة من التقنيات، لكننا ما زلنا نقاوم فقط".
يتصارع المؤرشفون الآن مع طوفان غير مسبوق من المعلومات. في الماضي، كانت المواد نادرة ومساحة التخزين محدودة، لكن العكس حاليّاً هو المشكلة وفقاً للخبراء.من حيث المبدأ، يمكن أن يصلح ذلك خطأ تاريخياً. فلعدة قرون لم يكن يتمتع غالبية البشر بالثقافة أو الانتماء الاجتماعي الملائم الذي يمكّنهم من حفظ تاريخهم. لكن النطاق الهائل للعالم الرقمي يمثل الآن تحدياً فريداً. وفقاً لتقدير العام الماضي من شركة IDC لأبحاث السوق، فإن كمية البيانات التي تنشئها الشركات والحكومات والأفراد في السنوات القليلة المقبلة ستكون ضعف إجمالي جميع البيانات الرقمية التي تم إنشاؤها سابقاً منذ بداية عصر الحوسبة.
تعمل بعض الجامعات على إيجاد طرق أفضل لحفظ البيانات تحت مظلتها. على سبيل المثال، قام مركز البيانات والخدمات للعلوم الإنسانية بجامعة بازل بتطوير منصة برمجية تسمى "كنورا" (Knora)، ليس فقط لأرشفة الأنواع العديدة من البيانات من عمل العلوم الإنسانية، ولكن لضمان أن الناس في المستقبل يمكنهم قراءتها واستخدامها. ومع ذلك فإن العملية محفوفة بالمخاطر. فهناك كمّ هائل من البيانات المفقودة التي لن يعرف أحد عنها شيئاً مستقبلاً لأن لا أحد يمكنه أن يتوقع أنها مفيدة. لذا لا تخضع للأرشفة أو التصنيف، فتُفقد ببساطة لهذا السبب.
كذلك التنسيقات المستخدمة لتخزين البيانات هي نفسها غير دائمة. وخير مثال على ذلك أن ناسا لم تعثر على أداة يمكنها أن تشغل أشرطة رحلة أبولو التي كانت عن الغبار القمري بعد بداية الألفية. وبذلت الوكالة جهداً كبيراً حتى وصلت إلى أداة محفوظة في أحد المتاحف بأستراليا لتشغيلها. وعلينا ألا نركن أيضاً إلى البرامج الحاسوبية، فبعض الملفات الرقمية لم يعد من السهل أبداً العثور على البرامج المناسبة لقراءتها.
على الرغم من حتمية الزوال، لا مانع من المحاولة صحيح أن الفناء يتهدد العالم الرقمي أيضاً، لكن ذلك لم يثنِ الكثير من الجهات عن المحاولة بأفضل ما يمكن، أحد المشاريع التي حظيت بالكثير من الضجة في عام 2015 هو مكتبة الصور المفتوحة لأرشيف التنفيذ الافتراضي (Open Library of Images for Virtualized Execution (Olive))، الذي يدير برامج قديمة، ولكن كانت هناك تحديات في توسيع عروض Olive، فحتى البرامج غير المستخدمة يجب أن تكون مرخصة من الشركات التي تمتلكها، وغالباً لا توجد طريقة سهلة لإدخال بيانات جديدة في تطبيقات البحث الخاصة بالأرشيف.
كما أسفرت الجهود الأخرى للمساعدة في الاحتفاظ بالمعرفة والمعلومات البشرية. إذ يحتوي أرشيف الإنترنت Wayback Machine، على مجموعة كبيرة من المواد الرقمية، بما في ذلك البرامج والموسيقى ومقاطع الفيديو. لكن الأداة الشهيرة بدأت صراعاً قانونيّاً مؤخراً يتعلق بانتهاك حقوق الطبع والنشر رفعها عدة ناشرين.
على الجانب الأكثر تفاؤلاً، حافظت مبادرة تشفير النص Text Encoding Initiative على المعايير الدولية لتشفير النصوص المقروءة آلياً منذ التسعينيات. وقد أقر مكتب الولايات المتحدة لسياسة العلوم والتكنولوجيا على أن الطلبات الخاصة بالبحوث المدعومة فيدرالياً يجب أن توفر خطة لإدارة البيانات بحيث يمكن استخدام البيانات من قِبل الباحثين أو الجمهور في المستقبل. ولكن لا توجد متطلبات شاملة حول مَن يجب عليه تخزين البيانات أو المدة التي يجب حفظها فيها. لا يمكننا حفظ كل شيء. ولا يمكننا توفير الوصول إلى كل شيء. ولا يمكننا استرداد كل شيء، لكن لا بُدّ من القيام بأفضل ما يمكن.
نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك، استمرار استخدامك للموقع يعني موافقتك على ذلك. سياسة الخصوصيةأوافقX
Privacy & Cookies Policy
Privacy Overview
This website uses cookies to improve your experience while you navigate through the website. Out of these cookies, the cookies that are categorized as necessary are stored on your browser as they are essential for the working of basic functionalities of the website. We also use third-party cookies that help us analyze and understand how you use this website. These cookies will be stored in your browser only with your consent. You also have the option to opt-out of these cookies. But opting out of some of these cookies may have an effect on your browsing experience.
Necessary cookies are absolutely essential for the website to function properly. This category only includes cookies that ensures basic functionalities and security features of the website. These cookies do not store any personal information.
Any cookies that may not be particularly necessary for the website to function and is used specifically to collect user personal data via analytics, ads, other embedded contents are termed as non-necessary cookies. It is mandatory to procure user consent prior to running these cookies on your website.