اشترك

الاستمرار بالحساب الحالي

Preview
 
 
تاريخ النشرة : 22-11-2022
يكتبها هذا الأسبوع: د. وسام شاهين، مدير المحتوى التقني والعلمي في مجرة


تخيل أن يعمل هاتفك 6 أسابيع دون حاجة إلى إعادة شحن بطاريته! وأن تقود سيارتك الكهربائية لمسافة مليون كيلومتر دون الحاجة لإعادة شحنها! وأن تسافر من الرياض إلى الرباط على متن طائرة كهربائية دون توقف للشحن!

ليس الأكاديميون هم فقط من يعمل على تحويل هذا التخيل إلى حقيقة، بل هناك جيش من المهندسين والباحثين والمستثمرين في شركات التكنولوجيا العملاقة والناشئة، وشركات السيارات، وحتى مراكز أبحاث حكومية، يستكشف مئات وآلاف السبل والمواد وال الكيميائية لتصنيع الجيل الجديد من البطاريات الأكثر كفاءة والأطول عمراً والأسرع شحناً.

لم كل هذا الجهد والمال في سبيل بطاريات أكثر كفاءة؟
معظم البطاريات المستخدمة اليوم في الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية والحواسيب المحمولة والروبوتات وحتى على مستوى الشبكات الكهربائية هي بطاريات الليثيوم أيون. وفي النسخة التقليدية من هذه البطاريات، يتكون أحد القطبين، الأنود أو القطب الموجب، بشكل أساسي من الجرافيت. وهو أحد أشكال الكربون الذي يستطيع بسهولة امتصاص وإطلاق أيونات الليثيوم المشحونة والمتنقلة ذهاباً وإياباً بين الأنود والكاثود (القطب السالب) عبر الكهرل السائل، لينتج سيل الجسيمات المشحونة تياراً كهربائياً يتدفق خارج البطارية لتشغيل كل ما يحتاج إلى الطاقة.

لكن إنتاج هذه البطاريات مكلف نسبياً، وهي تتعرض للتلف خلال بضع سنوات، كما أنها مصنوعة من مواد معرضة للاشتعال والانفجار، ولا يمكن إعادة تدويرها بسهولة. أما الأسوأ من ذلك، فإن مضاعفة سعة التخزين لمجموعة البطاريات تتطلب شراء ضعف العدد من البطاريات. وهو ما يجعل تخزين الطاقة لفترة أطول من بضع ساعات أمراً باهظ التكاليف إلى درجة كبيرة.

وفي ظل المساعي الحالية للاستغناء عن الوقود الأحفوري وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، تعاظمت الحاجة إلى تطوير تقنيات جديدة لتخزين الطاقة بما يضمن تدفقها المستمر حتى عندما تهدأ الرياح وتغيب الشمس، وابتكار أساليب لزيادة عمر البطارية بما يدعم عمليات إنترنت الأشياء والجيل الجديد من الأجهزة الشخصية والطبية، واختراع تصاميم لتقليل وزن البطاريات المستخدمة في السيارات والطائرات الكهربائية وتسريع عمليات شحنها. بعبارة أخرى، هناك رهان تكنولوجي واقتصادي واجتماعي كبير على تطوير بطاريات قادرة على دبّ الروح في كل مناحي حياتنا في المستقبل.

تكنولوجيات واعدة لتصنيع بطاريات تمد المستقبل بالطاقة
نستعرض فيما يلي بعض التكنولوجيات، قيد التطوير أو قيد النشر التجاري فعلاً، والتي قد تشكل إحداها أو مجتمعة رافعة كبرى في العديد من القطاعات:

بطاريات الحالة الصلبة
تستخدم البطاريات الحالية كهارل سائلة، لكن التماس المستمر للقطبين مع كهرل سائل قد يتسبب بتفاعلات تؤدي إلى تلف البطارية أو احتراقها. هناك مشكلة أخرى أيضاً وهي أنه مع تدفق أيونات الليثيوم ذهاباً وإياباً، يمكن أن تتشكل هياكل شبيهة بالإبر، معروفة باسم التشعبات، في البطاريات وتؤدي إلى قصر دارة البطارية أو اشتعالها. لذا اتجه الباحثون إلى استبدال الكهرل السائل بمواد صلبة، مثل البوليمرات أو الأملاح، لكنها تسمح بمرور أيونات الليثيوم عبرها. من شأن هذا التصميم الجديد أن يمنح البطاريات عمراً أطول ويضمن عدم اشتعالها بما يجعلها خياراً جيداً يمكن استخدامه في السيارات الكهربائية.

كوانتوم سكيب هي إحدى الشركات الناشئة التي تعمل على تطوير هذه البطاريات، والتي تعد بتطوير بطاريات أكثر كفاءة وأسرع شحناً بالاعتماد على هذه التكنولوجيا. كما تستعد كل من شركتي فورد وبي إم دبليو لاستخدام أولى بطاريات الحالة الصلبة التي تنتجها شركة سوليد باور  في سياراتهما الكهربائية خلال الأشهر القادمة.

البطاريات الهيكلية
تتسم البطاريات المستخدمة اليوم بحجمها الكبير قياساً إلى حجم الجهاز الذي تشغله. وهي، في نهاية المطاف، ليست إلا مجموعة من الخلايا المجمعة فوق بعضها بعضاً بهدف واحد وهو توفير طاقة التشغيل، دون أي وظيفة أخرى ذات صلة بعمل الجهاز سواء كان هاتفاً أو سيارة.

على سبيل المثال، يبلغ وزن بطارية سيارة تسلا 3 حوالي 480 كيلوجراماً، وتأخذ حيزاً كبيراً ضمن هيكل السيارة. فماذا لو أمكن طباعة البطاريات بحيث تُدمج بشكل انسيابي ضمن تصميم المنتَج، سواء كان سيارة أو هاتفاً، وتحقق معايير الجمال والوظيفة وسهولة الاستخدام، فلن تعود هناك حاجة إذاً لتكييف المنتج في مرحلة التصميم مع البطاريات المعيارية الكبيرة والجامدة.

في مطلع العام الحالي، نجح باحثون من جامعة شالمرز للتكنولوجيا في استخدام ألياف الكربون لتصنيع بطارية هيكلية أفضل أداء من سابقاتها بـ 10 مرات. ورغم أنها توفر سعة طاقية تعادل 20% من السعة التي توفرها بطاريات الليثيوم أيون الحالية، إلا أنها أخف وزناً بكثير، ومدمجة في هيكل السيارة، ما يعني استهلاكاً أقل للطاقة في كل رحلة. وبفضل تكنولوجيات مثل الطباعة المجسمة، سيغدو من الممكن طباعة البطارية ضمن هيكل الهاتف أو السيارة باستخدام مواد مثل ألياف الكربون أو غيرها.

رفع كتل ثقيلة لتخزين الطاقة
حالياً، تعتمد معظم أنظمة تخزين الطاقة طويلة الأمد على الطاقة الكهرومائية المخزنة بالضخ، حيث يُضخ الماء من مخزن إلى مخزن آخر أكثر ارتفاعاً، وعند إطلاقه لاحقاً، يقوم بتحريك عنفات لتوليد الكهرباء أثناء التدفق نحو الأسفل. وعلى الرغم من أن هذه الطريقة البسيطة تعمل بشكل جيد، فإنها محدودة بالطبيعة الجغرافية للمنطقة.

قبل أيام، كشفت شركة إنرجي فولت عن تطوير نظام تخزين طاقة معتمد على الجاذبية، ينطوي النظام على محاكاة أسلوب الضخ السابق، من خلال استخدام الطاقة المنتجة لرفع كتل مصنوعة من مواد معاد تدويرها، ويبلغ وزنها 35 طناً، إلى أعلى بناء يبلغ ارتفاعه حوالي 60 متراً، ليتم إنزالها تدريجياً في وقت لاحق لتوليد الطاقة من جديد.

مواد جديدة في تصنيع البطاريات

يعمل الباحثون على تجربة واختبار مواد مختلفة لاستخدامها في تصنيع قطبي البطارية أو الكهرل السائل أو الصلب. على سبيل المثال، تعمل شركة ناترون في كاليفورنيا على إطلاق بطاريات تجارية تستخدم الصوديوم عوضاً عن الليثيوم وتتمتع بدورة حياة أطول بـ 10 أضعاف من البطاريات الحالية، ولا تحتاج في تصنيعها إلى أي عناصر نادرة مثل الليثيوم أو النيكل. كما تمكن باحثون من جامعة إم آي تي قبل بضعة أشهر من تطوير بطارية منخفضة التكلفة لتخزين الطاقة من المصادر المتجددة، تعتمد البطارية على 3 عناصر هي من الأكثر وفرة على الأرض: الألمنيوم والكبريت والأملاح. وهناك باحثون يعملون على استخدام الجرافين الذي سيتيح حل مشكلة نفايات البطاريات، كما سيؤدي لإنتاج بطاريات منخفضة التكلفة وذات جودة عالية. علاوة على ذلك، تتم الاستفادة من تقنيات التعلم الآلي والروبوتات لإجراء تجارب مصممة لتوليد الكهارل التي يمكن أن تزيد من سرعة شحن بطاريات الليثيوم أيون، ما يعني معالجة إحدى أكبر المشكلات التي تعيق انتشار السيارات الكهربائية على نطاق واسع.

يتفق الجميع على أن حل مشكلة تخزين الطاقة وتطوير بطاريات أكثر كفاءة سيطلق إمكانات تكنولوجية واسعة التأثير في مختلف جوانب حياتنا بدءاً من تحقيق انتشار أوسع للسيارات الكهربائية وبتكلفة أقل، مروراً باستغلال أكثر فاعلية للطاقة المتجددة، وصولاً إلى تخفيف أو حتى انتهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري بما يساعد في مواجهة التغير المناخي.


(إم آي تي تكنولوجي ريفيو)

لأفضل تجربة في الوصول للمحتوى يمكنك تحميل التطبيق مجاناً عبر أندرويد وآيفون
Facebook
 
Twitter
 
Linkedin
 
Youtube
 
Instagram