تاريخ النشرة : 20-09-2022 يكتبها هذا الأسبوع:عمرو عوض
تمتلئ الصحف والدوريات العلمية منذ سنوات بأخبار وتحليلات طويلة حول "أزمة البلاستيك" التي يواجهها العالم، ومدى تفاقمها عاماً بعد عام. وثمة إجماع تقريباً على أن الوضع الراهن لم يعد خياراً مقبولاً. لذلك، تحظى القضية باهتمام عالمي ومحاولات مستمرة لإيجاد حلول لها من مختلف الدول والشركات الكبرى والمنظمات البيئية.
بنظرة سريعة على الوضع، نكتشف أنه من أصل 8.3 مليار طن من المواد البلاستيكية التي تم إنتاجها منذ الخمسينيات،انتهت 79% منها في مكبات النفايات أو تسربت إلى البيئة. لم يعد يوجد مكان تقريباً على الأرض لم يتأثر بالتلوث البلاستيكي، حتى جبل إيفرست. لدرجة أن بعض العلماء اقترحوا أنه يمكن أن يكون بمثابة مؤشر جيولوجي على عصر التأثير البشري في الأرض "الأنثروبوسين".
محاولات مستمرة لحل الأزمة على مدار السنوات الماضية، خرج العلماء بمئات الأفكار التي قد تضع حداً لهذه المشكلة أو على الأقل تقلل من كميات البلاستيك التي تتزايد سنوياً. على سبيل المثال، طور باحثون بجامعة تكساس الأميركيةإنزيماً يفكك البلاستيك خلال أسبوع واحد بالاعتماد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، كما حاولتشركة فرنسية ناشئة تدعى كاربيوس (Carbios) أن تعيد تدوير أكثر أنواع البلاستيك أحادي الاستخدام شيوعاً باستخدام الإنزيمات أيضاً. ومؤخراً، طوّر باحثون صينيونسمكة روبوتية صغيرة تلتهم اللدائن الدقيقة من الشقوق والزوايا في قاع الممرات المائية، وبالتالي يمكن عند استخدامها أن تُخلص المحيطات من الجزيئات البلاستيكية الدقيقة.
المشكلة الحقيقية التي تواجه معظم هذه الابتكارات والأفكار الطموحة هي أن معظمها يفشل في تحقيق التأثير المنتظر بسبب عدم قابليتها للتحول إلى منتجات تجارية واسعة الاستخدام، أو لأنها تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة لتحويلها من أفكار نظرية إلى أدوات عملية مفيدة للبيئة.
لذلك، ومستفيدين من هذه التجارب، حاولت مجموعة من الباحثين بجامعة كاليفورنيا في بيركلي (UC Berkeley) أن يطوروا تقنية جديدة -تعتمد أيضاً على الإنزيمات- يمكن استخدامها "للقضاء على البلاستيك". بمجرد تنشيط هذه الإنزيمات،تقوم بدفع البلاستيك إلى التحلل الذاتي بسرعة وبشكل كامل إلى جزيئات صغيرة قابلة للتحلل الحيوي أو قابلة لإعادة التدوير كيميائياً خلال أيام بدلاً من شهور.
ولم يكتفوا بذلك، وإنما سعوا إلى نقل الفكرة سريعاً إلى المستوى التجاري، عن طريق إنشاء شركة لتصنيع منتجات نشطة بيولوجياً تحمل اسم إنتروبيك ماتريالز (Intropic Materials).
من الداخل إلى الخارج تكمن فكرة الفريق في صنع ما يشبه "الوحش" الذي يخرج من داخل المنتجات البلاستيكية ليلتهم زجاجات المياه وأكياس البقالة والقبعات والألعاب المكسورة وما إلى ذلك. وجد الباحثونطريقة لتضمين إنزيمات "مضغ" البلاستيك داخل المنتجات نفسها بحيث تتحلل تماماً بالماء والحرارة، مع عدم ترك أي أثر للبلاستيك وراءها.
تقول الشركة، على موقعها الإلكتروني، إنها بدأت بمعالجة مشكلة النفايات البلاستيكية، من خلال صنعمنتجات ذاتية التحلل يمكن تحويلها إلى سماد أو إعادة تدويرها بشكل مثالي. وتوضح أننا يمكن أن نعتبر الإنزيمات "علماء كيمياء" الطبيعة، إذ أنها مسؤولة عن التفاعلات التي تجعل الحياة تستمر، ويمكن أن نصممها لتحقيق أغراضنا، كما يمكنها أيضاً تكسير البلاستيك. المشكلة فقط أنها هشة وتواجه صعوبات خارج منطقة راحتها: الخلية. وهذا الأمر يحد من قدرتنا على استخدامها في التطبيقات.
للتغلب على هذه المشكلة، طور الباحثون "مواد واقية نانونية" (Nanoprotectants) تحافظ على استقرار الإنزيمات ونشاطها في البيئات الأجنبيةدون المساس بوظائفها، وهو ما يتيح إمكانية استخدامها مع مجموعة أكبر من المواد المذيبة، ومعالجتها حرارياً لدمجها في البلاستيك. وبالتالي، تعمل هذه المواد -وهي عبارة عن بوليمرات قابلة للذوبان في الماء- مثل معدات الوقاية الشخصية للإنزيمات، على حد وصف الشركة. وبمجرد دمجها في البلاستيك، تحتفظ الإنزيمات المستقرة بنشاطها دون التأثير على خصائص المواد الكامنة داخلها.
ويقول الباحثون إن هذه التكنولوجيا التي ابتكروها خضعت لمراجعة صارمة من قبل الأقران، ونُشرت دوريات مثل "نيتشر" و"ساينس".
التحدي الآن توسيع النطاق إن فعالية الإنزيم في إعادة البلاستيك إلى أصوله تعني -بحسب الباحثين- أننا لا نحتاج إلى الكثير منه في البلاستيك لجعل هذا البلاستيك قابلاً للتحلل، حيث تتراوح النسبة المطلوبة بين 0.02 و1.5% فقط. ولا يتم تنشيط هذه الإنزيمات المحمية إلا عند غمر البلاستيك في الماء عند درجة حرارة أعلى من 40 درجة مئوية.
وقد تمكّن المؤسس والرئيس التنفيذي للشركةآرون هول، من إنشاء مختبر خاص للشركة في مختبر لورانس بيركلي الوطني بالولايات المتحدة. وبعدما كان هول وزملاؤه في جامعة كاليفورنيا في بيركلي يستخدمون إنزيمين طبيعيين للقيام بهذه المهمة، بدأوا الآن يستكشفون مجموعة من الإنزيمات الطبيعية والاصطناعية التي قد تسمح لهم بتوسيع فكرة التدمير الذاتي للبلاستيك لتشمل مجموعة أوسع من أنواع البلاستيك.
التحدي الآن بالنسبة للفريق اكتشاف أفضل طريقة لتوسيع نطاق عملية تصنيع منتجاتهم. يقول هول: "نحن نركز على زيادة الوزن من الجرامات إلى الكيلوجرامات إلى الأطنان، حتى نتمكن بالفعل من البدء في إدخال هذه الإنزيمات في المواد".
:بعض مقالاتنا في جديد العلوم والتكنولوجيا لهذا الأسبوع
نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك، استمرار استخدامك للموقع يعني موافقتك على ذلك. سياسة الخصوصيةأوافقX
Privacy & Cookies Policy
Privacy Overview
This website uses cookies to improve your experience while you navigate through the website. Out of these cookies, the cookies that are categorized as necessary are stored on your browser as they are essential for the working of basic functionalities of the website. We also use third-party cookies that help us analyze and understand how you use this website. These cookies will be stored in your browser only with your consent. You also have the option to opt-out of these cookies. But opting out of some of these cookies may have an effect on your browsing experience.
Necessary cookies are absolutely essential for the website to function properly. This category only includes cookies that ensures basic functionalities and security features of the website. These cookies do not store any personal information.
Any cookies that may not be particularly necessary for the website to function and is used specifically to collect user personal data via analytics, ads, other embedded contents are termed as non-necessary cookies. It is mandatory to procure user consent prior to running these cookies on your website.