تاريخ النشرة : 06-09-2022 تكتبها هذا الأسبوع: نجوى بيطار
لنجرِ التجربة التالية: افتح شاشة جوالك -إن كانت مغلقة أصلاً- ادخل إلى أي من الخدمات أو التطبيقات أو مواقع التواصل الاجتماعي التي تصادفك؛ لا تبذل الكثير من الجهد؛ أي منها حرفيّاً. قم برصد ما سيمر أمام عينيك من معلومات.
فلان ارتبط بفلانة.
اكتشاف جديد في ميكانيكا الكم على مستوى الجسيمات دون الذرية.
صور تلسكوب جيمس ويب الفضائي الجديدة.
تجربة "الكون 25"، إذ صادفت ذكراها السنوية منذ عدة أيام.
فلان في دمشق.
وصفات لتنقية البشرة من الشوائب.
تحليل عن التضخم القادم.
وهكذا.
إن أردنا أن نعرف ما هو القاسم المشترك بين كل هذه المعلومات لن نجد سوى أنها معلومات تظهر أمام شخص واحد، إما لأنه صديق لفلان، أو لأنه أُعجب بصفحة من الصفحات، أو لأن أحد معارفه لم يكن على دراية جيدة بإدارة إعدادات الخصوصية لديه، فظهر إعجابه وتعليقاته وغير ذلك على صفحات أصدقائه.
هل نحن بحاجة إلى كل هذه المعلومات؟ قبل أن نجيب عن هذا التساؤل، تذكر عدد الصفحات التي كان نصيبها في العلامات المرجعية أو ضمن محفوظات مكتبة ما. هل قرأتها؟
يحيلنا هذا إلى عرض المعضلة التالية: ونحن نعيش في غابة المعلومات هذه، هل تسنت لأحدنا فرصة قطف ولو زهرة أو عود من كل شجرة؟ الغالب أن لا.
تعرضنا تجربتنا اليوم مع عالم الويب لوابل معلوماتي لا سبيل إلى رده. يتضمن هذا السيل العديد من المجالات والاهتمامات والقطاعات، التي لا يمكن أن تشغل اهتمامنا الأساسي. فنحن نعيش في ظل فوضى ما يُعرض علينا لنخرج بنتيجة مفادها أن ما جمعناه في آخر النهار هو صفر معلومات ستبقى معنا طويلاً. أما ما نحتاجه على جناح السرعة فقد وجدناه واستهلكناه ونسيناه. نحن قطعاً لسنا بحاجة إلى كل ما يُعرض علينا. بل لقد أصبحنا نتجاهل حتى ما يهمنا بداعي سهولة الوصول إليه حين الحاجة، والنتيجة معلومات كثيرة مع القليل من العارفين.
ما ضرر هذا الكم الهائل من المعلومات؟ وفقاً لبي بي سي فيوتشر، يتمثل الضرر الأكبر في هذا الكم الهائل من البيانات والمعلومات التي يتم تجميعها في ما يُسمى بتحيزنا للأحدث، تفسير ذلك أنك إن كنت قد جمعت كمًّا من المعلومات عن شبكة الإنترنت حول موضوع ما، وأردت الاستفادة منها لنقل في كتابة مقال ما، لن تعود للأقدم غالباً، فالحديث موجود دائماً. لكن هذا يبرز أزمةً أخرى وهي أننا لن نستفيد من تجارب الماضي وأخطائه.
كذلك، من المشكلات التي أبرزها الكم الهائل من المعلومات التي يمكننا الوصول إليها التعميم، مثلاً يميل الكثيرون للحكم على ظاهرة كالطقس مثلاً بأحكام عامة لمجرد أنها تحدث لديهم.
كما أن الخوارزميات أصبحت تميل إلى التخلص من القديم. عالمٌ يميل إلى الحداثة حتى على مستوى خوارزمياته.
أما الضرر الأكبر فهو على الإنسان نفسه، فنحن كمن يقتني الكثير من الأغراض لمجرد هوس الاقتناء دون أن يكون لها داعٍ، نحاول أن نعرف المزيد، ودون تركيز. لنستخلص أننا في النهاية عبارة عن كائنات مرهقة، لديها كل المعلومات، ولا تركز في شيء.
هناك ناحية غائبة للغاية في ما نعيشه، أصبحنا بليدين أخلاقيّاً، فمثلاً كم ستتأثر بمعاناة هنا أو هناك؟ هل ستمنح نفسك الوقت الكافي للقراءة عن هذه المعاناة وأنت تملك ترف الانتقال إلى ما هو أكثر تسلية؟
كيف يمكنك الإبحار وسط هذا المحيط؟ نظف دماغك لتملأه بما هو مفيد.
لسنا بحاجة معرفة كل شيء بالقدر نفسه الذي لن يضرنا به الاطلاع على الكثير من الأشياء. لكن مع عالم يدعم الاحترافية في التخصص لا فائدة من الاطلاع على كل شيء، بل لاحق ما يهمك.
كذلك، اعرف وجهتك جيداً وما يلزمك، تعلم ألا تجهد ذهنك فيما لا يلزم، تذكر أن البحث السريع عبر الإنترنت حول موضوع من الموضوعات لن يمنحك صفة باحث ولن يجعل من حكمك معتداً به، البحث وإطلاق الأحكام يحتاج للمزيد من الدراسات التي لا تلبيها هذه السرعة، أو الوفرة.
من الطرائف التي يحملها الأدب إلينا حول ذلك، أتت من الكاتب آرثر كونان دويل، فبطله شارلوك هولز الذي يعد رمزاً لكل سرعة بديهة، لم يكن يعرف أن الأرض تدور حول الشمس، فسر ذلك بأن الدماغ البشري يشبه القصر الفخم الذي يمكنك أن تضع فيه أي نوع من الأثاث الفخم. ووحدهم الحمقى من يكدسون الأثاث من هنا وهنا.
مما يجب مراعاته أيضاً أساسيات الصحة النفسية والجسدية، لا سيما النوم، فالنوم يتيح الفرصة للدماغ لفرز ما تعرض له من معلومات.
القاعدة الأهم: نحن من شكل التكنولوجيا، ومهما بلغت من التطور لا يبنغي السماح لها بإعادة تشكيل الأساسيات التي جعلت منا بشراً.
نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك، استمرار استخدامك للموقع يعني موافقتك على ذلك. سياسة الخصوصيةأوافقX
Privacy & Cookies Policy
Privacy Overview
This website uses cookies to improve your experience while you navigate through the website. Out of these cookies, the cookies that are categorized as necessary are stored on your browser as they are essential for the working of basic functionalities of the website. We also use third-party cookies that help us analyze and understand how you use this website. These cookies will be stored in your browser only with your consent. You also have the option to opt-out of these cookies. But opting out of some of these cookies may have an effect on your browsing experience.
Necessary cookies are absolutely essential for the website to function properly. This category only includes cookies that ensures basic functionalities and security features of the website. These cookies do not store any personal information.
Any cookies that may not be particularly necessary for the website to function and is used specifically to collect user personal data via analytics, ads, other embedded contents are termed as non-necessary cookies. It is mandatory to procure user consent prior to running these cookies on your website.