تاريخ النشرة : 30-08-2022 يكتبها هذا الأسبوع: د. وسام شاهين، مدير المحتوى العلمي والتقني في مجرة
"الحوسبة الكمومية ستحمل تأثيرات ثورية للبشرية أعظم من اكتشاف النار واختراع العجلة" وفقاً لما قاله، قبل أيام، مدير الأبحاث في بنك أميركا (Bank of America). فما هي الحوسبة الكمومية؟ وما العوامل التي قد تجعلها ثورة جذرية بالنسبة للبشرية؟ ما هي الحوسبة الكمومية؟ تستخدم حواسيب اليوم البتات (وحدات البت)، وهي تدفق من النبضات الكهربائية أو الضوئية التي تمثل الواحدات 1 والأصفار 0. فكل شيء من تغريداتك على تويتر، إلى رسائلك الإلكترونية، إلى مقاطع الفيديو على يوتيوب، كل ذلك هو في الأساس عبارة عن سلاسل طويلة من هذه الأرقام الثنائية. من الناحية الأخرى، تستخدم الحواسيب الكمومية الكيوبتات، وهي عادة ما تكون جسيمات دون ذرية مثل الإلكترونات والفوتونات.
يمكن للكيوبتات أن تمثل عدداً كبيراً من التركيبات المحتملة من الواحدات والأصفار في الوقت نفسه. هذه القدرة على اتخاذ حالات متعددة في الوقت نفسه تسمى بالتراكب الكمومي. لوضع الكيوبتات في حالة من التراكب، يقوم الباحثون بمعالجتها باستخدام حزمات من أشعة الليزر أو الموجات الميكروية. وبفضل هذه الظاهرة الغريبة، يمكن للحاسوب الكمومي باستخدام عدة كيوبتات في حالة من التراكب أن يعالج عدداً هائلاً من المخرجات المحتملة بشكل متزامن.
كما أن إضافة عدد قليل من الكيوبتات إلى حاسوب كمومي سيزيد من قدرته على المعالجة بشكل كبير، والأهم من ذلك أن الحواسيب الكمومية يمكنها معالجة كميات كبيرة من البيانات بشكل متوازٍ، ما يساعدها في أن تتفوق على الحواسيب التقليدية التي تعالج البيانات بالتسلسل.
بكلمات أخرى، ستكون الحواسيب الكمومية قادرة على إجراء عمليات حسابية لحل مشكلات كبرى تعجز الحواسيب التقليدية عن إتمامها، وهذا ما يعرف بالتفوق الكمومي. ففي عام 2019، استخدم باحثون من جوجل معالجاً كمومياً يُطلق عليه اسم سيكامور ويضم 72 كيوبت، لإجراء مهمة حسابية وقارنوا الوقت الذي احتاجه في الحساب مع الوقت الذي استغرقه سوميت، وهو أقوى حاسوب فائق في العالم، للقيام بنفس المهمة. وكان الاختلاف مذهلاً؛ فقد احتاج الحاسوب الكمومي إلى 200 ثانية لإنجاز تلك المهمة، فيما قدّر الباحثون أن الحاسوب الفائق سيحتاج إلى 10,000 عام لإنجازها.
وفي حين تتكرر التأكيدات أننا وصلنا إلى الحدود الفيزيائية الممكنة لإضافة المزيد من الترانزستوارت إلى شريحة حاسوبية واحدة، أو ما بات يعرف بـ"نهاية قانون مور"، فإننا مازلنا في بداية ما يمكن أن تقدمه الحوسبة الكمومية.
ولنوضح قدرة الحوسبة الكمومية بمثال؛ يحتاج الحاسوب العادي إلى - 10 مرفوعة للقوة 86 - ترانزستور لإنشاء محاكاة لجزيء البنسيلين المؤلف من 41 ذرة، وهذا يعني الحاجة إلى عدد من الترانزستور يفوق عدد الذرات الموجودة في الكون المعروف. بينما يستطيع حاسوب كمومي إجراء هذه المحاكاة باستخدام 286 كيوبت فقط! علماً أن تطوير حاسوب يضم هذا العدد من الكيوبتات أصبح في متناول أيدي الباحثين فعلاً! فقبل بضعة أشهر، أعلنت شركة أميركية ناشئة تدعى كيوإيرا عن تطوير حاسوب كمومي يضم 256 كيوبت. أكثر من ذلك، كشفت شركة آي بي إم، التي تمتلك بالفعل حاسوباً كمومياً بسعة 127 كيوبت، عن خطط طموحة لتطوير حاسوب كمومي يضم أكثر من ألف كيوبت خلال عام 2023.
ما هي التطبيقات المتوقعة للحوسبة الكمومية؟ تعد هذه القدرات الخارقة بإحداث ثورة فعلاً في العديد من المجالات، إليك بعضها:
القطاع الدوائي: يستغرق تطوير دواء جديد في المتوسط 10 سنوات، ويكلف 2 مليار دولار. ومن شأن الحوسبة الكمومية أن تسرع هذه العملية وتقلل تكاليفها من خلال تحليل كميات كبيرة من البيانات بسرعة عالية بما يسهل العثور على الجزئيات الكيميائية الجديدة وتحليل ربطها ببعضها واختبار فعاليتها وسميتها. وهذا سيؤدي إلى تحقيق قفزات عملاقة في تطوير الطب الشخصي والدقيق.
القطاع المالي: ستوفر الحوسبة الكمومية تحليلات أعمق للأسواق المالية من خلال أخذ عدد هائل من المتغيرات وإجراء الحسابات اللازمة لإنتاج التنبؤات في وقت قصير.
مواجهة التغير المناخي: ستساعد الحوسبة الكمومية في تطوير مواد جديدة مثل محفزات كيميائية لمعالجة ثاني أوكسيد الكربون. وستساهم في تطوير بطاريات جديدة للسيارات الكهربائية تتجاوز حتى هدف "المليون ميل".
لك أن تتخيل التأثيرات الكبرى لهذه التكنولوجيا عندما تستفيد منها خوارزميات الذكاء الاصطناعي؛ إذ ستوفر القدرة الحاسوبية التي تتعطش لها هذه الخوارزميات لإطلاق قدراتها الكامنة في كل القطاعات آنفة الذكر وغيرها مثل الفضاء والطقس والطب والنقل والصناعة.
تحذير بالرغم من الفوائد الكبرى المتوقعة للحوسبة الكمومية، لابد من التنويه ببعض المخاطر المرافقة، وأبرزها مسألة أمن البيانات وتشفيرها.
إذ سيقوم الحاسوب الكمومي بنزع الحماية عن كل البيانات المشفرة حول العالم، والتي تُعتبر آمنة تماماً اليوم، حيث ستفقد 70% من الشيفرات القائمة ما توفره من مستويات أمن تقليدية. وسيتمكن الحاسوب الكمومي من اختراق أنظمة التشفير بالمفاتيح العامة المستخدمة حالياً ويهدد سرية وسلامة الاتصالات الرقمية على شبكة الويب العالمية وخارجها إلى حد خطير. وقد يؤدي ذلك إلى عواقب وخيمة، خصوصاً بالنسبة للحكومات والمؤسسات التي تعتبر التشفير جزءاً أساسياً من عملها عبر التخطيط طويل الأمد وبالنسبة لأمن البيانات اللازم لتنفيذ خططها.
هل أنت، وشركتك، مستعدان للاستفادة من الثورة الكمومية القادمة ودرء مخاطرها؟ التحضير يجب أن يبدأ الآن.
نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك، استمرار استخدامك للموقع يعني موافقتك على ذلك. سياسة الخصوصيةأوافقX
Privacy & Cookies Policy
Privacy Overview
This website uses cookies to improve your experience while you navigate through the website. Out of these cookies, the cookies that are categorized as necessary are stored on your browser as they are essential for the working of basic functionalities of the website. We also use third-party cookies that help us analyze and understand how you use this website. These cookies will be stored in your browser only with your consent. You also have the option to opt-out of these cookies. But opting out of some of these cookies may have an effect on your browsing experience.
Necessary cookies are absolutely essential for the website to function properly. This category only includes cookies that ensures basic functionalities and security features of the website. These cookies do not store any personal information.
Any cookies that may not be particularly necessary for the website to function and is used specifically to collect user personal data via analytics, ads, other embedded contents are termed as non-necessary cookies. It is mandatory to procure user consent prior to running these cookies on your website.