تاريخ النشرة : 23-08-2022 يكتبها هذا الأسبوع: عمرو عوض
الأجواء الحارة التي تشهدها معظم أنحاء المنطقة العربية في مثل هذا الوقت من العام، والشعور الداخلي بأن موجات الحر لم تكن بهذه الشدة والاستمرارية في الماضي، تدفع المرء لا إرادياً إلى القلق بشأن المستقبل، والتساؤل: هل سنتمكن من التأقلم مع هذا الزحف المستمر في درجات الحرارة؟ وهل ستتفاقم تأثيرات التغير المناخي فعلاً لدرجة تجعل بعض المناطق غير صالحة للعيش؟
يزداد الأمر سوءاً عندما نسمع عن أخبار تشير إلى أن التغير المناخي أصبح حقيقة واقعة بالفعل، وفي دول لم يألف سكانها موجات الحر، مثل بريطانيا التي تعاني منموجة جفاف قياسية، والصين التي تواجه اليومأسوأ موجة حارة لها منذ 60 عاماً، لدرجة ظهور "أحجار الجوع المشؤومة" على ضفاف أنهار أوروبا.
في خضم هذه الأفكار القلقة، يعمل مكيف الهواء وأنغمس في العمل. وبعد عدة دقائق أنسى كل شيء، آملاً أن يجد البشر حلولاً حقيقية سريعة قبل أن تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة.
اتجاه عكسي المفارقة هنا أن مكيف الهواء الذي ينسينا الوضع في الخارج هو أحد أسباب المشكلة. بالتوازي مع كلالجهود الحكومية والدولية والمحاولات المستميتة من المؤسسات غير الربحية العاملة في مجال مكافحة التغير المناخي واستراتيجيات الشركات الكبرىلتحقيق الاستدامة وتقليل بصماتها الكربونية، ثمة اتجاه قد يبدو بسيطاً لكنه يعكس تأثير هذه الجهود: ارتفاع مستوى المعيشة في الدول النامية ومتوسطة الدخل، لاسيما الهند والصين ودول جنوب شرق آسيا، يتيح لملايين الأشخاص الجدد كل عام استخدام مكيفات هواء ملوثة للبيئة.
تطلق أجهزة التبريد نسبة مرتفعة من الانبعاثات العالمية لغازات الدفيئة، إذ تستهلك نحو10% من إجمالي الاستهلاك العالمي للطاقة الكهربائية، المولّدة بشكل أساسي من الوقود الأحفوري. وبحسب تقرير صدر عن الوكالة الدولية للطاقة عام 2018، ارتفعت مبيعات أجهزة التكييف إلى أكثر من ثلاثة أضعاف بين عامي 1990 و2016. ومن المتوقع أن يزداد استهلاك الطاقة للتبريد على مستوى العالم ثلاثة أضعاف أخرى بين الفترة الحالية وعام 2050. أي ما يعادل إضافة 10 أجهزة جديدة كل ثانية على مدار الأعوام الـ 28 المقبلة.
هنا يبرز العلم كالعادة ليلعب دور المنقذ حتى لا تضيع جهود مكافحة التغير المناخي سدى، تحاول الكثير من الشركات التكنولوجية والمراكز البحثية تطوير حلول لمواجهة هذه الزيادة الهائلة في الطاقة التي تستهلكها مكيفات الهواء. تبدو بعض الحلول مبشرة، مثلالنوافذ الذكية (Smart windows) ومواد التبريد الصديقة للبيئة، لكن في النهاية تظل وتيرة هذه التطورات أبطأ كثيراً من أن توقف تزايد الانبعاثات.
من بين الحلول العملية التي تاهت وسط زحام الأخبار السلبية ولم تحظ بما يكفي من الاهتمام، سعي شركة إماراتية وشركتين ألمانيتين للتعاون من أجل استخدام الذكاء الاصطناعي في تصنيع مكيفات هواء تبلغ كفاءتها 10 أضعاف الأجهزة الحالية.
في نهاية يونيو الماضي، تمالإعلان عن اتفاقية شراكة ثلاثية بين شركة "ستراتا" الإماراتية للتصنيع، و"هايبرغانيك" المتخصصة بالمنصات الهندسية القائمة على الذكاء الاصطناعي والتي تتخذ من مدينة ميونخ الألمانية مقراً لها، وشركة الطباعة ثلاثية الأبعاد الصناعية الألمانية "إي أو إس". والهدف هو تصنيع "مكيف الهواء الأكثر كفاءة عالمياً في استهلاك الطاقة" بالإمارات.
مبادلات حرارية بالطباعة ثلاثية الأبعاد ما يميز هذه الفكرة عن سواها أنها لا تسعى لاختراع تقنية جديدة من الصفر، وإنما تحاول "جمع قدرات التصنيع المتقدمة والذكاء الاصطناعي معاً. وهو ليس أمراً معقداً مثل اختراع شيء مختلف تماماً"، على حد قول الرئيس التنفيذي لشركة "هايبرغانيك" لين كايسر.
يريد كايسر استخدام الذكاء الاصطناعي لتصميم مُبادل حراري (Heat Exchanger) جديد تماماً يمكن طباعته بطابعة معدنية ثلاثية الأبعاد، موضحاً أن "هايبرغانيك" تقوم بتطوير وحدات تكييف منزلية تزيد كفاءتها 10 أضعاف عن مكيفات الهواء التقليدية، بينماتكلف نفس المبلغ الذي تحتاجه لشراء مكيف وتشغيله لمدة عام.
وبموجب الاتفاقية، سيقوم الشركاء بدمج حلول "هايبرغانيك" التي تعتمد على الهندسة الخوارزمية مع عمليات الطباعة ثلاثية الأبعاد للمعادن الصناعية التي ابتكرتها "إي أو إس"، مع التقنيات التكنولوجية المتقدمة التي توفرها "ستراتا" لإنتاج وحدات تكييف الهواء الجديدة.
لتبريد المباني، تعتمد مكيفات الهواء الحالية على ضخ الحرارة الداخلية إلى الخارج عبر المُبادل الحراري، أو وحدة المكثف الحراري (condenser unit) التي تحول غاز التبريد إلى سائل. يستهلك التبريد أكثر من 16% من الطاقة التي تستخدمها المباني اليوم، ويعتبر المُبادل الحراري تحديداً المكون الأكثر كثافة في استهلاك الطاقة من بين جميع مكونات جهاز التكييف. المشكلة أن التصميمات الهندسية التقليدية للمبادلات الحرارية محدودة التعقيد، بل إن التصميمات الأبسط تكون مفضلة في هذه الحالة لإبقاء التكاليف منخفضة. ويشير كايسر إلى أن وحدات التكييف ظلت بنفس الشكل على مدار الثلاثين عاماً الماضية.
تصميمات مستوحاة من الطبيعة تمثل التصميمات المعقدة اللازمة للمبادلات الحرارية الجديدة فرصاً مناسبة لكل من الذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد. في الواقع، أصبحت نماذج المبادلات الحرارية الجديدة ساحة جديدة لشركات الطباعة المعدنية التي ترغب في إظهار براعة التكنولوجيا. ويوضح كايسر أن منصة تصميم "هايبرغانيك" المعتمدة على الذكاء الاصطناعي تتيح للمهندسين صنع مبادلات حرارية ذات هياكل مختلفة جذرياً، باستخدام عناصر مستوحاة من التصميمات المعقدة الموجودة في الطبيعة، مثل الشعاب المرجانية. ومن خلال زيادة مساحة السطح المتاح وتحسين تدفق الهواء، تعزز هذه التصميمات كفاءة الطاقة في المُبادل الحراري.
قد نرى نتائج سريعة لهذه الفكرة في المستقبل القريب، لاسيما وأن "هايبرغانيك" افتتحت بالفعل مكتباً في الإمارات الشهر الماضي، ومن المقرر أن يتعاون فريقها، الذي يُتوقع أن يزداد إلى 20 مهندساً بحلول نهاية 2023، مع فرق العمل في "ستراتا" و"إي أو إس" لتنفيذ المشروع على أرض الواقع.
نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك، استمرار استخدامك للموقع يعني موافقتك على ذلك. سياسة الخصوصيةأوافقX
Privacy & Cookies Policy
Privacy Overview
This website uses cookies to improve your experience while you navigate through the website. Out of these cookies, the cookies that are categorized as necessary are stored on your browser as they are essential for the working of basic functionalities of the website. We also use third-party cookies that help us analyze and understand how you use this website. These cookies will be stored in your browser only with your consent. You also have the option to opt-out of these cookies. But opting out of some of these cookies may have an effect on your browsing experience.
Necessary cookies are absolutely essential for the website to function properly. This category only includes cookies that ensures basic functionalities and security features of the website. These cookies do not store any personal information.
Any cookies that may not be particularly necessary for the website to function and is used specifically to collect user personal data via analytics, ads, other embedded contents are termed as non-necessary cookies. It is mandatory to procure user consent prior to running these cookies on your website.