اشترك

الاستمرار بالحساب الحالي

 
 

تاريخ النشرة : 26-07-2022
يكتبها هذا الأسبوع: عمرو عوض

عندما نتحدث عن تقنيات المستقبل فإن حديثنا لا يخرج عادة عن مجموعة صغيرة من التقنيات الواعدة التي تستأثر بمعظم الاهتمام، والتي تشمل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والواقعين الافتراضي والمعزز والميتافيرس وإنترنت الأشياء والمركبات ذاتية القيادة. قد تزيد هذه القائمة قليلاً إذا أضفنا إليها مثلاً العملات المشفرة أو البلوك تشين، لكن في النهاية سنجد أن معظم استثمارات الشركات التكنولوجية -سواء الكبرى أو الناشئة- تذهب إلى هذه التقنيات، على أمل أن تتحول إحداها إلى تقنية تغير وجه العالم مستقبلاً.

أنابيب تحت الأرض
في غضون ذلك، تتوارى تحت الأرض تقنية أخرى واعدة لكنها لا تحظى بنفس القدر من الاهتمام، على الرغم من أن لديها القدرة على تغيير حياتنا ربما أكثر من بعض التقنيات التي ذكرناها سابقاً. إنها تقنية للنقل، لكننا لا نتحدث هنا عن نقل الأشخاص وإنما عن نقل السلع والبضائع، ولا نتحدث أيضاً عن النقل الجوي أو البحري أو الأرضي حتى، وإنما عن النقل تحت الأرض داخل أنابيب مفرغة.

على الرغم من أن هذه الفكرة قد تبدو غريبة للوهلة الأولى، إلا أن التمعن فيها لبعض الوقت يكشف لنا بعض أوجه النجاح المحتملة.

في الوقت الحالي، تجمع شركة ناشئة تُسمى بايب دريم لابز (Pipedream Labs) تمويلاً لتنفيذ هذه الفكرة، حيث تسعى إلى أن تكون أول شركة لوجستيات فائقة (Hyperlogistics) في العالم، عبر بناء شبكات من الأنفاق لتمكين عمليات توصيل الطرود خلال مدة تقل عن 5 دقائق عبر روبوتات توصيل.

تعكس شعارات الشركة، التي تتخذ من مدينة أوستن بولاية تكساس الأميركية مقراً لها، طموحات كبيرة للغاية، لدرجة تبدو غير واقعية، حيث تقول إنها ستجعل توصيل الطرود ممكناً خلال 30 ثانية فقط، خلال هذا العقد.

فكرة قديمة بمنظور جديد
فكرة النقل داخل أنابيب في حد ذاتها مطروحة منذ فترة طويلة، ففي عام 2020، أجرت شركة فيرجن هايبرلوب (Virgin Hyperloop) بدعم من شركة موانئ دبي العالمية، بنجاح، أول اختبار لنقل البشر بواسطة كبسولة تسير داخل أنبوب مفرغ باستخدام نظام فائق السرعة. وفي العام نفسه، أنهت "الشركة المملة" (Boring Company) التي أسسها إيلون ماسك حفر أول أنفاقها في مدينة لاس فيغاس، لتمكين التنقل السريع عبر نظام "هايبرلوب". كما فازت أيضاً بعقد لبناء نظام نقل فائق السرعة تحت الأرض يربط بين مطار أوهير الدولي بشيكاغو ووسط المدينة بطول 26 كيلومتراً.

الآن، تحاول "بايب دريم" أن تطور هذه الفكرة وبدلاً من نقل البشر تنقل الطرود بشكل أسرع وأقل تكلفة وأكثر مراعاة للبيئة وبسرعات عالية، عبر شبكة توصيل تمتد تحت أحياء المدن، وباستخدام كبسولات توصيل تعمل بالطاقة الكهربائية. بشكل مبدئي، تنشئ الشركة شبكة "ميل أوسط" (Middle Mile) لعمليات التوصيل ذات المسافات الطويلة، حيث يقوم سائقو تطبيقات التوصيل باستلام الطلبات من موقع المطعم أو المتجر ثم يقومون بتسليمها في أقرب منفذ أو بوابة تابعة لـ "بايب دريم". بعد ذلك تنقلها الروبوتات الموجودة تحت الأرض عبر المدينة إلى أقرب بوابة للمستهلك، ليستلمها سائق توصيل آخر وينقلها في "الميل الأخير" فقط.

يشير كبير مسؤولي التكنولوجيا في الشركة كانون ريفز، إلى أن لديهم رؤية لتوصيل المنتجات في نهاية المطاف مباشرة إلى منازل المستهلكين. ويضيف أنهم سيطورون نوعاً جديداً من الأجهزة المنزلية أطلقوا عليه اسم (Home Portal) من شأنه أن يتيح "توصيل البقالة والطعام والطرود بسعر منخفض وسريع وصديق للبيئة".

في الواقع، تبدو أفكار المؤسس المشارك ورئيس العمليات في الشركة درو بيلكوك -التي عبر عنها في مقابلة العام الماضي- منطقية، حيث يرى أنه "لا يمكن أن تكون الطائرات المسيرة هي البنية التحتية الأساسية لعمليات التوصيل، لأنه إذا فكرت في كمية الأشياء التي يتم توصيلها، ستتم تغطية السماء حرفياً بطائرات مسيرة. كما أن إرسال شيء باستخدام طائرة مسيرة رباعية المراوح يستهلك 25 ضعف الطاقة التي يستهلكها نقلها عبر روبوت صغير على الأرض".

نموذج أولي حقيقي
في سلسلة طويلة من التغريدات على موقع تويتر، يشرح لنا ريفز بالتفصيل ما قامت الشركة ببنائه في مشروعها حتى الآن بعدما جمعت 1.6 مليون دولار في جولة تمويل تمهيدية، قائلاً إن الروبوتات الخاصة بها تنتقل عبر المدينة في أنبوب يبلغ قطره 30 سنتيميتر تقريباً، وتبلغ السرعة القصوى للروبوت 177 كيلومتر في الساعة نظرياً. لكن من الناحية الفعلية، لن تتمكن الروبوتات من الانطلاق بهذه السرعة لأنها لا تزال بحاجة إلى الإبطاء من أجل المنعطفات. ومع ذلك، فإنها ستظل أسرع من السيارات نظراً لأنها لا تحتاج إلى تجنب الازدحام فوق سطح الأرض.

وتقول الشركة إن كبسولاتها ذكية بطبيعتها، إذ يمكنها التنقل في جميع أنحاء الشبكة باستخدام القيادة الذاتية، تماماً مثل طائرة مسيرة أو سيارة ذاتية القيادة، مع فارق أن البيئة التشغيلية هنا أبسط وأكثر أماناً.

تقسّم الشركة الروبوت إلى قسمين حتى يتمكن من زيادة حجم الحمولة والانعطاف في الأماكن الضيقة (للتقريب، الأمر يشبه شاحنة تجر مقطورة). يحتوي القسم الأمامي (الشاحنة) على الإلكترونيات ومحرك القيادة والبطاريات، بينما الجزء الخلفي (المقطورة) يحتوي على كبسولة قطرها 10.8 بوصة (حوالي 27 سم) وطولها 18 بوصة (حوالي 45 سم)، يمكن نزعها من مكانها لإخراج الشحنة.

تنطق الرحلة حالياً بسرعة حوالي 96 كم، وعندما تصل إلى وجهتها يُفتح الباب ويظهر صندوق الشحن، ما يسمح لشخص ما باستلام طلبه. (لو لم تتمكن من تخيل شكل الروبوت وكيفية تحركه حتى الآن، فمن الأفضل أن تشاهد هذه الصور ومقاطع الفيديو التي تقول الشركة إنها لنماذج أولية حقيقية وليست صوراً منشأة بالحاسوب).

كما توضح "بايب دريم" أن نظامها الكهربائي بالكامل يجعل عمليات التوصيل أقل ثمناً مع تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن استخدام المركبات التقليدية، كما يجعل المدن أكثر هدوءاً وأماناً ويقلل حركة المرور.

في النهاية، حتى لو كانت هذه التقنية لا تزال مجرد حلم يصعب تحويله إلى واقع فوراً، إلا أنها تتيح لنا إلقاء نظرة خاطفة على ما قد يصبح عليه مستقبل تقنيات نقل البضائع في المدن. ومن يدري، ربما نشهد اليوم الذي نطلب فيه الطعام فيصل فعلاً إلى منازلنا خلال 30 ثانية.


بعض مقالاتنا عن العلوم والتكنولوجيا هذا الأسبوع:
(منصة إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية)
(منصة إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية) 
(منصة بوبيولار ساينس - العلوم للعموم)
(منصة بوبيولار ساينس - العلوم للعموم)
Facebook
 
Twitter
 
Linkedin
 
Youtube
 
Instagram