اشترك

الاستمرار بالحساب الحالي

Preview
 
 

تاريخ النشرة : 07-06-2022
تكتبها هذا الأسبوع: نجوى بيطار

حين يموت أحدهم في هذا الزمان، وفي كل زمان، جرت العادة على القول: "إن عمره قد نفد". والعمر هنا تعني الزمن.
فماذا لو أصبح كل ما في حياتنا يُدفع ثمنه بالزمن؟ أليس الطرح واقعيّاً؟ ألا ندفع ثمن كل ما نقوم به بالزمن؟
في فيلم In Time تجد الفكرة طريقها إلى المشاهد ضمن مشاهد دستوبية رمادية مصمتة، لا لون فيها، جافة حدّ الصدمة ببديهية الطرح وسوداويته، فالجميع يركض أملاً بدقائق إضافية في هذه الحياة.

ابتسم الآن قليلاً؛ فالتكنولوجيا لم تقف موقف المتفرج الذي كنْتُه البارحة وأنا أشاهد الفيلم الكئيب! لقد خطت خطوات فعلية في المجالات التي تدعم إطالة الحياة، فأصبح لدينا فرع متخصص بالتكنولوجيات التي تهدف إلى تحسين حياة البشر وإطالتها، وبين الفينة والأخرى، نجد طرحاً من قبيل "تكنولوجيا للعيش إلى الأبد".

ما الذي يجب أن نفعله لنعيش طويلاً؟ ببساطة يجب أن نؤخر الموت. كيف ذلك؟ إنها الصيانة والرعاية التي نوليها لأعضاء جسمنا فتعمل معاً لتبقينا على قيد الحياة أطول فترة ممكنة. أما آخر ما توصلت إليه صيحات التكنولوجيا الحيوية في هذا المجال فتتجلى بالتالي:

الأبحاث على الخلايا الجذعية
انقسام الخلايا الجذعية غير محدود، ويمكنها أن تتمايز إلى أشكال مختلفة من خلايا الجسم. واليوم، يعمل الباحثون على برمجة هذه الخلايا في المختبرات لتتمايز مشكلةً نوعاً مستهدفاً من الخلايا. وهنا تأتي التكنولوجيا الحيوية لتؤدي دورها، يكفي أن نتخيل كيف سيتغير شكل حياة أحد المصابين بأمراض أو إصابات العمود الفقري التنكسية إن تمت برمجة خلايا جذعية مستزرعة في المختبر لتصبح خلايا فقارية ومن ثم زُرعت في جسم المُصاب. النتائج لن تقتصر على الجانب الحركي، بل ستمتد لتشمل الجوانب المعرفية والإدراكية. نوعية الحياة ذاتها ستتأثر.

مشروع الجينوم البشري
تم الإعلان عن إتمام جزء من مشروع الجينوم البشري في عام 2003، وكان قد حدد 92% من الجينات البشرية. أمّا الآن فقد أكمل علماء الوارثة ما بدؤوا به منذ سنوات عدة وحلّوا لغزاً كان قد صَعُب عليهم لما يقارب عقدين من الزمن بسبب القيود التكنولوجية، حيث أكمل العلماء وضع تسلسل الـ 8% الباقية، وبذلك تم الانتهاء من تسلسل الجينوم البشري بالكامل.

يتم تشخيص الأمراض والاضطرابات الوراثية عادةً من خلال دراسة تسلسل الحمض النووي، إذ يستخدم علماء الوراثة جهازاً يعرض تسلسلاً معيناً من الحمض النووي، ويقارنون هذا التسلسل بآخر سليم بالعودة إلى الجينوم المرجعي. وهي مادة علمية للبحث في الأمراض الجينية والوراثية، على أمل الحد منها وتحقيق فوائد وتشخيصات أكثر موثوقية مستقبلاً.

علاجات السرطان النوعية (المُستهدفة)
تُعد العلاجات الكيميائية المُتاحة حاليّاً للسرطان شديدة السًمية بالنسبة للخلايا السليمة. أما علاجات السرطان المُستهدفة فهي تعمل إما بالتداخل مع وظيفة العضو المُستهدف، أو من خلال استهداف خلايا سرطانية محددة. أما ما تعد به التكنولوجيا الحيوية مستقبلاً، فهي علاجات مخصصة لكل مُصاب. وبعضها قد بدأ فعلاً.

الواقع المعزز والافتراضي والتصوير ثلاثي الأبعاد في العمليات الجراحية
أتاحت التكنولوجيا الحيوية للأطباء مشاهدة ثلاثية الأبعاد لداخل الجسم البشري عبر التصوير بالأشعة المقطعية أو بالرنين المغناطيسي. كما أتاح الواقع المعزز والافتراضي تمثيلاً واقعياً لمجرى العمليات الجراحية ولسير الأدوية في الجسم. وقد يُصبح استخدام الواقع الافتراضي والمعزز في صلب الممارسات الطبية بما يوفرانه من تقليل الخطورة على المريض، وتوقعات أفضل متعلقة بسير العمليات قبل إجرائها. ناهيك عن عرض المعلومات المتعلقة بكل عضو في الجسم مباشرة فوقها، دون الحاجة لخطوات بحث إضافية.

لقاح مضاد لفيروس الورم الحليمي البشري
يسبب هذا الفيروس سرطان عنق الرحم بنسبة كبيرة، وهو ثاني السرطانات المسببة للوفاة عند النساء بعد سرطان الثدي، بحصيلة تصل إلى 275 ألف وفاة سنوياً. لذا يعد التوصل إلى لقاح لفيروس الورم الحليمي البشري إنجازاً طبيّاً. وقد وصلت نسبة التلقيح بين المراهقات في الولايات المتحدة الأميركية إلى 77% مع نهاية عام 2020. والعمل جارٍ لإيصال هذا اللقاح إلى جميع أنحاء العالم، مع تحسين أكبر له.

عمليات زراعة الوجه
تُستخدم في هذه العمليات طعوم جلدية لاستبدال أجزاء من وجه المريض أو كله، وقد جرت أول عملية زراعة للوجه في فرنسا عام 2005، تلتها بعد ذلك بخمس سنوات عملية زراعة وجه كاملة. فقد حصل المريص على أنف وشفتين وأسنان وخدين في عملية استمرت 24  ساعة.

تقنية كريسبر
أو المقص الجيني، تعمل هذه التقنية على تحرير الجينات، وهي تقنية واعدة في القضاء على بعض الأمراض الجينية، ويمكن للباحثين الآن رصد الطفرات الجديدة وتعديلها لتحديد العلاج المستهدف. ويبدو  أنها ستحقق الكثير والكثير على مستوى العيوب الجينية، إنها تعد بالقضاء على الأمراض الوراثية وتجنب أمراض بتحرير الجينات المسببة لها.

الطباعة ثلاثية الأبعاد للأعضاء
تحسنت صناعة الأطراف الصناعية كثيراً، لكن التقدم في الطباعة ثلاثية الأبعاد والتكنولوجيا الحيوية، نقل هذه الصناعة إلى أبعاد أخرى، فقد أصبح من الممكن اليوم بناء أعضاء داخلية بالطباعة ثلاثية الأبعاد، كالقلب والكليتين والكبد (تذكر أنها تُدعى أعضاء نبيلة). وقد يتمكن الأطباء من زراعتها في الجسم لتعمل بنجاح.

تجديد الأعصاب
لطالما اعتُبرت الأمراض العصبية التنكسية وإصابات الحبل الشوكي غير عكوسة. إلا أن الباحثين حققوا خطوات هائلة في تركيب إنزيمات تحث على تجديد ونمو الخلايا العصبية المتضررة. فهناك ما يُسمى بالنيروتروفينات، وهي بروتينات تعزز تطور الأعصاب، وتتألف من تسلسل من سلاسل جزيئية صغيرة لها خصائص تغذية عصبية فعالة. وعلى الرغم من أن لها بعض القصور الذي تعانيه البروتينات،  لكن العلماء يجدون فيها سبيلاً ممكناً لإعادة تجديد الأعصاب.

تحويل الإشارات الدماغية إلى كلام مسموع
يسعى العلماء إلى إنتاج أجهزة تحول الإشارات الدماغية إلى كلام مسموع باستخدام المركبات الكلامية (ليست تلك التي أوصلت لنا أفكار هوكينغ).. سيكون هذا الإنجاز بمثابة أداة تغير حياة المصابين بالشلل والذين فقدوا قدراتهم الكلامية، كما وجد العلماء أن من شأن هذه الأجهزة أن تعزل المصادر المسببة لنوبات الصرع لدى مرضى الصرع.

قد ننظر إلى بعضٍ مما سبق وذُكر في القائمة على أنه خيال علمي، لكن الكثير مما سبق يجري العمل عليه على قدمٍ وساق، وقد تكون الصيحة التالية في عالم التكنولوجيا الحيوية هي الانتقال الفعلي إلى الأبحاث التي تجعل خلايانا تعيش للأبد. لكن، لا أحد يجب أن يعيش إلى الأبد. إلا أن سنوات إضافية في حياتنا لن تضر، وهنا تذكر: "لا تقضيها كلها في الركض" فلحظة تأمل أو هدوء قد تفتح آفاقاً جديدة أمامك.


بعض مقالاتنا عن العلوم والتكنولوجيا هذا الأسبوع:
Facebook
 
Twitter
 
Linkedin
 
Youtube
 
Instagram