اشترك

الاستمرار بالحساب الحالي

Preview
 
 

تاريخ النشرة : 31-05-2022
يكتبها هذا الأسبوع: وسام شاهين

بشر يعلمون بشراً
هدية العيد لأطفالي كانت مكعب روبيك. لا أعلم كيف اعتقدت أن لعبة تحتمل أكثر من 43 كوينتيليون احتمال (43 وامامه 18 صفراً!) قد تكون ممتعة لطفلة عمرها 7 أعوام وأخيها البالغ 5 أعوام! إذ بعد 5 دقائق بالضبط، فقد المكعب بريقه بالنسبة لهما وانتقل بين يدي إلى ما يسميه الفرنسيون (Casse-Tete)، أو أحجية تسبب الصداع.

بالطبع، هناك خوارزميات محددة طورها اللاعبون تساعدك في علاج هذا الصداع، وقد تناولنا إحداها في مقالة "كيف تحل مكعب روبيك بخطوات بسيطة وسهلة؟". هذه الخوارزميات كانت نتيجة لتراكم خبرات وأساليب بشرية توصلت في نهاية المطاف إلى أفضل وأسرع الطرق لحلّ المكعب. وبعد أن استخدمتُها في حل المكعب، نجح الطفلان في محاكاة ما أفعله وتمكنوا حتى الآن من حلّ وجه واحد من أوجه المكعب مع مساعدة بسيطة.

ذكاء اصطناعي يعلم نفسه بنفسه
نحن البشر نتميز بقدرتنا على نقل المعرفة من جيل إلى جيل ومن شخص إلى آخر، وتمثل هذه القدرة المسماة التطور الثقافي التراكمي أحد أهم وسائل تطور الذكاء البشري. وفي حين ينصب تركيز العديد من الباحثين على محاكاة هذا الذكاء في جهودهم لتطوير الذكاء الاصطناعي العام، هناك تيار آخر يرى أنه ينبغي العمل على "محاكاة عملية إنتاج الذكاء" بدلاً من محاولة محاكاة الذكاء في حدّ ذاته. على سبيل المثال، طور مختبر أوبن إيه آي قبل عامين يداً روبوتية علَّمت نفسها كيفية حل مكعب روبيك باستخدام خوارزمية تعلم معزز، وهي تقنية تستقي نماذجَها من الطريقة التي تتعلم بها الحيوانات. في مثال آخر، يعمل باحثون على تطوير ذكاء اصطناعي يعلم نفسه بنفسه عبر أسلوب التجربة والخطأ دون الاعتماد على أي خبرات بشرية كمدخلات. ومن شأن هذه الطريقة أن تمهد الطريق لاكتشاف أنواع مختلفة من الذكاء: الذكاء غير البشري الذي يستطيع إيجاد حلول بطرق غير متوقعة، وربما يكون مكمِّلاً لذكائنا بدلاً من استبداله.

يتمثل أحد الجوانب الرائعة للذكاء الاصطناعي في قدرته على إيجاد حلول لم يكتشفها البشر، في قدرته على مفاجأتنا. ومن الأمثلة على ذلك نظام ألفاجو الذي تغلب على أفضل اللاعبين البشر في لعبة جو من خلال اتباع إستراتيجيات غريبة الطابع. بعد مئات السنين من دراسة كبار اللاعبين البشر لإستراتيجيات اللعبة، نجح الذكاء الاصطناعي في الإتيان بحلول لم يفكر فيها أحد من قبل.

خوارزميات تُعلّم البشر
ماذا لو كانت المرحلة التالية من تطورنا تعتمد على هذه الحلول المفاجئة والمبتكرة التي تكتشفها الخوارزميات ولم تخطر على بال البشر؟
ماذا لو أصبح نقل المعرفة يتدفق في اتجاه معاكس لكل الماضي: من الخوارزمية إلى الإنسان؟ ماذا لو تعلم الإنسان الإستراتيجيات التي يستخدمها الذكاء الاصطناعي، تلك الإستراتيجيات المنفصلة عن أي معرفة بشرية سابقة، لحل ليس فقط مكعب روبيك أو لعبة جو، وإنما لمواجهة التحديات التي تواجه جنسنا؟

في دراسة حديثة رائدة، شارك فيها إياد رهوان، مؤسس ومدير مركز أبحاث الإنسان والآلة في معهد بلانك للتنمية البشرية بألمانيا، والذي تم اختياره ضمن قائمة إم آي تي تكنولوجي ريفيو هذا العام لأبرز شخصيات الذكاء الاصطناعي العرب، درس الباحثون أداء سلاسل نقل المعرفة بين الخوارزميات واللاعبين البشر في لعبة مصممة بعناية لرصد سلوكيات البشر في تبني إستراتيجيات العملاء الافتراضيين. حيث يقوم لاعبون بشر باتخاذ خطوات لتحديد المسار الأمثل بين عقدتين في شبكة مكونة من 6 عقد، بعضهم يقومون بذلك بعد مراقبة أداء خوارزمية في حل اللعبة. إذ يقوم اللاعب البشري بنسخ أسلوب الخوارزمية التي سبقته، لكن "نقل المعرفة" هذا يضعف بعد توالي بضع لاعبين بشر في ممارسة اللعبة. وتوصل الباحثون إلى أن الخوارزميات تعزز أداء المشاركين البشر على المدى القصير، لكن اكتساب هذه المعرفة يتلاشى بعد عدة مراحل.

بكلمات أخرى، في حين تلعب الإنترنت والكتب دور الوسيلة لنقل المعرفة، فإن الذكاء الاصطناعي والخوارزميات قد تلعب دوراً كبيراً في عمليات التطور المعرفي والثقافي عبر تفاعل البشر معها. بل قد تبنى الحضارة البشرية مستقبلاً على حلول وأساليب طورتها الخوارزميات وليس البشر!


بعض مقالاتنا عن العلوم والتكنولوجيا هذا الأسبوع:
Facebook
 
Twitter
 
Linkedin
 
Youtube
 
Instagram