تاريخ النشرة : 24-05-2022 يكتبها هذا الأسبوع: عمرو عوض ظل الملياردير الشهير إيلون ماسك يثير البلبلة على موقع تويتر طوال الشهر الماضي، بعدما انتقد في البداية الشركة التي تديره، ثم حاول السيطرة عليها "عنوة". وقد بدا أنه نجح في مهمته قبل أن يتراجع في منتصف الطريق ويعلن الحرب على الجميع: مجلس إدارة الشركة والحزب الديمقراطي والإدارة الأميركية وحتى اللجنة المسؤولة عنمؤشر "ستاندارد آند بورز 500"، متسبباً في خسائر فادحة لشركاته -وخصوصاً تسلا- ولشركة تويتر نفسها ولصغار المستثمرين في مجال التكنولوجيا عموماً.
لكن هذا ليس موضوعنا اليوم على كل حال...
بعيداً عن الصخب الذي يثيره ماسك أينما حل ومتى تكلم، وفي أحد أرجاء الإنترنت الفسيحة اشتعلت معركة أخرى أقل شهرة لكنها أكثر حدة، دارت رحاها بين مجموعة من العلماء والباحثين المختلفين فيما بينهم حول ما إذا كنا على مشارف الوصول إلى عصر"الذكاء الاصطناعي العام" (AGI)، أو ما يفضل البعض تسميته "الذكاء الاصطناعي ذو المستوى البشري" (HLAI). وعلى عكس الرصانة المعهودة من العلماء، شهدت هذه المعركة سخرية ومحاولات تقليل من شأن الأفكار المخالفة، وتشجيعات حماسية من الأنصار والمتابعين.
بدأ الأمر يوم 12 مايو الجاري، عندما نشرت شركة ديب مايند (DeepMind) خبراً على موقعها حول تطويرنظام ذكاء اصطناعي متعدد الوسائط أطلقت عليه اسم جاتو (Gato) وقالت إنه قادر على أداء أكثر من 600 مهمة مختلفة. ومستفيدة من التطورات التي شهدها مجال النمذجة اللغوية مؤخراً، أوضحت الشركة -التابعة لألفابت- أن جاتو هو وكيل عام "متعدد الوسائط، متعدد المهام، متعدد التجسيدات"، إذ يمكنه الدردشة ولعب الألعاب الإلكترونية، وتقديم شروح نصية للصور، والتحكم في ذراع روبوتية. كل هذا بنفس الشبكة العصبونية وبنفس الأوزان. وقد تم تدريب جاتو على العديد من مجموعات البيانات، بما فيها مجموعات بيانات لغة طبيعية ومجموعات للصور، بالإضافة إلى الخبرات التي اكتسبها الوكيل في كل من بيئات العالم الواقعي والمحاكاة.
في اليوم التالي مباشرة، نشر موقع (The Next Web)مقالة وصفت جاتو في مقدمتها بأنه "أكثر مجموعات أدوات التعلم الآلي الشاملة إثارة للإعجاب في العالم حتى الآن". لكن هذا كان فخاً على ما يبدو، لأن باقي المقالة وجهت انتقادات لاذعة للنظام ولشركة ديب مايند نفسها -وحتى لشركة أوبن إيه آي (OpenAI) التي لا ناقة لها ولا جمل- باعتبار جاتو اتخذ طريقاً مسدوداً نحو الذكاء الاصطناعي العام، تماماً كما فعل نموذج جي بي تي-3 (GPT-3) من قبل. اعتبر الموقع أن قدرة جاتو على أداء مهام متعددة تبدو أقرب لقدرة وحدة تحكم ألعاب الفيديو على تخزين 600 لعبة مختلفة، أكثر من كونها لعبة يمكنك لعبها بـ 600 طريقة مختلفة. الخلاصة أنه ليس ذكاءً اصطناعياً عاماً، بل مجموعة من النماذج الضيقة المدربة مسبقاً والمجمعة بدقة.
سرعان ما أثار هذا الكم من الانتقادات حفيظة ناندو دي فريتاس الباحث الرئيسي في قسم الذكاء الاصطناعي بشركة ديب مايند، وأستاذ علوم الحاسوب في جامعة أكسفورد، الذي اعتبر أن"اللعبة قد انتهت" وأن كل ما نحتاجه هو توسيع نطاق مثل هذه الأنظمة فقط للوصول إلى ذكاء اصطناعي قادر على منافسة الذكاء البشري. ولم ينس دي فريتاس أن يضيف لهجة تهكمية على الرأي الوارد في المقالة باعتباره "وجهة نظر أحدهم" متجاهلاً اسم الكاتب واسم الموقع. أظهرت التعليقات على تغريدات الباحث الاختلافات الواسعة بين علماء الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي حول كيفية الوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام والأهم هو اختلاف فهمهم لهذا النوع من الذكاء.
الرد الذي جذب انتباهي جاء في مقالة كتبها غاري ماركوس، أستاذ علم النفس في جامعة نيويورك والمؤسس والرئيس التنفيذي السابق لشركة التعلم الآلي (Geometric Intelligence) التي استحوذت عليها أوبر. يرى ماركوس أن قسماً كبيراً من باحثي الذكاء الاصطناعي الحاليين، أو على الأقل أولئك الذين يتولون السلطة حالياً، لا يهتمون بفرضية أنه ينبغي للذكاء الاصطناعي أن يستلهم الذكاء الطبيعي. وبدلاً من ذلك، ينصب تركيزهم على ما يسميه"الذكاء البديل" (Alt Intelligence). ولا يهتم الذكاء البديل ببناء آلات تحل المشكلات بطرق مستوحاة من الذكاء البشري، وإنما باستخدام كميات هائلة من البيانات -التي تكون مستمدة في الغالب من السلوك البشري- كبديل للذكاء. وفي الوقت الحالي، الفكرة السائدة داخل الذكاء البديل هي فكرة توسيع النطاق: كلما كان النظام أكبر، كلما اقتربنا من الذكاء الحقيقي وربما من الوعي. يهاجم ماركوس "الغطرسة" التي يبديها "نجوم الذكاء الاصطناعي" الحاليون، و"الرفض والتجاهل والسخرية" التي تشوب تعاملهم مع فكرة الإدراك البشري، ومع الباحثين في هذا المجال. كما وجه انتقاداته إلى دي فريتاس -الذي وصفه بالمدير التنفيذي اللامع في ديب مايند "جناح الذكاء الاصطناعي اليميني المبجل في ألفابت"- بشكل مباشر بسبب جملة "انتهت اللعبة"، متعجباً من أن عقله يصور له أنه تم بالفعل حل التحديات الأكثر صعوبة في الذكاء الاصطناعي.
لا يزال السجال بين العلماء مستمراً حتى لحظة كتابة هذه السطور، لكن المشاركة التي لا يمكن إغفالها قبل إنهاء هذه المقالة جاءت من يان ليكون، نائب رئيس شركة ميتا وكبير علماء الذكاء الاصطناعي فيها، والذي اعتبر أن هناك "حقائق" لا بد من ذكرها، منها أنه لا يوجد ما يسمى بالذكاء الاصطناعي العام، وأن المجتمع البحثي يحرز بعض التقدم للوصول إلى "الذكاء الاصطناعي ذو المستوى البشري"، كما أن توسيع نطاق النماذج يساعد لكنه غير كافٍ لأننا ما زلنا نفتقد بعض المفاهيم الأساسية. ويبدو "إعجاب" مارك زوكربرج الرئيس التنفيذي لميتا بهذا المنشور على موقع فيسبوك دليلاً ضمنياً على اتفاقه في الرأي مع نائبه ليكون.
نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك، استمرار استخدامك للموقع يعني موافقتك على ذلك. سياسة الخصوصيةأوافقX
Privacy & Cookies Policy
Privacy Overview
This website uses cookies to improve your experience while you navigate through the website. Out of these cookies, the cookies that are categorized as necessary are stored on your browser as they are essential for the working of basic functionalities of the website. We also use third-party cookies that help us analyze and understand how you use this website. These cookies will be stored in your browser only with your consent. You also have the option to opt-out of these cookies. But opting out of some of these cookies may have an effect on your browsing experience.
Necessary cookies are absolutely essential for the website to function properly. This category only includes cookies that ensures basic functionalities and security features of the website. These cookies do not store any personal information.
Any cookies that may not be particularly necessary for the website to function and is used specifically to collect user personal data via analytics, ads, other embedded contents are termed as non-necessary cookies. It is mandatory to procure user consent prior to running these cookies on your website.