اشترك

الاستمرار بالحساب الحالي

Preview
 
 

تاريخ النشرة : 26-04-2022
يكتبها هذا الأسبوع: عمرو عوض

قد تكون قصة هزيمة بطل العالم الأسبق في الشطرنج غاري كاسباروف، عام 1997، في سلسلة مبارياته الثانية ضد حاسوب "آي بي إم"، المعروف باسم ديب بلو، مألوفة لدى الكثيرين. فقد حظيت بتغطية عالمية باعتبارها كانت "المعركة الأخيرة للدماغ البشري"، حتى إن صحيفة الجارديان البريطانية اعتبرت -في افتتاحيتها عقب هزيمة كاسباروف في أول مباراة عام 1996- أن هذه اللحظة تشكل علامة فارقة في تقدم الذكاء الاصطناعي، وأنها مسألة وقت فقط قبل ابتكار حاسوب لا يهزم، وهو ما حدث بالفعل في العام التالي.

على الرغم من مرور ربع قرن على هذه الحادثة، وعلى الرغم من التطورات الهائلة التي شهدتها الحواسيب خلال هذه الفترة وموجات التسونامي التي غمرت بها البشر وحياتهم وحضارتهم، إلا أن معظمنا لا يزال يعتقد في قرارة نفسه أن وصول هذه الأنظمة إلى مرحلة الخطر عموماً لا يزال أمراً مستقبلياً، فالعلماء يتحدثون عن وصول الحواسيب الفائقة (Supercomputers) إلى مستوى الدماغ البشري منذ عشرات السنين، ومع ذلك لم نر شيئاً عملياً بعد على أرض الواقع يمكن أن نقارنه مثلاً بما تتنبأ به قصص وأفلام الخيال العلمي، كأن تحاول قتل البشر والسيطرة عليهم كما فعل نظام الذكاء الاصطناعي (VIKI) في فيلم "أنا روبوت" (I Robot) مثلاً، أو تحقق وعياً ذاتياً وتمتلك روح الدعابة كما فعل الحاسوب "هولمز الرابع" في رواية "القمر عشيقة قاسية" (The Moon Is a Harsh Mistress).

ومع ذلك، فالمتابع الجيد سيلاحظ أن ثمة توجه بدأ يتضح مؤخراً للتخلي عن الأنظمة ذات الاستخدامات الفردية وتلك المخصصة لأداء المهام ضيقة النطاق، لصالح الأنظمة المعقدة متعددة الاستخدامات، التي تستهدف معالجة المعلومات بكفاءة عالية في استخدام الطاقة وتتمتع بالقدرة على التعامل مع خليط من البيانات غير المهيكلة. ولعل أبرز الأمثلة على هذا النوع نموذج جوجل الموحد متعدد المهام (MUM) ووكيل (ديب مايند) التفاعلي متعدد الوسائط "ميا" (MIA).

يأمل العلماء أن يؤدي دمج نماذج الإحساس واللغة معاً إلى تطوير نوع أكثر قوة قادر على التكيف مع المواقف والمشكلات الجديدة بسهولة أكبر؛ وبالتالي تحقيق الذكاء الاصطناعي متعدد المهام (MULTI-SKILLED AI)، الذي يُعد خطوة مهمة على طريق تطوير أدمغة حاسوبية أو أدمغة اصطناعية (Artificial brain) هدفها الاقتراب من مستوى القدرات الإدراكية الموجودة في الأدمغة البشرية أو الحيوانية أو على الأقل أدمغة الحشرات الأقل تعقيداً.

وبعيداً عن التجارب الأميركية في هذا المجال التي تكتسب شهرة واسعة لحظة إطلاقها، فإن إحدى المحاولات التي قد نسمع عن نتائجها قريباً هي المبادرة التي تمولها الحكومة السلوفاكية، بدعم من الاتحاد الأوروبي، لبناء آلة ذكاء اصطناعي تبلغ قوتها الحوسبية 64 إكسافلوب (أي تقوم بـ 64 كوينتليون عملية ذكاء اصطناعي في الثانية) بحلول نهاية عام 2022، وهو طموح إذا ما تحقق سيمكن سلوفاكيا والاتحاد الأوروبي من الوصول -لأول مرة في تاريخ البشرية- إلى حاسوب ذكاء اصطناعي فائق بمستوى الدماغ البشري. وفي الوقت نفسه، تراقب ما يقرب من 12 دولة أخرى هذا المشروع عن كثب، مع الاهتمام بتكرار هذه التجربة في بلدانهم.

وعلى بعد مئات الكيلومترات فقط من سلوفاكيا، قد تصبح مدينة دريسدن الألمانية مقراً للحاسوب سبيناكر 2 (SpiNNaker 2)، أول حاسوب فائق يمكنه محاكاة شبكات بحجم الدماغ في الوقت الفعلي. وقد تم تطوير الحاسوب ضمن مشروع الدماغ البشري (HBP) المدعوم أيضاً من الاتحاد الأوروبي، بواسطة جامعة دريسدن التقنية وجامعة مانشستر. وقد تصميم سلفه "سبيناكر" لمحاكاة وظائف الدماغ البشري، حيث قام بنمذجة وظائف دماغ فأر في الوقت الفعلي. لكن من أجل نمذجة وظائف الدماغ البشري، سيحتاج الحاسوب إلى 1000 ضعف القوة الحاسوبية الحالية.

الأمر بالطبع ليس بهذه السهولة، خاصة وأن هذه الأفكار الطموحة والأحلام البراقة لا تعني بالضرورة النجاح في فهم الآليات البيولوجية المعقدة للأدمغة. لكن ما يثير القلق في كل مرة أفكر فيها في هذا الموضوع هو ما الذي سيحدث عندما تصل قدرات المعالجة الحاسوبية إلى مستوى الدماغ البشري، وما الذي ستفعله أول جهة تتمكن من فك تشفير إشارات الدماغ وترجمتها إلى أوامر حاسوبية. بالتأكيد سنرى فوائد واسعة، خاصة في أساليب العلاج والرعاية الصحية، لكن سباقات التسلح بالذكاء الاصطناعي الحالية التي تخوضها الولايات المتحدة والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي تطرح مخاوف جدية حول كيفية استغلال مثل هذه التطورات في المستقبل.



بعض مقالاتنا عن العلوم والتكنولوجيا هذا الأسبوع:
Facebook
 
Twitter
 
Linkedin
 
Youtube
 
Instagram