اشترك

الاستمرار بالحساب الحالي

Preview
 
 

تاريخ النشرة : 08-03-2022
تكتبها هذا الأسبوع: نجوى بيطار

لعل E=mc2 هي المعادلة الأشهر في تاريخ العلم، وهي نتاج عمل أينشتاين على نظريته النسبية، ومن خلالها أدرك إلى جانب فيزيائيين آخرين أنه يمكن تصنيع القنابل النووية من الذرات المنشطرة، وكتب الرسالة المصيرية إلى الرئيس الأميركي آنذاك، فرانكلين دي روزفلت، يحثه على بناء قنبلة ذرية قبل هتلر، الذي بدأت تنتشر أقاويل بإمكانية امتلاكه التكنولوجيا اللازمة لتصنيعها.

أُسقطت القنبلتان الذريتان بعد ذلك على هيروشيما وناغازاكي، بإيعاز من الرئيس الأميركي هاري ترومان، متذرعاً بأن ذلك كان الوسيلة الأخيرة لإنهاء الحرب العالمية الثانية عبر إجبار اليابان على الاستسلام.

لن نستطيع القول "بعيداً عن الكوارث والمآسي التي سببتهما هاتان القنبلتان"، إذ لا يقترن مع ذكر القنابل الذرية وكل ما يتعلق بالطاقة النووية سوى مشهد سحابة الفطر المشؤومة، والحرائق، والدمار، وغيرها. لكننا هنا ننسى أمراً مهماً للغاية، وهو طيف واسع من استخدامات الطاقة النووية التي غيرت حياتنا، لا لعيب فيها، بل لأننا نهوى الدراما التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بآلامنا ومشاعرنا، التي هي صنيعتنا في النهاية، فنبخس الكثير مما يجعل من حياتنا أفضل حقه، والمفارقة المضحكة، أن ذلك يتم طواعيةً منا.

استخدامات مفيدة للطاقة النووية لابد من التذكير بها
يمكن أن تُستخدم الطاقة النووية في توليد الكهرباء، وهي تعد مصدراً نظيفاً للطاقة، وأعلى كفاءة من حرق الوقود الأحفوري، على الرغم من أن المفاعلات المطلوبة للاستخدام في توليد الطاقة الكهربائية تتطلب تكنولوجيا عالية، لذا نجد أن هذه المعامل تتوضع بشكل أساسي في بلدان العالم المتقدمة.

في الزراعة، تُستخدم الطاقة النووية لمنع الحشرات الضارة من التكاثر، فتقل أعدادها، ويرتفع مستوى حماية المحاصيل الزراعية من الآفات، وبذلك يزداد إنتاجها. كما يمكن تعقيم المحاصيل الزراعية والطعام باستخدام الطاقة النووية (وهنا لن نخوض في التقنية ذاتها وسنكتفي باستخدام التعبير العام "طاقة نووية"). ناهيك عن أهميتها في الكشف عن مصادر المياه، واستخدامها أيضاً لمعرفة الكيفية التي تمتص بها النباتات الأسمدة.

في الطب، لا يمكن أن نغفل دور العلاج الإشعاعي في علاج العديد من الأورام السرطانية التي كانت تفتك بالبشر طويلاً، وفيه يتمكن الأطباء من تحديد كمية الإشعاع اللازم بدقة لقتل الورم السرطاني دون الإضرار بالخلايا السليمة.

ماذا أيضاً؟
في الفضاء، هل تساءلتم يوماً عن الطريقة التي تحصل بها معظم المركبات الفضائية التي أُرسلت لاستكشاف الفضاء السحيق على الطاقة؟ إذ يمد التفاعل الانشطاري للبلوتونيوم الكثير من هذه المركبات بالطاقة التي تمكنها من السير نحو وجهتها في الفضاء، بالإضافة إلى القيام بعمليات المعالجة الأساسية وإرسال البيانات إلى الأرض.

كذلك في تحلية المياه، فمشكلة توافر الإمدادات بالمياه العذبة هي مشكلة آخذة بالتصاعد، ويعاني العالم من مشكلة مياه للدرجة التي تُوصف فيها الكثير من حروبه بأنها (حروب مياه). وهنا تلعب الطاقة النووية دوراً كبيراً، حيث يمكن لمنشآت الطاقة النووية توفير الطاقة اللازمة لتحلية مياه البحر، والحصول على مياه صالحة للشرب، تسعف في نهاية المطاف في تقليل الاختناقات الحاصلة في مصادر المياه العذبة، وتقليل تلك الحروب.

التكنولوجيا أيضاً مُدانة من قبل البشر!
المضحك المبكي أننا نخترع، نبتكر، نكتشف، وحين تُفصح نزعاتنا البشرية القائمة على التنافس في كل شيء عن ذاتها، نبدأ بلوم ما صنعناه!

كان الغرض من شبكة الإنترنت توفير بنية تحتية آمنة للاتصالات أولاً، وربما لم يكن القائمون على الشبكة في بداياتها بوارد التفكير في أننا قد نصل إلى زمن تصبح فيه الحروب الدائرة في هذا الفضاء (السلكي- اللاسلكي) ذات تأثير أعم وأكبر من تلك التي تجري على أرض الواقع.

كذلك، كان الذكاء الاصطناعي يهدف في البداية إلى محاكاة كل واحدة من مختلف قدرات الذكاء بواسطة الآلات، لكن من كان يتصور أنه سيحاكي سلوكنا، فيتعلم التحيز، كما البشر. إننا نضفي على التكنولوجيات التي نبتكرها سلوكاتنا، وطبائعنا، وفي النهاية نتهمها، وكأنها هي التي تمتلك زمام المبادرة، لا نحن. نريد أن نطيل عمر أعضائنا، وأسعفتنا التكنولوجيا في ذلك، لكن من كان يتصور أن ذلك سيصب في صالح هدف كنا نراه في أفلام الخيال العلمي: الجندي السايبورغ، الذي يخوض غمار حربٍ لا يُقهر فيها، أو عوض الاتجاه إلى تحسين حياة البشر باستخدام تقنيات التعديل الوراثي، أن نتجه إلى منطق الإقصاء البيولوجي، وبأيدينا وداخل مختبراتنا!

لقد أدرك العرابون الأوائل للعلم خطورة استخدامه في غير سياقه، واليوم قد نتساءل: هل أراد نوبل التكفير عن اختراعه للديناميت بتكريسه ميراثه لمنح جائزة سنوية لعلماء تصب ابتكاراتهم في صالح البشرية؟ وهل سعى أينشتاين إلى الحفاظ على المارد النووي في القمقم بقضائه ما تبقى من حياته بعد كارثتي هيروشيما وناغازاكي في العمل على منع انتشار الأسلحة النووية؟

إن لوم العلم، والتكنولوجيات التي أنتجها، يعني أن نلوم العقل البشري على مغامرة التفكير والإدراك، والطلب منه العودة إلى الوراء. هذا غير منطقي، وغير ممكن. الأفضل أن يتبنى صناع القرار نهجاً لإدارة الأزمات بحكمة في ظل معرفة راسخة بأن البشر هم أخطر الكيانات التي شهدها الكوكب، فمن بين كل الكائنات العملاقة التي تجوب المحيط، لا خطر يهدد وجودنا كتلك الأكياس البلاستيكية والنفايات العصية على التحلل المقيمة في قاعه. والوضع لا يختلف على اليابسة، في ظل نزعة استهلاكية لا تعرف الاكتفاء، وشعارها: المزيد، والمزيد دائماً، من كل شيء، حتى الخراب.

بعض مقالاتنا عن العلوم والتكنولوجيا هذا الأسبوع:
Facebook
 
Twitter
 
Linkedin
 
Youtube
 
Instagram