فكر قليلاً، تذكر: ما عدد المرات التي أجريت فيها مقابلة عمل عبر الإنترنت مقابل عدد المقابلات التي أجريتها على أرض الواقع؟
الإجابة ليست بحاجة مصدر للتوثيق، فقد أصبحت مقابلات العمل التي تُجرى عن بعد تفوق تلك التي تُجرى على أرض الواقع، قد نعزو ذلك للجائحة، لكن مهلاً: ألم تقم الجائحة بما يشبه عملية تسريع التحولات الرقمية (حيث تلزم)، بدل الوتيرة التي كنا نسير فيها والتي ولا شك كنّا سنصلها يوماً؟
لا تعكس مقابلات العمل سوى اليسير من الفوائد الكبيرة التي تجنيها أعمال اليوم من العالم الرقمي، ولا يُقصد بالأعمال هنا أنها ممثلةً بأربابها فقط، بل ينطبق ذلك أيضاً على القوى العاملة، التي وجدت في العالم الرقمي مكاناً قد ينصف مهاراتها ويبعدها في كثير من الأحيان عن بيروقراطية المكاتب. أما الشركات وأصحاب الأعمال، فالثمرات بالنسبة لهم لا تعد ولا تحصى.
تواصل فعال مع العملاء
أكثر الأعمال فشلاً في عالم اليوم، هي تلك التي ترسم حدوداً حول العينة المحتملة لعملائها، ومهما كانت هذه الأعمال، حتى تلك التي تتطلب وجوداً فيزيائياً على الأرض. يمكن لشركات اليوم أن تضع كرة أرضية أمامها (دون مبالغة)، تختار منها عينات كثيرة، تعمل عليها، لتصبح لاحقاً السوق المقبل. وفرت مواقع الإنترنت ذلك، ومنحت البنية التحتية التكنولوجية الشركات هامشاً للتواصل مع شركات تسهل إيصال خدماتها أو تمدها بأدوات للإنتاج، كما أن التواصل الفعال مع الزبائن، يمنح الشركات فرصاً عظيمة لتحسين ما تقدمه من خدمات.
كفاءة العمليات
لا يختلف اثنان على أهمية الزمن والمساحات كأصل من الأصول التي تمتلكها الشركات، فماذا لو توفرت تلك التطبيقات والبرامج التي تجعلنا نجري عمليات محاكاة لأعمالنا ولسير تدفق الأصول المادية لدينا؟ بهذه العمليات يمكن للقائمين على العمل رصد الخلل قبل وقوعه أحياناً، ومعرفة الثغرات التي تنطوي عليها أية عملية وإصلاحها. وكل ذلك خلال زمن قياسي، وتوفير في اهتلاك المعدات والمساحات، قد لا تحتاج العملية أكثر من حيز افتراضي والتطبيقات الملائمة، ودع الخوارزميات تقوم بعملها.
ثقافة العمل
قد تغدو التراتبية التي تقوم عليها الكثير من الأعمال حاجزاً بين أعضاء الفريق الواحد، لكن تطبيقات العمل الشائعة وفرت تفاعلاً أفضل بين أعضاء الفريق. يمكنك اليوم كمدير ناجح أن توجه شكراً أو ثناءً على عمل أحد العاملين دون أن يتطلب ذلك سوى دقائق تكتب فيها بريداً إلكترونيّاً، كما لن يتطلب الأمر من العاملين تسجيل موعد لدى سكرتيرة مثلا للتواصل مع المدراء أو تقديم الشكاوى. لقد أصبح الفضاء مفتوحاً فعلاً. ناحية أخرى هي أن هذا الفضاء أصبح متعدد الجنسيات وليس حكراً على أحد. يمكنك العمل مع زملاء من أماكن كثيرة، على الصعيد البشري، سيمثل ذلك تجربة فريدة من نوعها على مستوى التفاعل الإنساني الذي كان الوصول إليه يتطلب الكثير من العناء ما لم تجعله التكنولوجيا سهلا. فكر بالجهد الكبير الذي كان يُبذل سابقاً في وضع العاملين خلفياتهم جانباً، بينما أصبح حاليّاً التمترس وراء الكثير من الاعتبارات عملاً نصفه بالتخلف. سأبقى ممتنةً طويلاً للعمل عن بعد الذي مكنته التكنولوجيا في معرفة زملاء عمل من أماكن عدة ما كنت سألتقي بهم دونها.
الخصوصية والأمان
لا يعني المجاز السابق الذي أشرنا إليه بالفضاء المفتوح أن تصبح الأمور دوغما، فلكل شركة أسرارها المهنية وعملياتها التي قد لا ترغب بالإفصاح عنها لاسيما إن كان مجال المنافسة واسعاً. لقد وفرت أدوات العمل القائمة على التكنولوجيا الكثير من الخيارات الكفيلة بجعل أي مستند أو وثيقة أو مخطط أو طريقة سير عمل سرية. تذكر: هناك الكثير من تطبيقات الحماية، والإجراءات التي يمكن أن تتخذها من داخل التطبيقات، أسهل ما يمكننا الإشارة إلى أهميته هنا هو كلمات المرور، أو القفل ببصمة الإصبع، أو بصورة الوجه. حتى الكيانات المادية، وفرت التكنولوجيات حماية لا يُستهان بها لها.
فرص عظيمة
بالاستفادة من المزايا التي قدمها لنا الويب، والسهولة التي أصبح فيها يتم الاطلاع على تجارب المنافسين وإنجازاتهم، أصبحت الأعمال غابة من الأفكار التي يحتمل أن تشق أي منها طريقها إلى الوجود بالدعم والتخطيط اللازمين. كما أصبح المجال مفتوحاً أمام العاملين أيضاً لتوسيع آفاق تطلعاتهم بشأن الجهات التي يمكنهم العمل معها، بالإضافة إلى إمكانية اكتساب مهارات عديدة تعدهم لسوق عمل محتمل واسع.
إن الاكتفاء بتعداد مساوئ التكنولوجيا دون الإشارة إلى المكاسب العديدة التي طالت الجميع منها، هو عمل لا طائل منه، لا ينبغي أن يكون ما نبحث عنه في عالم اليوم هو مساوئ التكنولوجيا أو كيف يمكننا التخلي عن كذا وكذا من منتجاتها، بل السؤال الصحيح: كيف يمكننا أن نسخر كل هذا لصالح رفاهية البشر ككل وتحسين التفاعل بين البشر من كل أنحاء العالم؟ .
