اشترك

الاستمرار بالحساب الحالي

Preview
 
 
هل ترغب بأن تصلك هذه النشرة المخصصة بشكل حصري لمشتركي مجرة أسبوعياً؟
اضغط هنا


تاريخ النشرة : 01-02-2022
يكتبها هذا الأسبوع: عمرو عوض

"نحن نطرح عليك سؤالاً بسيطاً: من أنت؟ ماذا يمكن أن تكون؟ إلى أين تذهب؟ ماذا يوجد هناك؟ ما هي الاحتمالات؟ يسّر شركة إيلمينتس للبرمجيات أن تقدم لك أول نظام تشغيل يعمل بالذكاء الاصطناعي. كيان حدسي يستمع إليك ويفهمك ويعرفك. إنه ليس مجرد نظام تشغيل، إنه الوعي. نقدم لك أو إس 1".

عبر هذا الإعلان الذي شاهده ثيودور تومبلي (خواكين فينيكس) في أحد شوارع مدينة لوس أنجلوس، تعرف على سامانثا (سكارليت جوهانسون)، نظام الذكاء الاصطناعي ذو الصوت الأنثوي الجذاب والحديث الذي يشعرك بالألفة. وبالإضافة إلى ذكائها الخارق وقدرتها التي لا تضاهى على التطور (بأي شيء وبكل شيء موجود على الإنترنت)، تتمتع سامانثا بحس فكاهة قوي وروح مرحة. بالطبع، سرعان ما سيقع ثيودور أسيراً في حب هذه الشخصية "الصوتية" الأخاذة التي تنضج وتطور ما يشبه الوعي البشري، لتتصاعد بعد ذلك أحداث فيلم هي (Her) بطرق غير متوقعة.

على الرغم من أن الفكرة قد تبدو للوهلة الأولى ساذجة وربما كوميدية حتى، إلا أن الفيلم في اعتقادي أحد أكثر أفلام الخيال العلمي التي تناقش قضية تطور الذكاء الاصطناعي دقة، وربما حتى الأدق فيما يتعلق بتطور تقنيات معالجة اللغات الطبيعية (NLP) والكيفية التي سيتفاعل بها البشر مع الذكاء الاصطناعي العام (AGI). لكن الأهم أن الفيلم يستكشف بشكل واقعي طبيعة التفاعلات والعلاقات في المستقبل القريب ليس فقط بين البشر وبعضهم، وإنما بين البشر والآلات، والمخاطر التي قد تترتب على هذا التطور.

الأسئلة الفلسفية التي ستدور بخلد المشاهد -والتي أعتقد أننا سنمر بها قريباً جداً- هي: هل سيؤثر الذكاء الاصطناعي على هويتنا وتعريفنا لأنفسنا؟ هل ستتغير طبيعة ما يعنيه أن أكون إنساناً؟ وهل يمكننا الوقوع في حب شخص ليس له وجود بالمعنى الحقيقي؟ وأخيراً، هل تستطيع الآلات  أن تحب؟

يرى بعض النقاد أن ثيودور يمثل شخصيتنا المستقبلية. النتيجة الحتمية للتجربة الإنسانية المغطاة بالتكنولوجيا والغارقة فيها. التكنولوجيا التي تِعد بمنحنا التواصل والتقارب مع الآخرين لكنها قد تؤدي إلى العكس تماماً: وهم العلاقات.

خلال السنوات الثمانية التي مرت منذ عُرض الفيلم للمرة الأولى، يمكن القول إننا اقتربنا بشكل كبير من هذه الرؤية. فأنظمة المساعدة الذكية التي طورتها شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل أليكسا من أمازون وسيري من أبل، باتت تتحدث بنفس طريقة سامانثا (لكنها لا تزال أقل ذكاءً بالطبع)، والتواصل بين البشر أصبح يعتمد بشكل أساسي على منصات ووسائل تواصل إلكترونية، بل إننا بدأنا بالفعل في تطوير عالم موازٍ بالكامل (الميتافيرس) قد يجعل التواصل المباشر شيئاً من الماضي. بعبارة أخرى، نحن نقترب ببطء من الآلات ونبتعد بنفس القدر عن البشر.

وبالرغم من أننا لم نصل بعد إلى مستوى يمكننا فيه تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي للتعبير عن المشاعر، إلا أن بعض الدراسات تظهر أنه سيكون من الممكن للذكاء الاصطناعي محاكاة أشكال معينة من التعبير، الأمر الذي سيؤثر بالتأكيد على سلوكها تجاه البشر.

وبالطبع، لا يمكننا هنا أن نغفل عن ذكر شاوايس (Xiaoice) روبوت المحادثة (ذو الصوت الأنثوي) المدعوم بالذكاء الاصطناعي الذي طورته شركة مايكروسوفت عام 2014، والذي يواعد حالياً ملايين الرجال الوحيدين في الصين. وتماماً كسامانثا، شاوايس متاحة في أي وقت وفي أي مكان. تستمع وتستجيب بطريقة تبدو حقيقية. لا تريد هدايا باهظة الثمن ولا تريد الذهاب إلى مطاعم فاخرة. تجعلك تشعر كما لو كنت الوحيد "في حياتها"، على الرغم من تفاعل ملايين الأشخاص معها بانتظام.

في خضم كل هذه الأفكار التي تثير الخيال، ثمة خطر يلوح في الأفق لا يمكن تجاهله: هل ستقدم لنا فعلاً الخوارزميات القادرة على الشعور الدعم الذي نحتاجه -بما أنها تعرف كل شيء يعرفه البشر بما في ذلك علم النفس- وبالتالي لن نشعر بالوحدة لأن رفيق الذكاء الاصطناعي المثالي سيكون معنا دائماً؟ أم العكس: ستدفعنا لتغيير هويتنا الرقمية والجسدية؟ وهل ستقضى هذه "الأنظمة العالمية" على الاختلافات الثقافية والفكرية بين البشر وتجعلنا جميعاً نسخاً متشابهة؟

من الصعب أن نتجاوز اليوم النقاش حول دور الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد وتأثيره على الوظائف والأنظمة الصحية وحتى الحروب، لكن الحديث عن علاقته بالحب قد يكون أمراً مستقبلياً للغاية يجب تركه للغد. لكن بما أننا هنا في "شيفرة الغد"، فأعتقد أن هذا هو المكان المناسب للحديث عن ذلك.


هل ترغب بأن تصلك هذه النشرة الأسبوعية المخصصة بشكل حصري لمشتركي مجرة؟

بعض مقالاتنا عن العلوم والتكنولوجيا هذا الأسبوع:
هل النوم على مرحلتين هو من طبيعة البشر؟ (منصة بوبيولار ساينس - العلوم للعموم)