كيف تستفيد المدن الذكية من الحوسبة الموزعة لتسهيل الوصول إلى الخدمات؟

4 دقائق
كيف يمكن للمدن الذكية أو الحكومات تقريب البيانات من مواطنيها؟
حقوق الصورة: jamesteohart/Shutterstock.com
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعتبر البيانات التي يتم جمعها من أجهزة الاستشعار وأجهزة إنترنت الأشياء شريان الحياة الرئيسي للمدن الذكية، حيث تُستخدم هذه البيانات لتحسين عمليات التشغيل وإدارة الموارد مثل إدارة حركة المرور وإمدادات المياه والطاقة وتحسين خدمات إنفاذ القانون والمدارس والمستشفيات وغيرها لتسيير الحياة اليومية للمواطنين.

ومع ذلك فإن وجود هذه البيانات في مستودع مركزي قد يُعيق تسيير الحياة في المدن الذكية، أو بالأحرى قد يسبب تأخيراً كبيراً في الاستجابة في الوقت الفعلي، حيث أن معالجة هذه البيانات وتحليلها مركزياً سوف يستغرق زمناً ليس بالقصير قبل نشرها.

يأتي هنا دور تكنولوجيا قاعدة البيانات الموزعة أو ما يُعرف باسم “الحوسبة الموزعة” (DISTRIBUTED COMPUTING) الذي يعتبر عاملاً أساسيّاً في بناء المدن الذكية، يساعد الدور الذي تلعبه كثيراً في اتخاذ القرارات في الوقت الفعلي. ولكن كيف يمكن للمدن الذكية أو الحكومات تقريب البيانات من مواطنيها؟

لماذا تحتاج المدن الذكية إلى تكنولوجيا الحوسبة الموزعة؟ 

تدعم البيانات العديد من التكنولوجيات التي تحتاجها المدن الذكية لتشغيلها، مثل دراسة كيفية استخدام المواطنين للمرافق لتحسين خدماتهم، على سبيل المثال تستخدم إحدى المناطق الذكية في سنغافورة -سيتم افتتاحها في عام 2024- أجهزة استشعار ذكية لجمع البيانات حول عدد الأشخاص الذين ينتظرون في مواقف سيارات النقل العام، وإذا اكتشفت المستشعرات وجود الكثير من الأشخاص، يتم إرسال المزيد من مركبات النقل الذكية بشكل تلقائي، كذلك يتم إيقاف تشغيلها ليلاً عندما يكون عدد الناس أقل.  وفي تايلاند تستخدم جزيرة “فوكيت” (Phuket) الأساور الذكية لتتبع المواقع الجغرافية للسياح الراغبين في ممارسة رياضة الغوص للتأكد من أنهم لا يبتعدون كثيراً عن قواربهم حفاظاً على سلامتهم.

تعتمد هذه التكنولوجيا على بيانات الوقت الفعلي تقريباً لتعمل، ما يعني أن البيانات يجب أن تكون قريبة. ولضمان ذلك تقوم هذه المدن الذكية بتخزين بياناتها بالاعتماد على تكنولوجيا “الحوسبة الطرفية” (EDGE COMPUTING)، أي في “صهاريج تخزين” بالقرب من المواطنين. فقد أصبحت تكنولوجيا الحوسبة الموزعة جزءا من التكنولوجيات المهمة في المدن الذكية لتكلفتها المنخفضة ونطاقها العالمي وسرعتها، والأداء والكفاءة والأمان والموثوقية، إذ يمكن توزيع الخوادم ومناطق التخزين وقواعد البيانات في مناطق مختلفة والوصول إلى العديد من الخدمات والتطبيقات بسهولة وسرعة، ما يجعل الأنظمة تتكامل في نظام ذكي ويؤدي ذلك لأن تصبح عملية تبادل المعلومات بينها بناءة أكثر.

يستغرق الحصول على البيانات من مراكز التخزين السحابية المركزية وقتاً أطول مقارنة بالحصول عليها من أجهزة الحوسبة الطرفية، على سبيل المثال قد يرغب أحد الأشخاص في الحصول على معلومات في الوقت الفعلي عن الأماكن الشاغرة في موقف للسيارات،  ولكن إذا كان هناك تأخير في تلقي أجهزة الاستشعار لتلك البيانات، فقد يُشغل الموقف الشاغر حتى قبل أن يتلقى المعلومات.

اقرأ أيضاً: ما هي تكنولوجيا الحوسبة الطرفية؟ وهل ستؤثر على طريقة معالجة البيانات وتحليلها في المستقبل؟

أهمية تكنولوجيا الحوسبة الموزعة في تشغيل المدن الذكية

تعتبر تكنولوجيا الحوسبة الموزعة ضرورية للحكومات في تشغيل المدن الذكية بكفاءة من خلال تقريب البيانات من المواطنين، حيث تساهم في الكثير من الحالات والتي تشمل:

  • ضمان استمرار التكنولوجيا في العمل

للتوضيح، يمكن اعتبار قاعدة البيانات المركزية مثل خزان واحد كبير. إذا كان الخزان فارغاً فلن تستقبل جميع الخزانات في المدينة المياه. ومن ناحية أخرى يمكن اعتبار تكنولوجيا الحوسبة الموزعة على أنها خزانات متعددة أصغر. إذا كان أحد الخزانات فارغاً، فيمكن للخزانات السحب ببساطة من خزان آخر.

تضمن قواعد البيانات الموزعة أن تكون البيانات متاحة دائماً، من خلال تكرار البيانات عبر مناطق مختلفة في المدينة. على سبيل المثال إذا كان هناك انقطاع للتيار الكهربائي في منطقة ما، يمكن للتكنولوجيا سحب الكهرباء من مكان آخر. وهذا من شأنه أن يضمن عدم شعور المواطنين بالانقطاع.

  • سهولة ترقية سعة البيانات

مع الهجرة المستمرة للسكان من الأرياف إلى المناطق الحضرية، لن يكون عدد سكان المدينة اليوم ذاته بعد خمس أو عشر سنوات، ويضمن وجود قاعدة بيانات موزعة قيد التشغيل أن تتمكن المدن من توسيع سعة بياناتها بسهولة عند الحاجة، لأن ترقية قاعدة البيانات المركزية تتطلب توسيع بنيتها التحتية المادية.

يمكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث خلل أثناء نقل البيانات إلى مركز بيانات أكبر، ولكن يعني وجود قاعدة بيانات موزعة  أنه عند ترقية موقع ما، يمكن للتكنولوجيا التوسع أفقياً وتوزيع البيانات دون التأثير على عقد قاعدة البيانات الحالية في المدينة.

اقرأ أيضاً: تحسين تجربة المواطن من خلال الارتقاء بالخدمات الرقمية واستخدام البيانات

  • معالجة أنواع مختلفة من البيانات

تعد قواعد البيانات الموزعة أيضاً مثالية للمدن الذكية، لأنها قادرة على معالجة أنواع مختلفة من البيانات بسهولة. يمكن أن تأتي الأجهزة الذكية داخل المدينة من العديد من الشركات المصنعة المختلفة، وتجمع أنواعاً مختلفة من البيانات.  يصعب على قواعد البيانات التقليدية معالجة مثل هذه البيانات غير المهيكلة لأنها لا تتبع تنسيقاً ثابتاً.

بالإضافة إلى ذلك، قد تحتاج قواعد البيانات التقليدية إلى إعادة تنسيق أو تصفية أنواع البيانات هذه قبل تحليلها، ما يزيد من وقت التأخير. ولكن يدعم وجود قواعد بيانات موزعة كلّاً من البيانات المنظمة وغير المهيكلة، وذلك من خلال جمع كل البيانات الواردة وتخزينها بدلاً من معالجتها في البداية، ثم لاحقاً يمكن للأجهزة الذكية استخلاص البيانات التي تحتاجها فقط من قاعدة البيانات، وبهذه الطريقة لن تضيع الحكومات أي وقت في تقديم الخدمات للمواطنين.

أهمية توزيع البيانات لا مركزياً في المدن الذكية

تتطلب المدن الذكية تخزين بيانات لامركزي، حيث تعني اللامركزية أنه يمكن تحليل البيانات من أجهزة الاستشعار وتطبيقات المدينة الذكية ومعالجتها محلياً قبل تخزينها في أي خادم مركزي. ولكي تكون المدن الذكية فعالة من حيث التكلفة، ستحتاج أيضاً إلى أن يكون سعر وحدة البيانات منخفضاً جداً بحيث لا يمثل أي مشكلة عندما يتعلق الأمر بتوفير وتوسيع البنية التحتية للمدن الذكية.

يمنح هذا الهيئات العامة القدرة على تخزين جميع البيانات التي تحتاجها دون ضغوط استنزاف ميزانيتها، أو الاضطرار إلى التقليل التعسفي لمجموعة البيانات التي ستتمكن من السحب منها لتشغيل العمليات في المدينة الذكية.

بالإضافة إلى ذلك تتطلب الإدارة الفعالة لمتطلبات بيانات المدينة الذكية أيضاً استخدام حلول البنية التحتية المتقدمة، مثل تكنولوجيا “البنية التحتية كخدمة” (Infrastructure as a service) – اختصاراً IaaS – التي تعمل على أن يدفع المستخدمون النهائيون فقط مقابل الموارد التي يستخدمونها بالفعل، إذ تعد هذه التكنولوجيا ضرورية لتحقيق رؤية المدينة الذكية، لأنها تسمح للفرق بتوسيع نطاق استخدام البيانات الخاصة بها مع تخصيص أموال دافعي الضرائب فقط للبيانات المستخدمة.

اقرأ أيضاً: هل تمثل فلسفة البيانات حلاً لتحديات إنجاز مشاريع البناء؟

ختاماً، نجد أن جعل المدن الذكية ذكية حقاً مواجه بالعديد من التحديات أهمها النمو السكاني المطرد، وبالتالي زيادة في احتياجاتها. للتعامل مع هذا الأمر من الضروري للمراكز الحضرية تحسين استخدامها للموارد لتقديم خدمات فعالة وعادلة وسليمة بيئياً، أي تتطلب المدن الذكية نهجاً ذكياً لتخزين البيانات وتوزيعها. وهذا يتطلب إعادة النظر في الطريقة التي تتعامل بها المدن مع البنية التحتية السحابية الخاصة بها، وذلك لجعلها أكثر قابلية للتطوير وكفاءة، ما يجعل من تكنولوجيات مثل “IaaS” ضرورية للمدينة الذكية لمواجهة بعض التحديات الأكثر إلحاحاً عند إنشاء مدننا الذكية.